قضاءٌ من الرّحمنِ ليس لَهُ رَدُّ | |
|
| وسَكرةُ مَوتٍ ليس من وِردِها بُدُّ |
|
وكأسٌ أدارتها يدُ العدلِ بَينَنا | |
|
| فيَشرَبُها المَولى كما يشرَبُ العَبدُ |
|
سَقت أُمَّ عَمرٍ والّذين سقتهمُ | |
|
| دِراكاً وكانت لا يُنَهنِهُها الصَّدُّ |
|
وما أخطأَت خيرَ الثلاثةِ عندَها | |
|
| ولا قصَّرت عن خيرِهم عندَنا بَعدُ |
|
وشبَّ عن الطَّوق المعارِ فَردَّهُ | |
|
| وما اعتاضَ منهُ مِن شبيبتِهِ رَدُّ |
|
ومِن قَبلُ ما أردَت أَباهُ حياتُه | |
|
| وطوَّقَهُ من قبلِ تَطويقِهِ الحَدُّ |
|
وأمثَلُ ما قالُوهُ فَرَّ لوجههِ | |
|
| وأَجفَلَ مذعوراً كما تجفلُ الرُّبدُ |
|
وعُزّزَ منه القارظانِ بثالثٍ | |
|
| فأصبَح رَهناً لا يَرُوحُ لا يَغدوُ |
|
وساءَتهُ من قبلِ المَسرّةِ نفسُه | |
|
| به وَهوَ لغوٌ لا خَطاءٌ ولا عَمدُ |
|
وما كانَ إلّا نَصلَ أَروعَ ماجدٍ | |
|
| تَجلّى لوقتٍ عن مضاربهِ الغِمدُ |
|
وعمرو بن هند غالَه نَفثُ أرقمٍ | |
|
| بكفّ ابن ليلى وَعدُه بالرّدى نَقدُ |
|
وجَرَّ على هندٍ عُقوقاً بِبِرِّهِ | |
|
| فيا ليتَ لم تَرُم قتوَها هندُ |
|
فأُمِّنَ منه كلُّ شيءٍ يخافهُ | |
|
| وكم ذُعِرَت منهُ المُلَملمَةُ الصُّلدُ |
|
وكرَّت على الزَّباءِ إِثرَ جذيمةٍ | |
|
| وحُمَّ لها من مثل ما جَرَّعت وِردُ |
|
ولو ملّكتهُ رأيَهُ يومَ بَقّةٍ | |
|
| لما فاتَهُ من يومِ مكروهِها وَعدُ |
|
وَما بلغ الثأرُ المنيمُ قتيلَها | |
|
| وهل تَبلغُ الأنباءُ مَن دُونَهُ اللَّحدُ |
|
ولم تُحصِنِ الزبّاء قُنّةُ شاهقٍ | |
|
| تُساميهِ أَوهامُ الخطوبِ فيرتَدُّ |
|
ولا نَفقٌ يستبطِنُ الأرضَ غامضٌ | |
|
| طَوتهُ كما يُطوى الضَّميرُ فما يبدو |
|
وجَرَّت على مَغنى قصير ذيولَها | |
|
| ولم تُنجِهِ منها العَصا وهيَ تَشتَدُّ |
|
وإن خالَهُ من شدَّةِ الركضِ ناجِياً | |
|
| فَما كانَ إِلَّا بَينَ أَنيابها يَعدُو |
|
وأَينَ من الجعديّ آلُ محرّقٍ | |
|
| تولُّوا فلا سِبطٌ يُعَدّ ولا جَعدُ |
|
تذكّرَهُم والأَرضُ منهم بَلاقِعٌ | |
|
| فلم يتمالَك دمعهُ وهُوَ الجَلدُ |
|
ولم ينسَ حسّانٌ لأَولادِ جَفنةٍ | |
|
| أَواصِرَ إِحسانٍ على الدَّهرِ تَمتَدُّ |
|
ولم ينسَهُ ابنُ الأيهم النَّدبُ بالنّدى | |
|
| وَلِلأَرضِ والإسلامِ بينَهُما بُعدُ |
|
ولم يبكِهِ إلّا الوفاءُ ومَعشرٌ | |
|
| كرامٌ على آثارهم ينبتُ الحَمدُ |
|
وما أوحشَ الدُّنيا بِمَن أَنِسَت بهِ | |
|
| ومن حَيثُ يأتي الأُنس يُستشعَرُ الوَجدُ |
|
وكم بينَ أطباقِ الثَّرى من موسَّدٍ | |
|
| له المُقرَبان المُهرُ والسّابحُ النّهدُ |
|
ومنظورِ أَوباتِ السِّفار كأنَّما | |
|
| هلالٌ على فِطرٍ أهَلَّ به السَّعدُ |
|
رَقيقِ حَواشي الحِلمِ والعِلمِ والنُّهى | |
|
| ولكنُّهُ في كلِّ حادثةٍ صَلدُ |
|
أَخي عَزماتٍ لو طُبِعنَ صَوارماً | |
|
| لقَصَّر عنها كلُّ ما طبَعَ الهِندُ |
|
تألَّفَ من سِرِّ المكارمِ شَخصُه | |
|
| فلا نظرةٌ فيهِ لعينٍ ولا نَقدُ |
|
وأَبلَج يَلهُو بالمَعالِي برَاعَةً | |
|
| فَتَدرِي المَعالي أَنَّ شِيمَتَهُ جدُّ |
|
حُلىً لم تَكُن لُبساً لغير ابنِ مالِكٍ | |
|
| وهَيهاتَ يَأبى اللَهُ ذلكَ والمَجدُ |
|
سَيُعرِبُ عنكَ الدَّهرُ أَنّكَ فَردُهُ | |
|
| وأَنَّكَ لِلعليَا ومُدّتها حَدُّ |
|
وتَبكيكَ عَينٌ لم تَنل منكَ نَظرَةً | |
|
| وتُوحِشُ أَرضٌ ما رماكَ بها عَهدُ |
|
ويَفقِدُكَ الإسلامُ والبِرُّ والتُّقى | |
|
| وهذا الكلام النَّثرُ والنَّائلُ السَّردُ |
|
أَلستَ من الأَقيَالِ أَقيالِ حِميَرٍ | |
|
| إلى كُلّ فَيَّاضِ النَّدى سَيبهُ عِدُّ |
|
ومُنتَجع الأَكنافِ مُرتَبع الذرا | |
|
| بِمالِكهم يَحدُو الرَّكائِبَ من يحدُو |
|
لَعَمري لَقد أَدّى نُعيمٌ وعُقبةٌ | |
|
| إليكَ العُلا كفّاً يَصُولُ بها زَندُ |
|
إذا صدَرت عن ماجِدٍ عَنَّ ماجِدٌ | |
|
| مَحاسِنُه شَتّى وسُؤددهُ فَردُ |
|
تَسَلَّمتَها لَمّا دنَت عن مُحَمَّدٍ | |
|
| أَبيكَ أَبٌ لم يُخزِهِ الأَبُ والجَدُّ |
|
إذا حَلَّت الأنسابُ غَوراً فَإِنّما | |
|
| مَحلُّك مِن أَعلى ذَوائِبها نجدُ |
|
وما المَجدُ إلّا كَوكَبٌ كُلّما سَرى | |
|
| فمصعَدُهُ سَهلٌ ومَسلَكَهُ قَصدُ |
|
فَيا قَمر العليا ويا رائدَ الحَيَا | |
|
| ويا جَبَل الدُّنيا أَمثلك يَنهدُّ |
|
عَزيزٌ عَلَينا أَن تَحُلَّ بِوَهدَةٍ | |
|
| وما كانَ حقّاً من منازِلكَ الوَهدُ |
|
وأَنَّكَ مَهما نَوَّهَ القَومُ للِقرى | |
|
| تُنادي فلا بِشرٌّ لَدَيكَ ولا رِفدُ |
|
بعيدٌ على أَن الديارَ قريبةٌ | |
|
| مقيمٌ وكم تاهت بكَ الضُمرُ الجُردُ |
|
وما كُنتَ إلا الغَيثَ طَبّقَ نَفعُهُ | |
|
| وسَدّ خَصاصَ الأَرضِ من وَبلِهِ سَدُّ |
|
كذلك ما اختَصَّت بفقدكَ بُقعَةٌ | |
|
| وصَوبُ الحَيا في كلّ أرضٍ لهُ فَقدُ |
|
وإن لحِمصٍ لو علمتَ عصابَةً | |
|
| حَيازِيمُهُم من حَرِّ ثُكلِك تَنقَدُّ |
|
وفي حضرَةَ المُلكِ استَهلَّت مدامِعٌ | |
|
| عَليكَ ولم تَظلِم كما انتثَر العِقدُ |
|
فَمَن لِبَنِي الآمالِ أَنضَتهُم السُّرى | |
|
| ولَفّتهُم النّكباءُ والليلُ مُسوَدُّ |
|
ومَن لليَتامى والأَرامِل أَصبَحُوا | |
|
| وقد مَسَّهُم ضرٌّ وقد شَفَّهُم جَهدُ |
|
ومَن للعُنَاة البائسينَ يَفُكُّهُم | |
|
| وقَد ضَمّهُم سِجنٌ وأَوثَقُهُم قِدُّ |
|
ومَن لِسَبيلِ البِرِّ يُحيِي رُسُومَها | |
|
| وقد أَصبحَت سَحقاً كما أَخلقَ البُردُ |
|
مَكارِمُ قد ضاعَت ثغورُ حُقُوقِها | |
|
| فليسَ لَها من بَعدِه أَبداً سَدُّ |
|
وهَوَّن خَطبَ الشَّامَتينَ مصانِعٌ | |
|
| لها دونَ هذا الحُرّ أَلسِنَةٌ لُدُّ |
|
وبيتٌ بنَاهُ فوقَ أَفئدةِ العِدا | |
|
| إذا حاوَلُوا أن يَظهَرُوا مَجدَهُ رُدُّوا |
|
أَساطِينُ خُرسٌ ناطقاتٌ بِفَضلهِ | |
|
| مُخَلَّدةٌ والفضلُ آيَتُهُ الخُلدُ |
|
أقامَت صُفوفاً أَو صُفوناً كَأنّها | |
|
| لِزُوَّار بيتِ اللَهِ تحرسُهم جُندُ |
|
وعَذبٌ إذا ما ذاقَهُ ذُو كشاحَةٍ | |
|
| تَجَرّعهُ حَرّاً ومَورِدُهُ بَردُ |
|
وإنّ الّذي سَقّى العبادَ لِوَجهِه | |
|
| مليٌّ بِسُقيَا من شرائعها الشَّهدُ |
|
لِتَشكُر دمشقٌ نِعمَةً يَمنِيَّةً | |
|
| إلى الصِّيدِ من حَيّ المَعافِر تعتَدُّ |
|
وتندُب فتَاها النَّدبَ غَيرَ مُدافعٍ | |
|
| إذا ثَوَّبَ الداعُونَ أَو طلَعَ الرَّندُ |
|
وتعرف له معروفَهُ الشامُ كُلّها | |
|
| وإن جَحَدُوا فالشَّمسُ ليسَ لَها جَحدُ |
|
لقَد رَدّ صَرفَ الدَّهر عَنهُم مكانُه | |
|
| فَبينهُم منهُ وَبَين الرّدى سَدُّ |
|
فَقُل للذي يَبغي مساعِيَ مَجدِهِ | |
|
| عَجزتَ ولم يُبلَغ نَصِيفٌ ولا مَدُّ |
|
ويا حاسِديهِ قد قضى لِسَبيلِهِ | |
|
| فهل عِندَكُم في نَيلِ سؤدده عِندُ |
|
أَفيقُوا من الدَّاءِ العُضَالِ وسَلِّمُوا | |
|
| فما نارُهُ إلا لكُم وله الزَّندُ |
|
سَقى اللَه قَبراً ضَمَّهُ كُلّ ضاحِكٍ | |
|
| مِنَ المُزن يَحدُو عَينَ بارِقهِ الرَّعدُ |
|
ولا بَرِحَتهُ رَوضَةٌ نَفَحَاتُها | |
|
| كَما فُتَّ مِسك أَو كما حُرِقَ النَّدُّ |
|
ولا زالَ في فَرحٍ ورَوحٍ ورَحمَةٍ | |
|
| ومنها لهُ عَرشٌ ومنها له مَهدُ |
|
وشَبَّ على تِلكَ السِّيادَةِ أَحمَدٌ | |
|
| وإِن شبَّ في قَلبِ العَدُوّ له حِقدُ |
|
فصانَ الذي شادَتهُ آباؤُه له | |
|
| وأَغنى الذي أَغنَوا وسَدَّ الذي سَدُّوا |
|
ودانَت له الدُّنيا ودامَت بهِ العُلا | |
|
| وساعفَهُ حَظٌّ وساعدَهُ جَدُّ |
|
ولاقاهُ ما أَولاهُ من كلِّ صالحٍ | |
|
| لأَمثالِهِ إِن أَنصَفوا يُوضَعُ الخَدُّ |
|
مآثِرُ فاتَت عَدَّ كلِّ مُحصِّلٍ | |
|
| وأَنَّى لها والرَّملُ من بعضها عَدُّ |
|
ومنها جِبالٌ راسياتٌ مُنيفَةٌ | |
|
| ومنها بحورٌ زاخراتٌ لها مَدُّ |
|
سأبكيك لا أني قضيتُ مَذمَّةً | |
|
| فحقُّكَ لا يُقضى ولكنّهُ جُهدُ |
|
وما عَبرَتي من عبرةِ ابنِ مفرِّغٍ | |
|
| وقَد فَضَّها في غَيرِ مَحمدَةٍ بُردُ |
|
ولكن كما تبكي لِصَخرٍ تُماضِرٌ | |
|
| مَدامِعُ تُجريها الأُخوَّةُ وَالودُّ |
|