عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الأندلس > غير مصنف > حازم القرطاجني > لِلّه ما قد هِجتَ يا يوم النوَى

غير مصنف

مشاهدة
4805

إعجاب
1

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

لِلّه ما قد هِجتَ يا يوم النوَى

لِلّه ما قد هِجتَ يا يوم النوَى
على فُؤادي من تباريحِ الجَوى
لقد جمعتَ الظلمَ والإِلامَ إذ
وَارَيتَ شَمسَ الحُسنِ في وَقتِ الضُّحى
فَخِلتُ يَومي إذ توارى نُورُها
قَبل انتهاءِ وقتِهِ قَد انتهى
وما تقضَّى عجبي من كونِها
غابَت وَعُمرُ اليومِ باقٍ ما انقضى
وكم رأَت عيني نَقيضَ ما رَأَت
مِن اطلاعِ نُورِها تحتَ الدُّجى
فيا لَها من آيةٍ مُبصِرَةٍ
أبصرَها طرفُ الرقيبِ فامترى
واعتورتهُ شُبهَةٌ فَضلَّ عَن
تحقيقِ ما أبصَرهُ وما اهتدى
وظَنَّ أنَّ الشَّمسَ قد عادَت لَهُ
وانجابَ جُنحُ اللَّيلِ عَنها وانجلَى
والشَّمسُ ما رُدَّت لِغَيرِ يُوشَعٍ
لما غزا ولعلي إذ غفا
سَرَت سُرى مُفتضِحٍ لكنَّها
لم تفتضح أسرارُها لِمَن وَشى
يا قاتَلَ الوُشاةَ فلَكُم
سِرٍّ على الأَلسنِ مِنهُم قَد بَدا
وقاتلَ اللَهُ الحُداةَ فَلَكم
شَرٍّ على الأَفواه مِنهُم قَ جَرى
وكم حَدا بالقلب عني حَدوُهُم
في إِثر كُلِّ أَحبيٍّ قَد خَدَى
ما لُمتُ في ذَنبِ النَّوى ابن دايةٍ
ولا بناتِ العِيدِ بَل مَن قَد حَدا
تَسَنَّمُوا عُوجَ المَناقي ليتَها
ألحمَها عُوجَ المَناقيرِ المَنَى
وفي السُّرُوجِ والحُدُوجِ وسطَهَا
أُسدٌ تُدارا وَظِباءٌ تُدَّرى
تَرنُو إِلى من كوى وصاوصٍ
بأعينٍ مُرَقعاتٍ للكُوَى
وقد زها بحرُ السرابِ ظُعُنا
يحملنَ رقماً مثلَ نخلٍ قد زها
نجائِبٌ قَد حَمَلَت حَمُولُها
قلبي فيما حَمَلتهُ من نَجا
أَلوَت بخفض العَيشِ عَنَّا أحرُفٌ
نواصِبٌ جاءضت لمعنىً في السُّرى
وفوقَ هاتِيكَ الحَوايا أحوَرٌ
أحوى له لحظٌ على السِّحرِ احتَوَى
قد ادَّعي رِقَّ القُلوبِ لحظُهُ
وشَهِدَ السحرُ له فيما ادَّعى
أدنى الجمالُ مِنهُ قوسَ حاجِبٍ
وضَمِنَ الطاعةَ عَن أهلِ الهَوَى
كأنهُ كسرى على كُرسيهِ
وحاجِبٌ بالقَوسِ مِنهُ قد دَنَا
ملكَهُ الحُسنُ القُلوبَ واعتَنَى
مِن بَسطَةِ المُلكِ لهُ بما اعتَنَى
وسامَها أن تَعبُدَ النارَ التي
لهيبُها من فوقِ خديهِ احتمى
فهو بما قد سامَ أرباب الهَوَى
حذوَ مُلُوكِ فارِسٍ قد احتذى
وجهٌ بدا بمُشرقِ الحُسنِ بهِ
بدرٌ مُنيرٌ تحتَ ليلٍ قد غَسا
طحا فؤادي في الهوى بي نحوَه
يا ليتَ قلبي في الهوى بي ما طَحا
متى يرجّى الصحوَ من سُكرِ الهَوَى
صَبٌّ بألحاظِ المَهَا قد انتَشَى
طَوى زَمانَ الوَصلِ عنهُ دَهرُهُ
فهوَ على أشجانِهِ قد انطَوى
وليسَ يخلُو دَهرُهُ مِن مُذكِرٍ
في كُلِّ ما يَسمَعُهُ وما يَرَى
أَهدَت إليهِ أُمُّ مَهدِىٍّ أَساً
أَضَلَّهُ عن رُشدِهِ وما هَدَى
يا قاتَلَ اللَهُ الحمامَ فَلَكُم
أَبكي عُيُونَ العاشقين إذ بكى
هاجَت بِدَورانَ لِقَيسٍ لَوعَةً
وأذكرتهُ دارَ حِبٍّ قَد نَأَى
وأَضرَمَت مِن لَوعَةِ النَّجدىِّ في
بُستانِ إِبراهيم ما كانَ خَبَا
وأَذكَرَت عَوفاً بِدارِ غُربَةٍ زُغباً
صَغَاراً مِثلَ أَفراخِ القَطَا
وأَطرَبَت تَوبَةَ فاستسقى الحيا
لَها بِبَطن الوَاديينِ وَدَعا
وَزدنَ سُكراً قَلبَ غَيلانَ الَّذي
لَم يَصحُ عَن سُكرِ الهَوَى وَلا سَلا
وَعادَ ما عادَ مِنَ الوَجدِ بِها
عَلى حُميدٍ وَشجاهُ ما شجا
وملأت بالسجنِ قلبَ جَحدَرٍ
وصدرَهُ من شَجَنس وَمِن شَجا
وأَوشكت تختطِفُ الحَوباءَ من
جانحَتي جَريرٍ ابن الخطفى
طالَت ليالي الدَّهرِ عِندي بَعدَما
قَصَّرتَها بِكُلِّ مَقصُورِ الخُطا
فَإن يَطُل لَيلي فَكَم قَصَّرتُهُ
بقاصِراتش الطَّرفِ بِيضٍ كالدُّمى
وَكضم تَنَعمت بوَصلِ ناعِمٍ
وباقتنِاصِ باغِمٍ مِثل الطلا
فاجتَمَعَ الضدانِ مِنا ناعِمٌ
قد ارتَوى وذابلٌ يَشكُو الظَّما
فلو رأَتنا مُقلَةٌ تَعجبت
كيفَ التقى بدرُ الدياجي والسُّها
شفى فُؤادي رَشفُهُ مِن بَعدِما
أَشفى بقلبي طَرفُهُ على شَفَا
عمري لقد ظئمت للماء الذي
بين العُمُور الظامئات والظمى
وعزني وجدي بخودٍ غرني
عطفٌ لها لان بقلبٍ قد قسا
لم يبقِ لي صدودها تعللا
إلا بليتَ ولعلَّ وَعَسى
ضَنَّت بمَنزورِ القِرَى من الكرَى
كي لا أرى طَيفاً لها إذا سرى
فلو تَجُودُ قَدرَ ما ضَنَّت حَكَت
جُودَ أَميرِ المُؤمنينَ المُرتَجى
خَليفةِ اللَه المُسَمّى المكتَنَى
خَيرَ الأَسامي السامياتِ وَالكنَى
المُرتَقى مِن نِسبَةِ المَجدِ الَّتي
تَسمُو إلى الفارُوقِ أَعلى مُرتَقى
مِن نَبعَةٍ أُصُولُهَا ثابِتَةٌ
وَفَرعُها إِليَ السَّماءِ قَد سَمَا
لَم يَعدَمِ الوَحيُ ولا الهُدى بِهِم
لَيثاً بما يُسمَى بِهِ الشِّبلُ اكتَنَى
فَكَانَ لِلمُختارِ مِنهُم صاحِبٌ
فِي حَلبَةِ الإِيمانِ صَلَّى وَتَلا
وَكانَ لِلمَهدِيِّ مِنهُم صاحِبٌ
في حَلبَةِ التَّوحِيدِ جَليَّ وَشَأَى
ذاكَ أَبُو حَفصِ الَّذي إِلى عُلا
سَمِيَّهِ الهادِي أَبي حَفصٍ نَما
وَزادَ عَبدُ الوَاحِدِ الهَادِي ابنُهُ
مَعالِمَ التَّوحِيدِ والهُدَى عُلا
ثُمَّ أَتَمَّ اللَهُ نُورَ هَديِهِ
بِنَجلِهِ يَحيَى الإِمامِ المُرتَضى
ثُمَّ تَجَلَّت آيَةُ اللَهِ الَّتي
بدا بها الحقُّ اليَقينُ وَجَلا
بِنَجلِهِم بل نَجمِهِم بَل بَدرِهِم
بَل شَمسِهم ذاتِ السَّنَاءِ والسَّنَا
مُحَمَّدُ سَليلُ يَحيى بنِ أَبي
مُحَمّدٍ نَجلِ أَبي حَفصِ الرِّضا
مُستَنصِرٌ بِاللَهِ مَنصُورٌ بِهِ
مُؤَيَّدٌ بِعَونِهِ عَلى العِدَى
مُلكٌ سُليمانِيَّةٌ بَسطَتُهُ
ما فَوقَهُ لِمُعتلٍ مِن مُعتَلى
جَرَى من العَليا إِلى أَقصى مدىً
ما بَعدهُ لِمُختَطٍ مِن مُختَطَى
ممتطياً أسنمة العزم التي
ما فوقها لممتط من مُمتطى
صُبحٌ بَدا بَدرٌ هَدى طَودٌ عَلا
بَحرٌ حَلا غَيثٌ هَمَى لَيثٌ سَطا
نَجمٌ سَرى سَيفٌ فَرى رُكنٌ سَما
حِصنٌ حَمى رَوضٌ ذكا غُصنٌ زَكا
فرعٌ كريمٌ مِن أًصُولٍ كَرُمَت
قَدِ اصطفاهُ مِنهُمُ مَنِ اصطَفَى
بَدرٌ جَلا بِهِ الإِلَهُ ما دَجا
وَجَبلٌ أَرسى بِهِ ما قَد دَحا
إِن أَمَرَ الدَهرَ بِنَفعٍ يَأتَمِر
وإِن نَهَى الدَّهرَ عَنِ الضُّرِّ انتَهَى
يُعطي وَيُمطى والزَمانُ يَقتَفى
آثارَهُ مُمتثلاً فيما أَتى
كم خصَّ أَربابَ النُّهَى إِفهامُهُ
بأنعُمٍ دَعا إليها النقَرَى
وَعَمَّ أربابَ اللُّهى إنعامُهُ
بأنعُمٍ دعا إليها الجَفَلى
فاعمُم بأَوصافِ العُلا كَمَالَهُ
واستَثنِ في وَصفِ سِوَاهُ سِوُى
لا تُجرِ نَعتَ مَن عداهُ مُطلقاً
في المَجدِ بل مُقَيداً بما عدا
فمَن يُقرِّظ من عَدَاهُ فَليَكُن
مُستَنثيناً بما عَدا وَمَا خَلا
قَد يَمَّمَ الخَيرَ وَأَمَّ سُبلَهُ
واقتَصَّ آثارَ الرَّشادِ واقتَفى
مُلكٌ حَكَى مُلك سليمانَ الَّذي
لم يَتجه لغيرهِ ولا انبغى
حضرَتهُ أُمُّ البلادِ كُلِّها
وقُطبُ ما مِنها دَنا وما قَصَا
إِن ذُكِرَت مُدنُ الدني فهي التي
يختتمُ الفَخرُ بها وَيُبتَدا
كجنةِ الخُلدِ تسُرُّ من رأى
فيزدرى الخُلدَ وسر من رأَى
حُسنُ البِلادِ كلها مجتمعٌ
لها وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرَا
حَلَّ بها أبهى البُدُورِ هالَةً
أوفَت على كُلِّ البِلادِ من عَلا
أَشرَقَتِ الدّثنيا بِها إذ أَشرفَت
مِنها على مُزدرعٍ ومستمى
ما رأسُ غُمدان إذا قِيسَ بها
إِشراقَ أَنوارٍ وإشرافَ بُنى
وَدَّت مِياهُ الأَرضِ أن تحظى بما
قَد حَظى الماءُ الذي فيها جرى
أَروَت أميرَ المؤمنين سُحُبٌ
من جُودِكم رَوضَ الأَماني فارتَوى
كَم فِضَّةٍ جامِدَةٍ أَنفَقتَ كي
تُجرى ذَوبَ فِضَّةٍ وَسطَ الفَضا
حَتّى تَراهُ مُغنياً من قَد حبى
من اللجينِ مُغنياً من قد جبا
حَلَّ البَرايا من ذراكَ جَنَّةً
بكَوثَرِ الإِحسانِ فيها يُرتَوى
أَجريتَ مِن عَينٍ وَمِن عَينٍ بِها
نَهرَينِ قد عَما البَرايا والبَرى
وَكَوثَرى مالٍ وَماءِ فِيهما
لِلخَلقِ والأَرضِ ثَراءٌ وَثَرى
وَطَودَ زَغوانَ دَعَوتَ ماءَهُ
فَلَم يَزغ عن طاعَةٍ ولا وَنى
بل قد أرى نَقيضَ تَقطيعِ اسمه
في جَوبِهِ الأَرضَ مُجيباً مَن دَعا
وَأَذعَنَ الطَّودُ لِطَودٍ باذِخٍ
اَشَمَّ يُستَذرى بِهِ ويُحتَمى
وَكَفَّرَت طاعَتُهُ لِمُؤمِنٍ
طاعَتَهُ لِكَافِرٍ فِيما مَضى
وَعَادَ في عَصرِكُمُ كَعَهدِهِ
في عَصرِ مَن شادَ الحَنايا وَحَنا
وَسُقتَ في مِلاوَةٍ ما ساقَ في
دَهرٍ طَوِيلٍ كُلُّ جَبّارٍ عَتَا
يا عَجَباً لِطَىِّ هذا الدَّهرِ ما
يَنشُرُهُ وَنشرِهِ ما قَد طَوى
كَأَنَّما الدهرُ استَدارَ فأَرى
من جَري ذاكَ الماءِ ما كانَ أرى
قد كانَ كالنائِمِ حَتَّى نَبَّهَت
عَينُ المَعالي عَينَهُ من الكَرَى
واجتَلَبَتهُ هِمَّةٌ مُغنيةٌ
عَنِ العَناءِ من سَناً وَمِن دَلا
إذا علا قسيبهُ عَوَّذَ ما
جُنَّ مِن النبتِ الجميمِ وَرَقى
ونَفَثَ الفِضَّةَ ذَوباً وغَدا
يَخُطُّ ما كانَ الزَّمَانُ قد مَحَا
مِن صُوَرِ للِحُسنِ يُنسى ذِكرُها
ما كانَ في عَهدِ الأَفاريقِ الأُولى
كَأن بِهِ قد ساحَ وَسط تُونُسٍ
وَصاحَ بالنَّاسِ رِدُوا ماءَ النَّدى
وزارَ أرضاً طالما زُرَّت عَلى
لبَّاتِها أَطواقُهُ فيما خَلا
وَرَوَّضَ الأَرضَ التي رَوَّضَها
وجادَ بالسُّقيا عَلَيها وَجدا
وَخَرَّ فيها ساجِداً مُسَبِّحاً لِلّهِ
فَوقَ سُبَحٍ مِن الحَصى
وانسابَ في قَصرِ أبي فِهرِ الَّذي
بِكُلِّ قَصرٍ في الجَمَالِ قَد زَرَا
قَصرٌ ترا آي بين بحرٍ سَلسَلٍ
وَسَجسَجٍ مِنَ الظِّلالِ قَد ضَفا
بُحَيرَةٌ أعلى الإِلَهُ قَدرُها
قَد عَذُبَ الماءُ بِها وَقَد رَها
وَمُفعَمُ الأَرجاءِ كَم من ناظِرٍ
سافَرَ فيهِ مِن رَجاً إلي رَجا
كأَنَّهُ مَلكٌ جَبى نَسيمُه
مِن زَهر الرَوضِ لَهُ ما قَد جَبَى
قد أحسَنَت مُلدُ الغُصونِ قَتوَهُ
فعالَها وَقاتَ مِنها ما قَتا
أَدَّى إِليهِ كُلُّ غُصنٍ ناعِمٍ
إِتاوَةَ الزَّهرِ النَّضِيرِ وَأَتَا
ثُمَّ أَتى من كثرةِ التأثيرِ في
صفحتِهِ الغُصنُ المَرُوحُ ما أتى
فقَيَّد الغُصن بِقَيدِ فِضَّةِ
قد دار حولَ الساقِ مِنهُ والتَوَى
سلاسِلٌ ما اعتَقَلَ الغُصنَ لها
عَنِ المراح مَعقِلٌ ولا اعتقى
حدائقٌ للماءِ فيها كوثَرق
وكوثَرٌ للمالِ مُروٍ من عَفا
فِبها مِنَ الأَسحارِ خُضرُ قِطَعٍ
وَقِطَعٌ ذاتُ ابيضَاضٍ من ضُحى
كأنَّها يَتيمَةُ العائِمِ في
ما يُستَرى مِن دُرِّهِ ويُعتَمَي
سرَّ الغُصُونَ رِيُّها حَتَّى انثَنَت
وَسَرَّ مرآها الحمَامَ فَشَدا
لم يَفتَقِد صادٍ بها وصادحٌ
إِرواءَ إِحسانٍ ولا حُسن رُوا
مُرتاحَةٌ رياضُها مُمتاحَةٌ
حياضُها من خيرِ كَفٍّ تُجتَدى
لما رأى إفضالها أفضى لها
بِما بِهِ وَصَّى السَّمَاحُ وَحَفَا
سَحَّت على الأُمَّالِ مِنها سُحُبٌ
تَفَرَّعَت مِن خَيرِ بَحرٍ يُعتَفى
لا يُمتَرى في صِدق بُشرى بِشرِه
بِكُلِّ دَرٍّ مِن نَدَاهُ مُمتَرى
طَودٌ رَسَت على الدُّنى أركانُهُ
قَد رَكَنَ الدِّينُ إلَيهِ وانضَوَى
يَمتَنِع الجَيشُ بهِ ويحتمي
إذا امرؤٌ بالجيش والجُندِ احتمَى
ما واجهَت وجه الغَدُوِّ سُمرُهُ
إلا قَفا حُسامُهُ مِنهُ القَفا
كم قد هدى هوادي الخيلِ إلي
من ضلَّ عن سُبلِ الرشادِ وَغَوي
مِن كُلِّ سامي الطَّرفِ ما في لحظِهَ
من خذإ ولا بأذنيهِ خَذا
طَويلِ ذَيلٍ وسبيبٍ وطُلى
قصيرِ ظَهرِ وعسيبٍ ونَسا
كأنَّ ما أشرَقَ مِن تحجيلِهِ
سِوَارُ عاجٍ مُستَديرٌ بالعُجا
يَلقى الصَّفا الصُّمَّ بِوَقعِ سُنبكٍ
لا يشتكي مِن وَقعٍ ولا حَفا
تَراهُ في الهَيجاءِ مَخصُوبَ فَمٍ
مِن لَوكهِ للجم مخضُوبَ الشَّوَى
كأنما أُقضِمَ ما أُوطئَ مشن
حَبِّ القُلُوبِ أو رَعى حَبَّ الفَنَا
تُوحى إلى من يمتطيهِ أُذنُهُ
بِكُلِّ ما يَسمَعُ مِن أَخفى الوَحَى
يَكادُ لا يُبصِرُهُ ذُو مُقلَةٍ
مِن خِفَّةٍ وَسُرعَةٍ إذا دَأى
في جَحفَلٍ جحفَلةُ التالي بِهِ
قَد زَحَمَت مِن مُؤخَرِ الهَادي الصَّلا
يَرتَدُّ طَرفُ الشَّمسِ عَنهُ حاسِراً
وَتَرجِعُ الأَرواحُ عَنهُ القَهقَرَى
تَلَوَّنَت أرهاجُهُ فَوقَ الظُبَي
حَتَّى تَبدَّى ذا اشهبابٍ وَجَأى
جَيشٌ جُيُوشُ الرُّعبِ مِن قُدَّامِهِ
تَسري وتغزو قَبلَهُ مَن قَد غَزا
تَرَاهُ كالبَحرِ المُحَيطِ كُلَّما
زَعزَعَهُ عَصفُ الرِّياحِ وَزَفى
أَلقَت تَوالي خَيلِهِ أعرافَها
مِن فَوقِ أَصلاءِ الهَوادي والعُكى
تَصاخَبُ الخُرصَانُ حِينَ تَلتَقي
مِنهُ عَلى جَماجِمٍ مِثلِ العُلا
مَعرُوفَةٌ أَعراقُها ما عَرَفَت
أَعرافُها ولا نَواصِيها سَفا
مُعتَزَّةٌ نُفُوسُها مُهتَزَّةٌ
أَعطافُها إلى الصريخِ إن دَعا
ذَوَائِبُ الراياتِ تَهفُو فَوقَها
مُظَلِّلاتٍ كُلَّ ظَهرٍ وَمَطا
قَد خَالفَت فِعلَ العُقابِ في القَطا
كُلُّ عُقابٍ سالَمَت فِيهِ القَطَا
يَرمي بها من كُلِّ ثَغرٍ ثُغرَةً
كُلُّ امرئٍ ما زالَ يُصمِي ما رَمَى
مِن كُلِّ مَن يَسرُو الهُمُومَ كُلَّما
تَسَربَلَ اللَّيلَ البَهيم واستَرَى
أَسروا وَمَا حَبَوا كَرىً جَفناً إلى
أَن صَبَّحُوا الأَعداءَ بِالحَبو كَرى
يَحكي القَنَا في أَنفِ كُلِّ مِنسَرٍ
مِن فُتخِهِ مَناسِراً ذاتَ شَغَا
يَحمِلنَ كُلَّ حامِلٍ إِلى العِدا
وَشكَ الرَد إذا وَعى صَوتَ الوَعَى
يُوجَرُ أَنف القِرنِ كُلَّ ثَعلَبٍ
كَثَعلَبٍ إلى وَجارٍ قَد أَوى
كأنَّهُ إذا يَصِرُّ مُكرَهاً
على اقتحام الكلم دِرصٌ قد ضأَى
فَكَم طُلىً مِنهُم بِهِنديٍّ فَرَى
وَكَم حَشى مِنهُم بِخطِّيٍّ حَشَا
كَأَنَّما أرماحُهُ أرشِيَةٌ
بِها النُّفُوسُ الفائِضاتُ تُستَقى
مَلكٌ إذا عُدَّ المُلُوكُ فاسمُهُ
مُعتَمَدٌ تَقدِيمُهُ بادى بَدا
قَد قَسَمَ الأَيَّامَ بَينَ أَنعُمٍ
لِمَن عَفا وَأَبؤُسٍ لِمَن عَدا
كَم مُعتَفى سَلِمٍ وَهيجاءَ إلى
نارِ قِرَاهُ وَظُبَاهُ قَد عَشَا
سَمَا إليها حينَ أَعشاهُ الطَّوَى
فَأذهبَت أَنوارُها عَنهُ العَشا
يَغذُو العَوافي بِعِدَاهُ في الوَغَى
ضَربٌ وَطَعنٌ كَفَمِ الزِّقِّ غَذا
وَكَم غَذا مشن مُعتَفِي عَوارِفٍ
وَمُعتَفى مَعارِفٍ بِما غَذا
لَيثُ كِفاحٍ رائِعٌ مَن اعتدى
غَيثُ سَماحٍ مُمطِرٌ مَنِ اعتَفَى
مُقَدَّمٌ قَبلَ السُؤالِ جُودُهُ
فَمَا يَقُولُ مَن يُرَجيِّهِ مَتى
جَرى إلى نهايةِ الجُودِ الَّتي
ما بَعدَها وُجُودُ مَعنىً لإلى
لو لم يُوصِّل أهلَهُ الدهرُ إلى
آلائهِ لم يَصِلُوا إلى إلى
طابَت بِه الأَيَّامُ لي حَتَّى لَقَد
ذَكَرتُ فيما قَد خلا عَيشاً حلا
فيا خليليَّ اسقياني أكؤُساً
تُسكِرُ مِن خَمرِ الصِّبَا مَن قَد صَحا
بلَغتُ آرابَ المُنى في دَولةٍ
أَولت يَدِي أسنى الأيادي وَاللُّها
فَخليا فكرى يقضى أرباً
من ذكرِ ما قد انقضَى وما خَلا
إِنَّ الزَّمانَ الناضِرَ الطلقَ الذي
كَم قَرَّ فِيهِ ناظري بما رأى
أملأَ سمعي ويدي من كُلِّ ما
تَهوَاهُ نَفسي مِن غِناءٍ وَغِنَى
في بُقعَةٍ كجنَّةِ الخُلدِ التي
يَرَى بِها كُلُّ فُؤادٍ ما اشتهى
تَجرى بها الأَنهارُ مِن ماءٍ وَمِن
خَمرٍ وَمِن رِسلٍ وَأرى قد صفا
أُقَسِّمُ الأَيَّامَ بَينَ مَنظرٍ
وَمَسمَعٍ يَسبي العُقُولَ والنُّهى
ومنعَمٍ بمطعَمٍ ومَشرَبٍ
يُرضى العُيُونَ والأُنُوفُ واللَّها
ومَركَبٍ لمأنَسٍ وَمَجلسٍ
في مَدرَسٍ وَمحضَرٍ في مُنتَدى
وَمُلثمٍ لمَرشَفٍ وَمَهصَرٍ
لِمعطَفٍ مِن أَهيَفٍ طاوى الحَشا
فالدهرُ عِيدٌ والليالي عُرسٌ
والدهرُ أحلامٌ كأحلامِ الكَرَى
قد أغتدى والشُهبُ تَجري خَلفَها
شُهبٌ من الصُبح سَريعاتُ الخُطا
والفجرُ قد لاحَ مُحَيَّاهُ
وقد قد أديمُ الليل عَنهُ وانفرَى
كَأَنَّ ضَوءَ الصُبحِ شُهبُ غَارَةٍ
تَقَاذَفَ الحُضرُ بِهِنَّ وارتَمى
أوجَسَتِ العَقرَبِ مِنها نَبأَةً
فَأمَّتِ الغَربَ وَجَدَّت في النَّجَا
وَرَكَنَ الغَفرُ إلى الشُّهبِ الَّتي
أَجفلنَ جمَّاءَ غَفِيراً وانضَوى
وأَصبَحَ السِّماكُ يُزجى عَرشَهُ
أَمامَهُ مَخافَةً أَن يُحتَوَى
وَمَدَّ لليثِ أَخُوهُ رُمحَهُ
وَقَرَّبَ العَوَّاءَ مِنهُ واشتَلى
وَقَد عَدَاهُ الليث عَن نَثرَتِهِ
وَحَدَّقَ الطَرفَ إلَيهِ وَدَأى
وَفَرَّتِ الجَوزاءُ مِن أَمامِهِ
وَقَدَّمَ الحادِي الثُرَيا ومَى
وَقَد أرادَ الحَملُ الحملَ على
جُوتٍ عن الدَلوِ عَداهُ وَثَنى
وَقد رأى اخبيةً مضرُوبَةً
للسَعدِ مِن غَيرِ عِمادٍ تُبتَنى
وَظَلَّ يَرعى ماتِحاً من دُونها
قد ناطَ بالفَرغِ الرِشاءَ ودَلا
وَقد تَوَقَّى ذابحاً من خَلفها
أو ترَ قَوساً للنعامِ وارتمى
فتنتضى صوارِمَ العَزم إذا
ما جَرَّدَ الصُبحُ ظُبَاهُ وانتَضى
وننبَرى لنجعةِ الرَوضِ إذا
ما هَبَّ مَطلُولُ النسيمِ وانبرَى
وتنسرى الأشجانُ عَن قُلُوبِنا
إذا الظَلامُ عَن سَنا الصُبحِ انسَرَى
نَسأَلُ أيدي خَيلِنا وَشكَ القِرَى
فَتَجعَلُ الجَوابَ تَعجيلَ الجدا
إذا بنا هَبَطنَ بَطنَ أبطحٍ
أجَزن حَزناً مِن رَوَابٍ تُرتَبى
فَلَم تَدع مكان صَيدٍ لم تَطأ
مَرابِضَ الوَحشِ بِهِ وَلا مَكا
نَستَنزِلُ الأَوعَالَ مِن أَوعارِها
شَفعاً وَوَتِراً مِن زَكاً وَمِن خَسَا
وَنستَثيرُ الصَيدَ مِن خَمائِلٍ
قَد أَخملت دارِينَ في طِيبِ الشَّذا
كأنما أَرواحُها إذا ارتَمَت
بِزَهرِها مُرتَمياتٌ بِالجُذا
جَوٌّ خَلا لِكُلِّ سَربٍ قَد خلا
فيه إلى رعي الجميم والخلى
قد أضحكت نواره باكيةٌ
قد ضحك البرقُ بها حتى زجا
وقد سأت جيوبه الريح وقد
خيط بخيط القطر منه ما أنسأى
يُهدى إذا ابيضَّت ذُراه بالندى
إلى المندى فيه مبيض الندى
وقد نُقَفِّى الطير أقنى أزرقاً
يَضربُ دَفَّيهِ بِضَافٍ ذي دَفا
تَهفُو وتصطكُّ قُلُوبُ الطيرِ إِن
صَكَّ الهَواءَ بِجَناحٍ وهَفَا
وكَم أثرنا وأسرنا قَنصاً
بما سَما مسمَعُهُ وما خَذَا
وَكَم بَعَثنا رائداً وَصائِداً
فَلَم يَخِب كَوكَبُنا ولا خَوَى
مِن كُلِّ مُستامٍ بِأَحلى نَومِهِ
طِيبَ الحَياةِ رَابحٍ فيما اشتَرَى
ومُستَمٍ إِلى القَنيصِ مُصحرٍ
أَمامَ مَن أَصحَرَ مِنَّا واستمَّى
يقدُمُنا وتارةً نَقدُمُهُ
فَيقتفي طَوراً وَطَوراً يُقتَفى
مُشرِّقاً وَتارَةً مُغرِّباً
مُغَرِّبَ الشَّأو بَعِيدَ المُرتَمى
مُوَجِّهاً شَطرَ الشَّطورِ وَجهَهُ
إِذا عَنِ الزَّاويةِ الوَجه زَوَى
كَم قد أَثارَ إذ سَرى مِن رَبرَبٍ
بِشَطِّ ماءٍ زَغرَبٍ غَيرِ صَرى
فاقتَفَرَ الصَيدَ بِكُلِّ لاحِقٍ
لَمَّا اقتفاهُ لاحِقٌ نَهدُ القَرا
كم عَفَّرَ اليعفورَ بالبيدِ وَكَم
أَسرَعَ في صَرعِ اللأَى وما لأى
ولم يُغادِر أَعصماً مُعتَصِماً
بِذُرِوَةٍ ولا عَفَا عَنِ العَفَا
أَضحى الرَبئُ واثِقاً بِسَبقِهِ
فَلَم يُضائِل شَخصَهُ ولا كَمَى
وَصاحَ مِن بُعدٍ بما أَبصَرَهُ
فَلَم يُخافِت صَوتَهُ ولا مَكا
أَجرى وأَجرى صَحبُهُ جِيَادَهُم
فَبَذَّهُم للهادِياتِ وَهَدَى
فَكُلُّ ما أدرَكَهُ مِن قَنَصٍ
وأَدرَكُوا دَفَوا عَلَيهِ وَدَفا
شُهبُ سُرىً ما فِيهِمُ مَن يَبتَغى
في قِرَّةٍ دِفئاً ولا يَشكُو دَفَا
قَد وَكَّلُوا عُيُونَهُم بأعينٍ
يُكمَنُ لِلصيّدِ بِها وَيُكتَمَى
وأَحدَقَت بِهِم رُماةُ حَدَقٍ
قَدِ استَحَقُّوا مَا لِعَمرٍ ويُدَّعى
قَد لَزِمُوا أَكنانَهُم وَمَلَئُوا
كَنائِناً مِنَ المَرِيشِ المُمتَهَى
وانسَرَحُوا مِنَ الدُجى وانسَرَبُوا
في قُتَرٍ مُرصَدَةٍ وَفِي دُجى
وَأَقصَدُوا الأَسحارَ في أَسحارِهِم
مِمَّا رَأَوا بِكُلِّ سَهمٍ قَد رَأَى
رَاشُوا لإِصماءِ الكُلى أَسهُمَهُم
بِقادِماتٍ وَخَوافٍ وَكُلَى
فَلَم نَزَل نُنَزِّهُ الأَبصارَ في
فَرَاقدٍ بالبارِقاتِ تُقتَفى
وَنجتَلِيها وَهي تَعدُو الجَمَزى
كَما اجتلاها حُندُجٌ بِجَمزَى
فَبعضها قد طاح في حبالةٍ
وَبَعضُها مِن رَأس نِيقٍ قَد ردى
وَبَعضُها سَهمٌ لِضُمرٍ سُهَّمٍ
وَبَعضُها أَصماهُ سَهمٌ ما نَمى
حَتَّى إذا ما امتَلأَت حَقائِبٌ
مِنَ الوُحُوشِ وَخَلا مِنها المَلا
مِلنا إلى مَوليَّةٍ مَوشِيَّةٍ
قَد حَدِبَ الغَيثُ عَلَيها وَحَنا
والآسُ والريحانُ قد صُفَّ وَقد
ألقى عليهِ كلُّ طاهٍ ماطَهَا
وَلَفَّ كُلُّ خابِزٍ مَملوكَهُ
في سَعَفِ الدَّومِ وأَصلاهُ لَظى
مِن بَعدِما أَحمى الصَّفيح تَحتَهُ
ثُمَّ حَتَى مِن فَوقِهِ جَمرَ الغَضى
كَأَنَّ ما أجَنَّ مِنهُ وَجَلا
قُرصَهُ شَمسٍ حِينَ أَخفى وَخَفا
وَالسَّعدُ قَد أَلقى إلى أخبِيَةٍ
ما كَشَطَ الذَّابِحُ مِنهُ وَنَجا
وَقَد أَجادَ كُلُّ طَاهٍ طَبخ ما
قَد صَفّضهُ حِذاءَنا مِنَ الحِذَى
نُتحَفُ مِن كُلِّ قَنيصٍ يُشتَوَى
بكُلِّ رَشرَاشٍ نَضِيجٍ يُشتَهى
يَفُوحُ من طِيبِ المَرَاعي لَحمُهُ
أَكثَرَ مِمَّا فاحَ مِن طِيبِ الفَحا
والأَرى يُدنى والثِّمَارُ تُجتنى
والرِّسلُ يُمرى والقنيصُ يُشتَوَى
وقد صَفا العَيشُ لنا بِمَنزِلٍ
قَد سالَ صَفو مائِهِ من الصَّفا
فانعَقَّ فيه ثَعلَبٌ عَن أَرقَمٍ
وانشَقَّ صَلدُ الصَّخرِ عَنهُ وانفَأَى
لِلّهِ ما صُيَّابَةٌ خُضتُ بِهِم
عَصرَ الصِّبا بَحرَ نَعيمٍ قَد رَهَا
مِن كُلِّ بَحرٍ لِلعُلومِ زاخِرٍ
وَكُلِّ طَودٍ لِلحُلُومِ قَد رَسَا
كَم أَوقَدَ الكِبَاءَ لِلسَّارى وَكَم
صَبَّ القُدُورَ في الجِفَانِ وَكَبَا
وَكَم لَهُ مِن قُبَبٍ مَعرُوفَةٍ
في قُنَنٍ مَرفوعَةٍ وَفِي صُوَى
قَد أَشرَقَت بِأَوجُهٍ وأنؤُرٍ
مُعشِيَةِ النُّورِ مُنيراتِ العُشَى
عاطَيتُهُم مِنَ السُّرُورِ أَكؤُساً
يُغنَى عَنِ الكَأسِ بِهَا وَيُكتَفَى
مِن كُلِّ مَن تُلفِيهِ نَشوَانَ إذا
يَصحُو وَيُلفَى صَاحياً إذا انتشَى
لنا انتقالٌ كانتِقَالِ الشُّهبِ في آفاقِها
مِن مُنتَوىً لِمُنتَوَى
فَنَستَجِدُّ مَرتَعاً فمَرتَعاً
وَنَستجيدُ مُرتَعىً فَمُرتَعى
ما شِئت مِن مَشتىً بِشاطي لجُةٍ
بَينَ قِبابٍ وَقِصَابٍ وَبُنى
وَمِن مَصِيفٍ فَوقَ شاطي نَهَرٍ
بَينَ قُصُورِ وجُسُورٍ وَقَرَى
وَمَربَعٍ عَلى مِياهِ مُزنةٍ
بَينَ مُرُوجٍ وَبِطاحٍ وَرُبى
وَخُرفَةٍ عَلى مِياهِ حَمَّةٍ
بَينَ غُصُونِ وَحُصُونٍ وَقُرى
نَصِيفُ مِن مُرسِيَةٍ بِمَنزِلٍ
ضَفا بِهِ الدَّوحُ على ماءٍ صَفَا
نَقطَع دُنيانا بِوَصلِ الأُنسِ في
مُغتَبَقٍ في رَوضِهِ وَمُغتَدَى
وَتَتناجي بالمُنى أَنفُسنا
حَيثُ تَداعى الطَيرُ مِنها وانتَجى
مُساقطينَ للقيطِ دُرَرٍ
مِن سَمَرٍ في قَمَرٍ قَد استوَى
مُلتَقطينَ لِسَقيطِ زَهرٍ
مِن شَجَرٍ في سَحَرٍ قَد اعتَلَى
يُهدى إلينا كُلُّ جانٍ مُرتَقٍ
في الدَّوحِ أحلى ما اجتَنَى وَما اجتَبى
مِن بَينِ ما ابيَضَّ وما اسوَدَّ إلى
ما اصفَرَّ واحمَرَّ احمراراً وَقَنا
كَم مِن مَعَانٍ في مَعاني نَهرِهَا
قَد رَكَنَ الحُسنُ إلَيها وَرَكا
وَفي المَغاني الجَبَلِيَّاتِ الَّتي
أَجَلُّها أَيَّلُها الحُسنُ ثَوَى
مَجمَعُ كُلِّ شادِنٍ وَناشِدٍ
عِندَ عُيُونِ العِينِ قَلباً مُستَبى
كَم حُشِرَ النَّاسُ عَلى صِرَاطِهِ
في مَوقفٍ للأُنسِ مَشهُودِ سِوَى
وَنُعِّمَت أعيُنُ أَبناءِ الهَوَى
وَعُذِّبَت أَفئِدَةٌ مِنهُم هَوا
مَواقِفٌ كَم قد حَمى الطَّرفَ بِها
عَنِ الكَرَى وَسنانُ طَرفٍ فاحتمَى
يُختَطَفُ القَلبُ بِها إِن لم يَكُن
خِلواً وَقَلبُ الخِلو فيها يُختَطى
فَتَتعدّضى أَنفُسٌ وأَنفُسٌ
بِأَعينِ العِينِ عَلَيها يُعتَدَى
تَقَسَّمَ الناس بِها قِسمَينِ مِن
بِينِ خَلِيِّ قَلبُهُ وَمُصطَبى
إذا اجتَنَى زَهرَ الجَمَالِ وامِقٌ
فِيها اجتَنَى خِلوٌ بِهَا زَهرَ الرُّبَى
وللربيعِ حَولَهُم مَجامِرٌ
تَعَطَّرَ الجَوُّ بِهِنَّ واكتَبَى
حَتَّى إذا الشَّمسُ اختَفَت في غَربِها
وَأَمسَت الزُّهرُ الدَراري تُختَفَى
تَعَوَّضُوا مِنَ العَبير عَنبَراً
يَجِلُّ عَمَّا يُشتَرى ويُستَرى
وقَطَعُوا الليل بأحلى سَمَرٍ
يُجهَرُ فيهِ بالهَوَى وَيُنتَجَى
فَكم أغانٍ كَنظِيم الدُّرِّفي
تِلكَ المَغَاني قَد وَشاها مَن وَشَى
وَكَم حديثٍ كَنثيرٍ الزهرِ في
تلكَ المباني قد حَكاهُ مَن حَكَى
وَكَم بَدَت لي بِمُنيرٍ أوجُه
مُنِيرَةٌ سَلَّينَ هَمِّي فانسَلَى
وكم بحصن الفَرَجِ السامي لَنَا
مِن فُرَجٍ سَرَّين وَجدي فانسَرَى
وَكَم بِمُنتَقُودَ وَالمَرجِ لَنَا مِن
نُزَهٍ تَنَزَّهت عَنِ الخَنَا
وكم قَصَرنا زَمَناً للسَّعدِ في
قَصر ابنِ سَعدٍ بالسُّرُورِ وَالهَنَا
نَجُولُ في هالاتِ أَقمارٍ عَفَا
مِن حُسنِها صَرفُ الزَّمانِ ما عَفَا
وَنَقصُرُ اللحظَ عَلى قَصرٍ بِهِ
أَبقى الزَمَانُ عِبرَةً لِمَن بَقَا
كَالحِيرَةِ البَيضاءِ إِن ناسَبَها
وَناسَبتَهُ بَهجَةً فَبِالحَرى
وَكُديَةُ الرَشيدِ ما أَكدَى بِهَا
مِن قَنَصِ الأُنسِ الشَريدِ مَن سَمَا
كَم قَد سَعِدنا إذ صَعِدنا حَولَها
مِن سَرحَةٍ لِصَرحَةٍ وَمُستَوى
وَكَم إلى القَنطَرَةِ البَيضاءِ قَد
مَشى بنا الأُنسُ رُوَيداً وَرَها
وكَم لَنا بالزَنَقَاتِ وَقفَةٌ
حَيثُ استَدارَ النَهرُ مِنها وَانحنَى
وَقَد تَراءَى الجُرفَانِ مِثلَما
دَنا خَليلٌ مِن خَليلٍ قَد صَفا
رَاما اعتِنَاقاً ثُمذَ لم يُمكِنهُما
فَبَكيا نَهراً لإِخفاقِ المُنَى
نَهرٌ تَلاقى الدَوحُ والرَوحُ بِهِ
وَسَبحَ الزَهرُ عَلَيهِ وَطَفا
يُكسى لجينَ البَدرِ حينَ يَنتَضى
مِن ذَهَبِ الآصَالِ ما كانَ اكتَسَى
يَسجدُ فيهِ البَدرُ لِلّهِ كَما
خَرَّ الكَلِيمُ ساجِداً عِندَ طُوى
وَتَلتَقي الشُهبُ بِهِ تَمَثُّلا
كَما التَقَى وَفَدُ الحَجيجِ بِمِنى
تُسَبِّحُ اللَهَ القُلُوبُ عِندَما
تُبصِرُ مَرآهُ العُيُونُ وَتَرَى
تَرَى الدَوالِيبَ عَلى جُسُورِهِ
دائِرَةً بَينَ فُرادى وَثُنى
كما أدارَ الدارِعُونَ عِندَما
رَامُوا الطرادَ دَرَقاً يَومَ الوَغَى
وَكَم نَسِينا جِسرَ وَضَّاحِ بِما
أَوضَحَ لِلعَينِ الجُسَيرُ وَجَلا
مَنازِلٌ لِلحُسنِ تُنسى جِلِّقاً
وَنَهرُها السَّلسالُ يُنسى بَرَدى
يَكادُ يُعشى نُورُها مَنِ اجتَلى
وَيُرعِفُ النَورُ بِها من اجتَنَى
وَيَقطُرُ المَشتى بِقُطرِ جَنَّةٍ
مِن فَحص قُرطاجَنَّةٍ رَحِب الذَّرى
تَسرى الرِّياحُ في ذُراها فَتَرى
أَزهارَها عَلى الرَّياحِينِ ذَرَى
لا تعدم الآذانُ في أَرجائِها
طَيراً ضَغَا مِن فَوقِ سَرحٍ قَد ثَغَا
كَلا ولا يُعدَمُ في كَلائِها
رَامٍ رَأى صَيداً وَثانٍ قد كلى
كَأنَّهُ والراسِياتُ حَولَهُ
مُحدِقَةٌ بَيتٌ مُنيفٌ ذُو جَها
كَم ساقَ مِن غَربِيِّهِ مُقتَنِصٌ
صَيداً وَمِن غَربِيِّهِ وَكَم دَأى
وَتَرتَمي الفُلكُ إلى الصَيدِ إذا
ما أَزعجُوهُ للبِحارِ فارتَمى
وَتَتبارى السابحاتُ نَحوَهُ
كالسابحاتِ حينَ تَعدُو المَرَطى
فَكَم سَرى لشاطئ البَحرِ بِنا
عَزمٌ جَلا هَمَّ النُفُوسِ وَسَرا
وَكَم أَزَرنا كُلَّ جَونٍ جَونَةً
تُحجى مِنَ الصيدِ إلى ما يجتحَى
يَخوَى حَشاها بَعدَ حَملٍ تارَةً
وتارَةً تَحمِلُ مِن بَعدِ الخَوَى
يَحمِلُها مَلاحُها وَهيَ لَهُ
حامِلَةٌ فَتَزدَبي وَتُزدَبى
مَتَى أَردنا القَصر يَقصُر خَطوُهَا
وَإِن أَرَدنا المَدَّمَدَّ وَمَتا
نَحا بِها نَحوَ الخَليجِ عَزمُنا
وَوَخى أَرجاءِ المُرُوجِ قَد وَخَى
وَأَمَّ أَرجاءَ الذِّراعِ بَعدَهُ
ُثُمَّ انتَحَى مِنَ السَواقِي ما انتحى
ويَمَّمَ البُرجَ الذي قد شِيدَ في
مُصطفَقٍ مِن يَمِّهِ وَمُلتَقى
نَرقى إلى الجزيرةِ العُليا التي
إلى فِراخِ الطَيرِ منها يُرتَقى
وَنُوشِكُ المَرَّ لأَشكُمرَيرَةٍ
إذا أَرى النَحلُ جَناهُ وَأَرى
وَنَرتَقي إلى اجتِناءِ ثَمَرٍ
مِن شَجرٍ أَعجب بِهِمن مُجتَنَى
وننثني إلى اجتلاءِ سَمَكٍ
في شَبَكٍ أَعجِب بشهِ مِن مُجتَلى
كَأَنَّها أَسِنَّةٌ قَد نَشِبَت
في نَثرَةٍ زَغفٍ ثَنَاها مَن ثَنَي
يُسمَعُ لِلحُوتِ بِها تَخَشخُشٌ
خَشخَشةَ الأَكمامِ في نَخلٍ خَشَا
يا شَدَّ ما استَخرَجَ كُلُّ صائدٍ
بالشِّصِّ ما مِنها اختَفَى وما اختَفَى
حَتَّى إذا قالت لنا شَمسُ الضُّحى
قِيلُوا فَقِلنا بَينَ عَينٍ وَجَبا
مَوَارِدٌ كَأَنَّها ذَوبُ المَهَا
عَلى حَصىً كَقِطَعٍ مِنَ المَهَا
يَلعَبُ فيها بالحجا طافي الحجى
فَهوُ حَقيقٌ بالمَسَراتِ حَجَا
حَتَّى إذا ما ارتَدَّ عَنها عَزمُنَا
للأَوبِ بَعدَ كُلِّ غُنمٍ وانثنى
طارَت بنا فَتخاءُ للوحِ انتَمَت
وَلَيسَ في اللُّوحِ لَها مِن مُنتَمَى
لها جَناحٌ مِن شِراعٍ خافِقٍ
تَطيرُ في الماءِ بِهِ لافى المَلا
صَبَت إلى امتطائِها أنفُسُنا
إذ شَعَرت أنَّ النَسيمَ قَد صَبا
مَدَّت للثم الماءِ إذ لانَ لها
من المجاذيفِ لِساناً قَد جَسَا
مَرَّت على النِّفاخِ والريحُ بِهِ
ما نَفَخَت والبَحرُ رَهوٌ ما جَفَا
وسامَتَت رابطَة الشعبِ وَقَد
حدا بها حادي النسيمِ وَحَجا
وجاوَزَ الصهريجَ والجَونَ بِنا
جَونُ الشِّراعِ سابحٌ جَونُ القَرَا
حاذى بنا قُبَيبةَ ابنِ طاهِرٍ
يَفرِى أديمَ الماءِ فَرى مَن حَذا
وانصاع عن دارِ الأُسُودِ مثلما
ينصاعُ سِربُ الوحشِ من أسد الشرى
وصفَّ قبليَّ المُصلى لم يَقف
فيهِ ولا صلَّى بِهِ ولا تَلا
بل جاءَ سباقاً لكلِّ سابحٍ
حَتَّى أَتى الرَملَةَ فيما قَد أَتى
يلقى عَلَيهِ فِلَقَ الدُّرِّ إذا
شَقَّ أديمَ الماءَ شَقّاً وسَأى
ثُمَّ تنادَينا بِقَصد مَنزِلٍ
جَمَعنا فِيهِ السُرُور وَنَدَى
وواجهَت أحداقُنا حدائِقاً
قد أحدَقَت بِها سَواقٍ وأَضا
وَغابَتِ الجَونَةُ حَتَّى لَم يَلُح
لِلعَينِ مِن حاجِبِها إلا شَفى
وأَمسَتِ الأعيُنُ مِنَّا قُبَّساً
مِن قُبَّشٍ نُوراً عَلَيهِ يُهتَدى
وَرُفِعَت نارٌ لَنَا زَهرَاءُ قَد
قادَ إليها المُعتَفى طِيبُ القَدَى
وَكُلُّ طَاهٍ مُشتَوٍ قال أَتى
بماطَهَا وما اشتَوَى وما قَلَى
وَأُترِعَت للشارِبِينَ أَكؤُسٌ
مِمَّا حَلا مَطعَمُهُ وَمَا حَذَى
فاجتَمَعَ الأُنسُ بِجَمعِ فِتيَةٍ
عَلى عَجُوزٍ وَسمُها وَسمُ الفَتَى
حَارَبَتِ الأَشجانَ عَنهُم وَعَتَت
مِن طارِقِ الهمَّ على ما قَد عَتا
فلم تَدع هماً عتا حتّى لقَد
كادَت تُشِبُّ كُلَّ هِمٍّ قَد عَتا
غَنِيتُ عَنها بكُؤوسِ أدَب
تُسقى فيستشفى بها ويشتفى
وآثرَت نفسي عليها شَربَةً
مِن ضَربٍ يجُنى ورِسلٍ يُمتَرى
فَسِيقَ مشنهُ ذائِبٌ وَجامِدٌ
وَسِيقَ ما لَم يَأدُ مِنهُ وأَدَى
فَكَم لَنا مِن غَدوَةٍ لِعُسَّلٍ
رُضابُها أحلى رُضابٍ يُجتنَى
لم يَنفَرِق لَنا عَنِ الصُبحِ دُجى
حَتّى فَرَقنا بَينَ صُبحٍ وَدُجى
جٍسمٌ مِنَ الأَنوَارِ قَد أَوهَمَنا
أَنَّ مِنَ الأَنوارِ جِسماً يُغتَذَى
وَرَوحَةٍ إلى مُراحِ حُفَّلٍ
زَكَت بِرَعي كُلِّ نَبتٍ قد زَكضا
قَد عَلَّقَت مِن كُلِّ قُربٍ قِربَةً
وَمِن كلا الحقوَينِ قَد أَدلَت دَلَى
وَكَم تَتعمتُ بِرَوضٍ تُجتَنى
أَزهارُهُ مِن لَفظِ خِلٍّ يُجتَبَى
إِن طاوَل الأَقوامَ في شَأوِ النُّهى
طالَهُمُ باعاً وإِن حاجى حَجَا
مَتَى تَقِس مُبَرِّزاً مِن غَيرِهِم
بِهِم تَجِدهُ دُونَ مَن مِنهُم شَدَا
مِن كُلِّ خِرقٍ مُنصِفٍ مُتّصِفٍ
بِالعَدلِ ما مارَى امرأً ولا مَرى
لَيسَ يُصِيبُ كاشِحٌ في عِرضِهِ
وَقَولِهِ مِن لَخَنٍ وَلا لَخَا
صَانَ اللِّسانَ عَن سِوَى الحَقِّ فَلَم
يَفُه بَقَولٍ باطِلٍ ولا لَغَا
فما هذي مفصَلُهُ ولا نبا
مقصَلهُ عِندَ الضرابِ بل هذا
كم ضُربَت على الطريقِ قُبَبٌ لَهُ
وَكم نادى الضُيوفَ وَنَدا
نُسقى كُؤُوسَ الأُنسِ في حدائِقٍ
بِأَكؤُسِ الأحداقِ فيها يُنتَشى
قَدِ ارتَدَى البَنَفسجُ النَضرُ بِها
مِن زُرقَةِ الجَوِّ الصَريح ما ارتَدَى
وَمَلأَ السَوسَنُ بِالتِبرِ يَداً
وَفَتَحَ الأَنمُلَ مِن فَرطِ السَّخَا
وَمَنحَ الوَردُ النسيمَ عرفَهُ
مَنحَ الجَوادِ عُرفَهَ مَنِ اجتَدَى
وَلَم يَجُد كَجُودِهِ شَقيقُهُ
فَأَظهَرَ الخجلَةَ مِنهُ واستَحَى
وَأَظهَرَ الخيريُّ صِدقَ نِسبَةٍ
لمَّا انتَمَى للخَيرِ فيها واعتَزَى
وَصَرَّحَ النمامُ عَمَّا نَمَّ مِن
أَسرارِهِ تَحتَ الدُّجى وما كنا
وَحَدَّقَ النَرجِسُ فِيهِ حَدَقاً
فَرَاقَ مِنها الطَرفَ طَرفٌ قَد سَجَا
والياسِمينُ مُؤيسٌ نَضيرُهُ
مِن أَن يُرى نَظيرُهُ وَيُجتَلى
لاظمئ الرَوضُ الذي كنابهِ
نَرُوضُ أَفراسَ الصِبا ولا ضَحا
سَقى المنارَ فدِيارَ دِيرَةٍ
فالدَيرَ فالشطُورَ هَطَّالُ الحَيَا
ووالتِ السُحبُ بعَينِ تَوبَةٍ
بمثل عيني توبَةٍ طُولَ البُكضى
وساجَلَت أَدمُعَ عَيني عُروَةٍ
بِكُلِّ مُنحَلِّ العَزَالي والعُرَى
واستَقبَلَ القِبلَةَ مِنهُ عارِضٌ
مُعتَرِضٌ في جَوِّهِ واهى الكُلُى
فَبَلَد الرَيحانِ والرَوحِ الذي
راحَ علَيهِ الحُسنُ وَقفاً وَغدا
إلى الرصيفِ المُعتَنَى بِرَصفِهِ
فالهيكلِ الأَعلى القَديم المُبتَنى
ولا نَبا عن المَسيلِ مُسبلٌ
كأنَّ خَفق بَرقِهِ عِرقٌ نبا
وجادَ رَأسَ العَينَ والمَرجَ حباً
يَحبثو البلادَ ريَّها إذا حبا
مُنهَمِرٌ على الضِيَاعٍ مَنهُمٍ
على الصفا المُحدقِ حولَ المُستَقى
فالشَرَفَ الأَعلى المُطِلَّ فَوقَهُ
إلى مُصَبِّ الماءِ في وادي الحَصى
فَمَنبِتَ القَيصُومِ مِن بُطنانِهِ
إلى ضواحي شَجَراتِ ابنِ الضحَى
فَسَرحَةَ البَطحاءِ فالغَرَسَ الَّذي
بالرَملةِ العَفراءِ مِن سِقطِ اللِوى
فالجبَلَينِ المُشرفَينِ فَوقَهُ
المُشرقينِ مِن سَناءٍ وَسَنا
وأَصبَحَت بالبَختَرَينِ بَعدَهُ
تَمشي الغَوادي بختَرِيَّاتِ المِشي
وَذَنَّ في ذُنينَةٍ أنفُ الحَيا
وَدَرَّ دُرَّ القَطرِ فِيها وَذَرا
فالحافَةِ البَيضاءِ مِن شَخشُويةٍ
ذاتِ الصياصي والشماريخِ العُلا
مَجمَعُ ما صادَ مِنَ الوَحشِ وما
رادَ ومَرعى ما ثَغَا وما رَغَا
لا تَعدَمُ الطَيرُ ولا الوَحشُ بِهِ
ماءً صَفا وَظِلَّ دَوحٍ قَد ضَفَا
فَتَسنَحُ الطَيرُ بِهِ لُمىً لُمىً
وَتَسرحُ الوَحشُ بِهِ ثُبىً ثُبَى
وَارتَقَتِ السُحبُ لِسُقيا ما ارتقى
عَنها قَليلاً في الشَمالِ وَسَمَا
مُقبِلَةً مِن لُجِّ بَحرٍ أَخضَرٍ
لِمِثلِ بَحرٍ أخضَرٍ مِنَ الكَلا
حَتَّى إذا عدا بشيرُ بَرقِها
بُحَيرَةَ القَصرِ اشمَعَلَّ وَعَدا
مِن كُلِّ ضافي هَيدَبٍ كَأَنَّهُ
مُجَللٌ أدهم يَمشي الهَيدبي
ضاحِكُ ثَغرٍ ما بِهِ جهامَةٌ
يَبكي بِعَينٍ لَيس فيها من عَمَا
تَجذِبُهُ سَلاسِلٌ مِن ذَهَبٍ
في راحتي ريح جَنُوبٍ أَو صبَا
شَصَت ذُرَاهُ وَدَنا هَيدَبُهُ
فاستَشرفَ الراعي إِليهِ وَشَصَا
فَقَلَّدَ القُرتَ فَمَرجَ راشِدٍ
فالسهلَةَ التَلعاءَ أصنافَ الحُلى
فألبسَ الوادي من غربيها
فالدحلةَ الغَرّاءَ أنواع الكُسا
فلم يدَع شاجِنَةً تُفضى إلى
شُجَنَّةٍ قُريانَها إلا قرى
ومال صَوبُ المُزن بالسقي إلى
ما مال في شقِّ الجنوبِ وصَغا
وباتَ بالسِّلسلَةِ البَرقُ لَهُ
سلاسِلٌ بِها الغَمامُ يُهتدى
ثم تَوَخَّى الأَخوَينِ وَنَحا
مِن سَقى أرجاءِ العُيُونِ ما نَحا
واشتَكَرَت على الشَّكُورِ مُزنَةٌ
واتكأت على اعالي المُتَّكى
ودَخلَ الدخالَ كُلُّ خارِجٍ
مِن بَحرِهِ كأنَّهُ رِجلُ الدّبى
فَقصرَ فَجِّ المجلسِ الأَعلى الَّذي
أوهَتهُ أحداثُ الليالي فَوَهَى
وَساقَللمستقى قِطارَ قَطرِهِ
حادٍ من المُزنِ المُرِنِّ وَسَقى
كأنَّما تَشوِيرُهُ بِبَرقِهِ
نارٌ بأطرافِ الشُوارِ تُصطَلى
وَنَفَخَت رِيحُ الصَبا في مِجمَرٍ
مِنهُ على النَّفاحِ نَفّاحَ الشَذا
يَستنشقُ المِسكَ الذكي ناشِقٌ بهِ
وَيَستَنشِى بِهِ طِيبَ النَشا
كأن هندياً يشمَّ مِنهُ
أو كان هندياً عليه يُنتضى
وأمستِ الحُفل من ضُرُوعِهِ
على الخليجِ والذِراعِ تُمترى
بِراحَةٍ مَخضُوبَةٍ للبَرقِ
أو محجوبةٍ مِن ريحِهِ لَيسَتِ تُرى
حتى يُرى بالطَرفِ الغربي قد
شَرَّدَ غِربانَ الدَياجي وَنَفَى
حتَّى إذا ما سَرَّحَ العِنانَ عَن
سَرحَةِ وادي بُرتُجٍ سَدَّ الكُوَا
وَبَرقَعَ الجَوَّ الذي أمامَها
بِكُلِّ غَيمٍ مُلحِمٍ فيهِ السَّدى
وَمَرَّ بالمَمشى الغَمامُ زاحِفاً
في جَوِّهِ زَحفَ الكَسِيرِ وَمَشى
بِجِبَهَةِ الشاةِ التي قد ناطَحَت
غَواربَ اللُّجِّ وَأَعنانَ السَّما
مَعاهِدٌ ما بَرِحَت مَعهُودَةً
بالأُنسِ في مُغتَبَقٍ وَمُغتَدى
كَم مَحضَرٍ فيها وَمَبدىً مَن يَشأُ
نَدَّى بِهِ السَّرحَ وَمَن شاءَ انتَدَى
وَمَنزِلٍ لِمُغزِلٍ ما بَرِحَت
بِمُقلَتَيها تَدَّرى مَنِ ادَّرى
يُنيرُ ما بَينَ المَنارَينِ بِهَا
قَصرٌ لَهُ قَصرُ سَعِيدٍ قَد عَنَا
وَتَكتَسي مِن وَجهِها إِنارَةً
منازِلٌ بَينَ مُنِيرٍ والحِمَا
تَغشَى بِهَا مَغانِياً مَن يَرَهَا
يَجعَل لَهَا مَغاني الشِّعبِ الفِدَى
تَجاوَرَت أَمواهُهَا فما اشتَكَى
فِيها امرُؤٌ مِن ظَمَإٍ ولا اشتكى
لم تُقتَسَم فيها المياهُ بالحُسَى
كَقَسمِها في مَأسَلٍ وَذي حُسَا
لَيسَت وَأيمُ اللَهِ مثلَ بُقعَةٍ
يجاورُ الأَيمُ بها ضَبَّ الكُدا
في كُلِّ وادٍ ما بِهِ مُستَمَعٌ
وَمَطعَمٌ إلا كَشِيشٌ وكُشى
كَم مِن ظِباءٍ في الحَرير دُونَها
تَشُبُّ بالهندي نِيرانَ القِرَى
وَمِن أُسُودٍ في الحَديدِ دُونها
تَشُبُّ بالهنديِّ نيرانَ الوَغَى
مَن ناشِدٌ قلبي عِندَ شادِنٍ
إذا انتَوَى حَلَّ وَإِن حَلَّ انتَوَى
تَنحَدِرُ العِيسُ إلى البَحرِ بِهِ
وتارَةً تَسمُو إلى وادي القُرَى
يُمارسُ الشَوقَ إلى مُرسِيَةٍ
إذا تلاقى الظِلُّ فيها والجَنى
حَتَّى إذا ما بارِقُ الوَسمي مِن
أَرجاءِ قُرطاجَنَّةٍ بَدَا بَدَا
وأصحَرَ الحادي بهِ في أَفيحٍ
قد اكتسى من الرَبيعِ ما اكتَسى
كم صافَ في دَوحٍ وفي روحٍ وَكَم
بَينَ القُصُورِ والبُحُور قد شَتا
سقى الحيا هالات بدرٍ لم يخف
من انتقاصٍ منذ تمَّ ووفى
ولا يزل ينهل في داراته
غيثٌ إذا ما وسم الرَوض ولى
سقى الربيعَ كلُّ غادٍ رائحٍ
إذا امتَرَت رَبيعهُ الرِيحُ هَمى
وباكر الجنان حَنَّانٌ إذا
سَقى جَنين النَبتِ غنّى وشدا
وصبَّح الصباحَ غيثٌ قَطرُهُ
حَرٍ بِسُقيا كُلِّ قُطرٍ وَحَرى
وانهمرَ الغَيثُ الركامُ بَعدَهُ
على الرِياضِ والبَياضِ وانهَمَى
وَكَرَّ في مَدرجِهِ مُنتحياً
منازِلَ الدراجِ فيما قد نَحا
ولألأت بَني سِراجٍ سُرجُهُ
وَنَوَّرَت مِن أُفقِهِ مَا قَد دَجا
يُهدى إلى بَني بَشيرٍ بِشرَهُ
ولا يَمَلُّ مِن سُرى وَمِن شَرَى
مُلَقِّياً بَني سُرُورٍ بَعدَها
مَسَرَّةً وَمُرضِياً بَني رِضا
وَحَلَّ في بَني عِصامٍ عُصمَهُ
وَفَضَّ عَزلاءَ المَزادِ وَفَرَى
حَتَّى إذا ما ضاحَكَت مُرسِيَةً
بَكَت عَلى رَسمِ حَبيبٍ قَد خَلا
وَنَدَبَت مَعاهِداً أَنحى العِدى
فيها على رَسم الهُدى حَتّى عَفا
وانتَقَلت ما بين شطّى نهرِها
وَسَنَدَيها مِن ذُرىً إلى ذُرى
تَجنُبُ أُولاها وأُخراها الصبا
إلى جَنابِ الهُذَلِيِّينَ الأُلى
وَيَلتَقى بَني خِيارٍ خَيرُها
إذا بَنُو سَعدٍ بها السَعدُ التَقَى
وَترتقي مُزجِيَةً عَنانَها
مُرخِيَةً عنانَها إلى رُخا
إلى زُقاقِ الجنةِ الأَعلى الذي
بشاطئ الكَوثَرِ من بابِ المُنى
إلى بُنا الرُشاقَةِ البيض التي
أَلحاظُها رَشاقَةٌ لِمَن رَنَا
واجتازَ بابَ الجَوزَةِ الغَيثُ الذي
سَقى المغاني العجَمِيَّاتِ الدُنى
فالزَنَقَاتِ المُشرِقاتِ المُجتَلى
المُورِقاتِ المُونِقاتِ المُجتَنى
وارتقَتِ السُحبُ إلى التاجِ الذي
قد التقى الدَوحُ عليهِ وارتَقَى
مَغنىً له اسمٌ قد عنى مُشتَقُّهُ
بهِ من المَعنى الصحيحِ ما عنى
كأنَّهُ يأمُرُ كُلَّ مُهجَةٍ
بالشُكرِ لِلّهِ عَلى ما قد حبا
وارتَفَعت عَن سَمتِها سحائِبٌ
سَواحِبٌ أذيالَها على الثَرى
وأَسعَدَت قصرَ ابنِ سَعدٍ سُحُبٌ
تَصعَدُ مِن مُنحَدَرٍ لِمُستَمى
واجتَلَبَ النَسيمُ أَخلاف الحيا
على البُروجِ والمُرُوجِ وامتَرَى
وظَللت راياتُهُ الدَوسَ الذي
قد أَشبَهَ الفِردَوسَ حُسناً وحَكى
وَصُهِرَ الجَوُّ بِبَرقٍ ساهِرٍ
على الصُهيريجِ المُنيرِ المُجتَلى
وساوَرَت بَني سِوارٍ حَيَّةٌ
مِن بَرقِهِ تحيى ولا تُعيي الرُقى
وجَلَّلَ الشَطَّ الجَنُوبيَّ حَياً
لا يَنجلي إلا إذا الجَدبُ انجَلى
وَحَلَّ في بَني سُعُودٍ عِقدَهُ
كُلُّ حَبِيّ عاقِدٍ فيها الحُبى
وعاجَ بالوَادي مَعاجَ جَزعٍ
باكٍ على أجزاعِهِ والمُنحنَى
فاجِسرِ فالرَملةِ من جَرعائِهِ
إلى الغَديرِ فالكثيب فالتقا
واغرورقت على الخليجِ عَينُهُ
واختلجَ البارقُ منه ونزا
ثم سما إلى الجسيرِ مُزجيا
مِن دِرَّةِ القَطر لَهُ ما قَد زَجا
وَأَسرَعَت للفُرسِ أَفراسٌ لَهُ
شُقرٌ تَقُودُ دُهماً ذات وَنى
صاغَ لها البَرقُ بُرى مِن ذَهَبٍ
ثُمَّتَ أَبرى دُهمَها بما بَرَى
والتَفَّ في مُلاءَةٍ مِن بَرقِهِ
حَبِيُّها بِسِكَّةٍ ثُمَّ احتَبى
وَطَبَّقَ البَركَ بِبَركٍ مُطبقٍ
مُروٍ لِذاكَ القُطرِ بالقَطرِ الرِوَى
وانتابَتِ النَوابَ سُحبٌ كُلَّما
أَذكى بها نِيرانَهُ البَرقُ سَخَا
تَنحُو إذا عَن الخُنَيسِ خَنَسَت
تَلاً على تَلِّ يُوَنَّى قد بأى
وَتَقصد السَدَّ الذي بِحُسنِهِ
وخِصبِهِ أَربى على سَدِّ سَبَا
وانحدَرَت عَن سَمتِها سَحائِبٌ
سَواحِبٌ أذيالها فَوقَ البَرى
وَانتَابَ مُنتاباً وَمُنجَاباً حَياً
لَيسَ بِمُنجابٍ إذا انجابَ الحَيا
وَوَسمَ الطُوسَ حياً إذا همى
ثَنَاهُ كالطاوُسِ مِمَّا قد وَشى
وَقَلَّدَ الوُسطى بما قَد راقَ مِن
مَنظُومِ أَزهارٍ وَمَنثُورِ نَدى
وانتَظَمَ الياقوتتينِ صَيِّبٌ
إذا أصابَ الرَوضَ مِعطالاً حلا
مُسدداً نباله لِنُبلَةٍ
ومُشرِعاً قناته إلى القنا
ثم ارتقى إلى قُرى النهرِ التي
قد أرتقَت صوب الغَمامِ واقترى
مُستقصياً طالعة النهر إلى
أقصى معانٍ من مغانيها القُصى
تِلكَ مغانيها التي نحتلُّها
بشاطئ النهر إذا القيظُ ذكا
ثُمَّ نَحُلُّ بَعدها مَغانياً
بشاطئ البحرِ إذا القيظُ خَبَا
كم زُرتُ في تلك المغاني الغُرِّ مِن
غانيةٍ تنظُرُ عن عيني رشا
لما غلاما أرخصت من وصله
أرخصتُ مِن دُرِّ الدُموعِ ما غلا
ما حَكمَت عيني على قلبي لها
حَتَّى أنالتها بعينيها الرشى
في ذمة اللَه فؤاد ما رعى
ذمتهُ ظبيٌ بقلبي قد رعى
طلىً كأنَّ لون سُقمي كُلما قابله
كساه رداً وطَلى
لم تُلفِ مَن يعدى عليه أنفُسٌ
مظلومَةٌ أودى بها وما ودى
ظَبيٌ قد انتصَّت له سالِفَةٌ
قد انتصى الدرَّ لها مِن انتصَى
إن تنحَدِر في وَصفِهِ فإِنَّهُ
بَدرٌ عَلى غُصنٍ عَلى دِعصِ نَقَا
وإِن تَسامَيتَ فَقُل دِعصُ نَقاً
عَلَيهِ غُصنٌ فَوقَهُ بَدرُ دُجى
فَرعٌ أَثيثٌ فوقَ فَرعٍ ناعِمٍ
قَد مَاسَ مِن سُكر الشَبابِ وانثنى
وَغُرَّةٌ شَبَّ بِقَلبي نُورُها
ناراً فَأَمسى للشجُونِ مُصطَلى
وَناظِرٌ يَمنَعُ كُلَّ ناظِرٍ
مِن وَردِ خَدٍّ ناضِرٍ أَن يُجتَنى
يُراعُ طَرفي حِينَ يَرنُو طَرفُهُ
فَلَيسَ يَرعى وَإِذا أَخلى ارتعى
ومازِنٌ أَشمُّ قَد تَنَزَّهَت
أَوصافُهُ عَن خَنَسٍ وَعَن قَنَا
خَطّ قَويمٌ بَينَ قَوسي حاجِبٍ
وشارِبٍ كلاهما قد انحنى
ومَبسمٌ يَزدحِمُ البَرقُ بِهِ
إذا انبَرى ما بين ظَلمٍ وَلَمى
وَعُنُقٌ كأَنَّهُ جِيدُ طَلى
قد عَطَفَ اللِّيتَ التِفاتاً وَعَطا
وَصَحنُ صَدرٍ مُنبِتٌ رُمَّانَتَي
حُسنٍ وبطنٌ مُنطوٍ طَيَّ المُلا
وَمِعصَمٌ شَكا السوارُ رِيَّةُ
لما تَشكَّت ريَّ ساقيهِ البُرَى
وَراحَةٌ تَخالُهَا مَخضُوبَةً
إذا بها عن خَدِّه اللحظَ اتقى
وَمَعطفٌ لَينٌ وَخَصرٌ ذابِلٌ
ظام وَرِدفٌ ناعِمٌ قَدِ ارتَوَى
وَفخذانِ آخذانِ فوقَ ما
تما بهِ من النعيم المُغتَذى
يَكادُ يَبدو خَصرُهُ مُنخَزِلاً
مِن رِدفِهِ إذا تَمشَّى الخَيزَلي
وَقَدَمانِ لَبِسَت كِلتاهُما
ما زانَها مِن الجَمالِ المُحتَذى
نَشوانُ مِن خَمرِ الصِبَا يَحسِبُهُ
نَشوانَ مِن خَمرِ الدِنانِ مَن نَجا
ماءُ الحياةِ والحَيا في خَدِّهِ
يَجري بِحَيثُ اتَّقَدَت نارُ الحَيا
ظَبيٌ أذال الليثَ إذا أدى لهُ
يا مَن رأى ظَبياً لليثٍ قد أدى
أَزالَ عَنهُ القَلبَ إذا أَزى لَهُ
فَحِرتُ في عاطٍ لِسَاطٍ قد أزى
كَم قَد دَرى بِلَحظِهِ مَن رامَ أَن
يَدرِيَهُ وَمَا دَرَى كَيفَ دَرَى
يَأهلَ وُدِّي وَبودي أنكُم
صَبوتُمُ فَتعذِرُنَ مَن صَبَا
سَلُوا أُرَ يشاءَ الصريم أَيُّها
بصارِمِ اللحظِ على قلبي سَطا
وأَيُّها راشَ لِقَلبي أسهُماً
كَأَنَّهُ لَم يَكفِهِ مَا قَد نَضَا
وَإِن رَأَيتُم باللوَى أُظيبياً
سانحةً فأغمدوا بيضَ الظُبى
وحاذِرُوا تِلكَ الأَطيلاءَ التي
ألحاظُها فاعِلَةٌ فِعلَ الطِلا
واحتقِروا مُلدَ القَنا إِن أُشرِعَت
لَكُم قُدُودٌ دُونَها مُلدُ القَنَا
ليتَ الظباءَ لم تَصِد من رامَ أن
يَصيدَها ولا ادرَت من ادرى
يا ظبيةً حازَت فؤادي فغدا
قلبي من جسمي بعيدَ المُنتَوى
يا ليتَ شعري من سلبتِ قلبَهُ
هل يَرجِعُ السابي إليه ما سبى
حكَّمتِ في قلبي لحظاً منكِ قد
أهدى إليهِ النَومَ جَفني فارتَشى
أَخذت قلبي دُون طَرفي في الهوى
ظلماً بما قد جر طرفي وَجَنى
ولم تكُوني كَمُداوي العُرِّ في
إبراءِ ما لم يكوهِ بما كَوى
ما استبدَلَ القَلبُ فلا تستبدلي
منهُ ولا ترضى بمالا يُرتَضى
ولا تبيعي خُلَّةً بِخُلَّةٍ
فَإِنَّ بَيعَ المِثلِ بالمِثلِ رِبا
سَمعي رماني ولساني قبلَهُ
مِن لُجَجِ الأَهواءِ فيما قد رَمى
لو كانَ لحظٌ دُونَ لَفظٍ لم يَكُن
يَصلى مِنً الأَشجانِ قلبي ما اصطلى
فَلِم أخذتِ الطَرفَ مِنِّي بالذي
جَرَّ عَلى القَلبِ اللِسانُ وجَنى
لا تَظلِمي إِنسانَ عَيني في الهَوَى
ف ليسَ للإنسانِ إلا ما سعى
كان الصِبا ظِلاً لَنَا مُدَّ إلى
أن قَلَصَ الظَلُّ المَديدُ وَأَزى
قَد كانَ عَيشي ناعِماً ذا جِدَّةٍ
دَهراً فَأضحى ذابلاً وذابلي
وحالَ دَهرٌ كانَ لا يَحُولُ عَن
ولائِنا في حالَةٍ ولا إِني
كانَ الشَبابُ كالكميِّ مُعلماً
حتَّى إذا نازَلَهُ الشَيبُ انكَمَى
وكيفَ لا يَشتَعِل الفَودُ وَقَد
تَلَهبَ الفؤادُ وَجداً والتَظَى
وَلائِمٍ أَنحى وَأَنحَت بَعدَهُ
لائِمَةٌ لا حيَةٌ فِيمَن لَحَى
ظَنَّت بِأَنَّ اللَومَ يَثنى خاطِري
عَن صَبوَةٍ لِسَلوَةٍ فلما انثنى
واستطرَفَت جَريي بِمَيدانِ الصِبا
لمَّا رأَت طِرفَ الشبابِ قد كَبا
وَبَينَ جَنبيَّ فؤادٌ لم يَرُع
جنابَهُ شيبٌ بفودى بدا
لم يَعدُ ما قد ضره أن سره
وأوجَبَ الحظُّ لهُ ما قَد نَفى
واعتاضَ مِمَّا قد أَفاتَ دَهرُهُ
بما أَفادَ مِن يَدٍ وَمَا حَبَا
ظِلُّ أَميرِ المؤمنينَ عِندَهُ
أَنعَمُ مِن ظِلِّ الشَبَابِ وَالصِبَا
فَإِن ذوى رَوضُ الصِبا فَجُودُهُ
يُعِيدُ غَضّاً ناعِماً ما قَد ذَوَى
فلا تَظُنَّى أنني آسى لِمَا
قَد بزَّني صَرفُ الزَمانِ وبَزا
قد مارَسَت نفسي حالي دَهرِها
فَلَم يَدُم سُرُورُها ولا الأسى
وَواصَلَت عَيني الكرى وفارَقَت
في حالَتي إقامَةٍ وَمُنتأى
كم مَوقِفٍ حَمَّلَني ثِقلَ الجَوَى
حَملُ المَهارى فيهِ صِيرانَ المَهَا
قَسَّمتُ ألحاظي وَدَمعي عِندضما
تَقَسَّمَت نَفسي النَواحي والنَوى
ما بين ظُعنٍ سُطِّرَت جمالُها
وَدِمَنٍ جمالُها قَد امحى
دارٌ سفى مرُّ الأعاصيرِ عَلى
مَرِّ الأعاصيرِ بها ما قد سَفى
تَحثي السَّفَى عِندَ المَصيفِ فوقَها
كُلُّ عَصُوفٍ قد سَفَت فيهِ الحَثى
قَد كانَ في نَشرِ الكِباءِ للصبا
شُغلٌ بِهِ فَصارَ في سَفرِ الكِبا
أَلوَوا بِكُلِّ مُغرَمٍ كَأَنَّما
قَد لَوِيَت أَضلُعُهُ على لوى
مِن كُلِّ ساهي الفِكر مَغشى على
فُؤادِهِ مِن كَثرَةِ الوَجد غَمَى
تَمَلمَلُوا عَلى ذُرى أكوارِهِم
كأنما باتوا على حدِّ المُدى
قد وَسَمَ الحُبُّ جُسُوماً مِنهُمُ
بِصُفرُةٍ مِنَ النُّحُولِ وَضَنَى
وَوَسم الوَخدُ رُؤوساً منهمُ
بشُمطةٍ من المشيبِ وجلا
أعدَت جُسومَ العِيسِ أجسامٌ لهم
قد كدن لا يبصرن من فرط الضوى
وأعدتِ الأنفسَ منها أنفسٌ
منهم فرقت من غرامٍ وهوَى
وأصبحت مما ارتقَت أنفاسُها
أنفسُها بين التراقي واللَّها
عوى الحنينُ رأسَهَا وعاجَهُ
للدارِ فانعاجَ إليها وانعوى
وقد عنا للوجدِ جاري دمعها
فسحَّ من فوق الثرى حتى عَنى
وساعدت رواغياً صواهلٌ
وجاوبت لمىً بشكواها لمى
وأذكرتهن المهارى العهد إذ
كانت مهاراً في ذراها تفتلى
وقد وقفت العيس في معاهدٍ
يجيب في أطلالها البوم الصدى
وقد أقمت للعُلا صدورها
فلم تقف بي دون أعجاز الفَلا
في فتيةٍ ما لامرئٍ منهم سوى
كَسبِ المواضي والقنا من مقتنى
كأنهم ما عذروا من طُولِ ما
قد أغدفُوا مِن لُثمِهِم فَوقَ اللحى
مِن كُلِّ من يَعتَدُّ أعلى نِسبَةٍ
بها يُجلَّى أن يقالَ ابن جَلا
وكُلِّ نِضوٍ فوقَ نِضو قد رعت
منهُ الفَلا ما كانَ منها قد رعى
تعرَّقتهُ الحادِثاتُ والسُرى
فآضَ كالغُصنِ السَليبِ المُلتحى
يَشدُو إذا جن الدُجى تمثلاً
له إذا أعلى الحنين واشتكى
يشكو إلى جملى طُولَ السُرى
صَبرٌ جميلٌ فكلانا مبتلى
إني إذا العُيونُ أعدت مُهجتي
فأصبح السقمُ عليها قَد عَدَا
داوَيتُ نُكسَ حالِها بِصِحَّةٍ
مِن عَزمَتي أعيَت على النِّكس الدَوا
فكم سرا عنهُ الهُمومَ من سرا
وكم تداوى مِن هوىً من ادوى
وما عتادي حين أستعدى على
دهري سوى ظمآن ريَّانِ الشَبا
وصارمٍ مُصارِمٍ لِغِمدِهِ
مُواصلٍ ضَربَ الهوادي والصدى
تُخلى جُسُومُ الكُومِ من أرواحِها
بهِ وهاماتُ الكُماةِ تُختلى
ومُسرجٍ على الزَفيرِ مُشرَجٍ
مُلمَلَمِ الصَهوَةِ مَلمُومٍ وأي
كأَنَّهُ مُنحَصِرُ الأَنفاسِ مِن
رَبوٍ وإِن لم يَنحصِر ولا ربا
وأعيسٍ مُخيَّسٍ يَشرى إذا
ما وَصَل البِيدَ بِبيدٍ وَوَصى
ينجو إذا مدّ في عُرض الفلا
بالخَطوِ أخفافاً خفافاً وسدا
إذا انبرى تحتَ ظلامٍ أو ضحىً
زفَّ كما زفَّ الظليمُ وَزَفى
كاد النجاءُ أَن يُزيلَ شخصهُ
عن ظِلِّهِ وجِسمهُ عن النجا
هال العُيونَ غاربٌ مثلُ النقا
منه ولكن هالهُ سَيرٌ نَقى
يَهفُو بِهادِيهِ حِذارَ أرقَمٍ
لَوَاهُ في سالِفَتَيهِ مَن لَوى
كَم زاحَمَت خِيفانَةٌ بِشِكَّتى
عَيرانَةً تَحمِلُ رَحلي بَشَكى
وَكَم نَوى عَزمِي أَن يَفرى النَوى
والرَحلُ مِن غارِبِها ما قَد نَوى
بِتِلكَ أَستَعدى على دَهري أو
بِمُعتَدٍ على الصَفا إذا عَدا
ناصى العوالي جِيدُهُ فكادَ لا
يُمكِنُ مشن ناصِيَتَيهِ مَن نصا
كَم مَرَّ بالناظِرِ مَرَّ بارِقٍ
فما درى ناظِرُهُ أينَ رَدَى
وَكَم طَوَى البَيداءَ في تَلَطُّفٍ
فلَم يُثِر سِربَ القَطا لَمَّا قَطَا
ما لَكَ يا قلبي في تلكؤٍ
عن العُلا بَينَ وَلُوعٍ وَلَكى
لا تَطَّبِ الدُنيا هَواكَ نَحوَها
بما بِهِ كُلُّ جَهُولٍ يُطَّبَى
دارٌ غَدَت أحوالُها مَعكُوسَةً
فأضحَتِ الأَسواءُ فيها تُشتَهى
مَن لم يَقُل بِشَهوَةٍ فيها يُقَل
مِن العِثار وَيُقَل لَهُ لَعَا
وقلّما يقال في الدنيا لَعاً
من عثرةٍ لكلّ شهوان لعا
غَيري من يرتاحُ أو يَرتاعُ إِن
عَنَّ لَهُ ما يُرتَجى أو يُتَّقى
لأحذينَ العيس كلَّ مهمَهٍ
تَشكُو النواجي في نواحيهِ الحِذا
تَرفَعُ فيهِ جارَها العِيسُ إذا
ما رَفَعَ الآلُ الشُخُوصَ وَحَزى
ترى اللغام فيه ممجوجاً على
ما مَجَّتِ العِيدَانُ فيهِ مِن لَثَى
لم يَلتَفِث فيهِ امرُؤٌ لِشبحٍ
غيرِ وُحُوشٍ سُنَّحٍ ولا رَنَا
كَم قَد رأَت عَيناي مِن مَناظِرٍ
تَرُوق أَو تَرُوعُ عَيني مَن رأَى
وَقَلَّبَت قَلبي اللَيالي بَينَ ما
قد لانَ مِن خُطُوبِها وَمَا قَسَا
فَلَم يَطِر لِمُونسٍ مَسَرَّةً
ولم يَطش لموحِشٍ ولا نَزَا
وَمُشبِهٍ ذَوبَ اللآلي والمَهَا
وَرَدتهُ بَينَ مَهاةٍ وَلأى
وَذَنبُ السرحانِ يَسمُوا صاعِداً
وَمَعطِسُ السرحانِ يَشتَمُّ البَرَى
يَستافُ أَرواحَ الصَعيدِ عَلَّها
تَهدى إلى مُفتأدٍ أو مُشتَوَى
أَو لِمُناخِ مُخدِجٍ ساقِطَةٍ
لِجنبِ سُقطٍ بَينَ غِرسٍ وَسَلى
وَقَد طَوَى تَنائِفاً حَتَّى انطوى
مِن طَيِّهِ البِيدَ وَمِن فَرطِ الطَوَى
يَشرَبُ طَوراً قانِياً ذا حُمرَةٍ
يَفتَضُّهُ ما بَينَ بَطنٍ وَمَعِي
وتارَةً فَضيضَ ماءٍ أزرَقٍ
يُفضي إلى بطنٍ دَميثٍ مِن مَعى
وَمَنهَل تُمسي النُجُومُ عُوَّماً
سابِحَةً فِيهِ إذا اللَيلُ سَجَا
أَعفاهُ مِن ذي قَدَمٍ وَمَنسِمٍ
وَسُنبُكٍ فَرطُ التنائي فَعَفَا
لَم يَترُكِ الهَولُ إليهِ مَسلَكاً
إِلا وَصَدَّ النَفسَ عَنهُ وَعَدا
يَهابُ مِن آسادِه وَاردُهُ
ما هابَ مِن سَمِيِّهِنَّ الشَنفَرى
تَزدَحِمُ الوُحُوشُ فيهِ سُحرَةً
وَتَلتَقي فيهِ إذا صَرَّ الدَبى
تَرى بِهِ أَظلافَهَا نَواصِلاً
بَينَ حَديثٍ وَقَديمٍ مُنتَضَى
يَملأُ ما قَد ساخَ مِنهُنَّ الحَصَى
كَصَدَف البَحرِ عَلى الدُرِّ احتَوَى
وَرَدتُهُ وَالبُومُ يَستَدعي بِهِ
في آخرِ الليلِ مُناغَاةَ الصَدَى
وَبَلدَةٍ قَد عُقِمَت عِيدانُها
فَمَا سِوَى النَبعِ لَهَا مِن مُجتَنَى
أَصمَيتُ آمالي بِأَقواسِ السُرى
فيها فَكانَت مِثلَ أَقواسِ السَرَا
قَد غابَ فيها الفَجرُ بَعدَ بَدوِهِ
وعطفَ الليلُ العِنان وَعَكى
تأوى إلى القلب بِها وَحشَتُهُ
إذا ابن آوى آخِرَ الليلِ عَوَى
أعيَت على العيسِ فَلَيسَت تَختطى
بالوَهمِ بل لَيسَت بِوَهمٍ تُختَطى
شَبَّت بها مِن بَعدِ ما قد هَرِمَت
آمالُ من أهرَمَ فيها ما افتلى
تَوقَّدَت فيها جِمارٌ مِن حَصىً
إذ علاها أخمصُ الرِجلِ اكتَوَى
وَلَو يَمُرَّ طائِرٌ بِجَوِّها
إذا احتمى فيها الهَجيرُ لانشوى
فالطيرُ لا تأوى بهِ إلا إلى
ظِلٍّ إذا الظِلُّ إلى العُودِ أوى
دَوٌّ مُبيدٌ يُقسَمُ الماءُ بِهِ
تَصافُناً حَيثُ الهَبيدُ يُغتَذى
فالماءُ فيها لَيسَ إلا قدرَ ما
يُخفى حَصاةً في إناءٍ يُحتسى
قَطَعتها بِعادياتٍ ضُمَّرٍ
وَخادِياتٍ جاذِباتٍ لِلبُرى
كَم فَرَّقَ الحادي بها غدائِراً
مِنَ الدياجي بالفَلا وَكَم فَلا
تُطيرُ شَذانَ الحصى فيها كَمَا
يُطايرُ المِرضاخُ مَلفُوظَ النَوى
أحذيتُها الوَخدَ الصَريحَ حَيثُ لا
تَغنى القِلاصُ عَن سَريحٍ يُحتَذى
فانتَقَضَت وانتَقَصَت أعظُمُها
مِمّا أرارَ السَيرُ مِنها وَانتَقَى
وَفَتَّ في الأَعضادِ مِنها عاضِدٌ
شَذَّبَ قُضبَانَ الهَوَادى والتَحى
تَهفُو بِها الأَرواحُ مِمَّا صَوِيَت
أَجوافُها كَأَنَّها نَخلٌ صَوى
وتعتلي أنفاسُها إذا اعتلى
مَتنَ الفَلا بها الوَجيفُ واغتلى
يكادُ منها كلُّ عظمٍ عِندَما
تَزفِرُ أن يَصفِرَ مما قد خوى
وَليلَةٍ مُوحِشَةٍ ظَلماؤها
أنِستُ فيها بالحُسامِ المُرتَدى
قَد سَهِرَ البَرقُ بِها مَخافَةً
واكتَمَنَ الإِصباحُ فيها واكتمى
ناغى بِها الأصداءَ كُلُّ سابِقٍ
لَم يُبقِ مِنهُ جَوبُها غَيرَ صَدى
ما سالَمَت قِرَّتُها إذ صَدَقَت
في كاذِبِ الفَجرِ سِوَى مَنِ افترى
سَمَت بها عَيني على سامِيَةٍ
وَشَت إلى طَرفي بِحَىٍّ قَد وَشى
فيالَهُ من مَوقِدٍ قد التَقَى
مِن حَولِهِ من اصطَلَى وَمَن صَلَى
سَنُّوا على أَثوابِ أعراضِهِم
ماءَ السَخاءِ فَنَفَي عنها الصَخَى
وبارِقٍ مُؤتَلِقٍ في عارِضٍ
مُندَفِقٍ يُخفى الدُجى إذا خَفَا
كَثَغرِ مَن أهوَاهُ أَو ثُغرَتِهِ
إذا اكتسَى بالزَعفَرَانِ واطَّلَى
لم أدرِ هَل أَبصَرتُ مِن سَحابِهِ
أدهَمَ قَد أعلى الهَديرَ وَرَغا
أَم أَشقَرَ البَرقِ الَّذي جالَ بِهِ
فَتَحَ فاهُ بالصَهيلِ وَشَحَا
في مُكفَهِرَّاتِ الصَبيرِ قَد مَطا
مِن دُهمِها حادى الصَبَا بِما مَطا
حَوامِلٌ حَقائِباً مِن لُؤلُؤٍ
رَطبٍ حَثَا مِنهُ النَسيمُ ما حَثَا
يَمشِينَ في سَلاسِلٍ مُذهَبَةٍ
مِنَ البُرُوقِ مِثلَ مَشى المُهتَدى
فالماءُ في أقطارِها مُحتضَنٌ
واللَهبُ المَشبُوبُ فيها مُحتَى
وَمُرضَعٍ بِثَدي كُلِّ حُرَّةٍ
حَنَت على تَربِيبهِ حَتَّى نما
أَضحَت بِهِ صُلعُ الرُبى مُعتَمَّةً
وأَصبحت فُرعاً بِهِ بَعدَ الجَلا
تَجلِبُ فيهِ العُفرُ باستنشاقِها
طِيبَ الشَذا إذا نَفَت عنها الشَذا
تباغَمَت فيهِ الظِباءُ وانتجى
ذُبابُهُ الحَوليُّ اخفى مُنتجى
ألقى ذِراعاً فَوقَ أُخرى وَحَكى
تَكَلُّفَ الأجذَمِ في قَدحِ السَنَا
كأنَّما النَورُ الذي يَفرَعُهُ
مُقتَدِحاً لِزَندِهِ سقطٌ وَرى
طاردتُ في أرجائِهِ سِربَ مَهاً
أَمهى النَدى أَلوَانَهُنَّ فَمَهَا
قَد ناسَبَت ظَواهِرٌ بَوَاطِناً
مِنها ابيضاضاً بالنَدى وبالنَّدَى
وجالَ طِرفي حَيثُ جالَ الطَرفُ في
نُورِ مَهاً تَرعى وَنَورٍ يُرتَعى
ومطلعٍ لنيراتِ أوجُهٍ
منظرُها في كلِّ عينٍ قد حلا
تلألأت لي منهُ شمسٌ قُلِّدَت
مِن الدراري وَمِن الدُرِّ حُلى
قد كان يأبى وَصلَها الدهرُ إلى
أن غضَّ عنها ناظِرَيهِ وَغَضا
فيالَها من لَيلَةٍ نَجَّى بِها
قَلبي من الوَجدِ حَبيبٌ قَد نَجا
لمَّا دَنا فيها الحبيبُ وانتهى
جَنى المُنى اشتَدَّ نَواهُ واعتصَى
وَأَعقَبَ التَسليمَ تَوديعٌ بِهِ
غابَ الهِلالُ حينَ لاحَ ابن ذُكا
أَمسَكتُهُ وَقَد رَسَا الحَلى لَهُ
مِن نَبإِ الصُبحِ المُبينِ مارَسَا
قال أَما أشعَرَكَ الحلى الَّذي
أَشعَرَني بِبَردِهِ قُلتُ بَلَى
فَقُمتُ مَذعُوراً لِبازٍ أَشهَبِ
نَفَى غُرَابَ اللَيلِ مِن بَعدِ الحَدَا
وَالصُبحُ قَد تَمَخَّضَت بِهِ الدُجى
حَتَّى بَدا مِثلَ الجَنينِ المُختَفَى
كأَنَّما ضَوءُ الصَباحِ جَذوَةٌ
وَاللَيلُ زَنجيٌّ عَلَيها قَد جَذا
وَمُشرِقٍ لِنَيِّرَاتِ أَكؤُسٍ
مَطعَمُها للشارِبينَ قَد حَلا
أَنستُ إذ آنَسَ مِنهُ ناظِري
نجماً بِنَجمٍ في يَدَيهِ قَد سَعى
مِن قَهوَةٍ تُقوى على دَفعِ الأَسَى
فَهيَ أحَقُّ قُنيَة أن تُقتَوى
إِن ضاقَ ذَرعٌ للفتى أفضَت بِهِ
إلى مَجالٍ للسُرُرِ قَد فَضا
أُمٌّ وَلُودٌ لِلمُنى ما عاقَها
فَرطُ انتهاءِ السِنِّ عَن فَرطِ الضَنَى
واشتَرَطَ السَقي لها مُهفهَفٌ
حَلا بِسَقي مِثلها مَن قَد حَلا
جَرَيتُ في عِنانِ دَهري مِثلَما
كانَ الزَمانُ في عناني قد جرى
ما أحدَثَت حادِثَةٌ لي رَوعَةً
ولا اعتراني جَزَعٌ لما اعترى
قد عَرَفَت دُنياي أنِّي عارِفٌ
وَسَبَرَ الدهرُ اصطباري وَبَلا
لم يَستَمِل نَفسي حِرصٌ مُطَّبٍ
إذا استمالَ النَفسَ حِرصٌ وَاطبى
ولي فؤادٌ مُنصِفٌ في حُكمِهِ
مُتَّصِفٌ بالعَدلِ فيما قَد قَضى
كَم دَمَّث الخُلقَ لِمَن في خُلقِهِ
دَماثَةٌ وَكَم جَسَا لِمَن جَسَا
أَحُوطُ خُلصَاني ولا أُقصى وَلا
أَقُولُ حُطني لا ولا حُطني القَصَا
قد وافقَتني أزمُني وخالَفَت
ولانَ لي عِطفُ الليالي وَعَسا
وَلَم تُقَصّشر مُهجَتي في الجِدِّ بَل
قَصَّرَ بي جَدٌّ إذا شِئتُ أبي
يا زَمَناً حَفَا المُنَى مِن بَعدِ ما
قَد كانَ والى البرَّ منهُ واحتَفَى
قد بلغَ الحِزامُ طُبيَييهِ وقد
أفرَطَ حَتَّى بَلَغَ السَيلُ الزُبَى
أنأيتَ يا دهرُ المُنى من بَعدما
أدنيتها فما عدا عما بدا
يا هل أني أن أبلُغَ الحَظَّ الَّذي
كَم قُلتُ في تأمِيلِهِ يا هَل أَنَى
أم هَل دَرى عارِفُ وَجدِي أَنَّ ما
لَم يَدرِهِ أكثَرُ مِمَّا قَد دَرَى
أَمَرَّ لي دَهري وَقَد كانَ حَلا
فلَيسَ لي بطائِلٍ مِنهُ حَلى
لَم يَعرِفِ الأَيَّامَ عِرفاني بِهَا
مَن زَجَرَ الطَيرَ وَعافَ وَحَزى
ما يَقظَاتُ العَيشِ إلا حُلُمٌ
ولا مَرائى الدَهرِ إلا كالرُؤى
وَالعَيشُ طَوراً مُشتَهىً مُستَمَرأٌ
وَتارَةً مُستَوبَلٌ وَمُجتَوَى
وَكَيفَ تَصفُو لامرئٍ مَعِيشَةٌ
وَمَوردُ الدُنيا مَشُوبٌ بالقَذَى
لَم يَخرُجِ المَرءُ بِها لِنِعمَةٍ
وإِنَّما القصدُ بِهِ أن يُبتَلى
وإِنّما الآمالُ فيها صُوَرق
تُخلَعُ أحياناً وَحِيناً تُكتَسى
وَالعَيشُ مَحبُوبٌ إلى كُلِّ امرئٍ
لا فَرقَ بَينَ الشَيخِ فيهِ والفتَى
والدَهرُ رامٍ أبداً مُبقٍ لما
أَشوى وإِن أَصمى امرأً فَلا شَوى
وَلَيسَ للإِنسانِ في عيشتِهِ
نَفعٌ إذا صِبغُ الصِبَا عَنهُ نَضَا
إِن هُوَ لَم يقعُد مِنَ الضَعفِ جَثَى
وَهناً وَإِن لَم يَحبُ في المَشي اعتَصَى
وَخَيرُ عَيشِ المَرءِ ما سُرَّ بِهِ
وَمَن يَقُل قَولاً سِوَى هذا هذي
مَنه أقنَعَ الحَظُّ القليلُ نَفسَهُ
أضحى عَنِ الحَظِّ الكَثير ذا غَنى
وإِن أغنى الناسِ عِندي عاقِل
أبدى اقتناعاً بالقليلِ واكتَفى
مَن ابتغى من لم يُقدَّر كَونُهُ
لَهُ فإِن مستحيلاً ما ابتغ
قد يُدرِكُ الحاجة من لم يَسعَ في
طلابها وَقَد تَفُوتُ مَن سَعى
من كان سَعدُ الجَدِّ مِن أعوانِهِ
أظفرَهُ اللَه بأقصى ما رجا
وَمَن يَخُنه الجَدُّ لم يَنهَضِ بِهِ
جِدٌّ ولم يَظفَر بِأدنى ما نَوَى
وخيرُ ما يدخِرُ المَرءُ وَمَا
يُبقيهِ في أعقابهِ طيبُ الثَناء
والحُرُّ للحُرِّ مُعينٌ مُنجدٌ
لهُ على الخَطبِ إذ الخطبُ عَرا
وَكُلُّ من يَستَصعِبُ السَهلَ فَمَا
يَستَسهِلُ الصَعبَ إذا أمرٌ عَنَا
مَن يَسمَع الجَفوَةَ في خِلٍّ وَلَم
يَغضَب لَها فإِنَّهُ كَمَن جَفَا
مَن لَيسَ مأمُوناً بِحالِ ضَرِّهِ
فَنَفعُهُ في حالَةٍ لا يُرتَجى
وَالبُعدُ مِمَّن لا يُفِيدُ قُربُهُ
فائِدَةٌ حقيقةٌ أَن تُقتَنى
وَأُلفَةُ الناسِ يَراها وَحشَةً
مَن أَلِفَ الوَحدَةَ عَنهُم وانزَوَى
مَن لم يَكُن مُنتَمِياً للخَيرِ لَم
يُكرَم وَإِن كانَ كَريمَ المُنتَمى
مَن صاحَبَ الإِنسانَ في العُسرِ كَمَا
صاحَبَهُ في يُسرِهِ فَقَد وَفَى
وَمَن يُفارِقهُ إذا ما يُسرُهُ
فارَقَه فَما وَفى ولا رَعى
وَشَرُّ ما يُمتَحَنُ المَرءُ بِهِ
صُحبَةُ مَن لا يَنتَهي عن الأذى
وَما على الإِخوانِ أشجى غُصَّةً
مِن شامِتٍ مُنتقِمٍ إذا اشتفى
وَالحُر بالإِحسان مَملوكٌ وإِن
لَم يَكُ مَملُوكاً بِبَيعٍ وَشِرا
مَن يُرضِ مَخلوقاً بما لا يرتضى
خالِقُهُ فإِنَّهُ شَرُّ الوَرى
وَشَرُّ خَلقِ اللَهِ مَن لا يَتَّقى
إِلهه وَيَزدرى أهل التُقَى
مَن لَم يَكُن بِعَقلِهِ مُستَبصراً
فإِنَّما إبصارُهُ مِثلُ العَمَى
وَلَيسَ مَن عشا إلى نارِ الهَدى
كَمِثلِ مَن أعرَضَ عَنها وَعَشا
قد يُحسَبُ النَصيحُ ذا غِشٍّ وَقَد
يُظَنُّ ذو الغِشِّ نصيحاً وَيُرى
ما أصل فِعلِ المَرءِ إلا رأيُهُ
وليسَ أصلُ رأيِهِ إلا الحِجا
والمَرءُ في أفعالِهِ جارٍ على
ما أوجبَ الطبعُ لهُ وما اقتضى
فاعرف سجايا الناس وافرُق بين مَن
قد لانَ مشنهُ عُودهُ ومَن قَسا
ولا تَجُز في كُلِّ من عامَلتَهُ
حُدُودَ ما يُرجى إلى ما يُتَّقى
فالحرُّ والعَبدُ الذي شيمَتُهُ
شيمَةُ حُرٍّ بالكلامِ يُطَّلى
والعَبدُ وَالحُرُّ الذي شيمَتُهُ
شيمَةُ عبدٍ مالَهُ إلا العَصَا
فارفُق بِمَن لا يَصلُحُ العُنفُ بِهِ
فَمَن يُداوِ الضِّدَّ بالضِّدِّ شَفى
ولا تَضَع مكانَ لِينٍ شِدَّةً
فَمَن سَطَا في مَوضِعِ الحِلمِ هَفا
لَيسَ الكِلامُ كالكَلامِ مَضَضاً
ولا الضِّرَابُ بالعَصَا مِثلَ العَصَا
قد يَقصِدُ النفعَ فيلقى ضِدَّهُ
مَن لَم يَمِز بَينَ الصَميمِ والشَظى
لا تدَّخِر غيرَ الثَناءِ قنيةً
إِنَّ الثَناءَ خَيرُ عِلقٍ يُقتنى
واحتَذِ حَذوَ كُلِّ ذي سَماحةٍ
إِنَّ السماحَ خَيرُ نَهجٍ يُحتَذى
ولا تُحالِف مضن أبي مُرُوءَةً
ولا تخالِف مَن سرا وَمَن نَدَا
فَكَم نَدا بَينَ النُجُومِ مَن نَدا
وكَم سَرى بَينَ الدراري مٍن سرا
فإِن لَقِيتَ شِدَّةً دُون العُلا
فالشهدُ يلقى دُونَهُ حَدُّ الحُمى
مَن يَدرِ الجِدِّ والإِقدامِ لَم
يُحجِم وَلَم يُخلدِ إلى ظِلِّ الوَنى
لو نِيلَتِ العَلَيا بِلا مَشَقَّةٍ
كانَ طِلابُ المَجدِ أَدنى مُبتَغى
وَلَم يَكُن بَينَ الوَرى تَفاوُتٌ
فِي شِيَمِ البَأسِ وَأَخلاقِ النَدى
لَكِنَّ غاياتِ العُلا مِن دُونِها
طُرقٌ صِعابٌ يُتَّقَى فيها الرَّدى
فَقَد تَصَدَّى لِلرَّدى بِجُودِهِ
كَعبٌ إلى أَن ماتَ مِن فَرطِ الصَّدَى
وَلَم يُغِث مُهجَتَهُ بالرِّيِّ بَل
أَروى أخاهُ النمريَّ وَسَقَى
وَقَد تَصَدَّى لِلرَّدى رَبِيعَةٌ
حَتَّى حَمَى مِن ظُعنِهِ ما قَد حَمى
وَطاعَنَ الخَيلَ دُرَيدٌ عَن أبي
ذُفافَةٍ حَتَّى انثنى وهوَ لَقَى
إِنَّ احتِياطَ المَرءِ في أَفعالِهِ
رأيٌ يُؤَدِّيهِ إلى سُبلِ الهُدى
وَكُلُّ أَمرٍ قَد أُضِيعَ الحَزمُ في
بَدأَتِهِ فهوَ كَرِيهُ المُنتَهَى
لَو هُدى الوضاحُ نَهجَ رُشدِهِ
لما عصى رأى قَصيرٍ في العَصَا
وَلَو غَدا سَمِيُّهُ مُوَفَّقاً
لَم يُلقِهِ هَوَاهُ في بَعضِ الهُوَى
وَلَو غَدا مُسَاعِداً لِقَومِهِ
في الرَّأيِ عَمرُو بنُ سَعِيدٍ لَنَجا
وَلَم يَقُل صَقرُ بني أُمَيَّةٍ
إذ صادَهُ كَيداً لَهُ أطرِق كَرَا
وَلَو رأَى النُعمانُ رأيَ رُشدِهِ
لما رأى في ابنِ عَدِيٍّ ما رأى
ولو رأى رأى دُرَيدٍ صِنوُهُ
لم يَنتَقِع نَقِيعَةً يَومَ اللِّوا
وَرُبَّ رأيٍ حَسَنٍ قَدِ اغتَدَى
مُقبَّحاً عِندَ الجَهُولِ مُزدَرى
قد كَذَّبَ الزَرقاءَ قَومٌ حَسِبُوا
مَقالَها الصادِقَ زُوراً مُفتَرى
سضمَت بِعَينِيها إلى الجَيشِ الَّذي
تَدَرَّعَ الأَشجارَ كَيداً واكتَسَى
قالت وَلَم تَكذِب أرى مُقبَلَةً
إليكُم يا قَومَ أشجارَ الفَلا
وَأَبصَرَت ما لَم تُحَقِّق عَينُها
صُورَتَهُ في كَفِّ شَخصٍ قَد نَأى
قالَت أراهُ خاصِفاً أَو آكِلاً
لِكَتِفٍ لهَفى على ما قد أَتى
فَصُبِّحَت دِيارُ مَن كَذَّبَها
بِجَحفَلٍ قد عاثَ فيها وَعَثَا
وَقد جَفا زَبراءَ حينَ صَدَقَت
فِيما بهِ قَد نَطَقَت مَن قَد جَفا
وأطرَفَت طَرِيفَةٌ فيما حَكَت
مِن نَبَإِ السَدِّ وما مِنهُ انهوَى
فاهَت بِقَولس مُعتَزٍ للصدقِ في
تمزيق قَحطان على الأرض عِزَى
فما نَجا غَيرُ امرئٍ صَدقها
وأهلكَ الباقينَ سَيلٌ قَد طَغى
وَسَرَّحَ السَدُّ عِنانَ جامِحٍ
يَجيشُ مِثلَ البَحرِ مِن كَلِّ عَنَا
مَن ظَاهَرَ العَزمَ بِحَزمٍ ظَهَرَت
نَتائجُ النُجحِ لَهُ فِيما نَوَى
وَمَن نَحا أَمراً بِعَزمٍ نافِذٍ
مِن غَيرِ حَزمٍ لَم يُصِب فيما نَحَا
لَم يُخلِ سَيفٌ عَزمَهُ مِن حَزمِهِ
إِذ سَلَّ سَيفَ الجِدِّ قِدماً وانتَضى
سَما لِكِسرى بَعدَ قَصدِ قَيصَرٍ
وَلَم يُقَصِّر في السُرى ولا أَلا
حَتَّى حَوَى مُلكَ ذَمَارِ وحَمى
مِنَ الذِمارِ المُستباحِ ما حَمى
وَقادَ كُلَّ محربٍ حَتَّى ارتقَى
مِن رأسِ غُمدانَ بمِحرابِ الدُّمَى
وَشَربَ الكَأسَ هَنيئاً عاقِداً
لتاجهِ وَجَرَّ ذَيلاً وانتَخَى
وَلَم يَبِن عَن أَيدِ عُمرو كَيدُهُ
إِذ أَنزَلَ الزَباءَ مِن شُمِّ الذُّرى
مِن بَعدِ ما أَبصَرَها أَنأَى مَدىً
مِن لَقوَةِ الجَوِّ وَأَعلى مُرتَقى
وَلَم يُقَصِّر في مَدى الكَيدِ الَّذي
جارَى بِهِ عَمراً قَصِيرٌ بَل شَأَى
فأَظهَرَ النُصحَ وَأَخفى ضِدَّهُ
كَمَن أَسَرَّ حَسوَةً لَمَّا ارتَغَى
وَغَرَّها جَدعُ قَصِيرٍ أَنفَهُ
فَأَمِنَتهُ وَهوَ مَرهُوبُ الشَّدَا
فَدَسَّ مَحضَ الخُسرِ في الرِّبحِ لَهَا
وَأَدرَجَ الشَرَّ لَها فيما شَرَى
وَأَوقَرَ العِيسَ رِجالاً وَعَبَا
بُؤساً لَهَا وَأَبؤُساً فِيما عَبَا
وَارتَابَ في مَشى الجِمَالِ لَحظُها
وَ لَم تُحَقِّق عِندَ ما قالَت عَسَى
وَما دَرَت ما فَوقَها حَتَّى غَدَت
مُقصَدَةً بِسَهمِ دَهىٍ ما حَبَا
فَجَلَّلَ الهامَةَ مِنها سَيفَهُ
عَمرٌ ووَأروَى الهامَ مِن بَعدِ الصَدَى
وَأَدرَكَ الطَّسمِىُّ قِدماً ثارَهُ
عِندَ جَديسٍ وَدَها مَن قَد دَهَا
وَلَم يُقَصِّر في طِلابِ ثارِهِ
مُحَرِّقٌ مِن بَعدِهِم ولا ائتلى
وَكانَ آلى أن يُبئ مائَةً
بِوَاحدٍ فَلَم يَمِن فيما ائتلى
فَكَمَّلَ العِدَّةَ إلا واحداً
لَم بمطُلِ الدَهرُ بِهِ ولا لَوى
فَأَلحقَ الشقي بالأشقَينَ إذ
أَطمَعَهُ شَمُّ القُتارِ في القِرَى
وَاختَلَقَ الجحَّافُ عَهداً حِيلَةً
َوَكانَ ذا دهىٍ مَتَى يَخلق فَرَى
وَقَادَ جَيشاً غالباً لِتغلِبٍ
قَد سَطَعَ النَقعُ عَلَيهِ وَهَبَا
حَتَّى أَضاقَ بالرَّحُوبِ سَيفُهُ
بِمَن أَبارَ مِنهُم رَحبَ الفَلا
وسامَهم بالبشر يوماً عابساً
أضحك كل ضبعٍ ذاتِ عثا
ليس الكريمُ راضياً بعيشَةٍ
يعوقُهُ الدهرُ بها عَمَّا ارتضَى
ومَن يَقُل إِنَّ حياةَ المَرءِ في
دارِ الهَوانِ ميتَةٌ فما غلا
ولحذارِ الذُّلِّ أَلقى نفسَهُ
ذُو يَزَن في لُجِّ بَحرٍ قَد طما
وَقَد سَقى أَبُو بَراءٍ نَفسَهُ
كأسَ الحمامِ إذ عَصَاهُ مَن عَصى
وَلَفَّ إذ رامَ الهُوىَّ مِن عَلٍ
ثَوباً عليهِ ابنُ الأَشَجِّ وَهَوَى
مِن بَعدِ ما شَبَّ لَظَى وَقائِعٍ
أَصلى بِها غُلبَ الأُسُودِ واصطَلى
وَظَلَّ بالدَيرِ يُسَاقى أَكؤُساً
بِكُلِّ إِبريقٍ صَقِيلٍ مُمتَهى
وَقَامَ زَيدٌ مِن هِشامٍ مُغضَباً
قَد شَرَّدَ الخَوفُ بِهِ وَقَد زَرَى
جابَ الفَلا مِن وَجَلٍ مُختَفِياً
يَشكُو إذا تَقَرَعُهُ المَروُ الوَجَا
مُبلى عُذرٍ في اعتِزازِ نَفسِهِ
حَتَّى ابتلاهُ رَبَّهُ بِمَا ابتَلى
وَانتَهَجَ المُصعَبُ نَهجَ مَن قَضى
بالطفِّ مِن آلِ النبيِّ وائتَسى
وخاضَ بحرَ الحَربِ وَهوَ مُزبِدٌ
حَتَّى نَعَاهُ للمعالي مَن نَعى
ولَم يَزَل هذا الزَمانُ يُبتلى بِهِ
المُعافي ويُعافي المُبتَلى
فَكَم عَلِمنا مِن مُوَقّىً بَعدَما
كانَ مُلَقَّى كُلَّ ضُرٍّ وَعَنا
وَكَم عَرَفنا مِن مُلقى بَعدَما
كانَ مُوَقَّى كُلَّ هَمٍّ وَأَسى
فَقَد غَدا غيرَ جَبيرٍ عِندَما
هِيضَ أَبو الجبرِ بِسمٍّ مُحتَسى
ثُمَّ امرُؤُ القَيسِ بنُ حُجرٍ بَعدَهُ
قد خلعَ العَيشَ بِسمٍّ مُكتَسى
وانتَفَضَ الجُرحُ بِصَخرٍ فاشتكى
سُقماً طَويلاً مُعيياً من قد أَسا
حَتَّى لقالت عِرسُهُ يا ليتَهُ
مَيتٌ فَيُبكى أَو صَحيحٌ يُرتَجى
وَكادَتِ الخَنساءُ تَقضى نَحبَها
مِن أَسفٍ عليهِ لَمَّا أن قَضى
وأبنتهُ بمراثٍ يحتذى
مثالها أُخرى الليالي مَن رَثى
والدهرُ لا يُبقى على نفسٍ ولا
يُبقى على عِلقٍ نَفيسٍ مُقتَنى
وَفي ادِّكار الحادِثاتِ عِبَرٌ
يُسلى بِها عن مِثلِها وَيُؤتَسى
ما هذهِ الأَعمارُ إلا طُرقٌ
رَواحِلُ الأَجسامِ فيها تُمتَطى
يَستَوحِشُ الإِنسانُ مِن نُقلَتِهِ
مِنها وَيَنأى صَبرُهُ إذا انتأى
وفي انتِقال الرُوحِ عَن جُثمانِهِ
عَن نُقلَةٍ الجِسمِ تعازَو أُسى
مَنِ ابتَغَى المَنجاةَ مِن دُنياهُ لَم
يَبتَغِ مِن عِيشَتِهِ غَيرَ الكُفَى
مَن تُخمِلِ الأَيَّامُ بَعدَ حُظوَةٍ
يَخمُل وَمَن تَحظِهِ دُنياهُ احتَظى
إِنَّ ثَوَاءَ المَرءِ في أَوطَانِهِ
عِزٌّ وَما الغُربَةُ إلا كالتَّوَى
وَقَلَّما بانَ امرُؤٌ عَن أرضِهِ
إلا وبانَ الصَبرَ عَنهُ ونأى
فقد تشكى ابن مُضاضٍ مَضضاً
مِن شَوقِهِ إلى الحجونِ وَالصَّفا
وكابَدَ الشَوقَ بلالٌ وَبَرى
جُثمانَهُ مِنَ السقامِ ما بَرى
وَظَلَّ مِن شَوقٍ إلى مَجَنَّةٍ
وَشامَةٍ يَشِيمُ إيماضَ المُنى
وَحَنَّ عَمرُو بنُ الوَليدِ إذ نأى
عَن يَثرِبٍ فما صَحا ولا سلا
وبانَ عَن وادي القُرى ابنُ مَعمَرٍ
فَحَنَّ مِن شَوقٍ إلى وادي القُرَى
والجُمَحِيُّ جَمحَ الوَجدُ بِهِ
فَلم يَرع لِسَلوَةٍ ولا ارعَوَى
فَلَم يَطِب بالشَّامِ نَفساً وَطَبا
فُؤادَهُ إلى الحِجازِ ما طَبَا
وبانَ عن أوطانِهِ ابن طالبٍ
إذ ظَلَّ مَطلوباً بِدَينٍ مُقتَضى
فأصبَحَت مُهجَتُهُ مَقسُومَةً
بَينَ الحُجيلاءِ وَبَينَ قَرقَرى
وَكَم تَمَنَّى وَرَجا أَن يَشتَفى
بشَربَةٍ مِن مائِها فَمَا اشتَفَى
والمَرء يَرجُو والليالي تارَةً
تُدنى وَتنئى تارَةً ما قَد رَجا
وإِنَّما يَقضى بإنجاح المُنى
مَن قَد قَضى في كُلِّ شَيءٍ ما قضى
لا تَعتَقد أن لخلقِ قُوَّة
إلا إذا ما اللَه أَعطاهُ القُوَى
فأصغرُ الأَشياءِ قد أَثَّرَ في
اَعظمِها بالعَونِ مِن رَبِّ العُلا
قد أهلك الأُحبُوش طَيرٌ قد رَمى
جُيُوشَهُم بِمَكَّةٍ بِما رَمَى
وَهدَّ قدماً هُدهدٌ بنبإٍ
ما كان هدهاد لِبِلقيسَ ابتَنى
وَقَد أعادَ الفَأرُ سَدَّ مَأرِبٍ
دَكّاً كَأَن لَم يَبنِهِ مَن قَد بَنَى
وَأَلقَتِ النَمرُوذَ عَن كُرسِيِّهِ
بَعُوضَةٌ عَدَت عَلَيهِ إِذ عَدا
وَقَلَّما مُدَّ المَدى لِمَن غَدَا
في الظُلمِ والعُدوانِ مَمدُودَ المَدَى
وَكَيفَ لا يَخافُ عُقبَى البَغي مَن
رَأَى عِقابَ اللَهِ فِيمَن قَد بَغَى
قد حَفِظَ اللَهُ نِظامَ الخَلقِ في
دُنياهُمُ وَلَم يَدَع شَيئاً سُدَى
فلَيسَ يُخلى خَلقَهُ مِن رافِعٍ
لِمَا هَوى أَو راقِعٍ لِما وَهى
إِمَّا نَبيٌّ مُرسَلٌ بِوَحيهِ هادٍ
وإِمَّا مَلِكٌ عَدلٌ رِضَا
قَد بَدَأَ اللَهُ الهُدَى بِآدَمٍ
وأَظهَرَ الخَيرَ بِهِ حَتَّى هَدَى
وأرشد الخلقَ برُسلٍ بعدَهُ
هدوا إلى سبيلهِ كما هدى
وَجَمَعَ اللَهُ جَميعَ هَديهِم
وفَضلِهِم في الهاشميِّ المُصطَفى
وَخلفَتهُ في الهُدى خَلائِفٌ
بِهَديهم بَعدَ هُداهُ يُقتَدى
ثُمَّ انتَهَى كُلُّ رَشادٍ بَعدَهُم
إلى أَميرِ المُؤمنينَ المُجتَبى
خَلِيفَةٌ أَحسَنَ للناسِ فَقَد
جَزَاهُ بالإِحسانِ عَنهُم مَن جَزَى
نادى إلى طاعَتِهِ داعي هُدىً
لِصَوتِهِ في الشَرقِ والغَربِ نَدى
عادَ بِهِ الدَهرُ رَبيعاً كُلُّهُ
وَقامَ مِيزانُ الزَمانِ واستَوَى
كَم بَينَ بَدءٍ مِن نَدَى راحَتِهِ
وَعَودَةٍ سَرحُ الأَمَاني قد نَدا
هاضَ الجبيرَ مِن عِداهُ وَوَعى
بِهِ كَسِيرُ المُعتَفِينَ وائتَسَى
ساقَ المُلوكَ بَعَصَا سُلطانِهِ
فَكُلَّهُم صَيَّرَه عَبدَ العَصا
فَلَو أَرادَ سَوقَ خاقانَ بِها
لانقادَ في طاعَتِهِ وَمَا عَصَى
وَلَو أَرادَ سَوقَ كِسرى فارِسٍ
بِها ثَناهُ وَهوَ مَكسُورُ المَطا
وَلَو سَمَا بِها لِضَربِ قَيصَرٍ
لَسَامَهُ قَسراً بِها ضَربَ الجِزَى
وَلَو بِها أَرادَ سَوقَ تُبَّعٍ
لَجاءَهُ مُتبعاً وَما أبى
ولو نحا ناحِيَةَ الهِندِ بِهَا
لَم يَثنِها عَنِ البَلَهرَا بَل هَرَا
يُزجى إلى الهَيجاءِ كُلَّ مُقَربٍ
يُزجى الرَّدى إلى العُدا إذا رَدى
مِن كُلِّ ناضى مِخذَمٍ قد طالما
قد رَتَقَ الفَتَقَ بِهِ وَما رَتا
وَمُشرِعٍ لِعامِلٍ مِن عاسِلٍ
رَأى القَنَا أَكرَمَ ذُخرٍ فقَنا
ونازِعٍ في نَبعهِ يُصمى بِها
حَبَّ القُلُوبِ وَالكُبُودِ وَالكُلَى
غالي بما أمهرَ أبكارَ العُلا
وَمِرجَلُ الحَربِ العَوَانِ قَد غَلى
قَد فاضَ في الآفاقِ نُورُ سَعدِهِ
وَأَلبَسَ الأَيَّامَ حُسناً وَكَسَا
وَجَعَلَت جُدُودُهُ تُربى عَلى
ما شَيَّدَت جُدُودُهُ مِنَ البنى
مِن كُلِّ مَنصُورِ الجُنُودِ ناشِرٍ
لِلعَدلِ في الآفاقِ مَنشُورِ اللِّوَا
قد جَلَّلُوا قُضُبَهُم أَغشِيَةً
مِن عَلَقٍ كالقُضبِ مِن تَحتِ اللِّحَا
فَأَمَّنُوا الدّنيا بترويعِ العِدا
بالعُدوَةِ الدُنيا وفي أَقصى العِدى
قادُوا إلى أَندَلُسٍ كَتائِباً
أَمامَها النَصرُ العَزيزُ قد قَدَى
وَجَلَّلُوا شَطَّ المَجازِ سُبَّقاً
تَعدُو إلى غَزوِ الأَعادي الجَمَزَى
وَصَبَّحُوا الأَركَ بِجَيشٍ غَطَّ في
آذِيِّهِ أَذفُنش لَمَّا أَن غَطا
وَخَلَفُوا بالبيضِ قُرصَ الشَّمسِ في
أَرهاجِهِ حَتَّى رَأَوهُ قَد صَغَا
فَوَقَبَ الغاسِقُ عَن يَومٍ بِهِ
كَيَومِ ذي قارٍ وَيَومٍ الوَقَبى
بَل كُلُّ يَومٍ دُونَ ذاكَ اليومِ في
مانَصَّ مِن غُرِّ الفُتُوحِ وَجَلا
مَا كانَ ما قَد أَنجَزَ اللَهُ لَهُم
مِن مَوعِدِ النَصرِ حَديثاً يُفتَرى
فَلَم يَدَع جِهادُهُم للشِّركِ مِن
دارٍ وَلَم يَترُك لَهُم مِن مُدَّرَى
ثُمَّ دعاهُم رَبُّهُم فابتدَرُوا
إلى مَحَلِّ القُربِ مِنهُ وَالرِضَا
وأًبحت من بَعدِهِم فَريسَةً
لِمَن بَغى وَفُرصَةً لِمَن بَعَا
وَآضَ ما قَد كانَ مِنها خافياً
بَعدَ الظُهُورِ ظاهِراً بَعدَ الخَفَا
لَهفي لذكرى مَعهَدٍ عَهِدتُهُ
يُراحُ للأُنسِ بِهِ وَيُغتَدى
غَصَّ امتلاءً بالرويمِ عِندَ ما
أَقفَرَ مِن أُمِّ الرُّوَيمِ وَخَلا
تُلقى بِهِ أُمُّ السُبيعِ بَعدَما
كانَت بِهِ أُمُّ الخشيفِ تُلتَقى
أَخلى ذراها اللَهُ مِن أُلافِهِ
مِن بَعدما أَنمى بِها اللَه الذَرا
دعا الغُرابُ بِبنِيهِ وَبنى
جَلوى فَلبَّته لِيَجلُو من جَلا
كَأَنَّما لِحياهُ شِقّا قَلَمٍ
فَأي بِسِكِّينٍ شَبَاهُ مَن فَأَى
مَتى يُبايِن أَحَدُ الشِّقَينِ مِن
صاحِبِهِ أَثبَتَ بَيناً وَوَحى
فَأَنشَأت أَيدي الجِيادِ فَوقَها
غَيماً كثيفاً غَيرَ شَفَّافِ الرَّحى
قد طبّقَ الآفاقَ من أندلُسٍ
ودار في أرجائها دورَ الرحى
فَأَشرَقَ الشَرقُ بما أَشجى الملا
وَما أَغَصَّ كُلَّ جَوٍّ وَمَلا
فَصَيَّرَ البَيضاءَ بَرقُ بِيضِها
وَزُرقِها تَشكُو الخَلاءَ وَالجَلا
وَدَمَّرَت تُدميرَ سُحبُ فِتنَةٍ
وَبارِقٌ مِن مَطلَعِ البَغي بَغَى
وَمَحَقَت قُرطُبَةً كَمِثلِ ما
قَد مَحَقَ البَدرَ السِرَارُ وَمَحا
وَصارَ للوَحشةِ كُلُّ مَنزلٍ
قَد كانَ للأُنسِ بِحمصَ يُعتَرى
واختَرَمَت وُسطَى الثُغور وثبةٌ
مِن كُلِّ ضارٍ طالما دَبَّ الضَرا
طُوفانُ هَيجاءِ أطافَ هَيجُهُ
بها فلم يدع عَرىً إلا عَرا
وَفِتنَةٌ عَمياءُ سالَ سَيلُها
فَفَضَّ شَملَ المُسلمينَ وَعَمى
فَمِن رَدٍ طاحَ جُفاءٌ فَوقَهُ
وَمُفلِتٍ بِهِ المِهَادُ قَد جَفَا
فَكَم صَدىً فِيها وَهامٍ مُجتَلى
يَشكُو الصَدى ما بينَ هامٍ مُختَلى
وَتَسأَلُ الأَسيافَ فِيها رَيَّها
هامٌ جَواثٍ فَوقَ هامٍ في جُثى
أَضحَت لِسَانُ الحال تُملي شَجوَها
في كُلِّ حَفلٍ وَعَلى كُلِّ مَلا
فَقَد بَكَت أَنهارُها بِمَدمَعٍ
هامٍ مِنَ الوَجدِ لِهامٍ ما ارتوى
فالنَهَرُ الأبيضُ يُبكى شَجوَهُ
بِكُلِّ دَمعٍ مُستَفيضٍ ما رَقا
وَقَد بَكى النَهرُ الكَبيرُ صِنوُهُ
إذ لم يُطِق يُروى صدى هامٍ زَقَا
وَكادَ شُقرٌ أَن يَغيضَ عِندَما
غِيظَ بِعَيث الشُقرِ في كُلِّ عَرَى
وَأَنَّ وادي أَنَّةٍ في غَربِهِ
وَغَربُهُ ملآنُ من دَمعٍ جَرى
وَوَاديا الثغرِ المُنيفِ تاجُهُ
وإِبرهُ كِلاهُما قد اشتك ى
وقد شكى الثَغرُ صداهُ وَلَهاً
والماءُ مِنهُ بَينَ ثَغرٍ وَلَها
وَكَم بِها مِن سِلكِ نهرٍ قد حَوى
كُرسِيَّ مُلكٍ سِمطُهُ فيما حَوَى
قَد نَدَبَت أَمصارُهُ أَنصارَهُ
إذ لا أَذَاةَ مِن عَدُوٍّ تُشتَكى
فَيا لَهَا مِن دُرَرٍ تُخُرِّمَت
بِالغُرِّ مِن دُرِّ السُلُوكِ تُفتَدى
أَضحت عَلى أَيدي العِدا مَنثُورَةً
وَأَرخَصَ الإِشراكُ مِنها ما غَلا
واحتُوِيَت ذَخائِرُ الدِّينِ الَّتي
قَد طالَ ما أَعيا العِدا أَن تُحتَوى
وَلَو سَما خَليفَةُ اللَهِ لَهَا
لافتَكَّهَا بالسيفِ مِنهُم وافتَدَى
ففي ضمانِ سَعدِهِ مِن فَتحِهَا
دَينٌ عَلى طَرفِ العَوالي يُقتَضى
فَقَد أَشادَت أَلسُنُ الحال بِهِ
حيَّ على استفتاحِهَا حَيَّ عَلى
أَثأى العِدا ما كانَ مَرؤُوباً بِهَا
وَهوَ الَّذي يُرجَى بِهِ رَأَبُ الثَأى
يُزجى إِلَيها كُلَّ رِيحٍ زَعزَعٍ
عاتِيَةٍ عاصِفَةٍ بِمَن عتا
تَجلُو طَخاريرَ العِدا عَن أُفقِها
وَتَطخَرُ الأَقذاءَ عنها وَالطَّخَا
تُبكى الأَعادي بَعدَ طُولِ ضِحكِها
وَتُضحِكُ الأَضبُعَ مِن بَعدِ الضَهى
كَتائِبٌ قَد ظَلَّلَت راياتُها
عَراعِرَ القَومِ وَأَشجارَ العُرى
كَم لَيثِ بَأسٍ فَوقَ طَرفٍ قَد سَطَا
فِيها وَطِرفٍ تَحتَ لَيثٍ قَد سَطا
لَو شامَتِ الأَذواءُ مِنها بَرقَةً
لآبَ ذُو الأَذعارِ مَذعُورَ الحَشى
وَطَأطَأَ الرَأسَ المَنارُ المُعتَلى
لِعِزِّ مُلكٍ قَد تَسامى واعتَلى
وَأَصبَحَ الرَائِشُ غَيرَ رائِشٍ
سَهماً وَلا مُفَوِّقٍ لِما بَرَى
وَذَلَّلَت ذا يَزَنٍ بما انتَمَى
إلَيهِ مِن سُمرِ الرِماحِ واعتَزَى
وَأَبدَلَت ذا جَدَنٍ مِن نُونِهِ
ثاءً وَأَدَّتهُ إلى وَشكِ الرَدى
قد أصبحت دَولَتُهُ تَختالُ مِن
إِقبالِهِ في جدَّةٍ لا تُنتَضَى
ما زالَ يُملى المَلوانِ نَصرَهُ
وَسَيفُهُ يَختَطُّ ما يُملى المَلا
خَطَّ النَدَى في كَفِّهِ خَطّاً بِهِ
ذِكرُ سماحِ حاتِمٍ قَد امتحى
كَم آَضتِ الأَنضاءُ في مَسرَحِهِ
بُدناً وَكَم آلت بهِ إلى أَلى
وَلَوعَدَتهُ كانَ يَشكُو ظاهِرٌ
مِنها الضَوى وَباطِنٌ يَشكُو الصَوَى
فَكَم سَرَى رَكبٌ مُخِفٌّ نَحوَهُ
وَآبَ عَنهُ مُثقلاً بِما سَرَى
وَكَم حَبا الناسَ وَكَم أَسدى لَهُم
مِن نائِلٍ وَكَم أَنالَ مِن سَدَى
رَخَا بِهِ ما اشتَدَّ مِن عَيشِهِمِ
وَاشتَدَّ مِن عَيشِ العُداةِ مارَخَا
إِذا بَغَى الدَهرُ فَأَمسى جارحاً
أَسا نَداهُ كُلَّ جُرحٍ قَد بَغى
فَكَم شَفى من أَنفسٍ مَكلومَةٍ
بالدَهرِ قد أَعيا الإسا فيها الأَسا
يَأسُو بآلافِ النضارِ كَلمنا
مَن يَحسِبُ القِنطارَ مِنهُ كالمَنا
طاعَتُهُ مِن طاعَةِ اللَهِ فَمَن
دَعا إلى هذي إلى تلك دَعَا
وَطاعَةُ اللَهِ أَجلُّ نِعمَةٍ
حَقيقَةٍ لذاتِها أَن تُبتَغى
لَيسَ السَعيدُ غَيرَ مَن أَسعَدَهُ
إِلهُهُ بالعَفوِ عَنهُ وَالرِضا
ولا السخيُّ غيرَ من بذاتِهِ
قَد جادَ في ذاتِ الإِلهِ وَسَخا
مَن اشتَرى الباقي بالفاني يَفُز
بِهِ وَيَحمَد رَأيَهُ فيما اشتَرى
يأَيُّها الإِنسانُ إني ناصِحٌ
فاستمِع النُصحَ وَكُن مِمَّن وَعَى
لا تَغتَرِ بالعُمرِ واعلم أَنَّ ما
لَم يَمضِ مِن أَيَّامِهِ كَما مَضى
وَكلُّ مالا بُدَّ مِن إِتيانِهِ
وَكونِهِ فإِنَّهُ كَمَا أَتى
لا بُدَّ أن يَنتهى المَرءُ إلى
ما قَدَّرَ اللَهُ عليهِ وَقضى
وَعِلمُ ما يَصيرُ كُلُّ كائِنٍ
إليهِ شيءٌ عَن بَني الدُنيا انطَوَى
لَم يَأمُرِ النَفسَ بِرُشدٍ غَيرُ مَن
نَهنَهَها عَنِ الهَوَى وَمَن نَهَى
لا تَلهَ في وُجُودِكَ الأَوَّلِ عَن
وُجُودِكَ الثاني وَنَهنِهِ مَن لَهَا
فالمَرءُ ما بَينَ وُجُودَينِ وَمَن
ظَنَّ الوُجُودَ واحِداً فَقَد سَها
وَكُلُّ نَفسٍ ذاتُ وَجهَينِ بَدَا
مَرآهُما لِلعَينِ من حضيثُ اختَفَى
فَوجهُها الأَعلى لَهُ تَأثُّرٌ
لِما عَلَيهِ فاضَ مِن نُورِ النُّهَى
وَوَجهُها الأدنى لَهُ تَأثُّرٌ
لِمَا عَلَيهِ رانَ من حُبِّ الدُّنى
فَمَن سما بذاتِهِ إلى العُلا
زادَ كَمالاً لكمَالٍ وَزَكا
وَمَن هَوَى بذاتِهِ إلى الهَوى
زادَ بِهِ نَقصاً لنقصٍ وَدَسا
فاحرص على وُجُودِكَ الباقي وَدَع
ما لَيسَ يَبقى وَاقله فِيمَن قَلى
ولا تَحِد عَن سَنن السُّنَّةِ في
حالٍ وَكُن مِمَّن بِأَهلِها اقتَدى
وَخُذ مِن الآراءِ بالرَأي الذي
وافقَ قولَ اللَهِ واترُك ما عَدا
واحزم على الخَيراتِ واعمَل واعتَدِل
ولا تَكُن مِمَّن تَعَدَّى واعتَدى
نَظَمتُها فَرِيدَةً في حُسنِها
مَنظُومَةً نَظمَ الفَريدِ المُنتَقى
تَخطبُ بالأنفُسِ أَعلاقٌ لَها
نَفيسَةٌ بِكُلِّ عِلقٍ تُفتَدى
تَخيَّرَ اللفظَ الفصيحَ خاطري
لها ولم يحفل بحوشيِّ اللغى
قلدَها من المَعاني حليةً
وزَفَّها إلى المَعالي وَهَدى
نحوتُ في النُقلَةِ في أَغراضِها
مذاهباً أعيت على من قد نحا
فاختلفَت أغراضُها وائتلَفَت
بالمَذهَبِ المَقصُودِ فيها المُنتحى
وانتَسَبَ المَعَنى بلُطفِ حيلةٍ
فيها إلى المَعنى الذي مِنهُ انتَفَى
نَظَمَها ابنُ حازمٍ وَقَد نَمَى
نَسِيبَها لابن حِزامٍ مَن نَمى
وَقد عَزا الإِحسانَ في أَمثالِها
لابنِ الحُسَينِ أحمَدٍ مَن قَد عَزا
بَدَأتُها باسم الَّذي خَتَمتُها
بِحَمدِهِ جَلَّ الإِلهُ وَعَلا
فالبَدءُ باسم اللَهِ أَولى ما بِهِ
عِندَ افتتاحِ كلِّ امرٍ يُعتَنى
والحَمدُ لِلّهِ أجلُّ غايةٍ
يُبلَغُ بالقَولِ لَها وَيُنتَهَى
حازم القرطاجني
بواسطة: ملآذ الزايري
التعديل بواسطة: ملآذ الزايري
الإضافة: السبت 2012/04/28 12:40:55 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com