الرَوض مُقتبلُ الشَبيبةِ مونِق | |
|
| خِضلٌ يَكاد غَضارةً يَتَدفَّقُ |
|
نَثر النَدى فيهِ لآلئَ عِقدِهِ | |
|
| فَالزَّهرُ منه متوَّجٌ وَمُنَطَّقُ |
|
وارتاعَ من مرِّ النسيم بِهِ ضُحىً | |
|
| فَغَدت كَمائمُ زهرِهِ تَتفتَّقُ |
|
وَسَرى شُعاعُ الشَمسِ فيهِ فَاِلتَقى | |
|
| مِنها وَمنهُ سنا شموسٍ تُشرقُ |
|
وَالغُصنُ ميّاسُ القوامِ كَأنه | |
|
| نشوانُ يصبح بِالنَّعيم وَيغبقُ |
|
وَالطيرُ يَنطِق معرِباً عَن شَجوه | |
|
| فَيكاد يُفهَمُ عَنهُ ذاكَ المنطقُ |
|
غرداً يغنّي للغصون فَتنثَني | |
|
| طَرَباً جيوبُ الظلِّ مِنهُ تَشقّقُ |
|
وَالنهرُ لَمّا راحَ وَهوَ مسلسَلٌ | |
|
| لا يَستَطيع الرَقصَ ظلَّ يُصفِّقُ |
|
فَتملَّ أَيّامَ الربيع فَإِنَّها | |
|
| رَيحانَةُ الزمَن الَّتي تُستَنشَقُ |
|
وَسلافة باكرتُها في فِتيةٍ | |
|
| مِن مثلها خُلُقٌ لَهُم وَتخلُّقُ |
|
قَد عُتِّقت حَتّى تَناهت جِدَّةً | |
|
| وَكَذاكَ يَصفو التبرُ حينَ يُحرَّقُ |
|
شربت كثافتَها الدهورُ فَما تُرى | |
|
| في الكَأس إِلا جذوةً تَتَأَلَّقُ |
|
يَسعى بِها ساقٍ يهيجُ بِه الهَوى | |
|
| وَيُري سَبيلَ العِشق مَن لا يَعشَقُ |
|
تَتَنادم الأَلحاظ مِنهُ عَلى سَنا | |
|
| خَد تَكاد العَينُ فيهِ تغرقُ |
|
راق العُيونَ غَضارَةً وَنَضارَةً | |
|
| فَهوَ الجَديدُ وَرقَّ فَهوَ معتَّقُ |
|
وَدَنا كَما لَمع الجسامُ المنتضى | |
|
| وَمَشى كَما اِهتزَّ القَضيبُ المورقُ |
|
لا غروَ أَن ثمِلت مَعاطفُه فَما | |
|
| ينفكُّ في فيهِ الرحيقُ يُصفَّقُ |
|
وَأَظله مِن فرعِهِ وَجَبينه | |
|
| لَيلٌ تَأَلّق فيهِ صُبح مُشرقُ |
|
وَكَأنَّ مقلَته تردِّدُ لَفظةً | |
|
|
فَإِذا العُيونُ تَجمَّعت في وَجهه | |
|
| فاعلَم بِأَنَّ قُلوبَها تَتَفرَّقُ |
|
إِيهٍ مَديحي لا خُطاكَ قَصيرَةٌ | |
|
| يَومَ الرهان وَلا مَجالُك ضَيِّقُ |
|
هَذا مقامُ الملك حَيث تَقول ما | |
|
| تَهوى وَتُطنب كَيفَ شِئت فَتَصدُقُ |
|
في حَيثُ لا شرفُ الصفاتِ بِمعوزٍ | |
|
| فيهِ وَلا بابُ المَدائح مُغلَقُ |
|
ملكٌ يَلوذُ الدينُ مِنهُ بِمعقلٍ | |
|
| أَشِبٍ سُطاه سُورُه وَالخندقُ |
|
ظِلّ الإِله عَلى العِباد وَسرُّه | |
|
| في الأَرض وَالركنُ الشديد الأَوثقُ |
|
من أَلقت الدُنيا مَقالدَ أَمرِها | |
|
| بِيديهِ وَهوَ بِها أَحقُّ وَأَليقُ |
|
ذو صَورةٍ تُنبيك عَنهُ أَنَّهُ | |
|
| ملكُ المُلوك الحَقُّ حينَ يحقَّقُ |
|
لَو أَن سِرَّ المُلكِ فيهِ مختفٍ | |
|
| قامَت شَمائلُه بِذَلك تنطِقُ |
|
هَدَأت بسيرته الرعيّة وَاغتدى | |
|
| قَلبُ العَدوِّ مِن المَهابَةِ يخفُقُ |
|
فَالدينُ بَعدَ تَفَرُّقٍ مُتَجَمِّعٌ | |
|
| وَالكُفرُ بَعدَ تَجمُّعِ مُتَفرِّقُ |
|
الصالحُ المَلِكُ الَّذي أَيامُهُ | |
|
| عِقدٌ بِهِ جيدُ الزَمان مطوَّقُ |
|
أَبهى مِن القَمرين أَصبَحَ لِلهُدى | |
|
| نَجماً بِهِ فلكُ السعادة مُشرِقُ |
|
عرفَ الرعيَّةُ يُمنَ دَولته الَّتي | |
|
| فيهم تَأَكَّدَ عَهدُها وَالموثِقُ |
|
جَمَعت كَما اقترح الرجاءُ إِلى الغنى | |
|
| أَمناً فَقَد رُزِقوا الَّذي لَم يُرزَقوا |
|
وَتَعَرَّفوا في النيل مِن بُركانِهِ | |
|
| فَضلَ المَزيد كفاهُمُ ما أَشفَقوا |
|
فَاللَه نَحمَد ثُمَّ أَيّوبَ الَّذي | |
|
| أَمِن الغنىُّ بِه وَأَثرى المُملِقُ |
|
بَطلٌ تَهيمُ عُداتُهُ بِسنانِهِ | |
|
| عشقاً وَقَدُّ الرمح مِما يُعشَقُ |
|
فَتضمُّهُ ضَمَّ الحَبيب قُلوبُها | |
|
| يَومَ الوَغى وَهوَ العَدوُّ الأَزرَقُ |
|
آياتُ ملككَ مُعجِزاتٌ كُلُّها | |
|
| وَمَدى اهتمامك غايةٌ لا تُلحقُ |
|
شيَّدت أَبنيةً تركتَ حَديثَها | |
|
| مثلاً يغرِّبُ ذكرهُ وَيشرِّقُ |
|
مِن كُلِّ شاهِقَةٍ تَظَلُّ تَعجُّبا | |
|
| مِن هَولِ مطلعها الكَواكبُ تشهَقُ |
|
لبس الرخامَ ملؤنا فكَأنّه | |
|
| روضٌ يفوّفُه الرَبيعُ المغدِقُ |
|
وَاِختال في الذَهب الصقيلِ سقوفُهُ | |
|
| فَكَأَنّه شَفَقُ الأَصيل المشرقُ |
|
يا حُسنَها وَالنيلُ مكتنِفٌ بِها | |
|
| كَالسطرِ مُشتَمِلاً عَلَيهِ المُهرَقُ |
|
فَكَأنَّها طَرفٌ إلَيهِ ناظِرٌ | |
|
| وَكَأَنَّها جفنٌ عَلَيهِ مُحدقُ |
|
وافاه مصطفِقا عَلَيهِ موجُهُ | |
|
| فَكَأَنّما هُوَ للسرور مصفِّقُ |
|
وَتجاذبَت أَيدي الرياح رِداءَهُ | |
|
| عَنهُ فَظَلَّ رِداؤُهُ يَتَمَزَّقُ |
|
وَسَرى النسيمُ وَراءهنَّ بِرفقِه | |
|
| فَرَفا الَّذي غدتِ الرياحُ تخرِّقُ |
|
تلكَ المَنازِلُ لا حَديثٌ يُفتَرى | |
|
| مِما سمعتُ وَلا العراقُ وَجِلَّقُ |
|
لِلّه يَومٌ كان فَضلُكَ باهِرا | |
|
| فيهِ وَمنك جَمالُهُ وَالرونَقُ |
|
يَومٌ تَجَلّى الدهرُ فيهِ بزينةٍ | |
|
| لَما غَدا المقياسُ وَهوَ مخلَّقُ |
|
هُوَ ثالثُ العيدين إِلا أَنَّهُ | |
|
| لِلّهو لَيسَ عَلى العِبادة يُطلَقُ |
|
جُمِعَت لِمشهدهِ خَلائقُ غادرت | |
|
| فيهِ رَحيبَ البَرِّ وَهوَ مضيَّقُ |
|
وَعلى عُبابِ البَحر مِن سُبّاحِه | |
|
| أُممٌ يغصُّ بِها الفَضاءُ وَيشرقُ |
|
كادَت تَبين لَهُم عَلى صَفحاتِهِ | |
|
| طُرُقٌ وَلَكن يفتِقون وَيَرتُقُ |
|
لَم يَمشِ مَركوبٌ بِهم فَنفوسهُم | |
|
| حثُّوا النجاءَ كَما تُحَثُّ الأَينُقُ |
|
خفَّت جسومهُمُ لفرط صَبابَةٍ | |
|
| هَزَّت إلَيكَ فَما خَشَوا أَن يغرَقوا |
|
متجرِّدين عَن المَخيطِ لأَنَّهُم | |
|
| حُجّاج بَيتك غَيرَ أَن لَم يَحلِقوا |
|
طافوا بِه سَبعا عَلى وَجناتهم | |
|
| سَعيا وَأَرخى سِترَه فَتعلَّقوا |
|
وَالناسُ شاخِصَةٌ إِليك عيونُهم | |
|
| كُلٌّ يحدّدُ طَرفَهُ وَيحدِّقُ |
|
ظمِئت نُفوسُهُم إِليك فَلَم يَكد | |
|
| صَدرٌ يَقرُّ بِهِ فُؤادٌ شَيِّقُ |
|
متَطلِّعين كَما تطلَّع صائِمٌ | |
|
| لِيَرى هِلالَ العيدِ لَيلَة يُرمَقُ |
|
حَتّى إِذا قُضِيَت مَناسكُ كَعبة ال | |
|
| مِقياسِ وَهيَ لَكُم عَوائِدُ سُبَّقُ |
|
وَشَكَرتَ رَبَّك في الزِيادة داعِيا | |
|
| وَلِشاكر النعمى المَزيدُ محقَّقُ |
|
وَمَدَدتَ لِلتَخليق أَكرَم راحَةٍ | |
|
| أَضحى الخَلوقُ بِطيبها يَتَخلَّقُ |
|
أَقبَلتَ تنظرك العُيونُ فَتَنثَني | |
|
| حَسرى وَتلحظُكَ القُلوب فَتُطرِقُ |
|
تَمشي الهوينى قَد علتك سَكينةٌ | |
|
| كادَت قُلوبُ القَوم مِنها تُصعَقُ |
|
متتوِّجاً تاجَ الجَلالَةِ لابِسا | |
|
| حُلَلَ الوَقارِ وَأَنتَ فيها أَليقُ |
|
وَقَد اِنتَضَت يُمنى يَديك مهنَّدا | |
|
| عَضباً بُروقُ النصرِ مِنهُ تبرُقُ |
|
حَتّى اِنتَهيتَ إِلى مَقَرِّ كَرامَةٍ | |
|
| بِالنيِّراتِ مزخرَفٌ وَمُنمَّقُ |
|
فَجَلَستَ حَيثُ جَلَستَ مِنهُ تزينُهُ | |
|
| شَرَفاً فَطافَ بِكَ المُلوكُ وَأَحدَقوا |
|
كُلٌّ يغُضُّ مِن المَهابةِ طَرفَهُ | |
|
| فَتَراه وَهوَ لِغَيرِ فكرٍ مطرِقُ |
|
وَالنيلُ مضطَرِبُ الغَوارب مزبدٌ | |
|
| صَبٌّ إلَيك فُؤاده متشوِّقُ |
|
لَو يَستَطيعُ سَعى فَقَبَّلَ راحةً | |
|
| هُوَ في السماح بِخُلقها يَتَخلَّقُ |
|
فَرَأَيتُ مِنكَ وَمِنهُ مَجرى رَحمَةٍ | |
|
| يَتَباريانِ كِلاهُما يَتَدفَّقُ |
|
فَمنحتَهُم نَظراً وَفِضت عَلَيهِمُ | |
|
| نِعَما فَأَنتَ بِذا وَذا تَتَصدَّقُ |
|
أَطعمتَهم لَمّا سَقى فعليكما | |
|
| رزقُ العِباد كِلاكُما يُستَرزَقُ |
|
لَكنّ بَينكُما عَلى ما فيكُما | |
|
| مِن نسبَةٍ في الجود فَرقا يفرُقُ |
|
تُحصي الأَصابِعُ جودَهُ لِحسابها | |
|
| لَكن حِسابُ نَداكَ لَيسَ يُحقَّقُ |
|
وَيفيضُ ذا في كُلِّ عامٍ مَرّةً | |
|
| وَبحارُ جودك كُلَّ حينٍ تَفهقُ |
|
وَيخُصُّ ذا قَوماً وَجودُك يَستوي | |
|
| فيهِ لَديك مغرِّبٌ وَمَشرِّقُ |
|
وَنداك لا مَنٌّ يكدِّره وَذا | |
|
| يَمتنُّ فَهوَ لأَجلِ ذاكَ مُرنَّقُ |
|
لَما غَدا المِقياسُ مقسِمَ رَحمَةٍ | |
|
| يُحيي الرعيّةَ فيضُها المُتدفِّقُ |
|
أكبرتَ أَن تَعلو المَلابِسُ عِطفَهُ | |
|
| فَكَسوته أَنوارَ شَمسٍ تشرِقُ |
|
أَنشأته خَلقا جَديداً ما رَأى | |
|
| راءٍ لَهُ شَبَها وَلا هُوَ يُخلَقُ |
|
حرمُ الخلافَةِ حلَّه مِن رَبه | |
|
| ملِكٌ بِمقلته الخِلافةُ ترمقُ |
|
ذو مغنيينِ فللتمنُّع معقِلُ | |
|
| صَعبُ المرام وَلِلتمتُّع جَوسَقُ |
|
أَخذ الوَقارَ عَن المَشيبِ وزِيّهِ | |
|
| لَكن عَلَيهِ مِن الشبيبةِ رَونَقُ |
|
إِيوان كسرى حَيثُ شئتَ رَأيته | |
|
| مِنهُ وَأَدنى ما هُناكَ خَورنَقُ |
|
حصنٌ تَمرَّد منعةً لا مارِد | |
|
| وَعَلا فعزَّ مناله لا الأَبلَقُ |
|
ذُعرَت بِهِ هُوجُ الرياح فَما جَرَت | |
|
| في جَوِّهِ إِلا بِقَلبٍ يخفقُ |
|
وَكَأَنّما هُوَ في التخومِ ملجَّجٌ | |
|
| وَكَأَنَّما هُوَ في السماء محلِّقُ |
|
هَذا الَّذي أَغنَى المُلوكَ بجودِهِ | |
|
| مِن بَعد ما حاموا عليهِ وَحَلَّقوا |
|
كَم أَعملوا الآراءَ فيه فَأَمعنوا | |
|
| وَتَأمّلوا نَظراً إِلَيهِ فَحَدَّقوا |
|
هَيهات جُزت مدى الملوك مدى | |
|
| رجمُ الظنونِ إِلَيهِ لا يَتَطرَّقُ |
|
بَل من يَلومهُم إِذا ما قَصَّروا | |
|
| أَم من يعنِّفُهم إِذا لَم يلحقوا |
|
إِن عارَضوا مَعنىً فَإِنك مبدِعٌ | |
|
| وَإِذا اِقتفَوا أَثراً فَإِنّك تخلُقُ |
|
أَدرَكتَ بِالتمكين ما لَم يُدرِكوا | |
|
| وَرُزقتَ بِالتوفيق ما لَم يُرزَقوا |
|
وَبَلَغتَ غايتَهُم بِأَوّل وَهلَةٍ | |
|
| عَفواً فَلَيسَ بِمُنكرٍ أَن يُسبَقوا |
|
وَلأَنتَ أَبعدُ في المَكارم غايَةً | |
|
| مِن أَن يُحيطَ بِكُنهِ وَصفِك منطِقُ |
|
فَانقُض وَأَبرِم فَالقَضاء مسدِّدٌ | |
|
| وَالسعدُ مُكتَنِفٌ وَأَنتَ موفَّقُ |
|