إنِّي أرى فأرى جموعاً جمَّةً |
لكنَّها تحيا بِلا ألْبابِ |
يَدْوي حوالَيْها الزَّمنُ كأنَّما |
يدوي حوالَي جندلٍ وترابِ |
وإذا استجابوا للزَّمانِ تَناكروا |
وتَراشَقوا بالشَّوكِ والأحْصابِ |
وقضوا على روحِ الأخُوَّةِ بينهمْ |
جَهْلاً وعاشوا عيشةَ الأغرابِ |
فرِحتْ بهم غولُ التّعاسةِ والفَنا |
ومَطامِعُ السّلاَّبِ والغَلاَّبِ |
لُعَبٌ تُحرِّكُها المَطامعُ واللّهى |
وصَغائرُ الأحقادِ والآرابِ |
وأرى نفوساً من دُخانٍ جامدٍ |
مَيْتٍ كأشباح وراءَ ضَبابِ |
مَوْتى نَسُوا شَوْقَ الحياةِ وعزمها |
وتحرّكوا كَتَحرُّكِ الأنْصابِ |
وخبا بهمْ لَهَبُ الوجودِ فما بقوا |
إلاَّ كمحترقٍ من الأخْشابِ |
لا قلبَ يقتحمُ الحياةَ ولا حِجًى |
يَسْمو سُمُوَّ الطَّائرِ الجوّابِ |
بل في التُّرابِ المَيْتِ في حَزْن الثَّرى |
تنمو مَشاعِرُهُمْ مع الأعشابِ |
وتموت خامِلَةً كزهرٍ بائسٍ |
ينمو ويذبُل في ظلامِ الغابِ |
أبداً تُحدِّقُ في التُّرابِ ولا ترى |
نورَ السَّماءِ فروحُها كتُرابِ |
الشَّاعرُ الموهوبُ يَهْرِقُ فنَّه |
هدراً على الأقدامِ والأعْتابِ |
ويعيشُ في كونٍ عقيمٍ ميِّتٍ |
قَدْ شيَّدتْهُ غباوةُ الأحقابِ |
والعالِمُ النَّحريرُ يُنْفِقُ عُمْرَه |
في فَهْمِ ألفاظٍ ودَرسِ كِتابِ |
يحيا على رِمَمِ القَديمِ المجتَوى |
كالدُّود في حِمَمِ الرَّمادِ الخابي |
والشَّعبُ بينهما قطيعٌ ضائعٌ |
دنياهُ دنيا مأكلٍ وشَرابِ |
الويلُ للحسَّاس في دنياهُمُ |
ماذا يلاقي من أسًى وعَذابِ |