عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء العصر العثماني > غير مصنف > عبد الرحمن الموصلي > إليكَ فما الدّنيا وإن عُظِّمت قدراً

غير مصنف

مشاهدة
629

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

إليكَ فما الدّنيا وإن عُظِّمت قدراً

إليكَ فما الدّنيا وإن عُظِّمت قدراً
سوى الدمنةِ الخضراءِ والمحنةِ الكُبرى
ديارٌ براها الله قدماً لحكمِهِ
مغيَّبةً عنَّا وأوهبَها عُمرا
وأنشأ منها الخلقَ أمراً يُريدُهُ
وأودعَهم فيها إلى النشأةِ الأُخرى
وأجرى عليهم ما يريدُ وقوعَهُ
وألهمَهمْ صبراً وواعدَهُمْ أجرا
وفوَّضَ فيها الأمرَ حكماً لنفسِهِ
وأتقنَها صُنعاً وأوسعَها برَّا
فهيكلُها يسبي العقولَ تعجُّباً
ومنظرُها الأسنى نحيرُ به فِكرا
تتيهُ بما قد خصَّها من محاسنٍ
معطَّرةِ الأرجاءِ طيَّبةٍ نَشْرا
وفي كلِّ وقتٍ إنْ نظرتَ لشكلِها
تقولُ سلاماً هذه الجنَّةُ الصُّغْرى
مطالعُ أنوارٍ مشارقُ بهجةٍ
معارجُ أسرارٍ نميلُ بها سُكرا
نجومٌ وأفلاكٌ تظلُّ جوارياً
مدى الدهرِ لا تنحلُّ يوماً ولا تَبرا
شموسٌ وأقمارٌ تغيبُ وتنجلي
علينا مدى الأيامِ في القبّةِ الخضرا
رياضٌ وأزهارٌ طيورٌ سواجعٌ
فواكهُ أشجارٍ نزيدُ بها شُكرا
عيونٌ وأنهارٌ تسيلُ جوارياً
كما الفضةُ البيضاءُ نُفشي بها السِّرا
مآكلُ أقواتٍ مشاربُ لذَّةٍ
مطاعمُ لن نسطعْ لأنواعِها حَصرا
ديارٌ براها اللهُ نزهةَ ناظرٍ
وطهَّرها بطناً وشرَّفها ظَهْرا
فمِنْ أرضِها الياقوتُ يُخلقُ في الثَّرى
ومنها نَرى البيضاءَ تخرجُ والصَّفرا
معادنُ أحجارٍ منابتُ فضَّةٍ
مواطنُ أبرارٍ تتيهُ بها فَخْرا
ولكنَّها تفنى ويَبلى نعيمُها
وترجعُ بعدَ اليأسِ من حملِها قَفرا
وفي كلِّ قرنٍ إن نظرتَ لشأنِها
تُرحِّلُ مَنْ فيها وتنثرهُمْ نَثرا
وتأتي بأقوامٍ وتفعلُ فعلَها
فلا خالدٌ تبقيهِ حَيَّاً ولا بَكرا
فلا خيرَ في دارٍ بها الموتُ قاطنٌ
يُراقبُ أهليها وإنْ مُلئتْ دُرّا
ولسنا نرى الأفعالَ منها حقيقةً
فذلكَ مما يُوجبُ المَينَ والكُفرا
فليسَ لغيرِ اللهِ فيها تصرفٌ
إلهٌ تعالى يَخلقُ النفعَ والضَّرا
تدورُ بها الأفلاكُ طبقَ قضائِهِ
تباركَ من مولىً إذا ما قَضى أمْرا
فلا زحلٌ في الكونِ يأتي بمحنةٍ
ولا منحةٌ في الدهرِ تأتي بها الزّهرا
لِدُنيا براها اللهُ جنَّةَ كافرٍ
وأودعَ فيها الموتَ سيَّانِ والفَقرا
وأرسلَ كلبَ الجوعِ فيها على الورى
عدوّاً فلم يقبلْ لمعتذرٍ عُذرا
يصولُ على المخلوقِ صولةَ فاتكٍ
إذا لم يجدْ قوتاً فيقتلهُ جَهْرا
فمنْ خوفهِ الإنسانُ يصبحُ ناصباً
شياكاً لصيدِ القوتِ أنواعُها تَترى
فيجمعُ منها المرءُ بالكدِّ والشقا
ليدرأ بالمجموعِ عن نفسهِ الشرّا
وَمن أجلِهِ الإنسانُ يُلقي بنفسِهِ
عياناً على المكروهِ في حالةِ العُسرى
فهذا هُو الداءُ الذي حيَّرَ الورى
وأمسَتْ به الحوباءُ تستَعبدُ الحُرّا
قديمةُ عهدٍ في الوجودِ وإنَّنا
لنحسبُها من وشيِ بُرقعها عُذرا
فكانت وشيطابيل حرباً لآدمٍ
عجوزاً لحاها اللهُ تستنبطُ السِّحرا
تخيلُ للأبصارِ حتَّى وإنَّنا
لنحسبُ طيرَ الماءِ مِن سحرِها صَقرا
ونحسبُ أنَّ الهرَّ من فرطِ سحرِها
إذا عاينَ الجرذانَ مِن هرةٍ نمرا
شديدةُ بطشٍ لا تملُّ تقلُّباً
فلا عيشُها يصفو ولا جُرحُها يَبرا
فكم غيبتْ في الأرضِ وجهاً منعماً
وكم كسفَتْ شمساً وكم خَسفَتْ بدرا
وكم عفّرتْ بالتربِ خداً مورداً
وكم أحرقَتْ قلباً وكم صعَّدتْ زَفرا
وكم خيّلت سِحراً وألقتْ حبالَها
وأفنتْ جيوشاً مثلَ داحسَ والغبرا
وكم رفعتْ في الدهرِ قوماً على الهَبا
وكم نصبَتْ قوماً ولكن على الإغرا
وكم حلَّ فيها من أناسٍ تقدّموا
وهاموا بها عشقاً وتاهُوا بها فخْرا
تلاهَوا عن الأُخرى ومالوا معَ الهوى
وغرّتهمُ الدّنيا بزخرفِها قَسْرا
فراحوا ولم ندرِ بماذا يُقابَلوا
من الواحدِ القهّارِ في باطنِ الغبرا
فإنْ كان فيما أسلفوهُ فبالحري
وإنْ كانَ بالغفرانِ فهوَ بهِ أحرى
دخلْنا إليها مُكرَهين ولم نَزلْ
حَيارى بها والمرءُ من شأنِه الحَيرا
ونخرجُ منها جاهلينَ لأنَّها
هي الروضةُ الغنَّاءُ والحيَّةُ البَتْرا
فديتُك خلِّ العقلَ عنكَ وَنَحِّهِ
فليسَ لهُ فيها مجالٌ ولا قدرا
تخالفَتِ الأقوالُ فيها تبايُناً
فلا أحدٌ مِنّا أحاطَ بِها خُبْرا
فما هيَ إلّا دهشةٌ تصرعُ الحجى
وحرفٌ غريبٌ في الحروفِ فلا يُقرا
بها مرضٌ أعيا الأطباء والرُّقى
متى صادفَت شخصاً فتنوي له الغَدرْا
وإنْ أبصَرتْ في الحيِّ ظبياً مُنعَّماً
فَتَصلي له فَخاً وتُوقع بهِ الشَّفْرا
وإن عاينتْ كبشاً غريباً فتَنثَني
وتصنع لهُ طوقاً وتَبني لهُ قصْرا
تُعربدُ مهما مسَّها من سفاهةٍ
فتحسبُها من سوءِ أفعالِها سَكرى
متى دخلت للسرِّ تبغي طهارةً
فتدخلُ باليُمنى وتَخرجُ باليُسرى
وإن وقفتْ ليلاً تصلِّي فريضةٌ
فتنوي قبيلَ الفرضِ من جهلِها الوِترا
تستِّر أعلاها بفاضِلِ بُردِها
وتكشفُ عمَّا يوجبُ الصَّونَ والسّترا
تميلُ مع العشَّاقِ ميلةَ عاهرٍ
فتوسعُهم صَفعاً وتقتلُهمْ قهْرا
وتُبدي لهم دلّاً يذلُّ له الفَتى
وتوعدُهُم وصلاً وتنجزُهم حَسرا
فما هيَ إلّا جيفةٌ وكِلابُها
عليها مدى الأيّامِ تلقى لهم هَمْرا
فإن واصلَتْنا بالكمال فمرحباً
وإن صارمَتنا بالمَلالة فالعقرا
فلا يأسَفِ الإنسانُ إنْ هيَ أدبَرتْ
عليها فلا واللهِ إنْ نَبعَتْ دُرَّا
فما هيَ دارٌ للخلودِ وإنَّما
بَراها لتلكَ الدارِ فاطِرُها جِسْرا
هبطنا عليها واللعينُ رفيقُنا
بأمرٍ قضاه اللهُ قد حيَّر الفِكْرا
وسلَّطه قهراً على الناسِ قولهُ
وأجلي عليهم فهي موعظةٌ أُخرى
تعوّضها الملعونُ صفقةَ خاسرٍ
عنِ الجنَّةِ الفيحا ليملأَها وِزرا
فصارتْ لهُ داراً مقيلاً وأهلُها
عبيداً سوى أبناءِ ضرَّتِها الأُخرى
يصول بها شرقاً وغرباً وقبلةً
ولم يُبقِ برّاً مِنْ أذاهُ ولا بَحْرا
ويجري ببعضِ الناس مجرى دمائِهم
فيملأهُم فسقاً ويشحنُهم كِبرا
فهذا هوَ الأصلُ الذي جلبَ العَنا
لوالِدنا فيما أساءَ بهِ مَكْرا
وحتّى منَ الجنّاتِ أخرجَ عارياً
وقد كانَ فيها لا يجوعُ ولا يَعرى
وصيَّرنا فيما تراهُ من البلا
بدارِ هوانٍ تُنبتُ الخمطَ والسِّدرا
متى ضحكتْ يوماً تريكَ مودَّةً
فتبكيكَ فيما تبتليكَ بهِ شَهْرا
وإن أنعَمتْ عفواً عليكَ بنعمةٍ
فتأتيكَ بالمكروهِ في صورةٍ أُخرى
نُعاني بها الأهوالَ في كُلِّ شدَّةٍ
إذا حسَرتْ أكمامَها أنشبَتْ ظِفرا
ونهضمُ فيها كلَّ شخصٍ مبددٍ
ثقيلٍ يرضُّ الصخر إن وطئَ الصَّخرا
وفيها ضباعٌ تأكلُ الميتَ جهرةً
وتعدو على الأعظامِ تتسوَّرُ القبرا
وفيها ذئابٌ مع وحوشٍ كواسرٍ
وفيها ارتوت تملأ السَّهلَ والوعرا
وفيها حدأةٌ تخطفُ اللحمَ دائماً
وتعلو على الأشجارُ تستعمل الوَكرا
وفيها أناسٌ بالصلاحِ تلبَّسوا
ولكنَّهُمْ بالمكرِ فاقوا أبا مُرَّا
فمنهمْ شديدُ المكرِ يسعى بعمةٍ
لها عذبة للنَّصب يبغي بها الجرّا
فيأتي إلى النزهاتِ قانصَ سبحةٍ
بيمناهُ والتلبيس مالئ به العُسرى
أكولٌ متى ما شامَ قِدراً مُعرَّماً
فيأكلُ أكلاً بالغاً يحسف القدرا
ومنهم أناسٌ بالطَّريق تلبَّسوا
يرومون جرَّ المالِ بالعمَّةِ الصَّفرا
فمنهم نَرى الدجَّالَ يُبدي ذوائباً
ويَمشي كمشي الضُّلِّ بالشالةِ الحمرا
فيرجو بها المضروبَ في الشام عاجلاً
ويطمعُ بالمسكوكِ فيما يلي مِصرا
وإن رُمتُ أستقصي مظاهرَ قُبحها
وأنواعَهم في الكون تلوي بي الكَثْرا
فأيُّ سرور يلحقُ المرءَ في الدُّنا
وفيها رزايا لا نُطيقُ لها ذِكْرا
فما هي إلّا حسرةٌ وندامةٌ
يراها غدُ الإنسانِ من باطنِ الغبرا
عبد الرحمن الموصلي
بواسطة: حمد الحجري
التعديل بواسطة: حمد الحجري
الإضافة: الخميس 2012/11/08 11:28:59 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com