حَنانيكَ إِنّ الشَوقَ قَد بَلَغ المَدى | |
|
| أَما تَرحَمُ المضنى الكَئيب المسهَّدا |
|
وَرُحماك إِنّ المُستَهام مِن النَوى | |
|
| لَهُ حالَةٌ سَوأى ترِقُّ لَهُ العِدا |
|
فَلا تَسأل الوَلهانَ عَمّا أَصابه | |
|
| وَسَل حالَهُ إِن شئتَ ذاكَ فَتَشهَدا |
|
هُوَ الصَبُّ لا تَزداد لَوعَةُ حبّه | |
|
| إِذا حاوَل الإِطفاءَ إِلّا توقُّدا |
|
فَما تَرَكت فيهِ الصَبابَةُ وَالهَوى | |
|
| عَلى حَمل أَعباءِ الغَرام تَجَلّدا |
|
وَكَم عاثَ في أَهل الغَرام هِيامُهُم | |
|
| وَحرَّق أَحشاءً وَمَزَّق أَكبُدا |
|
وَكَم سَلَب الحُبُّ الرِجالَ عُقولَهُم | |
|
| وَحُبُّ الفَتى يعمِيه عَن سبلِ الهُدى |
|
فَلا تَعجَبوا مِن عَبرةٍ قَد سَفحتُها | |
|
| عَلى زَمَن قَد كانَ بِالجِزع مُسعِدا |
|
فَيا حُسنَ ذاكَ العَهد يا طِيبَ ذِكرِهِ | |
|
| سَقاهُ الغَمام الجَودُ غَيثاً مُرَدَّدا |
|
وَلِلّه عَيشٌ بِالحِمى سَمحت بِهِ | |
|
| لَيالٍ مِلاحٌ ما أَلَذَّ وَأَرغَدا |
|
لَيالٍ تَولّى السَعد حينَ طُلوعَها | |
|
| فَكانَت كَما يَهواه يُمنا وَأَسعُدا |
|
إِذا ذَكَرت نَفسي هُنالك جيرَةً | |
|
| أَتاحَ لَها وَجداً مُقيماً وَمُقعِدا |
|
وَكَم غَرَّد القُمريُّ في خَوط أَيكَةٍ | |
|
| فَجاوَبتُ ذيّاك الحَمامَ المُغَرِّدا |
|
وَقُلتُ كَفاكَ اللَه ما أَنتَ حاذِر | |
|
| وَبُوِّئتَ في الأَدواح وَكراً مُمَهَّدا |
|
فَإِنّك قَد أَذكَرتَني زَمَناً مَضى | |
|
| بِهِ ضَرَبَ الإفراحُ لِلَّهوِ مَوعِدا |
|
يُدِيرُ بِظِلِّ السَرح كَأسَ مَسَرَّةٍ | |
|
| إِذا بَلِيَ الإِيناسُ فيهِ تَجَدّدا |
|
عَلى أَنّ ما قَد فاتَ لَيسَ بِعائدٍ | |
|
| وَلا يَدَّني بِالوَهم ما كانَ أَبعَدا |
|
فَأَمّا وَقَد زمَّ الرِكابُ وَيَمَّموا | |
|
| زِيارَةَ خَير الإنس وَالجنّ أَحمَدا |
|
فَقَد شاقَني مِن نَحو طيبَةَ بارِقٌ | |
|
| يُنَسّي مَشُوق الروح ما قَد تَعوّدا |
|
وَأَزعَجَني حادي المَطِيِّ وَقَد شَدا | |
|
| وَردَّد خَلفَ العِيسِ هَيمَنَة الحُدا |
|
رُوَيدك يا حادي المَطايا فَإِنَّني | |
|
| أُنادي رَسولَ اللَه أسمعه النِدا |
|
أَلا يا رَسولَ اللَهِ دَعوةَ قاطِن | |
|
| تَخلَّف خَلفَ الظاعِنين وَأُفرِدا |
|
وَلا عُذرَ إِلّا الضَعف مِنهُ فإِنَّه | |
|
| تَقَمَّص فَضفاضاً مِن العَجز وَاِرتَدى |
|
وَأوثَقه جَورُ الزَمان وَأَهله | |
|
| فَيَشكوك مِن دَهرٍ عَلَيهِ قَدِ اِعتَدى |
|
وَمِن نَفسِهِ يا حجّةَ اللَّهِ يَشتَكي | |
|
| فَتِلكَ الَّتي أَلقَته في هُوَّة الرَدى |
|
بِجاهِك يَدعُو اللَهَ مالِك أَمرِهِ | |
|
| يُخلِّصُه مِمّا بِهِ قَد تَقَيّدا |
|
فَلَيسَ لَهُ يا اِبنَ العَواتِك مَلجأ | |
|
| سِواك وَلا يَرجُو بِغَيرِك مَقصدا |
|
فَإِنَّك قَد حُزتَ المَحامد كُلَّها | |
|
| وَأَنتَ لِمُرتاد النَدى لُجَّةُ النَدى |
|
عَلَيك لِواءُ الحَمد ينشرُ آدمٌ | |
|
| فَمَن دُونَه في ظِلِّ مَنشُوره غَدا |
|
إِذا جَمَعَ اللَه الخَلائِقَ كُلَّهُم | |
|
| دُعِيتَ لَمِن في ذَلك الجَمع سَيِّدا |
|
وَكُنتَ شَفيعاً فيهم وَلَبستَ مِن | |
|
| حُلى الحَمد ما يَزداد عِزّاً وَسُؤددا |
|
سَمَوتَ إِلى أَعلا الطِباق وَجُزتها | |
|
| وَخَلّفتَ جبريلَ الأَمينَ المُؤيّدا |
|
وَذَلِك في وَهنٍ قَليلٍ مِن الدُجى | |
|
| وَجئتَ بِأَنوار الهُدى لِمَن اِهتَدى |
|
وَأَطلَعتَ شَمسَ الحَقّ مِن أُفق العُلا | |
|
| وَفَتَّحتَ باباً لِلسَعادة مُوصدا |
|
وَأَنذرتَنا مِن نارِ كُلِّ شَقاوَةٍ | |
|
| وَبَشَّرت مَن أَضحى حَنيفاً مُوحِّدا |
|
وَغَيَّضتَ بَحراً لِلضّلالة قَد طَغى | |
|
| عَلى أَهلِهِ حَتّى اِستَجاشَ وَأَزبَدا |
|
وَغادَرتَ عَين الشُرك تَبكي دِماءها | |
|
| عَلى مَن بَغى مِن أَهلِها وَتَمَرّدا |
|
وَبَدَّدتَ في بَدرٍ رُؤوسَ كُماتِهم | |
|
| فَصارَت لقىً عِندَ القَلِيب مُقَدّدا |
|
وَأَحزَنتَ في الأَحزاب صَخرَ بنَ حَربِهم | |
|
| وَأَرجَعتهُ بِالخِزي خِزياً مُخَلَّدا |
|
وَحَكَّمتَ فيهم كُلَّ أَسمَر ذابِلٍ | |
|
| وَكُلَّ حُسامٍ كَالشُواظِ مُهنَّدا |
|
يَصولُ بِها مَن هاجَروا ثُمَّ جاهَدوا | |
|
| وَمَن نَصَروا الدينَ القَويم المُسدّدا |
|
هُم المَلأُ العالون في حَضرَة الرِضى | |
|
| وَهُم أَسَّسُوا هَذا البِناء المُشيّدا |
|
وَهُم بَذَلُوا في طاعَة اللَه أَنفُساً | |
|
| مُطَهَّرةً تَبغي الثَواب المُؤبَّدا |
|
وَما زِلتَ يا روحَ العَوالم فيهم | |
|
| إِلى أَن مَحَوتَ الشِركَ مَحواً مُسرمَدا |
|
وَجاءَكَ نَصرُ اللَهِ وَالفَتحُ وَاِرتَضى | |
|
| لَكَ اللَهُ في أَعلى الفَراديسِ مَقعَدا |
|
وَصرتَ مِن الرُضوان حَيّا لِتَبتَني | |
|
| لَنا في جِوار الحَقّ عِزّاً مُمهّدا |
|
وَخلَّفتَ فينا الآلَ وَالذكر حاكِماً | |
|
| فَآلك وَالذكرُ الحَكيم لَنا هُدى |
|
هُما الثَقلانِ بارك اللَهُ فيهُما | |
|
| وَخصَّ أَميرَ المُؤمنين مُحمّدا |
|
خَليفَتك المَأمون نجل خَلائِفٍ | |
|
| أجلَّ مُلوك الأَرض فَخراً وَمَحتدا |
|
مِن الذُروَة العَلياءِ مِن آل هاشمٍ | |
|
| وَآلِ هِشام ما أَجلَّ وَأَمجَدا |
|
هُوَ الملك الحامي الذِمارَ وَمَن لَهُ | |
|
| رَوَينا حَديثاً في الأَصالة مُسنَدا |
|
كَسا دَولة الأَشراف عزّاً وَسُؤدداً | |
|
| وَأَصلَح ما أَوهى الزَمانُ وَجدّدا |
|
وَجالد عبّادَ الصَليب فأَذعَنُوا | |
|
| لعزَّته تَحتَ الضَراعة أَعبُدا |
|
وَعدّد أَمثالَ الأسود عَساكِراً | |
|
| تخِرُّ لَها الأسدُ الضَراغِمُ سُجّدا |
|
وَتَهتَزُّ مِنها الأَرضُ عِندَ رُكوبَها | |
|
| وَتَرجُف أَطوادُ الجِبال تميُّدا |
|
وَتَحسَبُ أَنّ الجَوَّ نارٌ تَأَجّجت | |
|
| يَضِجُّ لَها باغي الفَساد مُشرَّدا |
|
وَتَخفقُ ريحُ النَصر بَين بُنُودها | |
|
| عَلى غُرَّة المَنصور أَكرمِ مَن غَدا |
|
عَلى الملك الجَحجاح أَبهى مُتَوَّجٍ | |
|
| تَبَختَر وَاِقتادَ الخَميسَ المجنّدا |
|
وَأَعلى مُلوكِ العالمين مَفاخِراً | |
|
| وَأَطهرَهُم قَلباً وَأَطوَلَهُم يَدا |
|
وَأَكثَرَهُم رُجحانَ عَقلٍ وَحكمةٍ | |
|
| وَأَعذَبهم في مَشرَع العلم مَورِدا |
|
وَأَوضَحَهُم بُنيانَ مَجدٍ وَمَفخَرٍ | |
|
| وَأَوثَقهم بُنيان عزٍّ وَمَصعدا |
|
قَضى اللَهُ تَعنُو الناسُ طُرّاً لِأَمره | |
|
| وَتَنقادُ إِجلالاً لَهُ وَتَوَدُّدا |
|
فَما زالَ يُولِيهم عَواطِفَ بِرِّهِ | |
|
| وَيصفَحُ عَن ذَنبِ المُسيء إِذا بَدا |
|
وَبِالعَدل وَالإِحسان ما زالَ آمِراً | |
|
| إِيالَتَه الغرّاء أَمراً مؤَكّدا |
|
بِهِ حَيِيَت أَرضُ المَغارب وَاِزدَهت | |
|
| وَأَضحَت لَهُم أَهلُ المَشارق حُسَّدا |
|
هَنيئاً لَنا قَد أسعَدَ اللَهُ أَرضَنا | |
|
| بِمَلك هُمامٍ في العُلا قَد تَوحدا |
|
بِأَبهَرَ مِن بَدر التَمام جَلالَةً | |
|
| وَأَسمَح مِن بِيض الغَمام وَأَجودا |
|
يُقيم لَنا في كُلّ عامٍ مَواسِماً | |
|
| مُبارَكةً فِطراً وَأَضحى وَمَولِدا |
|
يُفيضُ عَلَينا مِن سَحائب جُوده | |
|
| مَواهِبَ لا تَنفكُّ نَفسي لَهُ الفِدا |
|
وَنُهدي لَهُ حُرَّ المَدائِح جَوهَراً | |
|
| فَيَمنَحُنا بِالفَضل تِبراً مُنَضَّدا |
|
فَلا زالَ بِالعُمر الطَويل مُمتَّعاً | |
|
| وَلا زالَ مَنصورَ اللِواءِ مُؤَيّدا |
|
وَلا تَبرح الأَعيادُ يُشرِقُ نورُها | |
|
| بِغُرّته إِن راحَ يَوماً أَوِ اِغتَدى |
|