أَتَجهَلُ قَدرَ بِشرٍ إِنَّ بِشرا | |
|
| لَأَرفَعُ مِنكَ في الناسوتِ قَدرا |
|
نَما بَينَ الأَباعِرِ في البَراري | |
|
| وَغَيرَ الكَهفِ لَم يَعرِف مَقَرّا |
|
ولكِن حَلَّ في بُردَيهِ وَحيٌ | |
|
| كَفاكَ تَفاخُراً وَكَفاهُ فَخرا |
|
وَهَل في بُردَتَيكَ سِوى دَعِييٍّ | |
|
| تَسَوَّدَ في القَبيلَةِ حينَ أَثرى |
|
رَأَت بِشراً عَجوزٌ ذاتَ يَومٍ | |
|
| وَقَد حَزَرَت بِهِ وَطَراً وَأَمرا |
|
فَقالَت أَنتَ تَبحَثُ عَن عُروسٍ | |
|
| وَبِاِبنَةِ عَمِّكَ المِضيافِ أَحرى |
|
فَقالَ لَها وَهَل هِي ذاتُ حُسنٍ | |
|
| فَقالَت إِنَّها في الحُسنِ بُشرى |
|
لَها شَعرٌ كَأَنَّ اللَيلَ مِنهُ | |
|
| تَمَنّى البَدرُ فيهِ أَن يَمُرّا |
|
كَأَنَّ ذُؤابَتَيهِ حِبالُ أَسرٍ | |
|
| تُشَدُّ بِها قُلوبُ العُربِ أَسرى |
|
فَخَفَّ لِعَمِّهِ نَشوانَ جَذلاً | |
|
| وَكاشَفَهُ فَلاقى مِنهُ زَجرا |
|
فَقالَ لَهُ أَبَيتَ اللَعنَ قُل لي | |
|
| أَفاطِمَةٌ لِغَيرِ دَمي تُسَرّى |
|
أَتَأباها عَلَيَّ وَمِن ذِراعي | |
|
| لِآمالِ القَبيلِ عَمِلتُ جِسرا |
|
فَمَن لَكَ في الرَعِيَّةِ غَيرُ بِشرٍ | |
|
| يَرُدُّ غَوائِلَ الغَزَواتِ حُمرا |
|
وَكَم بِكرٍ وَهَبتُكَ مِن دِمائي | |
|
| وَتَأبى يا ظَلومُ عَلَيَّ بِكرا |
|
وَهامَ مُشَعَّثَ الأَحلامِ غَيظاً | |
|
| يُخَرِّبُ تارَةً وَيَعُجُّ أُخرى |
|
وَثارَ عَلى قَبيلَتِهِ بِضُرٍّ | |
|
| فَكانَ الذِئبَ فَتكاً أَو أَضَرّا |
|
فَضَجَّ بَنو الرَعِيَّةِ مِن أَذاهُ | |
|
| وَأَوجَسَ عَمُّهُ خَوفاً وَذُعرا |
|
فَقَرَّبَهُ إِلَيهِ وَقَد تَحَرّى | |
|
| لَهُ شَرَكاً لِيوقِعَ فيهِ ذِمرا |
|
وَقالَ لَهُ إِذا ما كُنتَ شَهماً | |
|
| أَنِلني مِن خُزاعَةَ مِنكَ مَهرا |
|
فَدَبَّت سورَةُ العَرَبِيِّ فيهِ | |
|
| وَأَسرَجَ مُهرَهُ حَتّى يَكُرّا |
|
وَجَنَّبَ في حِمالتِهِ جُرازاً | |
|
| لَهيبُ المَوتِ يَنفُثُ مِنهُ جَمرا |
|
وَكانَ النَجَوُّ مُربَدّاً رَهيباً | |
|
| كَاَنَّ مِنَ الجَحيمِ عَلَيهِ سِترا |
|
فَسامَرَهُ حَفيفُ الغابِ حيناً | |
|
| وَحيناً سامَرَتهُ طُيوفُ ذِكرى |
|
وَفيما بِشرُ يَطوي البيدَ طَيّاً | |
|
| وَيَنشُرُها عَلى الامالِ نَشرا |
|
إِذا بِالمُهرِ أَجفَلَ وَاِعتَراهُ | |
|
| جُمودُ دُمىً وَأَحجَمَ وَاِقشَعَرّا |
|
فَأَغمَدَ في الدياجي ناظِرَيهِ | |
|
| فَأَبصَرَ في ثَناياها هِزَبرا |
|
وَفاضَت نَشوَةً مِن مُقلَتَيهِ | |
|
| مُشَعشَعَةٌ فَقالَ عُقِرتَ مُهرا |
|
وَحينَ جَذا اِنتَضى السَيفَ المُرَوّى | |
|
| وَقالَ اِنبُت فَإِنَّكَ لَن تَفِرّا |
|
فَلَستُ بِراجِعٍ يا لَيثُ حَتّى | |
|
| يَصِرَّ بِكَ الذبابُ الغثّ صَرّا |
|
وَأَقدَمَ مُثبِتَ الأَبصارِ فيهِ | |
|
| فَكانَ كِلاهُما أَسَداً تَسَرّى |
|
وَكانَ اللَيثُ يَفرَقُ مِنهُ طَوراً | |
|
| وَيَبسُطُ تارَةً لِلوَثبِ ظُفرا |
|
وَفي أَلحاظِهِ لَهَبٌ غَضوبٌ | |
|
| يُراشِقُهُ بِهِ شَفعاً وَوِترا |
|
يَنِشُّ بِشِدقِهِ زَبَدٌ حَرورٌ | |
|
| وَيَنفُثُ صَدرُهُ حُمَماً أَحَرّا |
|
وَضَجَّ الغابُ فَالدُنيا صِراعٌ | |
|
| تُفَجِّرُ في رُواقِ اللَيلِ حُرّا |
|
وَحينَ رَآهُ أَرسَخَ منهُ بَأساً | |
|
| تَذَأبَ وَالغَضَنفَرُ كانَ حُرّا |
|
وَأَطلَقَ بِشرُ مُنصَلَهُ عَلَيهِ | |
|
| فَقَدَّ لَهُ مِنَ الأَضلاعِ عَشرا |
|
وَثارَ الكَونُ ثَورَتَهُ فَأَلقى | |
|
| عَلى اللَيلِ الحُسامَ فَدارَ فَجرا |
|
وَأَسكَرَ مَشهَدُ الضِرغامِ بِشراً | |
|
| وَكَم شَرِبَ الدَمَ المُهراقَ خَمرا |
|
فَقَدَّ قَميصَهُ عَنهُ وَأَملى | |
|
| عَلَيهِ بِالدَمِ المَطولِ شِعرا |
|
أَفاطِمَ لَو شَهِدتِ بِبَطنِ خَبتٍ | |
|
| وَقَد لاقى الهِزَبرُ أَخاكِ بِشرا |
|
وَوالى سَيرَهُ يَمتَلُّ فيهِ | |
|
| لِيَبلُغَ مَأرَباً قَد كانَ وَعرا |
|
وَأَنداءُ الصَباحِ تَفوحُ طيباً | |
|
| وَيَسكُبُها النَسيمُ عَلَيهِ عِطرا |
|
وَفيما الحُبُّ يَنهَبُهُ عَراهُ | |
|
| فَحيحٌ مَرَّ في أُذُنَيهِ مَرّا |
|
وَأَبصَرَ حَيَّةً طَلَعَت عَلَيهِ | |
|
| مِنَ الأَدغالِ مِثلَ التُربِ سَمرا |
|
أَذابَ الصُبحُ خَمرَتَهُ عَلَيها | |
|
| فَمالَت مِن خُمورِ الصُبحِ سَكرى |
|
وَشَعَّت كَالزُجاجِ وَقَد تَلَوَّت | |
|
| عَلى أَعشابِها بَطناً وَظَهرا |
|
فَقالَ أَخوكِ كانَ عَلَيَّ وِقراً | |
|
| وَلكِن أَنتِ أَثقَلُ مِنهُ وِقرا |
|
فَهَل بُعِثَت بِهِ روحٌ تَرَدَّت | |
|
| بِجِلدِ الأَفعوانِ تَرومُ ثَأرا |
|
ولاقاها بِصَدرٍ راضَ صَبراً | |
|
| وَلاقَتهُ بِصَدرٍ ضاقَ صَبرا |
|
فَكانَت تَنثَني عَنهُ اِغتِيالاً | |
|
| وَتُنشِبُ رَأسَها لِلفَرسِ غَدرا |
|
تُرى ماذا يَحُلُّ بِنا إِذا ما | |
|
| أُصيبَ بِنَكبَةٍ اللَهُ أَدرى |
|
فَبِشرٌ مَرجِعُ الفُرسانِ فينا | |
|
| وَحامينا إِذا الجَوُّ أَكفَهَرّا |
|
بَعَثتُ بِهِ إِلى حَتفٍ ذَميمٍ | |
|
| كَأَنّي لِلقَبِيلِ حَفَرتُ قَبرا |
|
فَإِن يَسلَم مِنَ الأَسَدِ اِبنِ داذا | |
|
| فَلَن يَنجو مِنَ الأَفعى طِمِرّا |
|
وَشَمَّرَ لِلِّحاقِ بِهِ وَكانَت | |
|
| دِماهُ تُثيرُهُ وَالعَينُ شَكرى |
|
عَلى فَرَسٍ كَأَنَّ الجِنَّ تَعدو | |
|
| بِرِجلَيها فَتَختَفِيانِ سِرحا |
|
وَلَمّا أَدرَكَ اِبنَ أَخيهِ حَيّاً | |
|
| يَروغُ الوَحشُ مِنهُ جَذا وَخَرّا |
|
وَقالَ اِعدِل عَنِ الأَفعى فَإِنّي | |
|
| رَأَيتُكَ أَرحَبَ الأَعرابِ صَدرا |
|
لَأَنتَ أَحَقُّ مِن أُمَراءِ قَومي | |
|
| بِفاطِمَةٍ فَكُن لي ابِناً وَصِهراً |
|
فَأَلهَبتِ الحَماسَةُ كَفَّ بِشرٍ | |
|
| فَصَعَّدَ سَيفُهُ المَصدورُ جَمرا |
|
وَأَطعَمَ خَصمَهُ يُسرى يَدَيهِ | |
|
| وَأَجرى المَوتَ مِن يُمناهُ نَهرا |
|
فَقَبَّلَ عَمُّهُ يَدَهُ بِحُبٍّ | |
|
| وَقالَ أَتَيتُ أَطلُبُ مِنكَ عُذرا |
|
أَلا عُد بي إِلى حَيثُ السَرايا | |
|
| تُقيمُ لِعُرسِكَ اليَومَ الأَغَرّا |
|
فَقَد شَهِدَت صُخورُ الغابِ يا اِبني | |
|
| بِأَنَّكَ فارِسُ الأَعرابِ طُرّا |
|
وَعادا وَالغُصونُ تَميلُ تيهاً | |
|
| كَأَنَّ بِها لِما شَهِدَتهُ سُكرا |
|
وَتَعطِفُ في الطَريقِ عَلى يَدَيهِ | |
|
| تُقَبِّلُ مِنهُما يُمنى وَيُسرى |
|
وَإِذ كانا يَجوبانِ البَراري | |
|
| وَيَنثُرُ بِشرُ آيَ الفَخرِ نَثرا |
|
إِذا بِمُلَثَّمِ العَينَينِ نَجدٍ | |
|
| تَعَرَّضَّ في الطَريقِ لَهُ مُصِرّا |
|
وَقالَ كَفاكَ تَفَخرُ يا عِصاماً | |
|
| فَفَخرُكَ مَرَّ في أُذُنَيَّ فَجرا |
|
قَتَلتَ بَهيمَةً وَقَتَلتَ سوساً | |
|
| وَتَملأُ ماضِغَيكَ قَذىً وَنُكرا |
|
فَقالَ وَمَن تَكونُ فَقالَ إِنّي | |
|
| نَذيرُ المَوتِ جِئتُ إِلَيكَ جَهرا |
|
أَنا دَهرٌ وَأَيّامي سَعيرٌ | |
|
| إِذا نازَلتَني نازَلتَ دَهرا |
|
وَفي غَضَبٍ تَبَدّى المَوتُ فيهِ | |
|
| عَلى سَيفَيهِما كَرّاً وَفَرّا |
|
أَصابَ مُلَثَّمُ العَينَينِ بِشراً | |
|
| فَأَحجَمَ عَنهُ إِخفاقاً وَقَسرا |
|
وَصاحَ بِه أَبَيتَ اللَعنَ فَاِرفَع | |
|
| لِثامَكَ لا تَظَلَّ عَلَيَّ سِرّا |
|
فَقالَ الخَصمُ وَهوَ يُميطُ سِتراً | |
|
| أَنا اِبنُكَ فَاِنظُرِ الوَلَدَ الأَبَرّا |
|
فَعاوَدَ بِشرَ تَذكاراتُ عَهدٍ | |
|
| تَصَرَّمَ تارِكاً في الصَدرِ ذِكرى |
|
وَقَبَّلَهُ وَقالَ أَراكَ يا اِبني | |
|
| بِفاطِمَةَ اِبنَةِ الأَعمامِ أَحرى |
|