العَيْنُ عَبْرَى والنُّفُوسُ صَوادِي | |
|
| ماتَ الْحجَا وقَضَى جَلاَلُ النَّادِي |
|
أرْجَاءَ ذَا الوادِي الخَصِيبِ جنابُهُ | |
|
| ماذَا أَصَابَكَ يَا رَجَاءَ الوَادِي |
|
سَهْمٌ رَمَاك بهِ الحِمامُ مُسَدَّدٌ | |
|
| أَوْدَى بأَيِّ رَويَّة وسَدَادِ |
|
وقَضَى على الآمَالِ في أَفْنَانِها | |
|
| فَذَوَتْ ولم تُمْهَلْ لوَقْتِ حَصَادِ |
|
وأَصَابَ من قَبَس الزَّكَانةِ شُعْلَةً | |
|
| وَهَّاجَةً فَغَدت فَتيتَ رَمَادِ |
|
وطَوَى حُسَاماً مِنْك في جَفْن الثَرَى | |
|
| قَدْ كَانَ يَسْتَعْصي عَلَى الأَغْمَادِ |
|
صُحُف الحيَاةِ وأَنْتَ أصْدَقُ قارىءٍ | |
|
| لسُطُورِها تُطوَى إِلى ميعَادِ |
|
والوَرْدُ يَزْهُو ناضِراً فَوْقَ الرُّبَا | |
|
| ويَعُودُ حِيناً وهو شَوْكُ قَتَأدِ |
|
والمَاءُ يَجْتَذِبُ النُّفُوسَ نَمِيرُه | |
|
| وَلَقَدْ يَكُون الماءُ غُصَّةَ صَادِي |
|
مَا هَذِهِ الدُّنْيَا أمَا مِنْ نِعْمةٍ | |
|
| فيها لغَيْرِ تَشَتُّتٍ ونَفَادِ |
|
قَدْ حَيَّرَتْ شَيْخَ المَعَرَّةِ حِقْبَةً | |
|
| في نَوْحِ بَاكٍ أَوْ تَرَنُّم شَادِي |
|
تَعَبُ الحيَاةِ يَجيءُ من لَذَّاتِها | |
|
| ولذِيذُهَا يُجْنَى مِنَ الإِجْهاد |
|
يَطْوِي بِسَاطَ الْعُرْسِ فيها مأتمٌ | |
|
| في إِثره عِيدٌ من الأعيَادِ |
|
قَدْ كَانَ في رُزْء الحسَيْن بكَرْبَلاَ | |
|
| عيد اليزيدِ وعيدُ آل زِياد |
|
أَيَمُوتُ عاطفُ والكِنَانةُ تَرْتَجِي | |
|
| وَثَباتِه واليوْمُ يَوْمُ جلاَدِ |
|
أيَموتُ في المَيْدَانِ لم يُغْمَدْ له | |
|
| سَيْفٌ ولم يُخْلَعْ نِياط نِجادِ |
|
أَيَمُوتُ والنَّصْرُ المُبِينُ مُلَوِّحٌ | |
|
| بِلوَائِه لطَلائِع الأجنَادِ |
|
ويَغِيضُ ماءٌ كانَ أيْسَرُ قَطْرةٍ | |
|
| مِنهُ حَيَاةَ خَلاَئِقٍ وبِلادِ |
|
عُمْرٌ إِذَا قَلَّتْ سِنُوه فإِنَّما | |
|
| آثارُهُنَّ كثِيرَةُ التَّعْدَادِ |
|
كالعِطْرِ تَجْمَعُ قَطْرةٌ من مائهِ | |
|
| زَهْراً يَنُوءُ بغُصْنِهِ المَيَّادِ |
|
كَمْ مِنْ فَتيٍ في التُّرابِ وخَلْفَهُ | |
|
| ذِكْرٌ يُزَاحِمُ مَنْكِبَ الآبَادِ |
|
ومُعَمَّرٍ عَبَرَ الوُجودَ فَما رَنَا | |
|
| طَرْفٌ إِليهِ ولا بَكَى لِبعَادِ |
|
عُمْرُ الرِّجالِ يُقَاسُ بالمَجْدِ الَّذي | |
|
| شادُوه لا بِتَقَادُمِ المِيلادِ |
|
عَزَّ المعارِف مُطْرِقاً في عَاطِفٍ | |
|
| زَيْنِ الفِناءِ وسَيِّدِ الأنْدَادِ |
|
للعِلْم والأخْلاَقِ كانَ مُعَاضِداً | |
|
| فطَوَى الْحَياةَ وفَتَّ في الأعْضَادِ |
|
ما زالَ يَكْدَحُ والْخُطُوبُ بِمَرْصَدٍ | |
|
| والدَّاءُ يَطْغَى والزَّمانُ يُعَادِي |
|
لَمْ تثْنِهِ الآلامُ عن غَاياتهِ | |
|
| أو تَلْوِه الأسْقَامُ دُونَ مُرَادِ |
|
فاللَّيْلُ مَوْصُولٌ بيَوْمٍ حافلٍ | |
|
| واليومُ مَعقُودٌ بليْل سُهَأدِ |
|
وكأنّما نصْحُ الطبيبِ بسَمْعِه | |
|
| هَذَرُ الوُشَاة وزَفرَةُ الْحُسَّادِ |
|
وَهَبَ الحياةَ كريمةً لبِلادِهِ | |
|
| ومَضَى إلى الأُخْرَى صَريعَ جِهاد |
|
وإِذَا بذَلتَ لمِصرَ كلَّ عَزيزةٍ | |
|
| إِلاّ الحيَاةَ فَأَنتَ غيرُ جَواد |
|
حَمَلُوا على الأعْوَادِ خيرَ وديعةٍ | |
|
| أَعلمتَ مَنْ حَمَلوا على الأَعْوَاد |
|
في رَكْبِه زُمَرُ السَّمَواتِ العُلاَ | |
|
| تَحْدُو مَطِيَّتَهُ لِخَيْرِ مَعَاد |
|
والصبرُ ناءٍ والرُّءُوسُ خواشِعٌ | |
|
| والدَّمعُ جارٍ والقُلوبُ صَوَادِي |
|
حَمَلوا على النَّعْشِ الكَريمِ سُلاَلةَ الْ | |
|
| حَسَبِ الكَريمِ وصَفوةَ الأَمْجاد |
|
وتَحمَّلوهُ ليَدْفِنوا تَحْتَ الثَّرَى | |
|
| شَمَمَ الأُبَاةِ وصَوْلَةَ الآسَادِ |
|
حَفّ الشبابُ به وفي عَبَرَاتهم | |
|
| كَمَدُ الجنودِ لمصْرَعِ القُوّادِ |
|
يا رَامِيَ الأملِ البَعِيدِ بهمّةٍ | |
|
| شمَّاءَ تُدْرِك غايةَ الأَبْعاد |
|
وعَقيدةٍ لو صُوِّرَتْ بمُماثلٍ | |
|
| كانت تكونُ رَصانَةَ الأطْواد |
|
لم يَزْهُها ضافي المديح ولم تكن | |
|
| في الحق ترهب صولةَ النقَّاد |
|
وعزيمةٍ لا الزجر نهنه هَمّها | |
|
| يوماً ولا فُلَّتْ من الإيعاد |
|
كادت تَدُور مع الكَواكِب دَوْرَها | |
|
| بالنَّحس آونةً وبالإِسْعاد |
|
كانتْ أَحزَّ من المُدَى وأَحَدَّ مِنْ | |
|
| غَرْب الظُّبَى يُسلَلْنَ يومَ طِرَاد |
|
وَثِقتْ بخالِقها القَديِرِ فشمَّرتْ | |
|
| مَحْمودةَ الإِصْدَار والإِيرَاد |
|
سِيشيلُ منه رَأتْ هَصوراً يَزْدَرِي | |
|
| ألمَ الإِسَارِ وقَسْوَةَ الأصْفَأد |
|
لَهْفِي عَلَيه والدّيارُ بَعِيدةٌ | |
|
| وخَيالُ مِصْرَ مُرَاوِحٌ ومُغادِي |
|
مُتَوَثِّباً نحوَ المُحِيط كأنَّه | |
|
| صَقْرُ الفلاةِ بِكفّة الصَّيّاد |
|
ما دكّه عَصْفُ الْخُطُوبِ ولا وَنَى | |
|
| لزَعازِع الإِبْراق والإِرْعاد |
|
لا تَعْجَبوا مَنْ كان سعدٌ خالَهُ | |
|
| ألقَتْ له الأخلاقُ كلَّ قِيَاد |
|
سَعْدُ الذي غَرَسَ المُهَيْمِنُ حُبَّه | |
|
| في كلِّ جارِحةٍ وكلِّ فُؤَادِ |
|
مُحْيي القَضَاءِ رَمَاه في رَيَعَانِهِ | |
|
| سَهْمُ القضاءِ فما له من فادي |
|
وثبتْ عَليه من المَنُونِ غوائِلٌ | |
|
| وعَدَت عليه من الزَّمان عَوادِي |
|
شَيّدتَ داراً للقَضاءِ فأصْبَحَتْ | |
|
| للدّينِ والأخْلاقِ خيرَ عِماد |
|
لو لم تَجِىءْ يومَ الحِسابِ بغَيْرِها | |
|
| لَسَمَوْتَ فوق مَنازِلِ العُبّادِ |
|
وبَثثتَ رُوحَكَ في الشّيوخِ فكلُّهم | |
|
| داعٍ إلى نُور النبوّة هادِي |
|
وبَنَيْتَ بالأخْلاقِ منهمْ دولةً | |
|
| بَلَغتْ بِحَوْلِكَ أَبْعَدَ الآمادِ |
|
الدِينُ سَمْحٌ إِنْ سَلَكْتَ سَبيلَه | |
|
| لِلْخَيْرِ لا للشَّرِّ والإِفْسَادِ |
|
فلَكَمْ رَأينا في المَعابد أَشْعَباً | |
|
| للختْل يَلْبَسُ بُرْدَةَ الزُّهّاد |
|
فَزِعت لك الأقْلاَمُ فوق طُروسِها | |
|
| ومن المِدَادِ لَبِسْنَ ثوْبَ حِداد |
|
وتكادُ تَلْتَهبُ المَنَابرُ حَسْرةً | |
|
| لمّا رَحَلْتَ على خَطِيب إِياد |
|
والشِّعْرُ أضحتْ هاطلاتُ دُموعِهِ | |
|
| بَحْراً فنَاح عليكَ في الإِنشاد |
|
مَنْ لي وظِلُّ الموتِ داج بَيْننا | |
|
| بِضِياءِ ذاك الكَوْكبِ الوقّاد |
|
مَنْ لي بِذاكَ الوجهِ بَيْنَ غُصُونِهِ | |
|
| أَسْطارُ أَسْرارِ الْحَياةِ بوادِي |
|
يا طالباً نُورَ اليَقينِ حَيَاتَهُ | |
|
| جاءَ اليقينُ فسِرْ بأَوْفَرِ زَاد |
|
وامْلأْ جُفونَكَ بالكَرَى في غِبْطةٍ | |
|
| قد كنتَ أَحوجَ ساهدٍ لرُقاد |
|
واخلَعْ ثيابَ الداءِ عَزَّ دواؤه | |
|
| والْبَسْ بعَدْنٍ أنْفسَ الأبْراد |
|
واذْهبْ كما ذَهب الشباب مُشَيَّعاً | |
|
| بِدم الجُفونِ وحُرْقة الأكْباد |
|
سَحّتْ عليكَ مع الْجَنُوب رَوَائِحٌ | |
|
| وهَمَتْ عليك مع الشمالِ غوادِي |
|