حَياتي حَياةٌ كُلُّها عِبَرٌ تَترى | |
|
| وَحَسبُكَ مِنّي أَن أَبنَتُ لَكَ الأَمرا |
|
وَقُمتُ بِما غَيري يَنوءُ بِحَملِهِ | |
|
| عَلى الرُغمِ مِمّا أَوهَنَ الجِسمَ وَالفِكرا |
|
سَلَكتُ سبيلي أَبتَغي جِدَّةَ الغِنى | |
|
| فَما زادَني دَهري سِوى تَعَبٍ أَزرى |
|
كَأَنَّ زَماني قَد عَناني بِصَرفِهِ | |
|
| فَلا نَشَباً أَبقى وَلا جادَني وَفرا |
|
فَأَيقُنتُ أَنَّ السَعيَ لا يُبلِغُ الفَتى | |
|
| رَغائِبَهُ لَكِن مَسوقٌ لَهُ قَسرا |
|
وَإِن هُوَ لَم يَرفَعهُ ما جَدَّ مِن غِنىً | |
|
| وَلَم يُجدِهِ نَفعاً فَقَد جَمَعَ الفَقرا |
|
وَإِن حَمَدَ الغِرُّ الزَمانَ ذَمَمتُهُ | |
|
| وَمَن كانَ فَوقَ الدَهرِ لا يَحمَد الدَهرا |
|
وَإِن قيلَ إِنّي حُبتُ قُلتُ كَفاكُمو | |
|
| أَما إِنَّني حَمّادُهُ الصُبحَ وَالعَصرا |
|
عَليمٌ بِأَنَّ النَفسَ مَهما تَجَمَّلَت | |
|
| بِغَيرِ الرِضا فَالبُعدُ أَولى بِها زَجرا |
|
تُقيمُ إِذا ما هيضَ يُمنايَ عاثِراً | |
|
| وَتُسعِدُهُ حُبّاً عَلى دَهرِهِ اليُسرى |
|
وَإِن حَزَبَ الدَهرُ العَصِيُّ عَشيرَتي | |
|
| نَصَبتُ لَهُم دونَ الرَدى جُنَّةً صَدرا |
|
وَإِن قُرَناءُ السوءِ أَصلَوا بِإِفكِهِم | |
|
| حَنايايَ لِلغَيظِ التَمَستُ لَهُم عُذرا |
|
وَإِن سَدَّدَت نَحوي الخُطوبُ سِهامَها | |
|
| ثَبَتُّ وَلَم أَجزَع وَأَوسَعتُها صَبرا |
|
وَإِن لَيلُ هَمٍّ سَدَّ طُرقَ مَذاهِبي | |
|
| لَجَأَتُ إِلى عَزمي فَأَوضَحَ لي فَجرا |
|
خُلِقتُ يَداً دونَ الصَديقِ وَجُنَّةً | |
|
| يَرُدُّ بِها عَن صَدرِهِ الكَيدَ وَالغَدرا |
|
عُداتي لَهُم فَضلٌ عَلَيَّ وَمِنَّةٌ | |
|
| فَلا أَذهَبَ الرَحمَنُ عَنّي لَهُم ذِكرا |
|
لَقد بَحَثوا عَن زَلَّتي فَاِجتَنَبتُها | |
|
| وَهُم نافَسوني فَاِرتَفَعتُ بِهِم قَدرا |
|
فَأَقلِل مِنَ الأَصحابِ خيفَةَ مُرجِفٍ | |
|
| يَراكَ عَدُوّاً ما أَهَبتَ بِهِ بَرّا |
|
وَيَكفيكَ إِن صاحَبتَ في الأَلفِ واحِداً | |
|
| مِنَ الصَحبِ مُختاراً لأعمقهم غَورا |
|
فإِنّي بَلَوتُ الناسَ خَمسينَ حِجَّةً | |
|
| وَأَولَيتُهُم وِدّي فَعاجُوا بِهِ نُكرا |
|
وَإِن أَنتَ عاشَرتَ الكِرامَ فَكُن لَهُم | |
|
| أَميناً وَفِيّاً مُخلِصاً حازِماً أَمرا |
|
وَكُن صافِحاً صَفحاً جَميلاً مُؤَوِّلاً | |
|
| وَإِن كَثُرَ الوِزرُ الَّذي أَنقَضَ الظَهرا |
|
فَمَن أَكثَرَ التَنقيبَ عَن عَيبِ صاحِبٍ | |
|
| أَضاعَ الوَفِيَّ النابِهَ الماجِدَ الحُرّا |
|
عَلى أَن مَن يَلقى الصَديقَ مُعاتِباً | |
|
| يَرى غَيرَ ما يَهوى فَكفٌّ بِهِ أَحرى |
|
خَليلَيَّ هَل عِرضي مَصونٌ لِغَيبَتي | |
|
| وَهَل تَذكُرانِ الفَضلَ لي أَجمَلَ الذِكرى |
|
فَلَستُ بِمُفشٍ ما حَييتُ حَديثَكُم | |
|
| وَلا أَنا بِالناسي لِمَن أَحسَنَ الصُغرى |
|
خليلَيَّ ما عَهدَ الصِبا قَد نَسيتُهُ | |
|
| وَلا بارَحَت ذِكراهُ أَخيلَتي فَترا |
|
وَلا وَجدَهُ قَد غَيَّرَتهُ مَناظِرٌ | |
|
| تَهُزُّ فُؤادَ الصَبِّ في نَشوَةِ السَكرى |
|
وَمَهما صَفا دَهري فَلَن يَمحُوَ الهَوى | |
|
| وَآثارُهُ في مُهجَتي تُصدِرُ الأَمرا |
|
تَراءى إِلى قَلبي الخَلِيِّ هَناءَةً | |
|
| وَمَرَّ كَبَرقٍ لاحَ ثُمَّ اِختَفى غَورا |
|
وَتِلكَ هِيَ الدُنيا سَراباً بِقيعِةٍ | |
|
| وَما كُنتُ قَبلَ اليَومِ أَحسِبُها صِفرا |
|
تَراني إِذا ما شِمتُ يَوماً فُتُوَّتي | |
|
| صَعِقتُ لِوَهنِ الجَسمِ تَنتابُني الذِكرى |
|
شَبابَ بِلادي إِن حَفِظتُم شَبيبَةً | |
|
| ذَخَرتُم قُوىً في كَبرَةٍ تُسنِدُ الظَهرا |
|
رَعى اللَهُ أَيّاماً مَضَت وَشَبيبَتي | |
|
| فَما كانَ أَحلاها وَما أَقصَرَ العُمرا |
|
وَيا لَيتَها طالَت وَطالَ بِها الهَوى | |
|
| وَلَكِنَّها مَرَّت كَطَيفٍ بِنا أَسرى |
|
فَوَاللَهِ ما أَنسى وُلُوعي بِشابِنٍ | |
|
| وَلا أَنسى ما عِشتُ الحَياةَ لَهُ سَيرا |
|
وَلا أَنسى أَرباعاً دَرَجتُ بِرَحبِها | |
|
| يُخَيَّلُ لي أَنّي أَرى غَيرَها قَفرا |
|
عَرَفتُ بِها ما غالَني مِن رِياضِها | |
|
| وَمِن نَخلِها كَالغيدِ تَبدو لَنا سَطرا |
|
بَعيدَةَ مَهوى القرطِ يَزدانُ جيدُها | |
|
| بِمَنظومِ مَعسولٍ تَخالُ الجَنى شَذَرا |
|
وَمِن مَربَعٍ أَحوى النَباتِ وَسَرحُهُ | |
|
| ظَليلٌ تَرى البَهمَ الجَميمَ بِهِ سَدرى |
|
حَفِظتُ لَها عَهداً قَطَعتُ بِهِ الصِبا | |
|
| وَأَيّامَ جِسمي عودُهُ ناضِرٌ نَضرا |
|
وَأَيّامَ عُمري كانَ فَينانَةَ الهَوى | |
|
| فَمُصطَبِحاً ألهو وَمغتَبِقاً أُخرى |
|
وأيامَ كانت بي تحفُّ وليجتي | |
|
| فيا كبدي صبراً على بُعدها صبرا |
|
وَفَيتُ لَها بِالحُبِّ بَيني وَبَينَها | |
|
| عَلَى أَنَّني ما زِلتُ أَرعى لَها قَدرا |
|
غَذَتني وَليداً وَاِرتَوَيتُ بِمائِها | |
|
| وَأجرَت هَواها في دَمي يُشبِهُ النَهرا |
|
فَحُبّي لَمَغناها وَلَيسَ تَكَلُّفاً | |
|
| إِذا صارَ قَلبي رَهنَ مَن أَنبَتَ الزَهرا |
|
بِلادي بِلادي يا أُخيَّ رَأَيتُها | |
|
| تُعادِلُ مِنّي الروحَ وَالوُلْدَ وَالذُخرا |
|
فَلا لَومَ أَن أَولَيتُها كُلَّ تالِدٍ | |
|
| وَوالَيتُها حُبّاً أَمُورُ لَهُ مَورا |
|