كمْ مِنْ عُهودٍ عذبةٍ |
في عَدْوَةِ الوادي النَّضيرِ |
فِضِّيَّةِ الأَسْحارِ مُذْهبَةِ |
الأَصائِلِ والبُكورْ |
كانتْ أرقُّ من الزُّهورِ |
ومِنْ أَغاريدِ الطُّيورْ |
وأَلذَّ مِنْ سِحْرِ الصِّبا |
في بَسْمَةِ الطِّفلِ الغَريرْ |
قضَّيتُها ومعي الحبيبَةُ |
لا رَقيبَ ولا نَذيرْ |
إلاَّ الطُّفولَةَ حولنا تلهو |
معَ الحُبِّ الصَّغيرْ |
أَيَّامَ كانتْ للحياةِ |
حلاوَةُ الرَّوضِ المَطيرْ |
وطَهَارَةُ الموتِ الجميلِ |
وسِحْرُ شَاطئهِ المُنيرْ |
وَوَداعَةُ العُصفورِ بَيْنَ |
جداولِ الماءِ النَّميرْ |
أَيَّامَ لم نعْرِفْ منَ الدُّنيا |
سوَى مَرَحِ السُّرورْ |
وتَتَبُّعِ النَّحْلِ الأَنيقِ |
وقَطْفِ تِيجانِ الزُّهورْ |
وتَسَلُّقِ الجبلِ المُكَلَّلِ |
بالصّنَوْبَرِ والصُّخورْ |
وبناءِ أَكواخِ الطُّفولَةِ |
تحتَ أَعشاشِ الطُّيورْ |
مسقوفةً بالوَردِ والأَعْشابِ |
والوَرَقِ النَّضيرْ |
نبني فتهدمُها الرِّياحُ |
فلا نضجُّ ولا نَثُورْ |
ونعودُ نَضْحَكُ للمروجِ |
وللزَّنابقِ والغَديرْ |
ونخَاطبُ الأَصداءَ وهي |
ترِفُّ في الوادي المُنيرْ |
ونعيدُ أُغنيَةَ السَّواقي |
وهي تَلْغو بالخَريرْ |
ونَظَلُّ نَرْكُضُ خلفَ |
أَسرابِ الفَراشِ المُسْتَطيرْ |
ونمرُّ مَا بَيْنَ المُروجِ الخُضْرِ |
في سكر الشُّعورْ |
نشدو ونرقصُ كالبلابلِ |
للحياةِ وللحُبورْ |
ونَظَلُّ ننثُرُ للفضاءِ |
الرَّحْبِ والنَّهرِ الكبيرْ |
مَا في فؤاديْنا من |
الأَحْلامِ أَو حُلْوُ الغرورْ |
ونَشيدُ في الأُفُقِ المخَضَّبِ |
مِنْ أَمانينا قُصورْ |
أَزهى من الشَّفَقِ الجميل |
ورونقِ المرْجِ الخَضيرْ |
وأجلَّ من هذا الوُجُودِ |
وكلِّ أَمجادِ الدُّهورْ |
أبداً تُذلِّلُها الحَيَاةُ |
بكلِّ أَنواعِ السُّرورْ |
وتَبُثُّ فينا مِنْ مراحِ |
الكونِ مَا يُغوي الوَقُورْ |
فنسيرُ نَنْشُدُ لهوَنا المعبودَ |
في كلِّ الأُمورْ |
ونَظَلُّ نعبثُ بالجليلِ |
منَ الوُجُودِ وبالحقيرْ |
بالسَّائلِ الأَعمى وبالمعتوهِ |
والشَّيخِ الكَبيرْ |
بالقطَّةِ البيضاءِ |
بالشَّاةِ الوديعَةِ بالحميرْ |
بالعُشبِ بالفَنَن المنوِّرِ |
بالسَّنابلِ بالسَّفيرْ |
بالرَّمْلِ بالصَّخْرِ المحطَّمِ |
بالجداول بالغديرْ |
واللهوُ والعَبَثُ البريءُ |
الحلوُ مطمحُنا الأَخيرْ |
ونَظَلُّ نقفزُ أو نُثَرْثِرُ |
أَو نغنِّي أَو نَدورْ |
لا نَسْأَمُ اللَّهْوَ الجميلَ |
وليس يُدْرِكُنا الفُتُورْ |
فكأَنَّنا نحيا بأَعصابٍ |
من المَرَحِ المُثيرْ |
وكأنَّنا نمشي بأَقدامٍ |
مجنَّحةٍ تَطيرْ |
أَيَّامَ كنَّا لُبَّ هذا |
الكونِ والباقي قُشُورْ |
أَيَّامَ تفرشُ سُبْلَنا |
الدُّنيا بأَوراقِ الزُّهُورْ |
وتمرُّ أَيَّامَ الحَيَاةِ بنا |
كأَسْرابِ الطُّيورْ |
بيضاءَ لاعبةً مُغرِّدةً |
مجنَّحةً بِنُورْ |
وتُرفّرفُ الأَفراحُ فوقَ |
رؤوسنا أَنَّى نَسيرْ |
آهٍ توارى فَجْرِيَ القُدسيُّ |
في ليلِ الدُّهُورْ |
وفَنَى كما يَفنى النَّشيدُ |
الحلوُ في صَمْتِ الأَثيرْ |
أَوَّاهُ قدْ ضاعتْ عليَّ |
سَعَادَةُ القلبِ الغَريرْ |
وبقيتُ في وادي الزَّمانِ |
الجهْمِ أَدأَبُ في المسيرْ |
وأَدوسُ أَشواكَ الحَيَاةِ |
بقلبيَ الدامي الكَسيرْ |
وأَرى الأَباطيلَ الكثيرَةَ |
والمآثمَ والشُّرورْ |
وتَصَادُمَ الأَهواءِ بالأَهواءِ |
في كلِّ الأُمورْ |
ومذلّةَ الحقِّ الضَّعيفِ |
وعِزَّةَ الظُّلْمِ القَديرْ |
وأَرى ابنَ آدَمَ سائراً |
في رجلَةِ العُمُرِ القَصيرْ |
مَا بَيْنَ أَهوالِ الوُجُودِ |
وتحتَ أَعباءِ الضَّميرْ |
مُتَسَلِّقاً جَبَلَ الحَيَاةِ الوعْرِ |
كالشَّيْخِ الضَّريرْ |
دامي الأَكُفِّ مُمزَّقَ |
الأَقدامِ مُغْبَرَّ الشُّعُورْ |
مترنِّحَ الخطواتِ مَا |
بَيْنَ المَزالقِ والصُّخورْ |
هالتْهُ أَشْباحُ الظَّلامِ |
وراعَهُ صوتُ القُبورْ |
ودويُّ إِعْصارِ الأَسَى |
والموتُ في تِلْكَ الوُعورْ |
ماذا جنيتُ من الحَيَاةِ |
ومن تجاريبِ الدُّهُورْ |
غيرَ النَّدامَةِ والأَسى |
واليأسِ والدَّمعِ الغَزيرْ |
هذا حَصادي من حقولِ |
العالَمِ الرَّحْبِ الخَطيرْ |
هذا حَصادي كُلُّهُ في |
يقظةِ العَهْدِ الأَخيرْ |
قدْ كنتُ في زمنِ الطُّفولَةِ |
والسَّذاجَةِ والطُّهورْ |
أَحْيا كما تحيا البلابلُ |
والجداولُ والزُّهورْ |
لا نَحْفَلُ الدُّنيا تدور |
بأَهلها أَو لا تَدورْ |
واليومَ أحيا مُرْهَقَ |
الأَعصابِ مَشْبُوبَ الشُّعُورْ |
متأَجِّجَ الإِحْساسِ أحفلُ |
بالعَظيمِ وبالحقيرْ |
تمشي على قلبي الحَيَاةُ |
ويزحَفُ الكونُ الكبيرْ |
هذا مصيري يا بني |
أُمِّي فما أَشقى المصيرْ |