لَكَ اللَهُ إِنّي مِن فُراقِ الحَبائِب |
لَفي لاعِج بَينَ الأَضالِع لاهِب |
أُكابِد أَشواقاً يَكادُ لِفَرطِها |
تَوَقَّد في جَنيَّ نار الحَبائِب |
يُبَلبِل بالي قادِح البُعدُ وَالهَوى |
فَصِرتُ أَخا قَلب مِن الوَجدِ ذائِب |
أَبيتُ عَلى شَوكِ القَتاد صَبابَة |
أَكلف جِفني الغَمضَ وَهُوَ مَحاربي |
فَما حال مَسلوبِ القَرارِ مسهد |
عَديم اِصطِبار نازِح الحُب عازِب |
أَخي وَلَهُ مَضنى الفُؤاد مُتَيَّم |
مَشوق مُعَنّى ذي غَرام مُجاذِب |
غَريب وَلكِن بَينَ أَهلي وَجيرَتي |
وَمُستَوحِش ما بَينَ خِلِيَّ وَصاحِبي |
وَما ذاكَ مِن بَغض وَلكِن أَخو الهَوى |
شَجي فَلَم يُؤنِسُهُ غَيرُ الحَبائِب |
أَروحُ وَأَغدو عادِم اللُب لا أَعي |
مَقالَ جَليسي أَو كَلام المُخاطِب |
تَظُن بِأَنّي في الفَهاهَة باقِل |
أَو اِلَيهِم لي فيها عَظيمُ تَناسُب |
كَأَن لَم أَرِث يَوماً فَصاحَةَ أَحمَدِ |
وَلَيسَ الذَكا لي مِن لُؤي بِن غالِب |
تَقولُ بَنو عَمّي تَرى بِكَ حيرَة |
وَلَستَ بِحَمدِ اللَهِ عَلقاً لِناهِب |
وَلا المالُ مَنزورُ وَلا الجاه قاصِر |
وَأَنتَ عَلى عَرق مِن المَجدِ ضارِب |
فَقُلتُ نِعمَ إِنَّ الهَوى لا يَحل في |
فُؤادِ فَيَخلو مِن هُمومِ تَواعِب |
هَوايَ زباري وَلَستُ بِكاتِم |
هَوايَ وَلا مَضغ للاح وَعائِب |
أَتوقُ اِذا هَب الجَنوبُ لأَنَّني |
أَشُم الغَوالي مِن مَهَبِّ الجَنائِب |
نَأَت دارٌ مَن أَهوى وَعَز مَزارُها |
وَمن دونِها قَد حالَ قَرعُ الكَتائِب |
وَسَد طَريقُ القُربِ مِنها بِخَمسَة |
وَخَمسينَ جَلى مِن عِظامِ المَراكِب |
مَلاءاً جُموعاً لِلعُدى كُل جَحفَل |
يَدُكُّ الرَواسي مِن زَئيرِ المَقانِب |
فَلا خَيرَ بِالجَزم يُرَفَّع عَنهُم |
وَحالي في خَفضِ مِنَ الشَوقِ ناصِب |
طَويل اِغتِراب وافِر الشَوق كامِل ال |
غَرامِ وَحُبي لَيسَ بِالمُتَقارِب |
لَقَد أَنزَلتَ آياتَ حُبّي بِمُحكَم |
مِنَ القَلبِ لَم تَنسَخ بِوَحي المَعاطِب |
فَهَل لي تَرى عوداً اِلى حج كَعبَة |
الجَمالُ لأَسعى بِالصَفا لِمَآرِب |
وَأَقضي لِبانات الفُؤادِ وَيَشتَفي |
غَرامٌ بِقَلبي صارَ ضَربَة لازِب |
رَعى اللَهُ أَوتاتَ السُرورِ الَّتي مَضَت |
لِلَيلاتِ صَفوٍ عارِياتِ الشَوائِب |
لَيالي لَم أَخشَ الوُشاةَ وَلَم أَكُن |
أُحاذِر فيها مِن حَسود مُراقِب |
بِها حَزَت آمالي وَما كُنتُ راجِياً |
مِنَ القُربِ مِن حَسناء هَيفاءِ كاعِب |
وَصوف أَنوف ناهِد غادَة رُمت |
بِسَهم مِنَ الأَلحاظِ لِلصَبِّ صائِب |
مِن الخَفراتِ الغُر غَنجاء بِضة |
بَديعَة حُسن مِن بَنات الاِعارِب |
لِعِزَّتِها لألاء مِن تَحتِ طرة |
كَبَدر تُبدى مِن سُجوفِ الغَياهِب |
لَها مَبسم أَلمى شَهِيُّ مُعَسَّل |
بِحُسنِ حَديث ساحِر القَلبِ سالِب |
مُنعَمَة خَرقاء لَم تَدر مِهنَة |
نُؤوم الضُحى تَسبي بزج الحَواجِب |
فَما رَوضَة غَنّاء دبج زَهرِها |
وَطَرزِها كَف الغَوادي السَواكِب |
بِأَبهَج مِنها مُنظراً حينَ لي بَدَت |
مِن الخَدرِ في وَجهِ مِن الحُسنِ ثاقِب |
شُيوع وَدود لَم تَخن لي ذِمَّة |
مُحجَبة عَن كُلِّ عَين بِحاجِب |
كَتوم لا سَراري حَضوراً وَغيبَة |
رَضيت عَن اِستِخبارِها بِالتَجارُب |
تَميلُ مَعي طِبق المراد وَلَم تَحل |
عَن الوُدِّ لي مِن دونِ كُل الأَقارِب |
يَقبَح فِعلي عِندَها بَعضُ أَهلِها |
فَتَأبى وَلَم تَسمَع مَقالَة عائِب |
فَوَاللَهِ لا اَسلو هَواها بِحالَة |
وَفي غَيرِها وَاللَهُ لَستُ بِراغِب |
عَلى الرُغمِ قَد فارَقتَها لا مَلالَة |
وَلا عَن قَلىً لكِن لِسوءِ المَذاهِب |
فَفارَقتَ طيبَ العَيشِ بَعدَ فُراقُها |
وَلا ساغَ لي يَوماً لَذيذُ المَشارِب |
وَوَدَعتَ نَفسي عِندَ ساعَةٍ وَدَعَت |
وَأَقبَلتَ ذالِبِّ مِنَ الشَوقِ ذاهِب |
فَعانَقتها وَالدَمعُ بِلل مرطها |
وَمن مِدمَعي يَرفُضُ مِثلَ السَحائِب |
وَأَورَت بِقَلبي لاعِج الشَوق وَالأسى |
وَأَبقَت رَسيساً لِلهَوى وَالغَرامُ بي |
لَحى اللَهُ دَهراً ساءَني بِفُراقِها |
وَدامَ بِنارِ البُعدِ عَنها مَعاقِبي |
وَعَوضني عَنها بِسَوداءِ فاحِم |
تُرَوَّع في وَجه عَبوس مُغاضِب |
خَلائِقَها سَودا قَبيحَة مَنظَر |
مَشوهة حازَت جَميعَ المَعائِب |
فَجَبهَتَها قَعب عَبيق اِذا اِنكَفا |
وَقَد غارَت العَينانِ تَحتَ الحَواجِب |
وَأَنف كَبَطن القَوسِ أَفطَس لَم تَطق |
تَعبر أَنفاساً لِضيقِ المَثاقِب |
أَرى شَفَتَيها مِثلَ طَوقِ وَيُذيل |
وَشِعراً كَليف النَخلِ دونَ المَناكِب |
عَجيب بِبَحر الزين وَدَعى وَاِنَّها |
لأَبعَد مِن زين كَبُعد الكَواكِب |
وَلِوَحيِكَ دَرع مِن عَبير وَدَرعَت |
بِذاكَ فَلَيسَ التتن عَها بِذاهِب |
وَمِن عَجَب تُبدى اِمتِناعاً تَدللاً |
وَجَمعي لَها وَاللَهُ إِحدى العَجائِب |
فَمالي وَالسَوداء لادر دُرُّها |
وَأَعمقها عَن كُلِّ تال وَعاقِب |
تُكَلِّفُني الأَيّامُ ما لا أَطيقُهُ |
بِبُعد حَبيب أَو بِغَيض مُقارِب |
أَرودُ لِنَفسي ما يُزَحزِحُ همها |
لِيَنزاحُ عَنّي بَعضُ ما هُوَ كاربي |
وَيُطفي لَهيباً في الضَميرِ مِنَ النَوى |
وَأَسهو عَن شَوق لِقَلبي لازِب |
فَلَم أَلقَ مَن يُصغي لِشَكوى مُتَيم |
وَلَم أَرَ ما يُجدي لِدَفعِ النَوائِب |
بِلا في نِظامِ قَد أَتاني مُقنِع |
لِسَلوَةِ مَحزون وَراحَة تاعِب |
نِظام كَعِقد مِن جُمان مُفصل |
تَحَلَّت بِهِ الحَسناءُ فَوقَ التَرائِب |
وَكَالرَوضِ صُبحاً إِذ تَكلل بِالنَدى |
وَكَالوَصلِ مِن حُبِّ طولِ مُجانِب |
لَقَد حازَ مِن حُرِّ الكَلامِ رَقيقَه |
فَما هُوَ الّا مِن شَريف المَكاسِب |
مَعانٍ يُغالي في بَديعِ بَيانِها |
وَموجَز لَفظ جامِع لِلغَرائِب |
يَلذ عَلى الاِسماعِ لَو قَرطت بِهِ |
وَتَكسَبُ مِنهُ النَفسَ نَشوَة شارِب |
وَلَم لا وَمِن وَشاهُ حِبرُ مُهَذَّب |
اِمامٌ لَهُ في الفَضلِ أَعلى المَراتِب |
هُوَ الماجِدُ المفضال عُثمان مِن سَمت |
فَضائِلُهُ أوج النُجوم الثَواقِب |
هِمام تَحَلّى بِالكَمالِ فَلَم تَجِد |
لَهُ مَن يُضاهيهِ بِغُر المَناقِب |
وَمِن دَوحَةِ طابَت وَحَق لِمُنتَم |
اِلَيها اِفتِخار في كَريم التَناسُب |
اِلى طَلحَةِ الخَيراتُ تَعزى فُروعَه |
فَيا حَبَّذا فَرع الاِصولُ الا طائِب |
لَقَد حازَ رَأياً ذا سَداد اِذا دَجَت |
غَياهِب خَطب شَق داجي الغَياهِب |
إِذا ما عَويص البَحث أَشكَل حله |
بِفِكر كَعَضب للاصابَة صائِب |
مَنيع الحِمى لَم يَرضِ يَوماً يُصيبُ مِن |
يُجاوِرُه بُؤس وَهَضم لِجانِب |
جَاد فَمَن يَقصِدهُ يَلقَ بَشاشَة |
وَبَشَراً وَجوداً هاطِلاً بِالرَغائِب |
وَاِن حَل عاف في رَحيب فَنائِه |
فَلَم يَخشَ عِندَ الجَدبِ بُؤس المَساغِب |
وَثيق عُهود بِالاِخاء مُحافِظ |
عَلى الوُدِّ لَم يَخفِر ذِماماً لِصاحِب |
حَليف التُقى عَف الازار لَقَد سَعى |
لِمَرضاةِ مَولاهُ بِرَغبَة راهِب |
وَكَم مِن مَزايا لاِبنِ داود لَم يَكد |
يُطيقُ لَها ضَبطاً يُراعُ لِحاسِب |
فَيا سَيِّداً ما زالَ يَجهد نَفسَهُ |
لِكَسبِ المَعالي جُهد أَحوج طالِب |
وَمَن فاقَ في المَجدِ المُؤثل وَالعَلى |
وَفي الشَرَف الباهي العَلي المُناصِب |
اِلَيكَ عَروساً مِن سُلالَة هاشِم |
فَأَنتَ لَها كُفء وَأَكرَمُ خاطِب |
وَإِنّي وَاِن قصَرتَ عَن كنه مد حكم |
فَما اِسطَعتَ أَستوفي عَديدَ الكَواكِب |
فَمَعذَرَة يا اِبنَ الأَكارِم اِنَّني |
لِذو فِكرَة عَمياء صَلدى المَضارِب |
وَلَم يَسُق مِن غَيثِ البَلاغَةِ خاطِري |
وَلَستُ أَخا شِعر وَلَستُ بِكاتِب |
وَلكِن حُبّي فيكَ زادَ فَمِنهُ قَد |
توقد فِكري وَاِستَنار الذَكاء بي |
فَلا زِلتَ مَطروق الغِناء مَمدحاً |
حَميد المَساعي نائِلاً لِلمَطالِب |
مُعانا سَعيد الجد ما حَنَّ مُغرَم |
اِلى قَطر أَوزم شَرع المَراكِب |
وَما بَثَّ شَكواهُ المُتَيَّم قائِلاً |
لَكَ اللَهُ اِنّي مِن فُراقِ الحَبائِب |