حياك وادي الرافدين وما به |
من سهله وحزونه وشعابه |
ومعاهد الآثار فوق تلاله |
ومشاهد الماضين تحت قبابه |
والساكنون على ضفاف معينه |
من شيبه وكهوله وشبابه |
والضاربون على ممر ضيوفه |
تلك الخيام السود من أعرابه |
وجلال عاصمة الخلافة والذي |
سجدت ملوك الأرض في أعتابه |
وذوو النهى والرأي من أشياخه |
وذوو البلاغة فيه من كتابه |
كل تراه مرحباً بك منهم |
يستعرض الأحلام في ترحابه |
فحباك في إكرامه ورآك من |
أحراره ودعاك من أقطابه |
يا قادماً والعزم ملء فؤاده |
لما يهن والحزم حشو إهابه |
ومجاهداً في الذب عن أوطانه |
ما حالت النكبات دون طلابه |
البيد لم يتعبه قطع وهادها |
والبحر لم يزعجه خوض عبابه |
طوراً تساوره الهموم فينثني |
للأفق يسأل ما وراء حجابه |
وتصده الآمال عنها تارةً |
في قومه فيحث سير ركابه |
إني أقول اليك غير مهون |
خطباً تجرعتم مرارة صابه |
لكن عراني بعض ما بك والضنى |
يدعو المصاب به إلى استطبابه |
لم ينفرد في الشرق قطرك وحده |
بجميع ما شخصت من أوصابه |
فالداء حيث نزلت داءٌ واحدٌ |
إذ كنت أدرى الناس في أسبابه |
وأشده فتكاً تراه بموطنٍ |
بيع الضمائر فيه رأس خرابه |
حب المظاهر في قلوب رجاله |
وتلون الحرباء في أحزابه |
ما بين مفتون وآخر طامعٍ |
لم يعنه غير امتلاء وطابه |
هذي نتائج ما جنى من سعيه |
يا خيبة الآمال في أتعابه |
كم مجرمٍ في الحي ظاهره التقى |
والجرم مستترٌ وراء ثيابه |
إن البلاد وإن أضاع شقاقها |
مجداً طواه الدهر في أحقابه |
سيعود رغم الطامعين وإنني |
منه على ثقةٍ بقربِ إيابه |
جسم العروبة لا ينام على قذى |
ما دام روح الثأر في جلبابه |
والذود من عاداته والحلم من |
آدابه والعدلُ من أحسابه |
فلذا نهضت وكنت أشجع ناهضٍ |
يلقي على الأسماع فصل خطابه |
لترد مفتتناً وتصلح فاسداً |
غراً وترشد مخطئاً لصوابه |
وجمعت حولك كل حر ماجدٍ |
والمرء في إخوانه وصحابه |
حتى وثبت بهم ومالك حيلةٌ |
كالليث راح مزمجراً في غابه |
من مبلغ نيرون جلق انه |
قد جاوز الإرهاق حد نصابه |
الجيش مل من اقتراف ذنوبه |
والسيف كل من اعتناق رقابه |
والسجن غص من ازدحام برائه |
وتنفس الصعداء وسع رحابه |
واكتظ سطح الأرض من أشلائه |
وتمول السراق من أسلابه |
ما كل شعبٍ هين إذلاله |
تبنى سياسته على إرهابه |
لا يستتب الأمن في سفك الدما |
ما لم يعن عدلٌ على استتبابه |
أعصابةٌ بجنيف أم هي عصبةٌ |
تكفي نعاج الشرق شر ذئابه |
أين الرعاة وقد تمزق شلوها |
ذا في مخالبه وذاك بنابه |
خدعٌ بها نال القوي مرامه |
واللؤم غدرك بالكريم النابه |
من آخذ بيد الضعيف وضعفه |
ذنبٌ به مستوجبٌ لعقابه |
وإذا رأيت معذباً بحياته |
فاعلم بأن الجهل أصلُ عذابه |
لولاه لم يغرق بنشوة حلمه |
يوماً ولم يخدعه لمع سرابه |
والغرب ما وسع البسيطة ريحه |
والشرق لم يملك سوى ألقابه |