لي من يَرَاعِ تَغَزُّلي مِزْمارُ
|
وأنا الهوَى وجناحِيَ الأشعارُ
|
وَلِيَ القصيدةُ إن أُرِدْ شَبّابةٌ
|
وليَ القصيدةُ إن أُرِدْ قيثارُ
|
ولقد أعَرْتُ العازفينَ أناملي
|
فترنَّمَتْ بأناملي الأوتارُ
|
أرْعَى قطيعي في الجبالِ تَعَبُّداً
|
في موطني وَلِيَ الجبالُ مَزَارُ
|
ألتينُ والزيتونُ بَعْضُ كرومِهِ
|
واللوزُ والسُّمّاقُ والصُّبّارُ
|
ولهُ العتابا والموشَّحُ جُنَّةٌ
|
والبَيْلسانُ حدودُهُ والغارُ
|
فإذا تَلفّتَ موطني مُتَلَهِّفاً
|
يهفو بقلبي زنبقٌ وعَرَارُ
|
وأرَى الخُزامَى تستميلُ مباسماً
|
للوردِ حيثُ تفتَّحَتْ أزرارُ
|
وتميسُ أغصانُ الشُّجُونِ بخاطري
|
وتبوحُ لي بغرامِها الأزهارُ
|
فتغارُ من وطني الفراقدُ والسُّهَى
|
بلْ كلُّ نجمٍ في السماءِ يَغارُ
|
إنّي وقد غنَّى الهَزارُ بمهجتي
|
لي من أغاني العاشقينَ هَزارُ
|
جفرا ودلعونا وأصفِنُ فيهما
|
|
بينا أنا في صَفْنَةٍ أخّاذةٍ
|
ترنو لسِحْرِ عناقِها الأسْحارُ
|
مَرَّتْ رفوفُ حمائمي عطشانةً
|
|
ونثرثُ من كفّي الحُبوبَ فأخْصَبَتْ
|
منها المروجُ الفِيْحُ والأوعارُ
|
من بعدِ ما أودَى شُبَاطٌ في الصِّبا
|
وأطالَ عُمْرَ نهارِهِ آذارُ
|
صارَ المدى بسنابلي مُتماوِجاً
|
وأتَى لِشَحْذِ مناجلي أيّارُ
|
ذَرَّيْتُ فيهِ بيادري ومواسمي
|
أمَلاً لَدَيَّ بأن يُرَدَّ بِذارُ
|
وأكلتُ خبزي وهوحافٌ بينما
|
ظَمِئَتْ إلى ماءِ العيونِ جِرارُ
|
وشدوتُ بين الأهلِ حُرَّ قصائدي
|
فترنّمَتْ بقصائدي الأحْرارُ
|
وتراقصتْ أغصانُ حُبّي في دمي
|
|
قد عشْتْ سِحْرَ الأرضِِ منذُ طفولتي
|
فيها فكانَتْ ثروتي الأقمارُ
|
ونَصَبْتُ خُصّي فوق كِتْفِ سناسلي
|
صيفاً وقد كَثُرَت به السُّمّارُ
|
وركوتُ جنبَ النارِ دَلَّةَ قهوتي
|
منها يفوحُ الهالُ والمسمارُ
|
ورأيتُ أسرابَ النجومِ تزورُني
|
تُهدي إليَّ جمالهَا الأنوارُ
|
ما مرَّ نجمٌ واستباحَ قصيدتي
|
إلاّ تكشّفَ أنّهُ غَرّارُ
|
كنتُ الغريرَ بِحُبِّهنَّ فَغَرّني
|
مُهْرُ الخيالِ وما عَرَاه عِثَارُ
|
فأنا المشرّدُ بين أفلاكِ الرُّؤَى
|
وعجبتُ للأفلاكِ كيفَ تُدارُ
|
فاذا مشيتُ إلى اليمينِ أعاقني
|
سيري وأغْرَى بالمسيرِ يسارُ
|
والغيمُ ما فَتِىءَ الرّحيلُ عباءَتي
|
وخيامُ مَوْسِمِ رحلتي الأمطارُ
|
والبردُ يَلْحَسُ جانبيّ وأخوتي
|
تحتَ اللحافِ مُكَنْعِشُون كِثارُ
|
أحُّو يَ بَرْدي قالها آباؤُنا
|
ولكمْ بلوناها ونحنُ صِغارُ
|
رَعْياً لموقدِةٍ يَعِجُّ دخانُها
|
ويطيرُ في كلِّ الجهاتِ شَرارُ
|
نَعْمَى بها فيفيضُ سَيْلُ دموعِنا
|
|
والدَّلْفُ ينزلُ فوقَنا مِزْرابُهُ
|
ونقومُ مِلءُ أنوفِنا الشُّحْبارُ
|
نمشي حُفاةً في الشتاءِ دروبُنا
|
وَحْلٌ، وفي الصيفِ الطويلِ غُبارُ
|
إني لأذكرُ طولَ مَشْيي حافياً
|
حتى هَرَاني الشوكُ والمُرّارُ
|
ولقد خَبِرْتُ الشَّوْبَ في إبّانِهِ
|
والبَرْغَشَ الملعونَ وهو مُثَارُ
|
ورأيْتُ أسرابَ الظِّباءِ بموطني
|
ظَمْأَى كما ظَمِئَتْ بيَ الآبارُ
|
لَهْفي على ذاتِ الوِشَاحِ وقد أتَتْ
|
والليلُ غاشٍ والظّلامُ سِتارُ
|
فأضَأتُ قنديلي ولكنْ نورُها
|
غَطَّى عليهِ فإذْ بهِ يَنْهارُ
|
لم تَبْقَ عندي غيرَ شُرْبِ سِجارةٍ
|
خَوْفَ الرقيبِ وما سَيَحْكي الجارُ
|
حتى إذا نَهَضَتْ لَمَسْتُ مكانَها
|
فأصابَني مما لَمَسْتُ دُوَارُ
|
فإذا ذكرْتُ جمالَها وظلالَها
|
جاشَ الأنينُ فمدمعي مِدْرارُ
|
وأرَى الصّخورَ كأنها مخمورةٌ
|
وكأنّني في حانِها خَمّارُ
|
أبكي وتبكيني الصّخورُ تأسّفاً
|
وَكَفَى بأنْ رَقَّتْ لِيَ الأحْجارُ
|
أشدو العتابا في فراقِ أحِبَّتي
|
وَ الأوفُ مني إذ تَطولُ نهارُ
|
ولقد أنوحُ مع النسيمِ بأنّةٍ
|
|
أروي ترابَ مرابعي بمدامعي
|
حتى يَلُفَّ سكونَها إعصارُ
|
ولقد أثورُ مع الرياحِ تمرُّداً
|
فإذا حروفُ قصائدي ثُوّارُ
|
وإذا الشَّرارُ من الحروفِ مواقدٌ
|
قد سُعِّرَتْ منها تَهِجُّ النارُ
|
أحببتُهُ وطني وحُبّي جارفٌ
|
وعواطفي في حُبِّهِ تيّارُ
|
لي منه سيمفونيّةٌ حَمَلتْ أسَىً
|
فيهِ تعومُ وتَغْرَقُ الأبحارُ
|
لا كنتُ إمّا قد تأوّهَ موطني
|
وأنا بقلبي لا يَشُبّ أُوارُ
|
إنّي أقولُ وذا لساني ناطقٌ
|
جَهْراً وخيرُ النُّطقِ وهو جَهارُ
|
لي موطنٌ، هُوَ جَنَّتي، وأنا لهُ،
|
باقٍ بهِ، وسِواهُ لا أختارُ
|