طِفلٌ عَلَى حَيْدِ الطَّريقِ مُشَرَّدُ |
تَحكِى المآسِىَ مُقلَتاهُ وَتَسرِدُ |
عَبَرَاتُهُ قَصَصُ الشَّآمِ تحدَّرَتْ |
فَرْطَاً عَلَى خَدَّيْهِ لَيْسَتْ تَنفَدُ |
نَبَرَاتُهُ هَمْسُ الخُشُوعِ تهدَّجَتْ |
لَكِن يُفَعِّمُها الصُّمودُ الخالِدُ |
وَالهَمُّ مَركُومٌ يَعِجُّ بِصَدرِهِ |
مِنهُ انتفاضَتُه الأَبيَّةُ تُولَدُ |
قَضَّ الطُّغاةُ لهُ المَضاجِعَ كُلَّها |
قَطَعُوا لهُ الحُلمَ الجَميلَ وأخمَدُوا |
قَتَلُوا أَباهُ وأُمَّهُ بِقَذيفَةٍ |
مَختومَةٍ بالغَدرِ لا تَستَرشِدُ |
وَنَجَا وَحِيداً لا أنيسَ بِأَرضِهِ |
وَرَجَا إلهَ الكَوْنِ نِعمَ المَقصِدُ |
وَمَضَى بِغُربَتِهِ التى لا تنجلِى |
إلَّا بِعَوْدٍ يَقتَفِيهِ مَحامِدُ |
عَهدٌ عَلَيْهِ بِأَن يَعيشَ مُجاهِداً |
إمَّا يُعيدُ الحَقَّ أو يُستَشهَدُ |
وَقعُ الأَبابَةِ مُوقِدٌ نَبَضَاتِهِ |
وَيَشُوقُهُ شَامُ الفِدَى المُتَفَرِّدُ |
يَأبَى بِعِزَّةِ نَفسِهِ مَأوَى سِوَى |
دَارٍ لهُ هُدِمَتْ وَمَبناهَا الغَدُ |
ثَاراتُهُ تَأبَى عَلَيْهِ تَرَاجُعاً |
رَغمَ الحِصارِ وَرَغمَ ما يَتَهَدَّدُ |
وَالأرضَ يَطوِيها لِيبلُغَ غَايَةً |
قد رامَهَا هَذا الغُلامُ المَاجِدُ |
فَهُناكَ جُندُ الحَقِّ يَطلُبُ نُصرَةً |
وَالشَّامُ مُشتاقٌ لهُ مُستَنجِدُ |
بِطَرِيقِهِ الأشوَاكُ تُدمِى كالمُدَى |
وَالبَردُ يَقرِسُ والسِّباعُ تُطارِدُ |
لا خَوْفَ يَمنَعُهُ ولا تَخذيلُ مَن |
أَلِفُوا انبطاحاً لِلطُّغاةِ وَمَا هُدُوا |
فَمَنِ ارتَآهُ رَأَى الغَضَنفَرَ مُقدِمَاً |
لا يَستَكِينُ ولا خُطاهُ تَرَدَّدُ |
إنَّ الطَّرِيقَ لِمَن لَدَيْهِ عَزيمَةٌ |
وَشَجَاعَةٌ رَغمَ العِثارِ مُمَهَّدُ |
وَإذا امَّحَى وَهَنُ القُلُوبِ فَإنَّما |
حُبُّ الشَّهادَةِ نَبْضُها المُتَجَدِّدُ |