أَسَأَلتِ مَن نَبَذوكِ نَبذَ المُنكَرِ | |
|
| كَم بَينَهُم مِن فاجِرٍ مُتَسَتِّرِ |
|
الخَيِّرونَ وَهُم أَشَرُّ بَني الوَرى | |
|
| الأَبرِياءُ وَلَيسَ فيهِم مِن بَري |
|
الصائِمونَ المُفطِرونَ عَلى الدِما | |
|
| الظامِئونَ إِلى النَجيعِ الأَحمَرِ |
|
الحانِثونَ بِكُلِّ عَهدٍ مُبرَمٍ | |
|
| العابِثونَ بِكُلِّ ذاتِ تَخَفُّرِ |
|
المُصلِحونَ وَلَيسَ فيهِم مُصلِحٌ | |
|
| الطاهِرونَ وَأَيُّهُم لَم يَفجُرِ |
|
الرائِحونَ المُغتَدونَ عَلى الخَنا | |
|
| في مَعشَرٍ قُبحاً لَهُم مِن مَعشَرِ |
|
القائِلونَ بِغَيرِ ما قَد أَضمَروا | |
|
| مِن مُعلَنٍ أَو أَعلَنوا مِن مُضمَرِ |
|
يَتَمَرَّغونَ عَلى القَذارَةِ وَالقَذى | |
|
| وَيُحَدِّثونَكَ عَن صَفاءِ الكَوثَرِ |
|
مِن كُلِّ عادٍ في مَلابِسِ عادِلٍ | |
|
| أَو ثَعلَبٍ يُزهى بِلُبدَةِ حَيدَرِ |
|
أَو كافِرٍ مُتَعَبِّدٍ أَو فاسِقٍ | |
|
| مُتَعَفِّفٍ أَو صاغِرٍ مُتَكَبِّرِ |
|
جِيَفٌ إِذا نَزَتِ الهُمومُ فَهَمُّها | |
|
| حَشوُ البُطونِ وَكَسرُ كُلِّ مُجَبَّرِ |
|
وَلَرُبَّ عاهِرَةٍ أَعَفُّ شَمائِلاً | |
|
| مِن كُلِّ عِربيدٍ تَقِيِّ المَظهَرِ |
|
نَصَبوا الرِياءَ عَلى خُطاكِ حَبائِلاً | |
|
| أَعماكِ بارِقُهُ فَلَم تَستَبصِري |
|
أَغراكِ ما أَغرى الفَراشَةَ بِاللَظى | |
|
| فَقَضَت ضَحِيَّةَ جَمرِهِ المُتَسَعِّرِ |
|
لَم تَبلُغي بَعضَ الرَجاءِ وَإِنَّما | |
|
| أَلحَمتِ عِرضَكِ كُلّ وَغدٍ مُفتَرِ |
|
حَتّى إِذا تَمَّ اِختِبارُكِ لِلوَرى | |
|
| وَسَلَختِ في الماخورِ بِضعَةَ أَشهُرِ |
|
وَسَبَرتِ أَغوارَ الحَياةِ نَعيمها | |
|
| وَجَحيمها وَكَشَفتِ كُلَّ مُسَتَّرِ |
|
وَخَبرتِ أَخلاقَ الرِجالِ جَميعِهِم | |
|
| وَبَلَوتِهِم فَرَأَيتِ كُلَّ مُحَيّرِ |
|
وَعَجَمتِ عودَ خِلالِهِم فَوَجدتِهِ | |
|
| عوداً خَسيسَ النَبتِ هَشَّ المَكسَرِ |
|
أَلفَيتِ أَوفاهُم بِعَهدِكِ غادِراً | |
|
| وَرَأَيتِ ذا الإِقدامِ أَوَّلَ مُدبِرِ |
|
وَلَمَستِ بُهتانَ الغَنِيِّ وَمَكرهُ | |
|
| وَشَهِدتِ عُدوانَ الفَقيرِ المُعسِرِ |
|
وَبَلَوتِ أَلوانَ المَذَلَّةِ وَالضَنى | |
|
| وَعَلِمتِ أَنَّكِ في ظَلامٍ مُعكِرِ |
|
فَهَمَمتِ أَن تَدَعي الغُرورَ وَتَرعَوي | |
|
| عَن نَهجِ ذاكَ المَسلَكِ المُتَوَعِّرِ |
|
وَأَبَت نَواميسُ الحَياةِ وَشَرعها | |
|
| أَن تَستَردّي ما فَقَدتِ وَتَطهُري |
|
لَم يُجدِكِ الدَمعُ الصَبيبُ شَفاعَةً | |
|
| فَخُذي بِأَسبابِ التَجَمُّلِ أَو ذَري |
|
فَلَئِن نَدِمتِ فَلَن يُصَدِّقَكِ اِمرُؤٌ | |
|
| وَلَئِن شَكَوتِ فَلاتَ حينَ تَذَمُّرِ |
|
وَلَئِن رَجَعتِ إِلى التَعَفُّفِ وَالتُقى | |
|
| لَم تَأمَني عَبَثَ السَفيهِ المُمتَري |
|
وَلَئِن طَرَحتِ الإِثمَ مُنكِرَةً لَهُ | |
|
| لَم تَلبَثي وَاللَهِ حَتّى تُنكَري |
|
إِنَّ الأُلى أَنحَوا عَلَيكِ بِلَومِهِم | |
|
| هُم أَكرَهوكِ عَلى اِحتِرافِ المُنكَرِ |
|
وَلَقَد أَرادوا أَن تَكوني دُميَةً | |
|
| يَلهو بِها كُلُّ اِمرِئٍ مُستَهتِرِ |
|
زَعَموكِ فاجِرَةً وَلَولا فِسقُهُم | |
|
| لَظَلَلتِ طاهِرَةً وَلَم تَتَدَهوَري |
|
وَدَعَوكِ بائِعَةَ الأَثيمِ مِنَ الهَوى | |
|
| كَذَبوا فَإِنَّ الذَنبَ ذَنبُ المُشتَري |
|
لَم يَغفِروا لَكِ ما جَنَيتِ وَإِنَّما | |
|
| غَفَروا لِهاتِكِ عِرضِكِ المُتَدَعِّرِ |
|
رَأَفوا بِمَن هَدَروا دِماكِ فَما لَهُم | |
|
| لا يَرأَفونَ بِدَمعِكِ المُتَحَدِّرِ |
|
وَتَبادَلوا رَشقَ القَتيلِ بِلَومِهِم | |
|
| وَتَجاوَزوا عَن جُرمِ قاتِلِهِ الزَري |
|
ما بالُهُم قَد عَيَّروكِ دَعارَةً | |
|
| لَو أَنصَفوا لَفَقَدتِ كُلَّ مُعَيّرِ |
|
هَبكِ اِنزَلَقتِ أَلَم يَكُن في وسعِهِم | |
|
| أَن يُنقِذوكِ مِنَ الهَلاكِ الأَكبَرِ |
|
لَكِنَّهُم نَبَذوكِ مِن أَوساطهِم | |
|
| نَبذَ النَواةِ عَلى الطَريقِ المُقفِرِ |
|
هُم جَرَّدوكِ مِنَ الحَياءِ فَجاهِري | |
|
| بِسُلوكِكِ المُزري وَلا تَتَسَتَّري |
|
وَقِفي الحَياةَ عَلى الدَعارَةِ وَاِنفُثي | |
|
| في الناسِ سُمَّ فُجورِكِ المُتَفَجِّرِ |
|
فَلَئِن عَهِرتِ فَأَنتِ غَيرُ مَليمَةٍ | |
|
| وَلَئِن فَجَرتِ فَشيمَةُ المُتَدَعِّرِ |
|
وَاِمشي عَلى الأَشلاءِ نَشوى وَاِرقُصي | |
|
| في مَأتَمِ الأَخلاقِ شَهوى وَاِسكَري |
|
ثوري عَلى كُلِّ الرِجالِ وَأنشِبي | |
|
| فيهِم بَراثِنَ حِقدِكِ المُستَأثِرِ |
|
لا تَشرَبي غَيرَ الدِماءِ وَلا تَفي | |
|
| لِفَتىً وَخوني وَاِستَبِدّي وَاِغدري |
|
وَتَمَرَّغي بِالمُخزِياتِ وَقامِري | |
|
| مَعَ مَن أَرَدتِ بِعِرضِكِ المُستَأجَرِ |
|
وَاِستَقبِلي زُمَرَ الزُناةِ بِمَبسمٍ | |
|
| يَفتَرُّ عَن شِبهِ الجَحيمِ المُسعَرِ |
|
صَهَرَت مُقَبَّلَهُ المُلَغَّمَ شَهوَةٌ | |
|
| هَوجاءُ تَعصِفُ بِالثُغورِ وَتَزدَري |
|
فَكَأَنَّهُ البُركانُ يَقذِفُ حَولَهُ | |
|
| حُمَماً مِنَ النَهَمِ الدَنِيءِ المُذعِرِ |
|
مُتَعَطِّشٌ لِلرِجسِ دونَ سُعارِهِ | |
|
| شَرَهُ الذِئابِ الطاوِياتِ الكُسَّرِ |
|
كَمنَ الهَلاكُ بِهِ فَمِلءُ لُعابِهِ | |
|
| سُمٌّ يُصَفَّقُ بِالرَحيقِ المُسكِرِ |
|
أَتَنَهُّداتُكِ أَم فَحيحُ أَراقِمٍ | |
|
| رَقشاءَ أَو زَفَراتُ ريحٍ صَرصَرِ |
|
تَتَدَفَّقُ الشَهَواتُ مِنهُ لَوافِحاً | |
|
| وَتَشِعُّ في عَينَيكِ شِبهَ المِجمَرِ |
|
لِلَّهِ تاجِرَةٌ بِمُنعَرَجِ الحِمى | |
|
| عَرَضَت بِضاعَتَها عَلى مَن يَشتَري |
|
وَقَفَت تُساوِمُني وَفي لَفَتاتِها | |
|
| شَيءٌ دُهِشتُ لَهُ غَريبُ المَنظَرِ |
|
وَرَنَت إِلَيَّ وَفي بَريقِ عُيونِها | |
|
| ذُلُّ الوَضيعِ وَثَورَةُ المُتَكَبِّرِ |
|
وَوَقَفتُ مُضطَرِبَ الفُؤادِ حِيالَها | |
|
| حَيرانَ بَينَ تَقَدُّمٍ وَتَأَخُّرِ |
|
في غُرفَةٍ حَمراءَ تَحسَبُ أَنَّها | |
|
| قَد ضُرِّجَت بِدَمِ العَفافِ المُهدَرِ |
|
سُدِلَت سَتائِرُها وَرُدَّ رِتاجُها | |
|
| في عُزلَةٍ عَن كُلِّ طَرفٍ مُبصِرِ |
|
مِصباحُها الوَهّاجُ عَينٌ لَم تَنَم | |
|
| تُحصي عِدادَ الفاسِقينَ الزُوَّرِ |
|
وَمَضَت تُحَدِّقُ بي بِمُقلَةِ شادِنٍ | |
|
| وَمَضَيتُ أَرمُقُها بِعَينَي قَسوَرِ |
|
حَسناءُ قَيدُ العَينِ في لَحَظاتِها | |
|
| فِتَنُ السَواحِرِ وَاِحوِرارُ الجُؤذُرِ |
|
شَفَّت مَلابِسُها وَرَقَّ دِثارُها | |
|
| فَكَأَنَّها عَرِيَت وَلَم تَتَدَثَّرِ |
|
وَتَمايَلَت أَعطافُها فَكَأَنَّها | |
|
| أَفعى قَدِ اِنسابَت عَلى العُشبِ الطَري |
|
أَمّا ذَوائِبُها فَجُنحُ دُجُنَّةٍ | |
|
| وَجَبينُها فَلَقُ الصَباحِ المُسفِرِ |
|
مُتَأَلِّقُ القَسَماتِ إِلّا أَنَّهُ | |
|
| كَتَبَ الشَقاءُ عَلَيهِ بِضعَةَ أَسطُرِ |
|
وَبَدَت رُسومُ نُهودِها فَحَسِبتُها | |
|
| عَن صَدرِها حَسَرَت وَإِن لَم تَحسُرِ |
|
فَإِذا بِحُقيى فِضَّةٍ قَد غُلِّفا | |
|
| بِغِشاءِ عاجٍ في صَفيحَةِ مَرمَرِ |
|
رَفَّ الدَلالُ عَلَيهِما فَتَمايَلا | |
|
| مُتَعانِقينَ شَبيهَ غُصنٍ مُثمِرِ |
|
يَتآمَرانِ عَلى اِقتِناصي عَنوَةً | |
|
| بِمُحَذّرٍ ما خِلتُهُ بِمُحَذِّرِ |
|
فَدَفَنتُ بَينَهُما بَقِيَّةَ عِفَّةٍ | |
|
| في القَلبِ عاجَلَها الفُجورُ بِخِنجَرِ |
|
وَشَهِدتُ مَصرَعَ شاعِرٍ أَودى بِهِ | |
|
| نَزَقُ الصِبا وَأَتى بِما لَم يُغفَرِ |
|
وَلَو اِنَّهُ لَبّى نِداءَ ضَميرِهِ | |
|
| لَنَجا بِعِفَّةِ قَلبِهِ المُتَحَسِّرِ |
|
تَرَكَت فَريستَها وَقامَت حَيَّةً | |
|
| رَقطاءَ تَمشي بِالخُطى المُتَعَثِّرِ |
|
وَرَنَوتُ لَم أَرَ مِن نَضارَتِها سِوى | |
|
| سَقَمٍ تَفَشّى في مُحَيّا أَصفَرِ |
|
وَتَغَيَّرَت تِلكَ الوَسامَةُ وَاِغتَدَت | |
|
| قُبحاً فَيا لِجَمالِها المُتَغَيِّرِ |
|
وَإِذا بِهاتيكَ اللِحاظِ دَميمَةٌ | |
|
| وَإِذا بِذاكَ النَهدِ غَير مُكَوَّرِ |
|
وَإِذا بِساقيها وَمائِسِ قَدِّها | |
|
| قَد أَصبَحَت مِثلَ القَنا المُتَكَسِّرِ |
|
وَإِذا بِذاكَ الوَجهِ غاضَ مَعينُهُ | |
|
| وَذَوَت بَشاشَةُ حُسنِهِ المُتَنَكِّرِ |
|
وَإِذا بِعَينَيها كَثُقبي إِبرَةٍ | |
|
| وَإِذا بِذاكَ اللَونِ جِدُّ مُعَصفَرِ |
|
وَإِذا بِنَفسي قَد صَحَت مِن سَكرَةٍ | |
|
| قَصُرَت وَكُنتُ أَظُنُّها لَم تَقصُرِ |
|
وَأَفَقتُ مَذعوراً عَلى قَلبٍ غَدا | |
|
| إِن يَدعُهُ داعي الرَذيلَةِ يَنفرِ |
|
وَاِستَوقَفَتني إِذ هَمَمتُ بِتَركِها | |
|
| وَلَقَد وَهى جَلَدي وَعيلَ تَصَبُّري |
|
قالَت أَطابَ لَكَ الهَوى فَأَجَبتُها | |
|
| أَينَ الهَوى مِن قَلبِكِ المُتَحَجِّرِ |
|
أَرَبيبَة الماخورِ قَدكِ تَكَلُّفاً | |
|
| فَجَمالُكِ الكَذّابُ غَيرُ مُؤَثّرِ |
|
ما إِن عَريتِ مِن العَفافِ وَطُهرِهِ | |
|
| حَتّى اِئتَزَرتِ مِنَ الفُجورِ بِمِئزَرِ |
|
فَغَدَوتِ لا نَفسٌ تُحِسُّ وَلا هَوىً | |
|
| عَفٌّ وَلا قَلبٌ كَريمُ المَخبَرِ |
|
يا وَردَةً عَصَفَ الذُبولُ بِعِطرِها | |
|
| لا خَيرَ في الرَيحانِ غَيرَ مُعَطَّرِ |
|
وَالغُصنُ يُعشَقُ في الخَمائِلِ مُزهِراً | |
|
| وَتَمَلُّ مِنهُ النَفسُ إِن لَم يُزهِرِ |
|
وَالناسُ يَهوَونَ الجَمالَ مُجَسَّداً | |
|
| وَأُحِبُّهُ روحاً كَريمَ المَحسَرِ |
|
عَرَضٌ بِهِ نَعِمَ الغُواةُ وَلَم يَطِب | |
|
| لِلشاعِرِ الفَنّانِ غَيرُ الجَوهَرِ |
|
أَنا لَستُ أَعجَبُ مِن فُجورِكِ حائِراً | |
|
| إِنّي لأَعجَبُ مِنكِ إِن لَم تَفجُري |
|
فَتَّشتُ عَن مُترَفِّقٍ بِكِ لَم أَجِد | |
|
| غَيرَ الحَقودِ الشانِئِ المُتَهَوِّرِ |
|
لَيتَ الَّذينَ عَلى اِضطِهادِكِ أَجمَعوا | |
|
| قَبِلوا الدُموعَ شَفاعَةً لِمُكَفِّرِ |
|
هُم أَرغَموكِ عَلى الفُجورِ وَما اِهتَدَوا | |
|
| يَوماً إِلى إِصلاحِكِ المُتَعَذِّرِ |
|
وَقَسَوا عَلَيكِ وَما قَسَوتِ وَرُبَّما | |
|
| أَجدى التَرَفُّقُ بِالمُسيءِ المُجتَري |
|
لَم يُنصِفوكِ بِنَبذِهِم إِيّاكِ بَل | |
|
| ظَلَموكِ فَاِنتَقِمي لِنَفسِكِ وَاِثأَري |
|
قَد حاوَلوا بِالنارِ إِخمادَ اللَظى | |
|
| أَتُراهُمو ضَلّوا سَبيلَ الأَنهُرِ |
|
أَوزارَةَ الإِصلاحِ تِلكَ ضَحِيَّةٌ | |
|
| إِن تَشمَليها بِالعِنايَةِ تُؤجَري |
|
لي فيكِ آمالٌ تُداعِبُ خاطِري | |
|
| وَرَجاءُ مُرتَقِبٍ لَها مُستَبشِرِ |
|
وَلَرُبَّ عاهِرَةٍ إِذا ما أُصلِحَت | |
|
| كانَت أَعَفَّ مِن العَفافِ الأَطهَرِ |
|
لا تَترُكيها لِلصَروفِ وَشَأنَها | |
|
| فَلَأَنتِ أَنتِ رَجاؤُها فَتَدَبَّري |
|