إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
سمعتُ صوتاً هاتفاً في السّحَر |
نادى مِن الحانِ: غُفاة البشَر |
هبُّوا املأوا كأس الطلى قبَل أن |
تَفعم كأس العمرْ كفّ القدَر |
أحسُّ في نفسي دبيب الفناء |
ولم أصَب في العيشِ إلاّ الشقاء |
يا حسرتا إن حانَ حيني ولم |
يُتحْ لفكري حلّ لُغز القضاء |
أفق وهات الكأس أنعمُ بها |
واكشف خفايا النفس مِن حُجبها |
وروّ أوصالي بها قَبلَما |
يُصاغ دنّ الخمَر مِن تُربها |
تروحُ أيامي ولا تغتدي |
كما تهبُّ الريح في الفدفدِ |
وما طويتَ النفس هماً عَلى |
يومين: أمسْ المنقضى والغدِ |
غدٌ بِظَهْرِ الغيب واليوم لي |
وكم يخيبُ الظنُّ في المقبلِ |
ولَستُ بالغافلِ حتى أرى |
جمالَ دنيايَ ولا أجتلي |
سمعتُ في حلمي صوتاً أهابَ |
ما فتَّق النّوم كمام الشبابَ |
أفق فإنَّ النّوم صنو الردى |
واشرب فمثواكَ فراش الترابَ |
قَد مزَّق البدرُ سنَار الظلام |
فأغنم صفَا الوقت وهات المدام |
واطرب فإنَّ البدر مِن بعدنا |
يسري علينا في طباقِ الرغام |
سأنتحي الموتَ حثيث الورود |
ويَنمحي اسمي مِن سجِل الوجود |
هات أسقنيها يا مُنى خاطري |
فغايةُ الأيام طولْ الهجود |
هات أسقنيها أيهذا النديم |
أخضَب مِن الوجهِ اصِفرار الهموم |
وإن أمُتْ فاجعَل غسولي الطلى |
وقدَّ نعشيَ مِن فروعِ الكروم |
إن تُقتلَع مِن أصلِها سُرحتي |
وتصبحُ الأغصان قَد جفَّت |
فصغْ وعاء الخمَر مِن طينتي |
واملأهُ تسرِ الروح في جثتي |
لَبستُ ثوبَ العيش لم أُستشَر |
وحرتُ فيه بين شتّى الفِكَر |
وسوفَ أنضو الثوب عنّي ولم |
أُدرك لماذا جئتُ، أينَ المقر |
نمضي وتبقى العيشةُ الراضية |
وتنمحي آثارُنا الماضية |
فقَبل أن نَحيا ومِن بعدِنا |
وهذه الدُنيا علَى ما هيه |
طَوت يدُ الأقدار سفرَ الشباب |
وصوَّحت تلكَ الغصون الرطاب |
وقَد شدا طيرُ الصبى واختفى |
متى أتى . يا لهفا . أينَ غاب |
الدهرُ لا يعطي الَّذي نأمل |
وفي سبيلِ اليأس ما نَعمَل |
ونحنُ في الدُنيا علَى همّها |
يسُوقنا حادي الردى المُعجّل |
أفق خفيفَ الظَّل هذا السّحَر |
وهاتها صرفاً ونَاغِ الوتر |
فما أطاَل النّوم عمراً ولا |
قصَّر في الأعمارِ طول السهَر |
اشرب فمثواكََ التراب المهيلِ |
بلا حبيب مؤنسٍ أو خليل |
وانشق عبير العيش في فجرهِ |
فليسَ يزهو الورد بعدَ الذبولِ |
كم آلم الدهر فؤاداً طعين |
وأسلم الروح ظعين حزين |
وليسَ ممَن فاتَنا عائدٌ |
أسألهُ عن حالةِ الراحلين |
يا دهرُ أكثرت البلى والخراب |
وَسُمْتَ كُلّ الناس سوء العذاب |
ويا ثرى كم فيكَ مِن جوهرٍ |
يبينْ لو يُنبَش هذا التراب |
وكم توالى الليل بعدَ النهار |
وطالَ بالأنجمِ هذا المدار |
فامشِ الهوينا إنَّ هذا الثرى |
مِن أعينٌ ساحرةِ الأحورار |
أينَ النديم السمح أينَ الصبوح |
فقد أمضَّ الهمّ قلبي الجريح |
ثلاثةٌ هنّ أحبُّ المُنى |
كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيح |
نفُوسنا ترضى احتِكام الشراب |
أرواحنا تفدى الثنايا العِذاب |
وروح هذا الدنَّ نستّلهُ |
ونستقيهِ سائِغاً مُستطَاب |
يا نفسَ ماهذا الأسى والكدر |
قَد وقعَ الإثم وضاع الحذر |
هَل ذاقَ حلو العفوَ إلاّ الَّذي |
أذنبَ والله عفَا واغتفر |
نلبسُ بينَ الناس ثوب الرياء |
ونحنُ في قبضةِ كفّ القضاء |
وكم سعينا نرتجي مهرباً |
فكانَ مسعَانَا جميعاً هباء |
لم تَفتَحَ الأنفسَ باب الغيوب |
حتى تَرى كيفَ تسأم القلوب |
ما أتعس القلبَ الَّذي لم يَكد |
يلتأم حتى أنكأتهُ الخطوب |
عامل كاهليك الغريب الوفي |
واقطع مِن الأهلِ الَّذي لا يفي |
وعِف زلالاً ليسَ فيه الشفا |
واشرب زعافَ السمّ لو تشتفي |
أحسن إلى الأعداء والأصدقاء |
فإنَّما أُنس القلوب الصفَاء |
واغفر لأصحابكَ زلاّتهم |
وسامح الأعداء تَمْحُ العِداء |
عاشر مِن الناسِ كبار العقول |
وجانب الجهّال أهل الفضول |
واشرب نقيعَ السمّ مِن عاقلٍ |
واسكب علَى الأرضِ دواء الجهول |
يا تارك الخمرَ لماذا تلوم |
دعني إلى ربي الغفور الرحيم |
ولا تُفاخرني بهجرِ الطلى |
فأنتَ جانِ في سوِاها أثيم |
أطفىء لظَى القلب ببرد الشراب |
فإنَّما الأيام مثلَ السحَاب |
وعيشُنا طيف خيالٍ، فَنل |
حظّكَ منهُ قبلَ فوَت الشباب |
بستانُ أيامك نامي الشجَر |
فكيفَ لا تقطفُ غضّ الثمَر |
اشرب فهذا اليوم إن أدبرت |
به اللَّيالي لم يعدهُ القدر |
جادت بساط الروض كفُّ السحَاب |
فنزّه الطرفَ وهات الشراب |
فهذه الخضرةَ مِن بِعدنا |
تنمو علَى أجسادِنا في التراب |
وإن توافِ العشب عندَ الغدير |
وقَد كسَا الأرض بساطاً نضير |
فامشِ الهوينا فوقهُ . إنه |
غذّتهُ أوصالُ حبيبٌ طرير |
يا نَفس قَد آدكِ حملُ الحزن |
يا روح مقدور فُراق البدن |
إقطف أزاهير المُنى قبلَ أن |
يجفَّ مِن عيشك غضّ الفنن |
يحلو ارتشاف الخمَر عندَ الربيع |
ونشرُ أزهار الروابي يضوع |
وتعذّب الشكوى إلى فاتنٍ |
علَى شفا الوادي الخصيب الينيع |
فلا تَتب عن حسوِ هذا الشراب |
فإنَّما تَندمُ بعدَ المتَاب |
وكيفَ تصحو وطيور الربى |
صدّاحةٌ والروض غضّ الجناب |
زخارفُ الدُنيا أساس الألم |
وطالبُ الدُنيا نديم الندم |
فكن خليَّ البال مِن أمرها |
فكلُّ ما فيها شقاءٌ وهم |
وأسعدْ الخلقْ قليل الفضول |
مَن يهجر الناس ويرضى القليل |
كأنهُ عنقاءَ عندَ السّهى |
لا بومةٌ تنعبُ بينَ الطلول |
مَن يحسبَ المال أحبَّ المُنى |
ويزرع الأرضَ يريد الغِنى |
يفارق الدُنيا ولم يُختَبر |
في كدَّهِ أحوال هذى الدُنى |
سرى بجسمي الغضَّ ماء الفناء |
وسار في روحي لهيب الشقاء |
وهمتُ مثلَ الريحَ حتى ذرَت |
تُرابَ جسمي عاصفات القضاء |
يامَن يَحارُ الفَهمُ في قدرتك |
وتطلبُ النَفسُ حمى طاعتك |
أسكرَني الإثمُ ولكنّني |
صحوَت بالآمال في رحمتك |
لم أشرب الخمَر ابتغاء الطرَب |
ولا دعتني قلّةٌ في الأدب |
لكنَّ إحساسي نزّاعاً إلى |
إطلاق نفسي كانَ كلّ السبب |
أفنيتُ عمري في اكتناهِ القضاء |
وكشفُ ما يحجبهُ في الخفاء |
فلم أجد أسرارهُ وانقضى |
عمري وأحسستُ دبيب الفناء |
أطاَل أهل الأنَفس الباصره |
تفكيرهم في ذاتِك القادره |
ولم تزلْ يا ربْ أفهامهم |
حيرى كهذى الأنجمُ الحائره |
لم يجنِ شيئاً مِن حياتي الوجود |
ولن يضير الكون أنَّي أُبيد |
وا حيرتي ما قالَ لي قائلٌ |
ماذا اشتعالُ الروح! كيفَ الخمود |
إذا انطوى عيشي وحانَ الأجل |
وسدَّ في وجهي باب الأمل |
قَرَّ حبَاب العمر في كأسهِ |
فَصَّبها للموتِ ساقي الأزل |
إن لم أكنْ أخلصتُ في طاعتك |
فإنّني أطمعُ في رحمتك |
وإنَّما يشفعُ لي أنّني |
قَد عشتُ لا أُشرك في وحدتك |
يا ربْ هيىء سببَ الرزق لي |
ولا تذقني منّةَ المُفضلِ |
وابقني نشوانَ كيما أرى |
روحي نَجتْ مِن دائِها المعضلِ |
أفنيت عمري في ارتقابِ المُنى |
ولم أذق في العيشِ طعم الهنا |
وإنَّني أُشفقَ أن يَنقَضي |
عمري وما فارقت هذا العَنا |
لم يبرحَ الداء فؤادِي العليل |
ولم أنل قصدي وحانَ الرحيل |
وفات عمري وأنا جاهلٌ |
كتابَ هذا الدهر جمّ الفصول |
صفَا لكَ اليوم ورقَّ النسيم |
وجالَ في الأزهارِ دمع الغيوم |
ورجّعَ البلبل ألحانهُ |
يقول هيّا اطرب وخلّ الهموم |
الدرع لا تمنعُ سهم الأجل |
والمال لا يدفعهُ إن نزل |
وكلُّ ما في عيشنا زائلٌ |
لا شىءَ يبقى غيرَ طيب العمل |
اللهُ يدري كلُّ ما تُضمر |
يعلمُ ما تُخفي وما تُظهر |
وإن خدعتَ الناس لم تستطع |
خدِاع مَن يطوي ومَن يَنشر |
وإنَّما بالموت كلٌ رهين |
فاطرب فما أنتَ مِن الخالدين |
واشرب ولا تَحمل أسىً فادحاً |
وخلّ حمل الهم للاحقين |
رأيت خزّافاً رحاهُ تَدور |
يجدُّ في صوغِ دنانِ الخمور |
كأنهُ يخلطُ في طينها |
جمجمة الشاهِ بساق الفقير |
تمتلكُ الناس الهوى والغرور |
وفتنةُ الغيدِ وسُكنى القصور |
ولو تُزال الحجبُ بانت لهم |
زخارف الدُنيا وعُقبى الأمور |
إن الَّذي تأنس فيه الوفاء |
لا يحفظ الودَّ وعهدَ الأخاء |
فعاشر الناس علَى ريبةٍ |
منهم ولا تُكثر مِن الأصدقاء |
زاد الندى في الزهرِ حتى غدا |
مُنحنياً مِن حملِ قطر الندى |
والكُم قَد جمعَ أوراقهُ |
فظلَّ في زهرِ الربى سيّدا |
وأسعد الخلق الَّذي يُرزق |
وبابهُ دونَ الورى مُغلق |
لا سيَّد فيهم ولا خادم |
لهم ولكن وادعٌ مُطلق |
قلبي في صدري أسيرٌ سجين |
تُخجلهُ عشرةُ ماءٍ وطين |
وكم جرى عزمي بتحطيمه |
فكانَ يَنهاني نداءُ اليقين |
مصباحُ قلبي يستمدُ الضياء |
مِن طلعةِ الغيدِ ذوات البهاء |
لكنّني مثلَ الفراش الَّذي |
يسعى إلى النّورِ وفيهِ الفناء |
طبعي ائتناسي بالوجوه الحِسان |
وديدني شرِبَ عِتاق الدِنان |
فاجمع شتات الحظَّ وانعم بها |
مِن قبلِ أن تطويكَ كفّ الزمان |
تَعاقبُ الأيام يُدني الأجل |
ومرّها يطويكَ طيّ السجِل |
وسوف تَفنى وهي في كرّهِا |
فقَضّ ما تغنمهُ في جذل |
لا تَشغل البَال بماضي الزمان |
ولا بَآتي العيش قبلَ الأوان |
واغنم مِن الحاضرِ لذّاتهِ |
فليسَ في طبعِ اللَّيالي الأمان |
قيلَ لدى الحشر يكون الحساب |
فيغضب الله الشديدَ العقاب |
وما انطوى الرحمن إلاّ علَى |
إنالةِ الخير ومنح الثواب |
كانَ الَّذي صوّرني يعلمُ |
في الغيبِ ما أجني وما آثمُ |
فكيفَ يجزيني علَى أنّني |
أجرمتُ والجرمُ قضاً مبرمُ |
هات اسقني كأس الطلى السلسلِ |
وغنّني لحناً مع البلبلِ |
فإنَّما الإبريق في صبهِ |
يَحكي خرير الماء في الجدولِ |
الخمَرُ في الكأسِ خيالٌ ظريف |
وهي بجوفِ الدنّ روحٌ لطيف |
أبعد ثقيل الظَّل عن مجلسي |
فإنَّما للخمَر ظلٌ خفيف |
بابُ نديمي ذو الثنايا الوضاح |
وبيننا زهرٌ أنيقٌ وراح |
وافتضَّ مِن لؤلؤِ أصدافها |
فافترَّ في الآفاقِ ثغرُ الصباح |
نارُ الهوى تمنعُ طيب المنام |
وراحةُ النفس ولذُّ الطعام |
وفاتر الحبُّ ضعيف اللّظى |
منطفىء الشعلةَ خابي الضرام |
القلبُ قَد أضناهُ عِشق الجمال |
والصدرُ قَد ضاقَ بما لا يُقال |
يا ربْ هل يُرضيك هذا الظما |
والماءُ ينساب أمامي زُلال |
خلقتني يا ربْ ماءً وطين |
وصغتني ما شئتَ عزاً وهون |
فما احتيالي والَّذي قَد جرى |
كتبتهُ يا ربْ فوقَ الجبين |
ويا فؤادي تلكَ دُنيا الخيال |
فلا تنؤ تحتَ الهموم الثقال |
وسلّم الأمر فمَحوَ الَّذي |
خطّت يدُ المقدار أمرٌ مُحال |
وإنَّما نحنُ رخاخ القضاء |
ينقلنا في اللوحِ أنّى يشاء |
وكلُّ مَن يفرغ مِن دورهِ |
يُلقَى به في مستقّرِ الفناء |
رأيتُ صفّاً مِن دنانٍ سرى |
ما بينها همسُ حديثٍ جرى |
كأنّها تسألُ: أينَ الَّذي |
قَد صاغَنا أوباعَنا أو شرى |
سطا البلى فاغتالَ أهلَ القبور |
حتى غدوا فيها رُفاتاً نَثير |
أينَ الطلى تتركني غائباً |
أجهلُ أمر العيشَ حتى النشور |
إذا سقاني الموت كأس الحمام |
وضمَّكم بعدي مجال المدام |
فأفردوا لي موضعي واشربوا |
في ذكرِ مَن أضحى رهين الرجام |
عن وجنة الأزهار شفَّ النقاب |
وفي فؤادي راحةٌ للشراب |
فلا تَنمْ فالشمس لما يزل |
ضياؤها فوقَ الربى والهضاب |
فكم علَى ظهرِ الثرى مِن نيام |
وكم مِن الثاوينِ تحت الرغام |
وأينما أرمي بعيني أرى |
مشيّعاً أو لهزةً للحمام |
يا ربْ في فهمك حَار البشرْ |
وقصَّر العاجز والمقتدرْ |
تَبعثُ نجواكَ وتبدو لهم |
وهم بلا سمعٍ يعي أو بصَرْ |
بيني وبينَ النفس حربٌ سجَال |
وأنتَ يا ربي شديدَ المحُال |
أنتظر العفو ولكنّني |
خَجلان مِن علمك سوء الفعال |
شقَّت يدُ الفجر سِتار الظلام |
فانهض وناولني صبوح المدام |
فكم تُحيّينا لهُ طلعةٌ |
ونحنُ لا نملكُ ردَّ السلام |
مُعاقروا الكأس وهم سادرون |
وقائموا اللَّيل وهم ساجدون |
غرقى حيارى في بحارِ الُنّهى |
والله صاحٍ والورى غافلون |
كُنّا فَصرنا قطرةٌ في عباب |
عشنا وعُدنا ذرّةٌ في التراب |
جئنا إلى الأرضِ ورحنا كما |
دبَّ عليها النمل حيناً وغاب |
لا أفضح السرّ لعالٍ ودون |
ولا أطيل القول حتى يبَين |
حالي لا أقوى علَى شرحها |
وفي حنايا الصدر سرّي دفين |
أولى بهذى الأعين الهاجده |
أن تغتدي في أُنسها ساهده |
تَنَّفَس الصبحُ فقم قبلَ أن |
تحرمهُ أنَفَاسنا الهامده |
هل في مجالِ السكون شىءٌ بديع |
أحلى مِن الكأسِ وزهرُ الربيع |
عجبتُ للخمّار هل يشترى |
بمالهِ أحسنَ مما يبيع! |
هوى فؤادي في الطلى والحباب |
وشجو أذني في سماعِ الرباب |
إن يَصغْ الخزّاف مِن طينتي |
كوباً فأترعُها ببرد الشراب |
يا مدَّعي الزهدَ أنا أكرمُ |
مِنكَ، وعقلي ثملاً أحكمُ |
تَستنزفُ الخلقَ وما أستقي |
إلاّ دمُ الكرم فمَن آثمُ |
الخمَرُ كالورد وكأس الشراب |
شفّت فكانت مثل وردٍ مُذاب |
كأنَّما البدر نَثا ضوءهِ |
فكان حوَل الشّمس منهُ نقاب |
لا تَحسبوا أنّي أخاف الزمان |
أو أرهب الموت إذا الموت حان |
الموت حقٌ . لَستُ أخشى الردى |
وإنَّما أخشى فوات الأوان |
لا طيبَ في الدُنيا بغيرِ الشراب |
ولا شجيَّ فيها بغيرِ الرباب |
فكّرت في أحوالهِا لم أجد |
أمتعُ فيها مِن لقاءِ الصحاب |
عش راضياً واهجر دواعي الألم |
واعدل مع الظَالم مهما ظلَم |
نهايةُ الدُنيا فناءٌ فَعش |
فيها طليقاً واعتبرها عدم |
لا تأمل الخلَّ المقيم الوفاء |
فإنَّما أنتَ بدنيا الرياء |
تحمَّل الداء ولا تلتمس |
لهُ دواءً وانفرد بالشقاء |
اليوم قَد طابَ زمان الشباب |
وطابت النفس ولذَّ الشراب |
فلا تَقُل كأس الطلى مُرّةٌ |
فإنَّما فيها مِن العيشِ صاب |
وليسَ هذا العيش خلداً مقيم |
فما اهتمامي مُحدثٌ أم قديم |
سنَترك الدُنيا فما بالنا |
نضيّعُ منها لحظَات النعيم |
حتَّامٌ يُغري النفس برقّ الرجاء |
ويُفزع الخاطَر طيف الشقاء |
هات اسقنيها لَستُ أدري إذا |
صعَّدتُ أنفاسي رددتُ الهواء |
دنياكَ ساعات سُراع الزوال |
وإنَّما العُقبى خلود المآل |
فهل تَبيع الخُلد يا غافلاً |
وتشتري دنيا المُنى والضّلال |
يامَن نسيتَ النار يوم الحساب |
وعفَت أن تشربَ ماء المتَاب |
أخافُ إن هبَّت رياح الردى |
عليكَ أن يأنفَ مِنكَ التراب |
يا قلب كم تشقى بهذا الوجود |
وكلّ يوم لك همٌ جديد |
وأنتِ يا روحي ماذا جنَتْ |
نفسي وأُخراكِ رحيلٌ بَعيد |
تناثرتْ أيام هذا العمرْ |
تنَاثرُ الأوراق حوَل الشجرْ |
فانعم مِن الدُنيا بلذّاتها |
مِن قبلِ أن تسفيكَ كفّ القدر |
لا توحشَ النفس بخوف الظّنون |
واغنم مِن الحاضرِ أمَنْ اليقين |
فقد تساوى في الثرى راحلٌ |
غداً وماضٍ مِن ألوف السنين |
مررتُ بالخزّاف في ضحوةٍ |
يصوغُ كوب الخمَر مِن طينةٍ |
أوسعَها دعّاً فقاَلت لهُ |
هل أقفرَتْ نَفسُكَ مِن رحمةٍ |
لو أنّني خُيَّرت أو كانَ لي |
مفتاحُ باب القدر المقفلِ |
لاخترتَ عن دنيا الأسى أنّني |
لم أهبطَ الدُنيا ولم أرحلِ |
هبطتُ هذا العيش في الآخرين |
وعشتُ فيه عيشةَ الخاملين |
ولا يوافيني بما ابتغي |
فأينَ منّي عاصفات المنون |