عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > العراق > معروف النودهي > لمَّا علمت بطرفٍ منك منسجم

العراق

مشاهدة
1510

إعجاب
3

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

لمَّا علمت بطرفٍ منك منسجم

لمَّا علمت بطرفٍ منك منسجم
ظننت فيك غراماً غير منسجم
فقلت: قل لي بربِّ البيت والحرم
أمن تذكُّر جيرانٍ بذي سلم
مزجت دمعاً جرى من مقلةٍ بدم؟
أم لاح زهرٌ على أرجاء قائمةٍ
أم فاح زهرٌ على أنفاس ناسمةٍ
أم فاح ورقٌ بألحانٍ ملائمةٍ
أم هبّت الرِّيح من تلقاء كاظمةٍ
وأومض البرق في الظَّلماء من إضم
أراك صبَّاً وظنِّي ما جرى غلتا
ما أنت إلاَّ قنيصٌ ليس منفلتا
فأن زعمت الَّذي قد قلته بهتا
فما لعينيك إن قلت اكففا همتا؟
وما لقلبك إن قلت استفق يهم؟
حلَّت فؤادك نيرانٌ لها ضرم
من حرِّها الدَّمع من عينيك منسجمٌ
على الصَّبابة كلٌّ منهما علمٌ
أيحسب الصبُّ أنَّ الحبَّ منكتمٌ
ما بين منسجمٍ منه ومضطرم
حشا الحشا بين من تهواه من غللٍ
فلا تزال تفيض الدَّمع من مقلٍ
وبالكرى كسليمٍ غير مكتحلٍ
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ
ولا أرقت لذكر البان والعلمِ
عليك آثار أقساء السَّقام بدت
وفيك مذ شبَّ نار الشَّوق ما همدت
والعين ما رقأت حيناً ولا رقدت
فكيف تنكر حباً بعدما شهدت
به عليك عدول الدَّمع والسَّقم؟
وبعد ما انقلب العيش الهنيئ عناً
وجرَّعتكَ تباريح الجوى محناً
وأترعتك مقاساةُ النَّوى شجناً
وأثبت الوجد خطّي عبرةً وضنىً
مثل البهار على خدَّيك والعنم
أي والَّذي لجاب الوصل شوَّقني
أتاح لي ما بنار الوجد أحرقني
أجل بقلبي غرامٌ حلَّ أقلقني
نعم سرى طيف من أهوى فأرَّقني
والحبُّ يعترض اللَّذات بالألم
نفسي لأمر الهوى أضحت مسخَّرةً
لو رمت خلفاً لما ألفيت مقدرةً
لمّا لحاني عذولي قلت تبصرةً
يا لائمي في الهوى العُذريِّ معذرةً
منِّي إليك ولو أنصفت لم تلم
مُذ ذُقت خمر الهوى ما زلت ذا سكر
والقلب ذا كدرٍ والطَّرف ذا سهرٍ
والجسم ذا ضمرٍ كالشَّعر من ضرر
عدتك حالي لا سرِّي بمستترٍ
عن الوشاة ولا دائي بمنسجم
حذَّرتني عن هوىً بالوعظ تطبعه
لا ينتهي باللُّحاة الصَّبُّ تردعه
تقول: ما ذو الهوى يصفو تمتُّعه
محَّضتني انُّصح لكن لست أسمعه
إنَّ المحبَّ عن العذال في صمم
لعلَّ مكرك مبنيٌّ على دخلٍ
فخلِّ عنّي فأني عنك في شغلٍ
دني وشأني فلا أصغي إلى دغلٍ
إنِّي اتَّهمت نصيح الشَّيب في عذلي
والشَّيب أبعد في نصحٍ عن التُّهم
إلى المهاوي بي الأهواء قد لفظت
وصرن لي حجباً دون المنى غلظت
دنا رحيلي ونفسي بعد ما يقظت
فأنَّ أمّارتي بالسُّوء ما اتَّعظت
من جهلها بنذير الشَّيب والهرم
ولا انتهت عن فعالٍ أورثت ضررا
نعم ولا أنفقت في طاعةٍ عمرا
ولا احتست من معاناة التُّقى صبرا
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى
ضيفٍ ألمَّ برأسي غير محتشم
نزيلُ خيرٍ يضيف المرء يأمره
بطاعةٍ وعن العصيان يزجره
عليَّ من حقِّه ما ضاع أكثره
لو كنت أعلم أنِّي ما كنت أوقِّره
كتمت سراً بدا لي منه بالكتم
يا ويح نفسي تناهت في جنايتها
قد أرشدت فتعامت عن هدايتها
تنبي بدايتها عن قبح غايتها
من لي بردِّ جماحٍ من غوايتها
كما يردُّ جماح الخيل باللُّجم
أطلب سعادتها في قمع لعوتها
وفي إفاقتها من بعد نشوتها
تخشى التَّردي في مهواة شقوتها
فلا تَرُم بالمعاصي كسر شهوتها
إنَّ الطَّعام يقوِّي شهوة النَّهم
من الرِّياضيات منها عالجن عللا
لا ترض في طاعة المولىلها كسلا
وأبدُر إلى ودع مألوفاتها عجلا
والنَّفس كالطِّفل إن تهمله شبَّ على
حبِّ الرِّضاع وإن تفطمه ينفطم
تريد للمرء بالدُّنيا تملِّيه
إن استعدَّ لعقبى لن تخلِّيه
إن شئت للقلب بالتقوى تحلِّيه
فاصرف هواها وحاذر أن تولِّيه
إنَّ الهوى ما تولى يُصم أويَصِمِ
منها ملاحظة العادات دائمةٌ
وفي العبادات حول الحظ حائمةٌ
رُضها إلى أن تراها وهي حازمةٌ
وراعها وهي في الأعمال سائمةٌ
وإن هي استحلت المرعى فلا تسِمِ
كم أصبحت عن طريق الحقِّ عادلةً
وللمعاصي وللأهواء مائلةً
وبدَّلت برياض الخلد عاجلةً
كم حَسَّنت لذَّةً للمرء قاتلةً
من حيث لم يدر أنَّ السُّم في الدَّسم
وعدِّ عن طمعٍ يفضي إلى طبعٍ
وكن لغير حلالٍ غير مبتلعٍ
ولازم القصد في أكلٍ بلا جشعٍ
واخش الدَّسائس من جوع ومن شبعٍ
فربَّ مخمصةٍ خيرٌ من التُّخم
مرآة قلبك صقلٌ طالما صدأت
واردع عن الذَّنب نفساً طالما خطئت
واطلب لها القرب من مولاك فهي نأت
واستفرغ الدَّمع من عينٍ قد امتلأت
من المحارم والزم حمية النَّدم
وكن بشرع رسول الله معتصما
وللعبادات والطاعات مغتنما
وعن تعاطي مناهي الحقِّ ملتجما
وخالف النَّفس الشَّيطان واعصهما
وإن هما محَّضاك النُّصح فاتَّهم
هما عدواك بل أعدى العدى قدما
كم هتَّكا حرماً كم ألكا أمما
فجاهد نَّهما إن كنت منتقماً
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً
فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أطنبت في الوعظ أمليه على عجلٍ
لكنَّني خجلٌ منه على وجلٍ
إذا لم أكن عاملاً بالعشر من كسلٍ
أستغفر الله من قول بلا عمل
لقد نسبت به نسلاً لذي عقم
نبَّهت غيري وإنِّي غير منتبه
نهيت عن فعل محظورٍ ومشتبه
ولست مجتنباً للسُّوء من سفهي
أمرتك الخير لكن ما اتمرت به
وما استقمت فما قولي لك استقم
ما النَّفس منِّي إلى الطّاعات مائلةً
ولا عيوني على التَّفريط هاملةً
لم أعتبر قطُّ بالأقران راحلةً
ولا تزوَّدت قبل الموت نافلةً
ولم أصلِّ سوى فرضٍ ولم أصمِ
بترك أعمال برِّ أكسبت جذلا
وباجتراح خطايا أعقبي خجلاً
وترك نفسي على إبعادها أجلا
ظلمت سنَّة من أحي الظَّلام إلى
أن اشتكت قدماه الضُّر من ورم
ومن هوى الله ألغى منه كلَّ هوى
وعاش ما عاش بسّاماً طويل جوى
أدام جوعاً مدى عمرٍ شديد قوى
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى
تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وكان ينفق ما يأتيه من نشب
على ذوي الدِّين من عجمٍ ومن عربٍ
ولم يكن قطُّ في الدُّنيا بذي رغبٍ
وراودته الجبال الشُّم من ذهبٍ
عن نفسه فأراها أيَّما شممِ
بالصَّدِّ والرَّدِّ لم تجلب كدورته
بل هشَّ قلباً وابتشَّ صورته
وزاد نوراً على نور بصيرته
وأكَّدت زهده فيها ضرورته
إنَّ الضَّرورة لا تعدو على العصم
جلَّت لديه من الله الكريم منن
له الزَّهادة والتَّقوى حلىً وسنن
على الضَّرورات ما نحو الحطام ركن
وكيف تدعو إلى الدُّنيا ضرورة ُمن
لولاه لم تخرج الدُّنيا من العدم
الله قال أحبُّ المرسلين إليَّ
وأكرم الأنبياء المصطفين عليَّ
وخير من ولدت أشراف آل قصيّ
محمَّدٌ سيِّد الكونين والثَّقلي
نِ والفريقين من عربٍ ومن عجم
حاوي فضائل ى يحصى لها عدوٌ
هادٍ لأقوام دينٍ ما به أودٌ
أقواله حججٌ والكلُّ معتمدٌ
نبيَّنا الآمر النَّاهي فلا أحدٌ
أبرَّ في قول لا منه ولا نعم
هو الثراء لمن قلَّت بضاعته
هو النَّجاة لمن طالت شناعته
كشاف خطبٍ وإن جلَّت فضاعته
هو الحبيب الَّذي ترجى شفاعته
لكلِّ هولٍ من الأهوال مقتحم
لمّا أتى الوحي ممَّن جلَّ عن شبه:
أن أخرج النّاس من كفرٍ وغيهبه
لنور أقوام منهاجٍ وأقربه
دعا إلى الله فالمستمسكون به
مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
لمّا تجمَّع فيه كلُّ مفترقٍ
من كلِّ وصف كمالٍ رائقٍ عبقٍ
ومن سناه أنجلى ما كان من غسقٍ
فاق النَّبيين في خَلقٍ وفي خُلقِ
ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وهم مناهل كلٌّ منه منبجسٌ
وهم نجومٌ إليها النُّور منعكسٌ
منه فكلُّ نبيٍّ منه مقتبس
وكلُّهم من رسول الله ماتمسٌ
غرفاً من أليمِّ أو رشفاً من الدِّيم
وواصلون به غايات قصدهم
وحاملون به رايات مجدهم
وتابعوه ولو من بعد بعدهم
وواقفون لديه عند حدهم
من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
هو الَّذي أشرقت شمساً بصيرته
عن مدحه أعرب الأعراف سورته
إن رمت إدراك ما شاعت ضرورته
فهو الَّذي تمَّ معناه وصورته
ثمَّ أصطفاه حبيباً بارئ النَّسيم
أمين حقٍّ على ما في خزائنه
مفتاح كلِّ كمالٍ في معادنه
مصباح كلِّ سناً بادٍ وكامنه
منزَّهٌ عن شريكٍ في محاسنه
فجوهر الحسن فيه غير منقسم
قالت نصارى طغوا من فرط غيِّهم:
كفراً، به مدحوا مبعوث حيِّهم
ويلٌ لهم نشروا أرجاس طيِّهم
دع ما أدَّعته النَّصارى في نبيِّهم
واحكم بما شئت مدحاً فيه واحتكم
في وصفه أستعملن ما فيك من ظرفٍ
وأستقص ما يتأتّى فيه من طرفٍ
نظماً ونثراً أثارا وجد ذي شغفٍ
وأنسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ
وأنسب إلى قدره ما شئت من عظمٍ
إذا أردت بمدحٍ أن تبجِّله
مستوعباً ما له الرَّحمن أهَّله
ما أسطعت من مجملٍ منه مفصَّله
فأنَّ فضل رسول الله ليس له
حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
الرُّسل والأنبياء كانوا له أمماً
فلا معاجزه نحصي ولا حكماً
لكنَّها دون قدرٍ خصَّه قدماً
لو ناسبت قدره آياتهٌ عظماً
أحي أسمه حين يدعى دارس الرّمم
قد جاءنا بحنيفيِّ بلا شبه
أجلِّ دينٍ وأسناه وأقربه
فهماً وأسمحه أخذاً وأعذبه
لم يمتحنّا بما تعي العقول به
حرصاً علينا فلم نرتب ولم نهم
قد فاق صورته في حسنه الصُّورا
كذاك سيرته قد فاقت السِّيرا
لمّا حوى كلَّ فضلٍ أمكن البشرا
أعيى الورى فهم معناه فليس يرى
للقرب والبعد فيه غير منفحم
ما دار في عقل ذي لبٍّ ولا خلدٍ
ما كنهه؟ ما عليه فاض من مددٍ؟
مثِّل وقل هو لا يخفى على أحدٍ
كالشَّمس تظهر للعينين من بعدٍ
صغيرةً وتكلُّ الطَّرف من أمم
الله عظَّم إجلالاً خليقته
وصدًّ عن فهم معناه خليقته
من رام عرفانه أخطا طريقته
وكيف يدرك في الدُّنيا حقيقته
قومٌ نيامٌ تسلَّوا عنه بالحلم
لحصر أوصافه لا يهتدي نظرٌ
فما مديح رسول الله منحصرٌ
والكشف عن نبذةٍ من فضله عسرٌ
فمبلغ العلم فيه أنَّه بشرٌ
وأنَّه خير خلق الله كلِّهم
وكلُّ ما حاز رسلٌ من مواهبها
وكلُّ ما بلغته من منا صبها
فأنَّما من رسول الله واهبها
وكلُّ آيٍ أتى الرُّسل الكرام بها
فأنما أتَّصلت من نوره بهم
من معجزاتٍ بدت منهم عجائبها
عن النَّواحي بها أنجابت غياهبها
وفي الحقيقة خير الخلق واهبها
فأنَّه شمس فضلٍ هم كواكبها
يظهرن أنوارها للنّاس في الظُّلم
أعظم بأوَّل خلقٍ جوده غدقٌ
ومن بنور محيّاه أنجلى غسقٌ
والكون ذو أرجٍ من نشره عبقٌ
أكرم بخلق نبيٍّ زانه خلقٌ
بالحسن مشتملٍ بالبشر متَّسم
ما زال من عصمة الرَّحمن في كنفٍ
من علمه قد تروّى كلُّ مرتشفٍ
مشابهٌ أربعاً في أربع طرفٍ
كالزَّهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ
والبحر في كرمٍ والدَّهر في همم
أين المصاقع منه في مقالته
وأين منه اللُّيوث في بسالته
يراه راءٍ فيخشاه لحالته
كأنَّه وهو فردٌ في جلالته
في عسكرٍ حين تلقاه وفي حشم
في ثغره وحديثٍ منه مؤتلفٍ
صنوف أوصافهم يشفين من دنفٍ
وخير ما فيهما عن مفلقٍ تقفٍ
كنَّما اللُّؤلؤ المكنون في صدفٍ
من معدني منطلقٍ منه ومبتسم
ضريحه فاز من في الرَّكب يمَّمه
ومن يمرِّغ به مع أنفه فمه
لا طيب يعدل طيباً ضمَّ أعظمه
طوبي لمنتشقٍ منه وملتثم
واهاً لأوَّل مخلوقٍ ومصدره
سبحان مولىً من السُّبحات مظهره
لمّا لأتى من زمانٍ خير أعصره
أبان مولده عن طيب عنصره
يا طيب مبتدإٍ منه ومختتم
يومٌ أزال عن الكفّار أمنهم
وعن سماءٍ بشهبٍ صدَّ جنَّهم
وقد أدام على الكهّان حزنهم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنَّهم
قد أنذروا بحلول البؤس والنِّقم
وبان ما منه دين الحقِّ مرتفعٌ
وكان ما منه أمر الكفر متَّضعٌ
ولاح آيٌ بها من ضلَّ مرتدعٌ
وبات أيوان كسرى وهو منصدعٌ
كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
ملك السَّلاطين قد أشفى على تلف
والقلب مضطربٌ من كلِّ معتسفٍ
والموبذان رأى رؤياه ذا لهفٍ
والنّار خامدة الأنفاس من أسفٍ
عليه والنَّهر ساهي العين من سدم
تلك المجوس على الأيقاد غيرتها
خبت على رغمها فاشتدَّ حيرتها
وسرَّ جيرة بيت الله ميرتها
وساء ساوة أن غاضت بحيرتها
وردَّ واردها بالغيظ حين ظمي
للنّار هل كان إخمادٌ بمنهلٍ
والماء هل كان إيقادٌ بمشتعلٍ
كلٌّ تحلّى بوصفٍ غير محتملٍ
كأنَّ بالنّار ما بالماء من بللٍ
حزناً وبالماء ما بالنّار من ضرم
وأستبشر الوحش، والأطيار ساجعةٌ
والأرض مخصيةٌ للجدب قامعةٌ
وكلُّ نفسٍ من الكهّان جازعةٌ
والجنُّ تهتف والأنوار ساطعةٌ
والحقُّ يظهر من معنى ومن كلم
لم يغن ما شاهدوا من جاليات ظلم
ولا الهواتف فيما أظهرت لأمم
إذ الأله على تلك القلوب ختم
عموا واصمُّوا فأعلان البشائر لم
تسمع وبارقة الأنذار لم تشم
على المجوس لقد ضاقت أماكنهم
كادت تميَّز من غيظٍ مدائنهم
وقد أصرَّت على كفرٍ بواطنهم
من بعد ما أخبر الأقوام كاهنهم
بأنَّ دينهم المعوجّ لم يقم
وبعد ما علموا علماً بلا ريبٍ
أن حان أن يبعث المختار من عربٍ
وأن أظلَّهم الأبّان من كثبٍ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهبٍ
منقضَّةٍ فوق ما في الأرض من صنم
إذ حلَّقت للسّما من جنَّةٍ أممٌ
فصدَّهم شهبٌ منها أنجلت ظلمٌ
فعرَّدوا حيث منها مسَّهم ضرمٌ
حتَّى غدا عن طريق الوحي منهزمٌ
من الشيَّاطين يقفو إثر منهزم
أقبح بطائفةٍ أصحاب ترَّهةٍ
ذوي وجوهٍ وأنيابٍ مشوَّهةٍ
فرُّوا بما رجموا من غير ما جهةٍ
كأنَّهم هرباً أصحاب أبرهةٍ
أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمي
ففي حنينٍ وبدرٍ عندما أضطرما
كفَّاً تناوش من حصباء ثمَّ رمى
فطار نحو العدى ذاك الحصى زِيَما
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما
نبذ المسبِّح من أحشاء ملتقمِ
ما فاه إلاّ بوحيٍ ما تنحَّله
ولا حلِّي منامٍ أو مؤوَّلة
إلا على قلبه ذو العرش أنزلهُ
لا تنكر الوحي من رؤياه إنَّ له
قلباً إذا نامت العينان لم ينم
الله بلَّغه أقصى مروَّته
لم يرض أضغاث أحلامٍ لصفوته
وكم أراه رؤىً فاهت بحظوته
وذاك حين بلوغٍ من نبوَّته
فليس ينكر فيه حال محتلم
ما زال ينسك ذا جدٍّ وذا نصبٍ
لأجل زُلفى لوحي غير مرتقبٍ
فجاءه الوحي موهوباً بلا طلبٍ
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ
ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتَّهم
قد أعجز اللُّسن من عرب فصاحته
فاقت ملاحته فاضت سماحته
كم من جريحٍ به طابت جراحته
كم أبرأت وصباً باللَّمس راحته
وأطلقت إرباً من ربقة اللَّمم
كم من شقيٍّ به قد زال شقوته
وربَّ قاسٍ به قد زاح قسوته
وكم به قد علت للمرء حظوته
وأحيي السَّنة الشَّهباء دعوته
حتى حكت غُرَّةً في الأعصر الدُّهن
فاخضرَّت الأرض من شرقٍ لمغربها
وعن قراها أنتفى محل وسبسبها
من المعايش قد فازوا بأطيبها
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها
سيبٌ من اليمِّ أو سيلٌ من العرم
كم من معاجز أبداها مساهدةً
أحيى بقاعاً بفقد الجود هامدةً
ومقلةً ردَّها بالفقأ فاسدةً
جاءت لدعوته الأطيار ساجدةً
تمشي إليه على ساقٍ بلا قدم
وبعد ما وقفت قدماه ذهبت
وأصلها في محلِّ الغرس منه ثبت
قال المشاهد إذ أغصانها سحبت
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت
فروعها من بديع الخطِّ باللَّقم
أبدى خوارق للأصحاب باهرةً
صارت إليها عيون النَّاس ناظرةً
فالشِّمس ردَّت له في الأفق غائرةً
مثل الغمامة أنّى سار سائرةً
تقيه حرَّ وطيشٍ للهجير حمي
لم يدر من أحدٍ ما الله خوَّله
وكيف قرَّبه زلفى وبجَّله
على البريَّة بالآيات فضَّله
أقسمت بالقمر المنشقِّ أنَّ له
من قلبه نسبةً مبرورةً القسم
وما حباه به مولاه من حكمٍ
وما به خصَّ دون الناس من شيمٍ
وما أفاض عليه الحقُّ من نعمٍ
وما حوى الغار من خيرٍ ومن كرمٍ
وكلُّ طرفٍ من الكفّار عنه عمي
يا حبَّذا ذلك الكهف الشَّريف حمى
طافت قريشٌ به ما أبصروا أرما
قد كفَّ أبصارهم أن ينظروا قدما
فالصِّدقُ في الغار والصِّدَّيق لم ير ما
وهم يقولون ما بالغار من أرم
إذ صادفوا الباب منسوجاً ولا خللاً
والبيض يلمع لم يكسر ولا أنتقلا
قالوا: فليس دخول الغار محتملا
ظنُّوا الحمام وظنُّوا العنكبوت على
خير البريَّة لم تنسج ولم تحم
حماهما الله مولي كلِّ عارفةٍ
من شرِّ عصبة كفرٍ شرَّ طائفةٍ
ومن به لاذ يوقى كلَّ صارفةٍ
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ
من الدُّروع وعن عالٍ من الأطم
وحقِّ أشرف مخلوقٍ وأطيبه
وجاه من ما نحا شخصٌ لمطلبه
إليه إلاّ إحتظى منه بمأربه
ما سامّني الدَّهر ضيماً واستجرت به
إلاّ ونلت جواراً منه لم يضم
ولا وثقت به لصدق موعده
إلاّ حظيت بما أبغيه من لده
ولا توجَّه قلبي نحو مرقده
ولا التسمت غنى الدّارين من يده
إلاّ استلمت النَّدى من خير مستلمِ
يا سامعاً للمقالات الَّتي ذكرت
تبغي مدائح أنشيهنَّ قد بهرت
مدامع العين من إنشادهنَّ جرت
دعيني ووصفي آيات له ظهرت
ظهور نار القرى ليلاً على علم
أتتك منِّي في تعدادها كلمٌ
نظماً حكى درراً يغلو لها قيمٌ
بذلك النَّظم منِّي قد جرى قلمٌ
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ
وليس ينقض قدراً غير منتظم
محاسن المصطفى من كان مشتغلاً
بنظمها مفكراً فيه ومرتجلاً
فأنَّني لست أقضي منه لي أملا
فما تطاول آمالي المديح إلى
ما فيه من كرم الأخلاق والشَّيم
لحبِّه سور القرآن مورثةٌ
فأنَّها بمعاليه محدَّثةٌ
على ابتغاء رضا المولى محثحثةٌ
آيات حقٍّ من الرَّحمن محدثةٌ
قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
من العمى وضلالاتٍ تبصِّرنا
وعن قبائح أعمالٍ تحذِّرنا
وبالفلاح وجنّاتٍ تبشِّرنا
لم تقترن برمانٍ وهي تخبرنا
عن المعادِ وعن عادٍ وعن إرم
فيا لمعجزةٍ للدِّين مبرزةٍ
للحقِّ ممّا سوى حقٍّ مميِّزةٍ
وللسَّعادة في الدارين منجزةٍ
دامت لدينا ففاقت كلُّ معجزةٍ
من النَّبيِّين إذ جاءت ولم تدم
ما إن لها بكلام النّاس من شبهٍ
تهدي بأنوارها من ضلَّ في عمهٍ
وأيقظت لاهياً تنجيه من ولهٍ
محكَّمات فما يبقين من شبهٍ
لذي شقاقٍ ولا يبغين من حكم
ومن بها صدَّقوا صافين عن ريبٍ
أعطاهم الله ما يبغون من أربٍ
ومن بها كذَّبوا باتوا على غضبٍ
ما حوربت قطُّ إلاّ عاد من حربٍ
أعدى الأعادي إليها ملفي السَّلم
من أجل ما أودعته من غوامضها
ومن لطائف فاضت من عوارضها
عن فهمها عجزت أرباب خائضها
ودَّت بلاغتها دعوى مُعارضها
ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
هي الشِّقاء لذي بلوى وذي كمدٍ
من بحرها يثني ريّان كلُّ صدٍ
بها دقائق أسرارٍ بلا عددٍ
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ
وفوق جوهره في الحسن والقيم
فيها أتت من عباداتٍ رغائبها
ومن ثمار سعاداتٍ أطايبها
ومن علومٍ وأحكامٍ غرائبها
فلا تعدُّ ولا تحصى عجائبها
ولا تسام على الأكثار بالسأم
طوبى لمن أصبح القرآن منهله
ومن به دائماً مولاه أشغله
وللتدبُّر في الآيات أهَّله
قرَّت بها عينُ قاريها فقلت له
لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
من حاد عنها ضلالاً مال عن رشدٍ
لا غرو إن جحدتها العمي عن حسدٍ
أو من به مرضٌ في القلب أو جسدٍ
قد تنكر العين ضوء الشَّمس من ركدٍ
وينكر الفم طعم الماء من سقم
يا خير من أبدع الباري صباحته
يا معطياً من إليه مدَّ راحته
ما خاب من رفده راجٍ سماحته
يا خير من يمَّم العافون ساحته
سعياً وفوق متون الأينق الرُّسم
يا منقذ الخلق من غيٍّ ومن غيرٍ
يا من هو المطلب الأقصى لمفتكرٍ
ومن هو النُّصرة الأقوى لمنتصر
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ
ومن هو النِّعمة العظمى لمغتنم
بينا جنابك عند الحجر في حلمٍ
إذ بالبراق أتى جبريل في ظلمٍ
ركبته فمشى برقاً على قدمٍ
سريت من حرمِ ليلاً إلى حرمٍ
كما سرى البدر في داجٍ من الظُّلم
إن كنت ممَّن بها ما زال متَّعظا
وتاركاً غفلاتٍ ذاكراً يقظا
رقَّقت منك حجاباً طالما غلظا
إن تتلها خيفةً من حرِّ نار لظى
أطفأت حرَّ لظى من وردها الشَّبم
هي السَّماء تبدّى كلُّ كوكبه
تراه من مشرقٍ يجري لمغربه
واليمُّ أمَّ ظماءٌ ورد مشربه
كأنَّها الحوض تبيضُّ الوجوه به
من العصاة وقد جاوه كالحمم
حوت شرائع إسلامٍ مكمَّلةً
كأنًّها الروضةُالغنّاء مخصلةً
أنهارها قد جرت فيها مسلسلةً
وكالصِّراط وكالميزان معدلةً
فالقسط من دونها في النّاس لم يقم
واظب عليها مدى عمرٍ تكرَّرها
وأعمد لذكر معانيها تقرَّرها
والزم تلاوتها جهراً تحبّرها
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها
تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
ما زاغ طرفك بالرَّحمن مشغلةً
رأيت آياته الكبرى مفصَّلةً
وسدرة المنتهى بالنُّور مشعلةً
وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلةً
من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
حباك ربُّك من دنياً بأطيبها
ومن شرائع إسلامٍ بأعجبها
ومن منازل تقريبٍ بأقربها
وقدَّمتك جميع الأنبياء بها
والرُّسل تقديم مخدومٍ على خدم
قد رحَّبوا بك يا مولى كتائبهم
صلُّوا وقوفاً وراك في مراتبهم
ودَّعت تعرج تمضي في مواكبهم
وأنت تخترق السَّبع الطَّباق بهم
في موكبٍ كنت فيه صاحب العلم
ما كان هذا لمخلوقٍ بمتَّفق
سوى جنابٍ لحجب النُّور مخترقٍ
ما زلت مرتقياً واللَّيل في غسقٍ
حتّى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ
من الدُّنوِّ ولا مرقى لمستنم
رأيت ربَّك والميثاق أخذ
على فرائض خمسٍ والمزيد نبذ
وإذ جنابك للمرقى الأجلِّ جبذ
خفضت كلَّ مقام بالأضافة إذ
نوديت بالرَّفع مثل المفرد العلم
الله خصَّك بالمعراج عن بشرٍ
ورؤيةٍ وخطابٍ صحَّ في خبرٍ
وقد حباك بقربٍ جلَّ عن فكرٍ
كيما تفوز بوصل أيِّ مستترٍ
عن العيون وسرِّ أيِّ مكتثم
وقفت في موقفٍ يا خير ذي نسكٍ
علا على كلِّ ما غادرت من فلكٍ
ما ناله قطُّ من إنسٍ ولا ملكٍ
فحزت كلَّ فخارٍ غير مشتركٍ
وجزت كلَّ مقامٍ غير مزدحم
وصلت ما نلته من غير ما تعبٍ
من هذه الغاية القصوى بلا طلبٍ
أدركتها غير موعودٍ ومرتقبٍ
وجلَّ مقدار ما ولِّيت من رتبٍ
وعزَّ إدراك ما أوليت من نعم
لقد رأيناك في الدّارين معقلنا
مفيض كلِّ منىً مزيح كلِّ عنا
فقلت شكراً على ما الله خوَّلنا
بشرى لنا معشر الأسلام إنَّ لنا
من العناية ركناً غير منهدم
الله قدَّر أنّا من جماعته
فنحن من لا يضاهي في براعته
وداخلون جميعاً في شفاعته
لمّا دعا الله داعينا لطاعته
بأكرم الرُّسل كنا أكرم الأمم
وبعد ما مرَّ حين من نبوَّته
وحلَّ طيبة في أصحاب قوَّته
وشاع بين البرايا صيت دعوته
راعت قلوب العدى أنباء دعوته
كنبأةٍ أجفلت غفلاً من الغنم
مذ جاءه أمر بارينا على ملكٍ
بغزو من وقعوا بالشِّرك في شركٍ
كي يخرجوا بسنا الأيمان من حلكٍ
ما زال يلقاهم في كلِّ معتركٍ
حتّى حكوا بالقنا لحماً على وضم
وكان يغلبهم في الغزو أغلبه
من كلِّ حزبٍ مبيداً أسد مقنبه
قلُّوا وذلُّوا وملُّوا من تحزُّبه
ودُّوا الفرار فكادوا يغبطون به
أشلاء شالت مع العقبان والرَّحم
رماهم بحروبٍ هاب شدَّتها
أبطالهم أبدلت بالجبن نجدتها
عليهم قد أطال الدَّهر مدَّتها
تمضي اللَّيالي ولا يدرون عدَّتها
ما لم تكن من ليالي الأشهر الحرم
بجنده جاءهم يبغي إباحتهم
قتلاً وأسراً وعن كفرٍ إزاحتهم
فاستأصل الدِّين من قومٍ قباحتهم
كأنَّما الدَّين ضيفٌ حلَّ ساحتهم
بكلِّ قرمٍ إلى لحم العدى قرم
أتى بخيلٍ لنصر الدِّين صالحةٍ
وفي العلوم وفي الأعمال سارحةٍ
وللأعادي لدى الهيجا مكافحةٍ
يجرُّ بحر خميسٍ فوق سابحةٍ
يرمي بموجٍ من الأبطال ملتطم
للمصطفى قد أتاح الله من عربٍ
من في الوغى لزموا صبراً بلا هربٍ
وكم أذاقوا عداه الكأس من عطبٍ
من كلِّ منتدبٍ لله محتسب
يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلم
وكلُّهم بطلٌ أمر الجهاد لزم
بنشر أحكام دين الحقِّ كان يهم
أمسوا يسدُّون منه ما رأوه ثلم
حتى غدت ملَّة الأسلام وهي بهم
من بعد غربتها موصولة الرَّحم
محميَّةً بهم عن طعن ذي حربٍ
وعن تطرُّق تحريفٍ وعن ريبٍ
محفوظةً في صدورٍ ثمَّ في كتبٍ
مكفولةً أبداً منه بخير أبٍ
وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئم
هم الصَّحابة لا نحصي مكارمهم
قد فاز بالرُّشد من أضحى منادمهم
ومن ترضَّى عليهم صار خادمهم
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم
ماذا رأوا في كلِّ مصطدم
وكلُّهم كاان في يوم الوغى أسداً
كم فرَّجوا عن رسول الله جيش عدىً
فسل مشاهدهم تزداد معتقداً
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أحداً
فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
الفاتحين لبلدانٍ ولو بعدت
الفاتكين بيوم الحرب إذ وقدت
نفوس نوكٍ عن الأسلام قد شردت
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت
من العدى كلَّ مسودٍّ من اللَّمم
والطّاعنين بأرماحٍ قد اشتبكت
أعداء دينٍ سبيل الغيِّ قد سلكت
والضّاربين جسوماً قطُّ ما نسكت
والكاتبين بسمر الخطِّ، ما تركت
أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجم
قد كان بالنَّصر مولاهم يعزِّزهم
وعن كفاح العدى لا شيء يعجزهم
وما عواصف بلواهم تهزهزهم
شاكي السِّلاح لهم سيما تميِّزهم
والورد يمتاز بالسِّيما من السَّلم
قد أكثر الله في القرآن ذكرهم
في الخافقين أشاع الله فخرهم
من ليس يعرفهم لم يدر قدرهم
تهدي إليك رياح النَّصر نشرهم
فتحسب الزَّهر في الأكمام كلَّ كمي
هم الغياث لراجيهم قضوا أرباً
هم الغيوث وفي محلس حكوا سحباً
هم اللُّيوث يذيقون العدى عطباً
كأنَّهم في ظهور الخيل نبت ربىً
من شدَّة الحزم لا من شدَّة الحزم
للحرب إن ندبوا قد أسرعوا عنقاً
إلى الدِّماء ظماءً أضمروا حنقاً
فلا تخال بهم اللِّقا شفقاً
طارت قلوب العدى من بأسهم فرقاً
فما تفرِّق بين البَهم والبُهم
من لم تقاوم عدوَّاً صال قدرته
فليستغث بالَّذي ما ضيم أسرته
علت على حضرت الرُّسل حضرته
ومن تكن برسول الله نصرته
إن تلقه الأسد في آجامها تجم
ما كان من خطرٍ لم يجل أو طرٍ
لم يقض أو من أثامٍ غير مغتفرٍ
لمن تشفَّع بالمختار من مضرٍ
ولن ترى من وليٍّ غير منتصرٍ
به ولا من عدوٍّ غير منقصمٍ
لمّا أتى بكتاب الله جملته
وأخرج النّاس من كفرٍ وذلَّته
وأوضح الدِّين حقَّاً عن أدلَّته
أحلَّ أمتَّه في حرز ملَّته
كالليث حلَّ مع الأشبال في أجم
كم من دليلٍ بلا ذامٍّ ولا خللٍ
حقٍّ صحيحٍ صريحٍ بيّنٍ جللٍ
عليه قام فلا يخفى على رجلٍ
كم جدَّلت كلمات الله من جدلٍ
فيه وكم خصَّم البرهان من خصم
حوى علوماً وآداباً مطرَّزةً
صرائحاً وكناياتٍ وملغزةً
بهنَّ حضرته أضحت مميَّزةً
كفاك بالعلم في الأميِّ معجزةً
في الجاهليّة والتاديب في اليتم
ضيَّعت في الشِّعر عمري بادياً ولهي
خدمت دنيا ألمُّ المال من شرهي
حاولت إدراك ما قد فات في سفهي
خدمته بمديحٍ أستقيل به
ذنوب عمرٍ مضى في الشِّعر والخدم
مضى بلا طائلٍ سنِّي أطايبه
فبي من الهمِّ ما لم يحص حاسبه
أين الخلاص وقد سدَّت مذاهبه
إذ قلَّداني ما تخشى عواقبه
كأنَّني بهما هديٌ من النَّعم
مذ شاب رأسي تركت الشِّعر والخدما
وصرت أبكي على ما جئته ندما
وقلت معترفاً يا أرحم الرُّحما
أطعت غيَّ الصِّبا في الحالتين وما
حصلت إلاّ على الآثام والنَّدم
يا ويح نفسي تمادت في جسارتها
حنت لدينا تعامت عن حقارتها
ولَّت عن الدِّين تسعى في عمارتها
فيا خسارة نفسي في تجارتها
لم تشتر الدِّين في الدُّنيا ولم تسم
ما لي أميل إلى الفاني وطائله
أغضُّ طرفي عن الباقي ونائله
ما لذَّة العيش إلاّ في خمائله
ومن ينع عاجلاً منه بآجله
يبن له الغبن في بيعٍ وفي سلم
قلبي على قبح ما قارفت في حرضٍ
من كلِّ فعلس بنصِّ الشَّرع معترضٍ
وترك نفلٍ وإخلالٍ بمفترضٍ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقضٍ
من النَّبيِّ ولا حبلي بمنصرم
أرجو بمن فيه أشعاري وتقفيتي
تهذيب جملة أخلاقي وتزكيتي
وفي سلوك طريق الحقِّ تربيتي
فأنَّ لي ذمَّةً منه بتسميتي
محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذِّمم
هو الَّذي ينقذ اللَّهفان من كمدٍ
هو المشفَّع عند الواحد الأحد
ينجي من النّار ما لم يحص من عدد
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلاًّ فقل يا زلَّة القدم
ما زلت مذ برهةٍ مذ صرت مادحه
أملي محاسنه أتلو موانحه
وكم جميلٍ له أصبحت شارحه
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه
وجدته لخلاصي خير ملتزم
من رام ساحته في كربةٍ صعبت
أو نكبةٍ أو صروفٍ عنه قد ذهبت
أو إربةٍ قضيت أو منيةٍ وجبت
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت
إنَّ الحيا ينبت الأزهار في الأكم
أردت من نظم أبياتٍ قد اُئتلفت
غفران ما نفس معروفٍ قد اُقترفت
وأن يسرَّ بها من فيه قد رصفت
ولم أرد زهرة الدُّنيا الَّتي قطفت
يدا زهيرٍ بما أثنى على هرم
يا سيَّداً ما له في الخلق منشبهٍ
يا فائقاً رسلاً في حسن منقبه
يا كاشفاً ما سواه غير مذهبه
يا اكرم الخلق ما لي من ألوذ به
سواك عند حلول الحادث العمم
يا شافع النّاس من عجمٍ ومن عرب
يا مسعفاً للمنى يا كاشف الكرب
أرجوك تنقذني في الحشر من عطب
ولن يضيق رسول الله جاهك بي
إذا الكريم تحلّى باسم منتقم
أرجوك تدفع عن نفسي مضرَّتها
وأن تعظَّم بالجدوى مسرَّتها
فلا تكابد يوم الحشر حسرتها
فأنَّ من جودك الدُّنيا وضرَّتها
ومن علومك علم اللَّوح والقلم
ناديت نفسي على الطّاعات إذ عزمت
وأحجمت عن خطايا الظَّهر قد قصمت
وصحَّحت توبةً عن كلِّ ما جرمت
يا نفس لا تقطني من زلَّةٍ عظمت
إنَّ الكبائر في الغفران كاللَّمم
كم من مراحم للرَّحمن يعلمها
ومن لها يتصدَّى ليس يحرمها
بها البرايا غداة الحشر يرحمها
لعلَّ رحمة ربَّي حين يقسمها
تأتي على حسب العصيان في القسم
يا ربِّ إنِّي من الطّاعات ذو فلس
أرجوك تخرجني للنُّور من غلسٍ
وغسل قلبي بماء التَّوب من دنسٍ
يا ربِّ وأجعل رجائي غير منعكسٍ
لديك وأجعل حسابي غير منخرم
هب ربِّ لي ما فؤاديمنك أمَّله
ونحَّ عن كاهلي حملاً قد أثقله
وخاطري كلَّ شيءٍ عنك أشغله
والطف بعبدك في الدّارين إنَّ له
صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم
بحقِّ حبِّك هب لي حسن خاتمةٍ
واُغفر لنفسٍ على العصيان نادمةٍ
واُمنن بمزنٍ تحايا منك لازمةٍ
واذن لسحبٍ صلاةٍ منك دائمةٍ
على النَّبيٍّ بمنهلٍّ ومنسجم
وآله السّادة الأطهار أهل عبا
وصحبه الأكرمين القادة النُّجبا
وكلِّ شخصٍ إليه كان منتسبا
ما رنَّحت عذبات البان ريح صبا
وأطرب العيس حادي العيس بالنَّغم
معروف النودهي
بواسطة: karimat
التعديل بواسطة: karimat
الإضافة: الجمعة 2014/06/13 11:40:07 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com