العلم والعقل للأنسان خير حلي
|
فضلي كنار القرى ليلاً على جبل
|
وعند فكري سواٌّ غامضٌ وجلي
|
اصالة الرَّأي صانتني عن الخطل | |
|
| وحلية الفضل زانتني لدى العطل |
|
طبعي لمبتكر الأفكار مفترعٌ
|
ولي مجالٌ من الآداب متَّسعٌ
|
رفعت قدراً وقدر الحرِّ مرتفع
|
مجدي أخيراً ومجدي أوَّلاً شرعٌ | |
|
| والشَّمس رأد الضّثحى كالشَّمس في الطَّفل |
|
إلى متى أنا في حلٍّ وفي ظعن؟
|
وفي مقاساة أشجانٍ وفي محن؟
|
ما لي تناءيت عن أهلي وعن وطني؟
|
فيم الأقامة بالزَّوراء؟ لا سكني | |
|
| بها ولا ناقتي فيها ولا جملي |
|
وقد عراني بها مذ جئتها كمدٌ
|
ولا ينفِّس عنِّي كربتي أحدٌ
|
إنِّي غريبٌ كئيبٌ ضارعٌ نكدٌ
|
ناءٍ عن الأهل صفر الكفِّ منفردٌ | |
|
| كالسَّيف عرِّي متناه عن الخلل |
|
إن مسَّتني ترحٌ من حادث الزَّمن
|
وضقت ذرعاً بما ناب من المحن
|
أو مسَّني فرحٌ من فضل ذي المنن
|
|
|
غادرت في وطني فرعي ونافلتي
|
أوغلت في سفري فاشتدَّ غائلتي
|
واستقبلتني خطوبٌ ثمَّ هائلتي
|
طال اغترابي حتّى حنَّ راحلتي | |
|
| ورحلها وقرى العسالة الذُّبل |
|
وكم أثرت بأرجاء الفلا قتما
|
والنُّوق غرثى صوادٍ تشتكي سأما
|
|
وضجَّ من لغبٍ نضوي وعجَّ لما | |
|
| ألقى ركابي ولجَّ الرَّكب في عذلي |
|
أتعبت نفسي لكي تحظى بمأربها
|
وقد تغرَّبت للدُّنيا ومنصبها
|
فطفت في شرقها دهراً ومغربها
|
أريد بسطة كفٍّ أستعين بها | |
|
|
بذلت جهودي لعلَّ السَّعي ينفعني
|
ورمت جاهاً على الأقران يرفعني
|
أبغي أمانِّي والأشواق تطمعني
|
والدَّهر يعكس آمالي ويقنعني | |
|
| من الغنيمة بعد الكدِّ بالقفل |
|
وذي جمالٍ كنجم الصُّبح مشتعلٍ
|
وذي مكارم غرٍّ ماجدٍ بطلٍ
|
وذي كلامٍ جرى في النّاس كالمثل
|
وذي شطاطٍ كصدر الرُّمح معتقلٍ | |
|
|
داهٍ بآرائه الأسواء قد فرجت
|
وافٍ إذا ما عهود النّاس قد مزجت
|
أخلاقه كجمود الرَّوض قد بهجت
|
حلو الفكاهة مرُّ الجدِّ قد مزجت | |
|
| بشدَّة البأس منه رقَّة الغزل |
|
لمّا تمكَّن من أعلى شملَّته
|
أمسى يسايرني في طول ليلته
|
|
طردت سرح الكرى عن ورد مقلته | |
|
| واللَّيل أغرى سوام النَّوم بالمقل |
|
وقد جنينا معاً غضَّاً جنى أدبٍ
|
كم في مناقشةٍ السُّمّار من عجبٍ
|
والعيس تهتزُّ بالأحداج من خبيٍ
|
والرَّكب ميلٌ على الأكوار من طربٍ | |
|
| صاحٍ وآخر من خمر الكرى ثمل |
|
فقلت: لي أربٌ منك عنَّ أسهرني
|
ماصدَّني عنه لاحٍ كيف عيَّرني؟
|
فهل تواسيني؟ فقال: العون أضجرني
|
فقلت أدعوك للجلّى لتنصرني | |
|
| وأنت تخذلني في الحادث الجلل |
|
تبطي ذلولك والأجمال سائرةٌ
|
وتنتئي وخيام الحيِّ ظاهرةٌ
|
شواهد الحزم في الإنسان باهرةٌ
|
تنام عيني وعين النَّجم ساحرةٌ | |
|
| وتستحيل وصبغ اللَّيل لم يحلِ |
|
أمرٌّ عنيت به تأتي بأعجبه
|
وأنت عن ذي أسى جالٍ دجى عمه
|
|
فهل تعين على غيٍّ هممت به | |
|
| والغيُّ يزجر أحياناً عن الفشل |
|
آنست منك قديماً بأس ذي همهٍ
|
مجرَّبٍ لغمار الحرب مقتحم
|
رافق ووافق بغير النّكل عن قدم
|
إنِّي أريد طروق الحِّي من إضم | |
|
| وقد حماه رماة من بني نعلِ |
|
عزمي على صوب ذلك الحيَّ ليس يهي
|
ولو سقاني الرَّدى آساد مقنبه
|
وساورتني سراةٌ حول مطنّبه
|
يحمون بالبيض والسمر اللدنان به | |
|
| سود الغدائر حمر الحلي والحلل |
|
حشا حشاي معاناة النَّوى أسفا
|
وغادرتني الغواني في الهوى دنِفا
|
فأن ترم لي من الدّاء العضال شفا
|
فسر بنا في ذمام اللّيل معتسفا | |
|
| فنفحة الطِّيب تهدينا إلى الحلل |
|
تلك الرَّبوع بها الأنوار وامضةٌ
|
والنُّخب نحو العراص الفيح راكضةٌ
|
أصبو لها ودموع العين فائضةٌ
|
والحبُّ حيث العدى والأسد رابضةٌ | |
|
| حول الكناس لها غابٌ من الأسل |
|
نفوسنا طالما بالبين قد شقيت
|
ولم تزل تتمنّى الموت ما بقيت
|
نطوي سباسب نرضى كلُّ ما لقيت
|
نؤم ناشئةً بالجزع قد سقيت | |
|
| نصالها بمياه الغنج والكحل |
|
رجالها برعوا في نجدةٍ ودها
|
وبسط كفٍّ، ذوي جودٍ وأهل نهى
|
لهم شقايق يسبين الحجا بيها
|
قد زاد طيب أحاديث الكرام بها | |
|
| ما بالكرائم من جبنٍ ومن بخل |
|
يبدين ما منه عقلُ الصَّبٍّ في صفدٍ
|
يبسمن عن لؤلؤٍ رطبٍ وعن بردٍ
|
يفري ظبى لحظها الموضون من زردٍ
|
تبيت نار الجوى منهنَّ في كبدٍ | |
|
| حرّى ونار القرى منهم على القلل |
|
يذهبن باللُّبِّ، من يفتن بهنَّ يهم
|
كم من مغرمٍ طامعٍ في وصلهنَّ حرم
|
وأنحلته تباريخ الجوى فسقم
|
يقتلن أنضاء حبٍّ لا حراك بهم | |
|
| وينحرون كرام الخيل والإبل |
|
إن شئت مدحاً فحدِّث عن قنوتهم
|
|
وللنّزيل عن أيثارٍ بقوتهم
|
يشفي لديغ العوالي في بيوتهم | |
|
| بنهلةٍ من غدير الخمر والعسل |
|
أمري دموعاً من العين قانيةً
|
والنَّفس تكدح بالأسفار عانيةً
|
عسى أرى دار من أهواه دانيةً
|
لعلَّ إلمامة بالجزع ثانيةً | |
|
| يدبُّ منها نسيم البرء في عللي |
|
العين ما رقأت جنباً ولا هجعت
|
أسعى إلى الحيِّ والأشواق بي سرعت
|
ولو رأيت القنا والبيض قد لمعت
|
لا أكره الطَّعنة النَّجلاء قد شفعت | |
|
| برشفةٍ من نبال الأعين النُّجل |
|
لواجع الشَّق للأرباض توردني
|
ونجدتي عن حراب القوم تنجدني
|
أقضي حقوق الهوى لا جبن يقعدني
|
ولا أهاب الصِّفاح البيض تسعدني | |
|
| باللَّمح من خلل الأستار والكلل |
|
إن تاح لي في الهوى واشٍ يجادلني
|
أو حال دوني عدوٌّ لي يقاتلني
|
لا أرعوي عن هوى غيدٍ تجاملني
|
ولا أخلُّ بغزلانٍ تعازلني | |
|
| ولو دهتني أسود الغيل بالغيل |
|
من مال للمال أو لجاه ساد به
|
بالنَّفس خاطر يسعى في مناصبه
|
ولا يبالي بحتفٍ في مذاهبه
|
حبُّ السَّلامة يثني صاحبه | |
|
| عن المعالي ويغري المرء بالكسل |
|
مجانباً كلَّ خطب فادح فرقاً
|
فكان كاسف بالٍ خاملاً قلقاً
|
من يرتضي الهون بالأنذال ماتحقاً
|
فأن جنحت إليه فاتَّحد نفقاً | |
|
| في الأرض أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ |
|
واصبر على صبر الأقلال محتملاً
|
ولا تكن باقتناء العزِّ محتفلاً
|
متى غمار العلى للمقدمين على | |
|
| ركوبها وأقتنع منهنَّ بالبلل |
|
نفسي على طلب العليا موطئةٌ
|
قد أطنبت في مديح العزِّ ألسنةً
|
وحلية المجد للمثرين شنشنةٌ
|
رضي الذَّليل بخفض العيش مسكنةٌ | |
|
| والعزُّ عند رسيم الأينق الذُّللِ |
|
أطلب ركائب للأثقال حاملةً
|
وأركب سراحيب بالفرسان مائلةً
|
إذا ملكت سفين البرِّ زاملةً
|
فادرأ بها نحور البيد جافلةً | |
|
| معارضات مثاني اللجم بالجدل |
|
كلُّالقلوب إلى الأوطان تائقةٌ
|
لكن بها عللٌ للمجد ماحقةٌ
|
فاسمع حديث العلى والنَّفس واثقةٌ
|
إنَّ العلى حدَّثتني وهي صادقةٌ | |
|
| فيما تحدَّثت أن العزَّ في النقلِ |
|
شرِّق وغرِّب وكابد في الجلاء عنا
|
لا تثور بالمولد المألوف ممتهناً
|
وغير مسقط رأسٍ فاتَّخذ وطناً
|
لو كان في شرف المأوى بلوغ منىً | |
|
| لم تبرح الشمس يوماً دارة الحمل |
|
كم جاهلٍ عيشاً قدره رفعاً
|
وفاضل مكفهرُّ العيش متضعاً
|
وإذ تقاعس عنِّي الحظُّ مرتدعا
|
أهبت بالحظِّ لو ناديت مستمعاً | |
|
| والحظ عنِّي بالجهال في شغل |
|
وإذ أبى الحظُّ إلاَّ أن يخصَّهم
|
طفقت أفصح عمَّا فيه غمصهم
|
وعن مساوٍ عليها أشتدَّ حرصهم
|
لعلَّه إن بدا فضلي ونقصهم | |
|
| لعينه نام عنهم أو تنبَّه لي |
|
كم من حبائل للأموال أنصبها
|
والنَّفس في طلب الأرزاق أنصبها
|
إذ المعايش بالآمال أرقبها | |
|
| ما أضيق الدَّهر لولا فسحةُ الأمل |
|
خلت عهود شبابي وهي ممحلةٌ
|
لا راق عيشي ولا فاق منزلةٍ
|
دنا رحيلي وأحوالي محوَّلةٌ
|
لم أرتض العيش والأيام مقبلةٌ | |
|
| فكيف أرضي وقد ولَّت على عجل؟ |
|
قريحتي مزنةٌ تهمي بديمتها
|
نفسي من السَّيف أمضى في صريمتها
|
أبوح للشكر لا فخراً بشيمتها
|
غالي بنفسي عرفاني بقيمتها | |
|
| فصنتها عن رخيص القدر مبتذل |
|
لا غرو أن جاء ذو فضلٍ بمفخره
|
|
يعتاد روض زهورٍ نشر عبهره
|
وعادة النَّصل أن يزهى بجوهره | |
|
|
لقد شهدت ملوكاً كاشفي محن
|
موقَّرين لأهل الفضل والفطن
|
بادوا وأبقو لنا كرباً فواحزني!
|
ما كنت أوثر أن تمدَّ بي زمني | |
|
| حتى أرى دولة الأوغاد والسَّفلِ |
|
هذا زمان لئامٍ عزَّ رهطهم
|
كسا كراماً سياب الذُّلِّ سخطهم
|
|
|
| وراء خطوي لو أمشي على مهل |
|
واحسرتا طاح من عيشي بهم بهج
|
دروا مكاني وقد طاب بهم مهجٌ
|
وقد منيت بغوغاءٍ هم الهمج
|
هذا جزاء أمرئٍ أقرانه درجوا | |
|
| من قبله فتمنى فسحةَ الأجلِ |
|
الفضل بالعلم لا بالمال يكتسبٌ
|
إن شاد لي قدرٌ قدراً نشبٌ
|
فبالثراء حقيقٌ من له أدبٌ
|
وإن علاني من دوني فلا عجبٌ | |
|
| لي أسوةٌ بانحطاط الشمس عن زحل |
|
وما أصابك من سوءٍ ومن ضررٍ
|
ومن تقدم ذي جهلٍ ومن كدرٍ
|
|
فاصبر لها غير محتالٍ ولا ضجرٍ | |
|
| في حادث الدَّهر ما يغني عن الحيلِ |
|
تبغي السَّلامة من شرٍّ وموجبه
|
فاحذر سجيرك خوفاً من تقبله
|
لا تغترر بالفتى من حسن منقبه
|
أعدى عدوِّك أدنى من وثقت به | |
|
| فحاذر الناس واصحبهم على دخل |
|
مغارسُ الودِّ لا تجنى عوائدها
|
موارد الآل منها خاب واردها
|
|
| من لا يعوِّل في الدُّنيا على رجل |
|
|
|
فلا تغرَّك فالأحداث مجهزةٌ
|
وحسن ظنِّك بالأيام معجزةٌ | |
|
| فظنَّ بها شرَّاً وكن منها على وجل |
|
كم من طباع بها الأهواء قد مزجت
|
ومن قلوب غلاظ قد قست ودرجت
|
بها ذمائم أخلاقٍ قد أندمجت
|
غض لوفاء وفاض الغدر وانفرجت | |
|
| مسافةُ الخلف بين القول والعمل |
|
إن كنت سلماً لهم يجفوك سبتهم
|
أو قلت هذا يقين طال ريبهم
|
وكلُّ خلقٍ أجاجٍ فهو عذبهم
|
وشان صدقك عند النَّاس كذبهم | |
|
|
كم من شنائع أرست في ذواتهم
|
فلا ترى من صفاء في صفاتهم
|
ولا اعتدال بشيء من عداتهم
|
إن كان ينجع شيء في ثباتهم | |
|
| على العهود فسبق السيف للعذلِ |
|
يا من عليه مضى من عمره عصرٌ
|
ومن عن الشَّيب منه الفود منحسرٌ
|
أما بتنغيص عيش أنت معتبرٌ
|
يا وارداً سؤر عيشٍ كلَّه كدرٌ | |
|
| أنفقت صفوك في أيامي الأول |
|
دع عنك تحصيل ما قد عزَّ مطلبه
|
ولا تخص مشعباً أعياك مذهبه
|
وأقنع بأيسر قوتٍ أنتَ ترقبه
|
فيمأ اقتحامك لجَّ البحر تركبه | |
|
| وأنت يكفيك منه مصَّة الوشل |
|
عش قانعاً مستريحاً واُجتنب أملا
|
ولا تكن بطلاب المال محتفلا
|
وكن على قاسم الأرزاق متَّكلا
|
ملك القناعة لا يخشى عليه ولا | |
|
| يحتاج فيها إلى الأنصار والخول |
|
شمَّرت عن طلب الدُّنيا لتندلها
|
وفي حظوظك تسعى أن تحصِّلها
|
وفي لذائذ عيشٍ أن تخوَّلها
|
ترجو البقاء بدارٍ لا بقاء لها | |
|
| فهل سمعت بظلٍّ غير منتقل؟ |
|
يا من لموعظتي قد صار مستمعاً
|
يا عالماً لأمور الدِّين متَّبعاً
|
وصابراً عن مناهي الشَّرع مرتدعاً
|
ويا خبيراً على الأسرار مطَّلعاً | |
|
| أصمت ففي الصَّمت منجاةٌ من الزَّلل |
|
أعطوك علماً لترعاه وتكفله
|
ولا تهاونَّ في جدٍّ وتهمله
|
محَّضتك النُّصح يجدي من تأمَّله
|
قد شَّحوك لأمرٍ إن فطنت له | |
|
| فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل |
|