كُلَّ يَومٍ مِهرَجانٌ كَلَّلوا | |
|
| فيهِ مَيتاً بِرَياحينَ الثَناء |
|
لَم يُعَلِّم قَومَهُ حَرفاً وَلَم | |
|
| يُضِىءِ الأَرضَ بِنورِ الكَهرُباء |
|
جومِلَ الأَحياءُ فيهِ وَقَضى | |
|
| شَهَواتَ أَهلِهِ وَالأَصدِقاء |
|
ما أَضَلَّ الناسَ حَتّى المَوتُ لَم | |
|
| يَخلُ مِن زورٍ لَهُم أَو مِن رِياء |
|
إِنَّما يُبكى شُعاعٌ نابِغٌ | |
|
| كُلَّما مَرَ بِهِ الدَهرُ أَضاء |
|
مَلَأَ الأَفواهَ وَالأَسماعَ في | |
|
| ضَجَّةِ المَحيا وَفي صَمتِ الفَناء |
|
حائِطُ الفَنِّ وَباني رُكنِهِ | |
|
| مَعبَدُ الأَلحانِ إِسحَقُ الغِناء |
|
مِن أُناسٍ كَالدَراري جُدُدٍ | |
|
| في سَمَواتِ اللَيالي قُدَماء |
|
غَرَسَ الناسُ قَديماً وَبَنَوا | |
|
| لَم يَدُم غَرسٌ وَلَم يَخلُد بِناء |
|
غَيرَ غَرسٍ نابِغٍ أَو حَجَرٍ | |
|
| عَبقَرِيٍّ فيهُما سِرُّ البَقاء |
|
مِن يَدٍ مَوهوبَةٍ مُلهَمَةٍ | |
|
| تَغرِسُ الإِحسانَ أَو تَبني العَلاء |
|
بُلبُلٌ إِسكَندَرِيٌّ أَيكُهُ | |
|
| لَيسَ في الأَرضِ وَلَكِن في السَماء |
|
هَبَطَ الشاطِئَ مِن رابِيَةٍ | |
|
| ذاتِ ظِلٍّ وَرَياحينَ وَماء |
|
يَحمِلُ الفَنَّ نَميراً صافِياً | |
|
| غَدَقَ النَبعِ إِلى جيلٍ ظِماء |
|
حَلَّ في وادٍ عَلى فُسحَتِهِ | |
|
| عَزَّتِ الطَيرُ بِهِ إِلّا الحِداء |
|
يَملَأُ الأَسحارَ تَغريداً إِذا | |
|
| صَرَفَ الطَيرَ إِلى الأَيكِ العِشاء |
|
رُبَّما اِستَلهَمَ ظَلماءَ الدُجى | |
|
| وَأَتى الكَوكَبَ فَاِستَوحى الضِياء |
|
وَرَمى أُذَنيهِ في ناحِيَةٍ | |
|
| يَخلِسُ الأَصواتَ خَلسَ البَبَّغاء |
|
فَتَلَقّى فيهِما ما راعَهُ | |
|
| مِن خَفِيِّ الهَمسِ أَو جَهرِ النِداء |
|
أَيُّها الدَرويشُ قُم بُثَّ الجَوى | |
|
| وَاِشرَحِ الحُبَّ وَناجِ الشُهَداء |
|
اِضرِبِ العودَ تَفُه أَوتارُهُ | |
|
| بِالَّذي تَهوى وَتَنطِقُ ما تَشاء |
|
حَرِّكِ النايَ وَنُح في غابِهِ | |
|
| وَتَنَفَّس في الثُقوبِ الصُعَداء |
|
وَاِسكُبِ العَبرَةَ في آماقِهِ | |
|
| مِن تَباريحَ وَشَجوٍ وَعَزاء |
|
وَاِسمُ بِالأَرواحِ وَاِدفَعها إِلى | |
|
| عالَمِ اللُطفِ وَأَقطارِ الصَفاء |
|
لا تُرِق دَمَعاً عَلى الفَنِّ فَلَن | |
|
| يَعدِمَ الفَنُّ الرُعاةَ الأُمَناء |
|
هُوَ طَيرُ اللَهِ في رَبوَتِهِ | |
|
| يَبعَثُ الماءَ إِلَيهِ وَالغِذاء |
|
رَوَّحَ اللهُ عَلى الدُنيا بِهِ | |
|
| فَهيَ مِثلُ الدارِ وَالفَنُّ الفِناء |
|
تَكتَسي مِنهُ وَمِن آذارِهِ | |
|
| نَفحَةَ الطيبِ وَإِشراقِ البَهاء |
|
وَإِذا ما حُرِمَت رِقَّتَهُ | |
|
| فَشَتِ القَسوَةُ فيها وَالجَفاء |
|
وَإِذا ما سَئِمَت أَو سَقِمَت | |
|
| طافَ كَالشَمسِ عَلَيها وَالهَواء |
|
وَإِذا الفَنُّ عَلى المُلكِ مَشى | |
|
| ظَهَرَ الحُسنُ عَلَيهِ وَالرُواء |
|
قَد كَسا الكَرنَكُ مِصراً ما كَسا | |
|
| مِن سَنىً أَبلى اللَيالي وَسَناء |
|
يُرسِلُ اللَهُ بِهِ الرُسلَ عَلى | |
|
| فَتَراتٍ مِن ظُهورٍ وَخَفاء |
|
كُلَّما أَدّى رَسولٌ وَمَضى | |
|
| جاءَ مَن يوفي الرِسالاتِ الأَداء |
|
سَيِّدَ الفَنِّ اِستَرِح مِن عالَمٍ | |
|
| آخِرُ العَهدِ بِنُعماهُ البَلاء |
|
رُبَّما ضِقتَ فَلَم تَنعَم بِهِ | |
|
| وَسَرى الوَحيُ فَنَسّاكَ الشَقاء |
|
لَقَدِ اِستَخلَفتَ فَنّاً نابِغاً | |
|
| دَفَعَ الفَنُّ إِلَيهِ بِاللِواء |
|
إِنَّ في مُلكِ فُؤادٍ بُلبُلاً | |
|
| لَم يُتَح أَمثالُهُ لِلخُلَفاء |
|
ناحِلٌ كَالكُرَةِ الصُغرى سَرى | |
|
| صَوتُهُ في كُرَةِ الأَرضِ الفَضاء |
|
يَستَحي أَن يَهتِفَ الفَنُ بِهِ | |
|
| وَجَمالُ العَبقَرِيّاتِ الحَياء |
|