هَنيئاً أَميرَ المُؤمِنينَ فَإِنَّما |
نَجاتُكَ لِلدينِ الحَنيفِ نَجاةُ |
هَنيئاً لِطَهَ وَالكِتابِ وَأُمَّةٍ |
بَقاؤُكَ إِبقاءٌ لَها وَحَياةُ |
أَخَذتَ عَلى الأَقدارِ عَهداً وَمَوثِقاً |
فَلَستَ الَّذي تَرقى إِلَيهِ أَذاةُ |
وَمَن يَكُ في بُردِ النَبِيِّ وَثَوبِهِ |
تَجُزهُ إِلى أَعدائِهِ الرَمَياتُ |
يَكادُ يَسيرُ البَيتُ شُكراً لِرَبِّهِ |
إِلَيكَ وَيَسعى هاتِفاً عَرَفاتُ |
وَتَستَوهِبُ الصَفحَ المَساجِدُ خُشَّعاً |
وَتَبسُطُ راحَ التَوبَةِ الجُمُعاتُ |
وَتَستَغفِرُ الأَرضُ الخَصيبُ وَما جَنَت |
وَلَكِن سَقاها قاتِلونَ جُناةُ |
وَتُثني مِنَ الجَرحى عَلَيكَ جِراحُهُم |
وَتَأتي مِنَ القَتلى لَكَ الدَعَواتُ |
ضَحِكتَ مِنَ الأَهوالِ ثُمَّ بَكَيتَهُم |
بِدَمعٍ جَرَت في إِثرِهِ الرَحَماتُ |
تُثابُ بِغاليهِ وَتُجزى بِطُهرِهِ |
إِلى البَعثِ أَشلاءٌ لَهُم وَرُفاتُ |
وَما كُنتَ تُحييهِم فَكِلهُم لِرَبِّهِم |
فَما ماتَ قَومٌ في سَبيلِكَ ماتوا |
رَمَتهُم بِسَهمِ الغَدرِ عِندَ صَلاتِهِم |
عِصابَةُ شَرٍّ لِلصَلاةِ عُداةُ |
تَبَرَّأَ عيسى مِنهُمُ وَصِحابِهِ |
أَأَتباعُ عيسى ذي الحَنانِ جُفاةُ |
يُعادونَ ديناً لا يُعادونَ دَولَةً |
لَقَد كَذِبَت دَعوى لَهُم وَشُكاةُ |
وَلا خَيرَ في الدُنيا وَلا في حُقوقِها |
إِذا قيلَ طُلّابُ الحُقوقِ بُغاةُ |
بِأَيِّ فُؤادٍ تَلتَقي الهَولَ ثابِتاً |
وَما لِقُلوبِ العالَمينَ ثَباتُ |
إِذا زُلزِلَت مِن حَولِكَ الأَرضُ رادَها |
وَقارُكَ حَتّى تَسكُنَ الجَنَباتُ |
وَإِن خَرَجَت نارٌ فَكانَت جَهَنَّماً |
تُغَذّى بِأَجسادِ الوَرى وَتُقاتُ |
وَتَرتَجُّ مِنها لُجَّةٌ وَمَدينَةٌ |
وَتَصلى نَواحٍ حَرَّها وَجِهاتُ |
تَمَشَّيتَ في بُردِ الخَليلِ فَخُضتَها |
سَلاماً وَبُرداً حَولَكَ الغَمَراتُ |
وَسِرتَ وَمِلءُ الأَرضِ أَدرُعٌ |
وَدِرعُكَ قَلبٌ خاشِعٌ وَصَلاةُ |
ضَحوكاً وَأَصنافُ المَنايا عَوابِسٌ |
وَقوراً وَأَنواعُ الحُتوفِ طُغاةُ |
يَحوطُكَ إِن خانَ الحُماةَ اِنتِباهُهُم |
مَلائِكُ مِن عِندِ الإِلَهِ حُماةُ |
تُشيرُ بِوَجهٍ أَحمَدِيٍّ مُنَوِّرٍ |
عُيونُ البَرايا فيهِ مُنحَسِراتُ |
يُحَيِّ الرَعايا وَالقَضاءُ مُهَلِّلٌ |
يُحَييهِ وَالأَقدارُ مُعتَذِراتُ |
نَجاتُكَ نُعمى لِلإِلَهِ سَنِيَّةٌ |
لَها فيكَ شُكرٌ واجِبٌ وَزَكاةُ |
فَصَيِّر أَميرَ المُؤمِنينَ ثَناءَها |
مَآثِرَ تُحيِ الأَرضَ وَهيَ مَواتُ |
إِذا لَم يَفُتنا مِن وُجودِكَ فائِتٌ |
فَلَيسَ لِآمالِ النُفوسِ فَواتُ |
بَلَوناكَ يَقظانَ الصَوارِمِ وَالقَنا |
إِذا ضَيَّعَ الصيدَ المُلوكَ سُباتُ |
سَهِرتَ وَلَذَّ النَومُ وَهوَ مَنِيَّةٌ |
رَعايا تَوَلّاها الهَوى وَرُعاةُ |
فَلَولاكَ مُلكُ المُسلِمينَ مُضَيَّعٌ |
وَلَولاكَ شَملُ المُسلِمينَ شَتاتُ |
لَقَد ذَهَبَت راياتُهُم غَيرَ رايَةٍ |
لَها النَصرُ وَسمٌ وَالفُتوحُ شِياتُ |
تَظَلُّ عَلى الأَيّامِ غَرّاءَ حُرَّةً |
مُحَجَّلَةً في ظِلِّها الغَزَواتُ |
حَنيفِيَّةٌ قَد عَزَّها وَأَعَزَّها |
ثَلاثونَ مَلكاً فاتِحونَ غُزاةُ |
حَماها وَأَسماها عَلى الدَهرِ مِنهُمُ |
مُلوكٌ عَلى أَملاكِهِ سَرَواتُ |
غَمائِمُ في مَحلِ السِنينِ هَواطِلٌ |
مَصابيحُ في لَيلِ الشُكوكِ هُداةُ |
تَهادَت سَلاماً في ذَراكَ مَطيفَةً |
لَها رَغَباتُ الخَلقِ وَالرَهَباتُ |
تَموتُ سِباعُ الجَوِّ غَرثى حِيالَها |
وَتَحيا نُفوسُ الخَلقِ وَالمُهَجاتِ |
سَنَنتَ اِعتِدالَ الدَهرِ في أَمرِ أَهلِهِ |
فَباتَ رَضِيّاً في دَراكَ وَباتوا |
فَأَنتَ غَمامٌ وَالزَمانُ خَميلَةٌ |
وَأَنتَ سِنانٌ وَالزَمانُ قَناةُ |
وَأَنتَ مِلاكُ السِلمِ إِن مادَ رُكنُهُ |
وَأَشفَقَ قُوّامٌ عَلَيهِ ثُقاتُ |
أَكانَ لِهَذا الأَمرِ غَيرُكَ صالِحٌ |
وَقَد هَوَّنَتهُ عِندَكَ السَنَواتُ |
وَمَن يَسُسِ الدُنيا ثَلاثينَ حِجَّةً |
تُعِنهُ عَلَيها حِكمَةٌ وَأَناةُ |
مَلَكتَ أَميرَ المُؤمِنينَ اِبنَ هانِئٍ |
بِفَضلٍ لَهُ الأَلبابُ مُمتَلَكاتُ |
وَمازِلتُ حَسّانَ المَقامِ وَلَم تَزَل |
تَليني وَتَسري مِنكَ لي النَفَحاتُ |
زَهِدتُ الَّذي في راحَتَيكَ وَشاقَني |
جَوائِزُ عِندَ اللَهِ مُبتَغَياتُ |
وَمَن كانَ مِثلي أَحمَدَ الوَقتِ لَم تَجُز |
عَلَيهِ وَلَو مِن مِثلِكَ الصَدَقاتُ |
وَلي دُرَرُ الأَخلاقِ في المَدحِ وَالهَوى |
وَلِلمُتَنَبّي دُرَّةٌ وَحَصاةُ |
نَجَت أُمَّةٌ لَمّا نَجَوتَ وَدورِكَت |
بِلادٌ وَطالَت لِلسَريرِ حَياةُ |
وَصينَ جَلالُ المُلكِ وَاِمتَدَّ عِزُّهُ |
وَدامَ عَلَيهِ الحُسنُ وَالحَسَناتُ |
وَأُمِّنَ في شَرقِ البِلادِ وَغَربِها |
يَتامى عَلى أَقواتِهِم وَعُفاةُ |
سَلامِيَ عَن هَذا المَقامِ مُقَصِّرٌ |
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ وَالبَرَكاتُ |