إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
كلّ صباح |
حين تستيقظُ من نومك المليء بالمذابح والأحلام |
تسألُ نفسك |
عاما بعد عام |
أمام أرضٍ صمّاء وأرخبيل مغلق، |
منذ ستة وعشرين عاماً |
ماذا تفعلُ في هذه البلاد؟ |
ستةُ وعشرون مرّت |
وأنت تذرعُ الأفق بقدمٍ مكسورةٍ |
ورأس غارق في الجحيم. |
بداية الرحلة |
ستحلمُ أن هناك مستقراً وكتباً |
وربما ثوراتٍ تقلبُ وجه العالم. |
فمضيت، تاركاً كل شيء وراءك |
عويل أمك على سلم البئر، |
الذي ظلّ يلاحقُك في المدن والقارّات، |
نظرات أبيك الغاضبة. |
مرابع طفولتك بين الجبال والشُهُب. |
ميلاد النفط بين عظام الأجداد. |
ماضياً وراء ندائك، في ليلةٍ |
كانت فيها الرياحُ ثكلى، |
فجرَ ليلةٍ مُبهماً. |
سيكونُ هناك مستقرٌ |
ونساءٌ وثوراتٌ |
وفي طريقك عبر الصحراء |
رأيت بدواُ أوقدوا نيراناً وكلاباً |
دافنين أمتعتهم في الرمل |
رأيت المستكشفين يعلّقون خرائط الجزيرة |
على رؤوس الأشجار |
وآلاتٍ عملاقة، يحسبُها السكاّن |
نذيراً بالقيامة. |
رأيت الأرض تهتزُ، |
كما لو أنها على كفّ عفريت |
وجملاً يبتلعُ صاحبه |
كما تبتلعُ الصحراءُ العواصف. |
بعد قليلٍ ستجتازُ البوادي نحو الأحلام |
ستجتازُ حاجز السحرة |
ورافعات الحبال الأسطورية. |
لكنّ الحافة لا تنتهي |
إلا إلى أعماق الهاوية |
والصحراء تمتدُ والغبار يعمي الدليل |
والقافلة تتلاشى |
خريفٌ يمرُ ومدنٌ تتشظّى |
كنيرانٍ أخمدتها شهب بين المجرات |
وبحارٌ تموتُ بالسكتة. |
وأنت تعدُ الأعوام |
حالماً باجتياز المضيق |
شعرُك يغزوه الشيبُ |
وجسدُك يتلوّى من ألم غامض |
كأنما رياحٌ هوجٌ قذفت أحشاءها |
في أعماقك. |
ترنو إلى نجمٍ شاحب وسط سماء قفرٍ |
تتقاطرُ في مراياها |
النساءُ والوجوهُ والأصدقاء. |
أيُ الأماكن كان مستقراً |
أي طفولةٍ كانت لك؟ |
وبأيّ زمن رميت سهامك |
في عيون الفجر. |
فسقطت عصافيرُ الأبديّة. |
لا تتذكرُ شيئاً |
لا تنسى شيئاً |
مشدوداً إلى وتد الجبال |
تمشي مغمض العينين |
في طرقاتٍ مليئةٍ بالذئاب. |
كم مرةً نمت في محطّات القطار |
كم مرّةً تقاذفتك أيدي البوليس العنصريّ. |
في غرف باردة، |
مع غرباء مثلك؟ |
ربما حصل ذلك في زحمة الكوابيس |
حيثُ الأفعى أفاقت بعد نومٍ طويل |
لتلتهم الجَنّة |
وتلتهم احتمالات العودة. |
قلت لا بأس |
المهمُ أننا موجودون على هذه الأرض. |
هكذا |
من غير أحلام ولا معجزات |
موجودون في أرض الله والبشر |
الأرض.. يكفي أنها تتسعُ لسريرٍ وقبرٍ، |
وبينهما ضحكةٌ سوداء. |
ولكن قبل ذلك |
هناك طرقُ طويلةٌ تفضي إلى ظلمةٍ |
تنفجرُ منها مياهٌ وبساتينُ |
في قلب كلّ بستانٍ امرأةُ تعوي من الشبق |
وأصدقاء لا تنقصُهم الخيانةُ |
والبولُ على الجثث. |
يمكنك أن تستريح من عناء الرحلة |
وتقطن فندقاً في مركز المدينة |
حيثُ في كلَ صباحٍ تجلسُ على الشرفة |
تشربُ القهوة والنبيذ |
وترقبُ الأحياء والأموات |
حشوداً تسحبُ أمعاءها في الأزقّة |
وحروباً يستعرُ لظاها في المخيّلة. |
أو ربما لا تفكرُ في شيء |
عدا فنجان القهوة المزدحم سطحُه بالكواكب |
فهناك دائماً في المدينة أو القرية |
أو الثكنة |
من يقومُ كلّ صباحٍ |
ماضياً في طريقه إلى الهدف، |
الخمّاراتُ تفتحُ أبوابها |
ترمقُ النادل ينظفُ الطاولات |
في الضوء الخافت للعاهرات |
والموظّفون يحتشدون في الساحات والمكاتب، |
وكذلك العمّال |
والكهنةُ والغرقى |
لا يحتاجون إلى قافلةٍ |
أو دليل. |