إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
أبي |
إلى أين تمضي بعيداً بعيدا |
وتتركني في الفلاة وحيدا |
أجاوِرُ رملاً، وأجتازُ بيداً فبيدا |
وتلهبني الشمسُ |
جوفي تَيبّسَ |
جفت عروقي وريداً وريدا |
فلا الماءُ ينبع من بطنِ كفي |
ولا هاجرٌ أرضعتني وليدا |
ولا التمَّ حولي لجُرهُمَ شملٌ |
ولا اسمعوني الحداء قصيدا |
بُنيَّ: |
إلى مغرب الشمس أمضي |
وحسبيَ أني تركتك بعدي |
صغيراً، وتكبرُ، لاخوفَ عندي |
ضعيفاً وتقوى |
تقول قبلتُ التحدي |
وأحفظ عن ظهر قلبٍ وصية جدي |
الذي عاد من جبهة القرم يوماً فراري |
يجوع ويَعرى، ويأكلُ عشب البراري |
أتى جدتي وهي تفلح كرم الدوالي |
فقبلها واحتوتها ذراعاه |
طار بها فرحاً |
نحو فيءِ عريشٍ |
بناه لها قشةً قشةً في السنين الخوالي |
وأقسم: لاجند، لا قرعة سوف تقصيه عنها |
ولا باب عالي |
وأردف: واطئةٌ كل أبواب هذا الزمان |
وملعونةٌ، غير باب العمود وباب الخليل وباب عريشة ستي |
أبي: |
لصوتك عنفٌ كوقع القتال |
وفي منكبيك شموخ الجبال |
وقاماتها انتصبت تدفع الريح |
إذ أقبلت من تخوم الشمالْ |
محملة بحنود الصليبيّ يحرق كَومَ الغلالْ |
وإذ جندُ روما القدامى أفاقوا |
وجاسوا خلال الديار |
لمن قد تركت بنيك الصغار؟ |
وغاب أبي |
ما استطعت اللحاق بهِ |
غير أني نظرت إليهْ |
وغيمٌ تدافع في ناظريهْ |
ويمعنُ، يملأ من كرمنا مقلتيهْ |
ويعصر زيتاً بكلتا يديه |
تيممَ في ظل زيتونة خفضت جانحيها عليه |
وصلى أبي بعدها ركعتين |
ولوّح لي متعباً بيديه |
وغاب فأتبعته دمعتين. |
أحنُّ لطيفِ أبي إذ يُصلي الضحى تحت زيتونةٍ |
جنحت في براري الهياشْ |
يسوق غنيماتهِ في سفوح المساء |
يخبئُها عن عيون الجنودِ |
الذين يعدون حتى فرادى الشياهْ |
يريدون منك تواريخ ميلادها والوفاه |
إذا نفقت نعجةٌ في الفلاه |
هل رأيتم جنوداً يحومون حول قطيع الخرافِ؟ |
يسوقونها منك إذْ ما نسيت شهادات ميلادها |
أجل، قد رأيت ارتعادَ الخرافِ من الجند |
علمتها أن تعانق أبدانها الأرضَ |
تكتم أنفاسها لحظة لتمر خيول الغزاه. |
أبي عاش عمرًا مديدًا و مات |
بغير شهادة ميلادهِ والوفاةْ |
ففي سنة الثلج أعرس جدي |
وفي سنة الطوشة الدموية جاء أبي للحياه |
وعام الرحيل ولدتُ |
وفي عام أوسلو تَيتمتُ |
مات أبي حسرةً لذبول الزنابق في ساحة الدارِ |
للوز من يومها ما تدثر بالقطن في شهر آذارَ |
من يومها ما ملأنا الخوابي |
ولا سكن الزيت جوف الجرارْ |
ونحفظ عن ظهر قلبٍ تواريخنا |
ففيم الوثائق؟ فيم الشهادات |
نحشو بها عبنا وجلابيبنا |
أم ترانا شياه؟ |