لا السُهدُ يُدنيني إِلَيهِ وَلا الكَرى |
طَيفٌ يَزورُ بِفَضلِهِ مَهما سَرى |
تَخِذَ الدُجى وَسَماءَهُ وَنُجومَهُ |
سُبُلاً إِلى جَفنَيكِ لَم يَرضَ الثَرى |
وَأَتاكَ مَوفورَ النَعيمِ تَخالُهُ |
مَلَكاً تَنُمُّ بِهِ السَماءُ مُطَهَّرا |
عَلِمَ الظَلامُ هُبوطَهُ فَمَشَت لَهُ |
أَهدابُهُ يَأخُذنَهُ مُتَحَدِّرا |
وَحَمى النَسائِمَ أَن تَروحَ وَأَن تَجي |
حَذَراً وَخَوفاً أَن يُراعَ وَيُذعَرا |
وَرَقَدتَ تُزلِفُ لِلخَيالِ مَكانَهُ |
بَينَ الجُفونِ وَبَينَ هُدبِكَ وَالكَرى |
فَهَنِئتَهُ مِثلَ السَعادَةِ شائِقاً |
مُتَصَوِّراً ما شِئتَ أَن يَتَصَوَّرا |
تَطوي لَهُ الرَقباءُ مَنصورَ الهَوى |
وَتَدوسُ أَلسِنَةَ الوُشاةِ مُظَفَّرا |
لَولا اِمتِنانُ العَينِ يا طَيفَ الرِضا |
ما سامَحَت أَيّامَها فيما جَرى |
باتَت مُشَوَّقَةً وَباتَ سَوادُها |
زونا بِتِمثالِ الجَمالِ مُنَوِّرا |
تُعطى المُنى وَتُنيلُهُنَّ خَليقَةً |
بِكَ أَن تُقَدِّمَ في المِنى وَتُؤَخِّرا |
وَتُعانِقُ القَمَرَ السَنِيَّ عَزيزَةً |
حَتّى إِذا وَدَّعتَ عانَقتَ الثَرى |
في لَيلَةٍ قَدِمَ الوُجودَ هِلالُها |
فَدَنَت كَواكِبُها تُعَلِّمُهُ السُرى |
وَتُريهِ آثارَ البُدورِ لِيَقتَفي |
وَيَرى لَهُ الميلادُ أَن يَتَصَدَّرا |
ناجَيتُ مَن أَهوى وَناجاني بِها |
بَينَ الرِياضِ وَبَينَ ماءِ سُوَيسِرا |
حَيثُ الجِبالُ صِغارُها وَكِبارُها |
مِن كُلِّ أَبيَضَ في الفَضاءِ وَأَخضَرا |
تَخِذَ الغَمامُ بِها بُيوتاً فَاِنجَلَت |
مَشبوبَةَ الأَجرامِ شائِبَةَ الذُرى |
وَالصَخرُ عالٍ قامَ يُشبِهُ قاعِداً |
وَأَنافَ مَكشوفَ الجَوانِبِ مُنذِرا |
بَينَ الكَواكِبِ وَالسَحابِ تَرى لَهُ |
أُذُناً مِنَ الحَجَرِ الأَصَمِّ وَمِشفَرا |
وَالسَفحُ مِن أَيِّ الجِهاتِ أَتَيتَهُ |
أَلفَيتَهُ دَرَجاً يَموجُ مُدَوَّرا |
نَثَرَ الفَضاءُ عَلَيهِ عِقدَ نُجومِهِ |
فَبَدا زَبَرجَدُهُ بِهِنَّ مُجَوهَرا |
وَتَنَظَّمَت بيضُ البُيوتِ كَأَنَّها |
أَوكارُ طَيرٍ أَو خَميسٌ عَسكَرا |
وَالنَجمُ يَبعَثُ لِلمِياهِ ضِياءَهُ |
وَالكَهرُباءُ تُضيءُ أَثناءَ الثَرى |
هامَ الفِراشُ بِها وَحامَ كَتائِباً |
يَحكي حَوالَيها الغَمامُ مُسَيَّرا |
خُلِقَت لِرَحمَتِهِ فَباتَت نارُهُ |
بَرداً وَنارُ العاشِقينَ تَسَعُّرا |
وَالماءُ مِن فَوقِ الدِيارِ وَتَحتَها |
وَخِلالِها يَجري وَمِن حَولِ القُرى |
مُتَصَوِّباً مُتَصَعِّداً مُتَمَهِّلاً |
مُتَسَرِّعاً مُتَسَلسِلاً مُتَعَثِّرا |
وَالأَرضُ جِسرٌ حَيثُ دُرتَ وَمَعبَرٌ |
يَصِلانِ جِسراً في المِياهِ وَمَعبَرا |
وَالفُلكُ في ظِلِّ البُيوتِ مَواخِراً |
تَطوي الجَداوِلَ نَحوَها وَالأَنهُرا |
حَتّى إِذا هَدَأَ المَلا في لَيلِهِ |
جاذَبتُ لَيلي ثَوبَهُ مُتَحَيِّرا |
وَخَرَجتُ مِن بَينَ الجُسورِ لَعَلَّني |
أَستَقبِلُ العَرفَ الحَبيبَ إِذا سَرى |
آوي إِلى الشَجَراتِ وَهيَ تَهُزُّني |
وَقَدِ اِطمَأَنَّ الطَيرُ فيها بِالكَرى |
وَيَهُزُّ مِنّي الماءُ في لَمَعانِهِ |
فَأَميلُ أَنظُرُ فيهِ أَطمَعُ أَن أَرى |
وَهُنالِكَ اِزدَهَتِ السَماءُ وَكانَ أَن |
آنَستُ نوراً ما أَتَمَّ وَأَبهَرا |
فَسَرَيتُ في لَألائِهِ وَإِذا بِهِ |
بَدرٌ تُسايِرُهُ الكَواكِبُ خُطَّرا |
حُلُمٌ أَعارَتني العِنايَةُ سَمعَها |
فيهِ فَما اِستَتمَمتُ حَتّى فُسِّرا |
فَرَأَيتُ صَفوى جَهرَةً وَأَخَذتُ أَن |
سى يَقظَةً وَمُنايَ لَبَّت حُضَّرا |
وَأَشَرتَ هَل لُقيا فَأوحِيَ أَن غَداً |
بِالطَودِ أَبيَضَ مِن جِبالِ سُوَيسِرا |
إِن أَشرَقَت زَهراءَ تَسمو لِلضُحى |
وَإِذا هَوَت حَمراءَ في تِلكَ الذُرى |
فَشُروقُها مِنهُ أَتَمُّ مَعانِياً |
وَغُروبُها أَجلى وَأَكمَلُ مَنظَرا |
تَبدو هُنالِكَ لِلوُجودِ وَليدَةً |
تَهنا بِها الدُنيا وَيَغتَبِطُ الثَرى |
وَتُضيءُ أَثناءَ الفَضاءِ بِغُرَّةٍ |
لاحَت بِرَأسِ الطَودِ تاجاً أَزهَرا |
فَسَمَت فَكانَت نِصفَ طارٍ ما بَدا |
حَتّى أَنافَ فَلاحَ طاراً أَكبَرا |
يَعلو العَوالِمَ مُستَقِلّاً نامِياً |
مُستَعصِياً بِمَكانِهِ أَن يُنقَرا |
سالَت بِهِ الآفاقُ لَكِن عَسجَداً |
وَتَغَطَّتِ الأَشباحُ لَكِن جَوهَرا |
وَاِهتَزَّ فَالدُنيا لَهُ مُهتَزَّةٌ |
وَأَنارَ فَاِنكَشَفَ الوُجودُ مُنَوَّرا |
حَتّى إِذا بَلَغَ السُمُوُّ كَمالَهُ |
أَذِنَت لِداعي النَقصِ تَهوى القَهقَرى |
فَدَنَت لِناظِرِها وَدانَ عَنانُها |
وَتَبَدَّلَ المُستَعظِمُ المُستَصغِرا |
وَاِصفَرَّ أَبيَضُ كُلِّ شَيءٍ حَولَها |
وَاِحمَرَّ بُرقُعُها وَكانَ الأَصفَرا |
وَسَما إِلَيها الطَودُ يَأخُذُها وَقَد |
جَعَلَت أَعالِيَهُ شَريطاً أَحمَرا |
مَسَّتهُ فَاِشتَعَلَت بِها جَنَباتُهُ |
وَبَدَت ذُراهُ الشُمُّ تَحمِلُ مِجمَرا |
فَكَأَنَّما مَدَّت بِهِ نيرانَها |
شَرَكاً لِتَصطادَ النَهارَ المُدبِرا |
حَرَقَتهُ وَاِحتَرَقَت بِهِ فَتَوَلَّيا |
وَأَتى طُلولَهُما الظَلامُ فَعَسكَرا |
فَشُروقُها الأَمَلُ الحَبيبُ لِمَن رَأى |
وَغُروبُها الأَجَلُ البَغيضُ لِمَن دَرى |
خَطبانِ قاما بِالفَناءِ عَلى الصَفا |
ما كانَ بَينَهُما الصَفاءُ لِيَعمُرا |
تَتَغَيَّرُ الأَشياءُ مَهما عاوَدا |
وَاللَهُ عَزَّ وَجَلَّ لَن يَتَغَيَّرا |
أَنهارُنا تَحتَ السَليفِ وَفَوقَهُ |
وَلَدى جَوانِبِهِ وَما بَينَ الذُرى |
رَجلاً وَرُكباناً وَزَحلَقَةً عَلى |
عَجلٍ هُنالِكَ كَهرُبائِيِّ السَرى |
في مَركَبٍ مُستَأنِسٍ سالَت بِهِ |
قُضُبُ الحَديدِ تَعَرُّجاً وَتَحَدُّرا |
يَنسابُ ما بَينَ الصُخورِ تَمَهُّلاً |
وَيَخِفُّ بَينَ الهُوَّتَينِ تَخَطُّرا |
وَإِذا اِعتَلى بِالكَهرُباءِ لِذَروَةٍ |
عَصماءَ هَمَّ مُعانِقاً مُتَسَوِّرا |
لَمّا نَزَلنا عَنهُ في أُمِّ الذُرى |
قُمنا عَلى فَرعِ السَليفِ لِنَنظُرا |
أَرضٌ تَموجُ بِها المَناظِرُ جَمَّةٌ |
وَعَوالِمٌ نِعمَ الكِتابُ لِمَن قَرا |
وَقُرىً ضَرَبنَ عَلى المَدائِنِ هالَةً |
وَمَدائِنٌ حَلَّينَ أَجيادَ القُرى |
وَمَزارِعٌ لِلناظِرينَ رَوائِعٌ |
لَبِسَ الفَضاءُ بِها طِرازاً أَخضَرا |
وَالماءُ غَدرٌ ما أَرَقَّ وَأَغزَرا |
وَجَداوِلٌ هُنَّ اللُجَينُ وَقَد جَرى |
فَحَشَونَ أَفواهَ السُهولِ سَبائِكاً |
وَمَلَأنَ أَقبالَ الرَواسِخِ جَوهَرا |
قَد صَغَّرَ البُعدُ الوُجودَ لَنا فَيا |
لِلَّهِ ما أَحلى الوُجودَ مُصَغَّرا |