إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
في ضباب الحُلْم طوّفتُ مع السارين في سوق عتيقِ |
غارق في عطر ماء الورد وامتدّ طريقي |
وسّع الحُلْم عيوني رش سُكْرًا في عروقي |
ثملت روحي بأشذاء التوابلْ |
وصناديق العقيقِ |
وبألوان السجاجيد |
بعطر الهيل والحنّاء |
بالآنية الغَرْقى الغلائلْ |
سرقت روحي المرايا واستداراتْ المكاحلْ |
كنتُ نَشْوى في ازرقاق الحُلْم أمشي وأسائلْ |
أين دكّان القرائين الصغيرهْ |
أشتري من عنده في الحلم قرآنًا جميلاً لحبيبي |
يقتنيه لحن حبٍّ |
قَمرًا في ليلةٍ ظلماء |
خبزًا وخميرهْ |
عندما في الغد يَرْحَلْ |
من مطار الأمس والذكرى حبيبي |
يتوارى وجهه خلف التواءات الدروبِ |
** |
سرتُ في السوق |
إذا مرّ بقربي عابرٌ ما |
أتمهّل |
ثم أسألْ: |
سيّدي في أي دكّان ترى ألقى القرائين الصغيرهْ |
أيّ قرآن سواءٌ أحواشيه حروف ذهبيّهْ |
أم نقوش فارسيّهْ |
أي قرآن?..... وفي حلمي يقول العابرُ |
لحظة يا أختُ قرآنكِ في آخر هذا المنحنى في مندلي |
اسألي عن مندلي |
فهو دكان القرائين الصغيرهْ |
ويغيب العابرُ... |
وجهه في الحُلْم لونٌ فاترُ... |
ثم أمضى في الكرى باحثةً عن مندلي |
حيث أبتاعُ بما أملك قرآنًا وأهديه حبيبي |
حينما يرحلُ عني في غدٍ وجه حبيبي |
وتغطيه المسافاتُ وأبعاد الدروبِ |
حيث أبتاع من الدكان قرآنًا صغيرًا لحبيبي |
ثم أهديه له عند الوداعْ |
ليخبّي ضوءه في صدره بُرْعَم طيبِ |
وليؤويه إليه حرز حبي |
وعصافيري المشوقاتِ |
وتلويح ذراعي |
واختلاجاتِ شراعي |
** |
سرتُ في حلميَ في السوق قريرهْ |
أسرتْ روحي السجاجيدُ الوثيرهْ |
وأواني عطرِ ماء الورد والكعبةُ صورهْ |
نعستْ ألوانها في حضن حانوتٍ |
وفي حلمي مضيتُ |
في دمي شوقٌ لدكان القرائين الصغيرهْ |
وحلمتُ |
وحلمتُ |
بقرائينَ كثيراتٍ وأختارُ أنا منها وأهدي لحبيبي |
في صباح الغد قرآنًا ويؤويه حبيبي |
صدرَهُ تعويذةً تدرأ عنه الليلَ والسَّعْلاة في أسْفَارِهِ |
تزرع اسم الله في رحلته تسقيه من أسرارِه |
** |
كان كلّ الناس لي يبتسمون |
وعلى لهفة أشواق سؤالي ينحنونْ |
زرعوا حلمي ورودا |
وسّعوا السوقَ زوايا وحدودا |
كلهم كانوا يشيرون إلى بعض مكانٍ غامض إذ يعبرونْ |
يهمسون: |
اسألي عن مندلي |
ابحثي عن مندلي |
دكّة في آخر السوق وتُلْفين القرائين الصغيرهْ |
أطعموا قلبيَ من نكهة كُتْبٍ عنبريّاتِ كثيرهْ |
بينها ألقى عصافيري القرائين الصغيرهْ |
حيث أختارُ وأهدي لحبيبي |
واحدًا يحميه من ليل الدروبِ |
ووشايات المغيبِ |
واحدًا يحمله في الطائرهْ |
باقةً من زنبق الله وسُحْبًا ماطرهْ |
** |
سرتُ طول الليل في حلمي ولكن أين ألقى مندلي? |
شَعَّب السوق حناياه |
ترامَى |
وتَمدّدْ |
صار عشرين دوربًا وزوايا |
وفروعًا وخبايا |
وتعدّدْ |
وتعدّدْ |
حيرتي أبصرتها طالعة من قعر آلاف المرايا |
قذفتني الامتداداتُ ومصتني الحنايا |
وأنا أشرب كوبًا فارغًا والسوق مُجْهَدْ |
تحت خطوي ودمي يلهث شوقًا |
وأنا أعطش في أرض الرؤى أذرعها غربًا وشرقًا |
لستُ أُسْقى لست أُسْقَى |
ضاع مني مندلي |
ضاعَ لا القرآنُ لا الأشذاء لي |
ما الذي بعد عطوري وقرائيني تَبَقَّى |
** |
مرَّ بي في سوق حلمي ألفُ عابرْ |
كلهم قالوا: وراء المنحنى التاسع يحيا مندلي |
حيث قرآني وعطري المتناثر |
حيث أَلْقَى مندلي |
مندلي يا أنهرا من عَسَلِ |
يا ندًى منتثرًا فوق بيادرْ |
يا شظايا قمر مغتسلِ |
في دموعي |
يا أزاهيرُ من الياقوت نامت في غدائرْ |
يا هتافاتِ أذان الفجر من فوق منائر |
مندلي يا مندلي |
اسمه فوق الشفاهْ |
فلّة غامضة اللون |
وشمعٌ |
وتراتيلُ صلاهْ |
وزروع ومياهْ |
وأنا مأخوذة الأشواق أدعوه ولكن لا أراهْ |
وأنا من دون قرآن حبيبي |
ومع الفجر سيرحَلْ |
في انبلاج الغَسَق القاني حبيبي |
وشفاهي صلواتٌ تترسَّل |
وعناقيد دموع تتهدّلْ |
انبثق يا عطش السوق انبثق يا مندلي |
يا قرائين حبيبي |
يا ارتعاش السنبلِ |
في حقول الحلم من ليلى العصيبِ |
** |
أين مني مندلي? والبائع المصروع من عطر القرائينْ? |
ذاهلاً مستغرقًا في حُلُمِ? |
ضائعًا هيمان مأخوذًا بأفق مبهمِ |
يتشاجى وجدُهُ سُكْرٌ وتلوينْ |
صاعدًا من ولهٍ في عالم من عنبر مضطرمِ |
تائهًا من شوقه عَبْرَ بساتينْ |
عطشات النخل والقرآن في تمُّوزها أمطار تشرينْ |
مندلي يا ظمأى يا جرح سكّينْ |
في خدود وشرايينْ |
** |
وطريقي نحو دكان القرائين الصغيرهْ |
فيه أوراد لها عطر عجيبُ |
كل من ذاق شذاها تائهٌ |
منسرق الروح |
شريدٌ |
لا يؤوبُ |
مندلي يا حقل نسرينْ |
ذقتُ أسرارَكَ واستبعدتُ كوبي |
لم أعد أعرف فجري من غروبي |
وتواجدْتُ وضيّعتُ دروبي |
وتشوقت لقرآنٍ على رفّكَ غافٍ |
أشتريه لحبيبي |
** |
وسمعتُ العابرينْ |
يصفون المخزن المنشود: تسري فيه أصداءْ |
وتلاوين وموسيقى وأضواءْ |
تصرع السامع صرعًا باختلاجاتِ حنينْ |
وشموعٍ ودوالي ياسمينْ |
آه لو أني وصلتُ |
آه حتى لو تمزقْتُ |
تبعثرتُ |
اكتويتْ |
لو تذوقتُ العطورَ السارباتِ |
حول دكان القرائين الصغيرهْ |
آه لو أمسكتُ في كفّي قرآنًا |
كدوريّ حنون القَسَماتِ |
واحد من ألف قرآن حواليه ضبابٌ |
وشذى وردٍ |
وموسيقى مثيرهْ |
ليس يقوَى قَطُّ إنسانٌ بأن يصغي إليها |
يسقط الصاحي صريعًا غير واعٍ ضائعًا في شاطئيها |
آه لو أني أطبقتُ عليه شفتَيّا |
هو قرآنُ حبيبي |
آه لو لامستُ رياهُ بأطراف يديّا |
هو وِرْدى وامتلائي ونضوبي |
والنشيد المحرق المخبوء في قعر دمي في مقلتيّا |
** |
وانتهى السوقُ وفي حلمي يَئستُ |
وعلى دكّة آمالي الطعينات جلستُ |
وانتحبتُ |
لم يَعُدْ في السوق من ركن قصيِّ |
لم أقلّبْهُ... وتاهتْ مندلي... |
غرقَتْ في عمق بحر من ضبابٍ سندسيِّ |
واختفت في ظل غابات سكونٍ أبديِّ |
لم يدع يأسيَ حتى سحبة القوس على الأوتار لي |
ضاع حتى الظلّ مني وتبقّتْ لي روًى من طَللِ |
أين أبوابكِ يا ترتيلتي |
يا مندلي |
يا عطور الهَيْل والقرآنِ يا وجه نبيِّ |
يا شراعًا أبيضًا تحت مساء عنبيِّ |
** |
وإذن ماذا سأهدي لحبيبي |
في غد حينَ يسافر? |
فرغتْ كفّي من القرآنِ غاضتْ في صَحَارايَ المعاصِر |
وخوى خدّايَ إلاّ من غلالات شحوبي |
وحبيبي سيغادرْ |
دون قرآنٍ هديّه... |
غضة تلمس خدّيهِ كما يلمس عصفورٌ مُهَاجرْ |
جبهة الأفق برشّات غناءٍ عسليّهْ |
وحبيبي سيسافر |
خاوى الكف من القرآن من عطر البيادرْ |
وحكايات المنائر |
وأنا أبقى شجيه |
كظهيرات من الحزن عرايا غيهبيّهْ |
ضاع قرآني وضاعت مندلي |
واختفى وجهُ حبيبي |
خلف غيم مُسْدَلِ |
وامتدادات سهوبٍ وسهوبِ |
فوداعًا يا قرائيني وداعًا مندلي |
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي |
وإلى أن نتلاقى يا حبيبي |