إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
أبصرتُ في أحد المتاحف مرّةً |
منحوتةً من أوَّلِ العصرِ الوسيط |
أظنُّ بابَ كنيسةٍ أو مذبحاً |
عرشٌ عليهِ بردةٌ مطويَّةٌ وعمامةٌ أو تاج غار.. |
والعرش خالٍ يسأل الايام عن أربابه |
وقد استعاضَ عن المليكِ بتاجه وثيابه |
والعرش فوق غزالتين كأنما دبّت حياة فيهما |
وجهاهما دفءٌ يشي بالشمسِ من قبل النهار.. |
وبدا على ساقيهما قيدانِ قد جعلاهما |
أحلى وأكرم مثل أهلي في الحصار.. |
إحداهما نظرت إلى العرش الخليّ |
وأختها نظرت إلى جهة السما.. |
وكأنّ غيما ما سيمطر للأنام خليفةً ومعلما.. |
وسمعت في الشرح المصاحب أنّها |
من أندر القطع التي يبدو بها عيسى المسيح ممثّلا بغيابه |
فرأيت تمثالا رخاميّا لفكرة الانتظار.. |
ورأيت أن العرش أجمل وهو خالٍ |
أو هو العرش الذي فيه ملوك من خيالٍ |
حيث أنّ خيالنا خيرٌ من التاريخ |
ماضيه وحاضره ومن مستقبلٍ طفلٍ |
يحاولُ أن يخطَّ شوارباً ويزيد طولا |
كي يناسبّه وشاحٌ صيغ من أحلامنا |
فأعانَكَ الرحمن يا طفلا برحم الغيب |
من قبل الولادة بالمطالبِ أثقلوكْ.. |
أنا مادح العرش الخلي من الملوكْ.. |
*** |
صعبٌ على الشعراء مدح الصبر في بلدي |
فأهلي صابرون على الزمان كأمِّه.. |
لكنّني وأنا أقل الناس صبرا |
سوف أمدحه وأمدحُ الانتظارَ على مرارة طعمِهِ.. |
فمرارةُ الصبر التي هي مضربُ الأمثال |
مرجعُها إلى أنّ انتظار المرءِ يجعل عمره صوما |
فيطلب أن يعوضه الزمان بجنَّةٍ عن صومِهِ.. |
والدهر ليس جنائنيا |
لا ولا غرس النوى من علمِهِ.. |
من كان ذا حلمٍ وطال به المدى فليحمِهِ.. |
وليحمِ أيضا نفسه من حلمِهِ.. |
فالحلم يكبرُ أشهرا في يومِهِ.. |
ويزيدُ دينَ الدهر حتى يستحيلْ.. |
فإذا استحالَ ترى ابنَ آدم راضياً |
من أيِّ شيءٍ بالقليلْ.. |
لا تقبلوا بالقبح يا أهلي |
مكافأةً على الصبر الجميلْ.. |
فالصبر طول الدهر خير من خلاصٍ كاذب |
ما فيه من صفة الخلاص سوى اسمِهِ.. |
يا شعبي الشيخ الجليل |
هناك ما يدعوك دوما للتشكك في الذين يبشرونَكْ.. |
بنهاية السعي العظيم وأنهم عما مضى سيعوضونَكْ.. |
كم من دعيِّ سوف يزعم أن هذا عرشه |
ويقيم دولته علينا |
والبساط الأحمر الرسميُّ ممدود |
يزيّن جانبيه جيشهُ |
وترى احتفالات على التلفاز باسمك |
إنما ستقام دونَكْ.. |
هل كان أيُّ الناس منتظرا رجالا مثلهم |
من بعد أعوام وأعوام من الموت المقطر والعناد؟؟.. |
ألأجل أعراسِ الفنادق والتجارة |
ما أطلنا الموت فيها والجهاد؟؟.. |
ألأجل نافذة على قصر رئاسيٍّ |
يقام بملجأ في الطابق العشرين تحت الارض |
شردنا بأطراف البلاد؟؟ |
ألأجل هذا مثل فهد السيرك في ألعابه |
يا مهر ثورتنا المفدى قيدوك وأرسلوك؟؟.. |
ما أحسنَ العرشَ الخليِّ من الملوك.. |
*** |
وهناك ما يدعوك أيضا للتشكُّكِ في الذين يمجدونَكْ.. |
ويمجدون الشعبَ شعبَ الله |
فاسدُد عنهم الآذانّ ثم افتح عيونَكْ.. |
وانظر لتعلمَ من حريٌّ أن يصونَ ومن حريٌّ أن يخونَكْ.. |
أنا لن أؤلِّهَ شعبي الشيخ الجليل |
لأنّه في أكثر الأحيان عادي |
ككلّ شعوب هذه الأرض |
بل هو حين يقتل بعضه بعضا |
يورّطني فلا أدري لعمري |
كيف أشرح ما أرى من حسنِهِ للآخرين.. |
أنا لن أؤلههم كذلك حيث أني لست شخصا مفردا عنهم |
ولكن واحدٌ منهم |
وتأليه الرجال نفوسهم أمر حزين.. |
لكنّني أدري بأن الناس قد صبروا |
وأن السمر تحت القصر ما زالت تفكر في الزواج وفي البنين.. |
أدري بأن القوم ينتظرون نصرا ما سيأتيهم |
وأدري أنّه فيهم |
وإن كانت أسافلهم عليهم حاكمين.. |
أدري بأنا سوف نغلِب |
رغم أنا اليوم اضعف من حصون سورها من ياسمين.. |
لكنّني أنا لن أقول بأننا أعلى وأفضل من شعوب العالمين.. |
سيقال إنا خيرُ أهلِ الأرض |
نعلو فوق إخوتنا |
نقول لهم قديما خنتمونا |
ما لكم عتب علينا |
هل نخون القوم نحن الآن حتى ما نعاقبهم |
ونفرح أننا والحمد لله استوينا |
حيث أصبحنا جميعا خائنين؟؟.. |
ويقول قائلهم بأنّ الناس قد سئموا المجاعةَ والدمار.. |
ويقول قائلهم قد اشتقنا لنصر ما |
فسمّينا الهزيمةَ الانتصار.. |
ويطمئنون النسر في أعلى السماء بأنهم منحوه ترقية |
وبدءا من غد |
أضحى عليه أن يداوم كل يوم في الوثيقة والشعار.. |
يا أيها الملك الذي قد مجدوك |
ليعزلوك ويقتلوكْ.. |
أنت الجميل |
ولست محتاجا إلى صلواتهم ليجملوكْ.. |
يا أيّها الأملُ الحقيقيُّ الذي تركوك مصلوبا بقارعة الطريق |
ومرَّ عنك الناس لم يتأملوكْ.. |
يا أيّها الطفل الذي من بيت لحم |
لا تظنّ بأنّهم يبغون عودتك الجليلة ها هنا |
والله لو علموا بأنك قادمٌ حقاً |
لخاضوا ألف حرب مُرَّةٍ ليؤجلوكْ.. |
حتى إذا ما جئت تسألهم عن العرش |
الذي قد كان عرشك يا كريم الوجه |
فاعلم أن جُلَّ القوم لن يتحملوكْ.. |
ولك الصلاة عليك تترا والسلام |
وعناية الرحمن ما نادى الحمام على الحمام |
يا صاحب العرش الخلي من الملوكْ.. |