إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
أرفعُ الآنَ رأسي قليلاً من الحبّ |
ماذا أرى ....؟ |
صوتُها يتسلّلُ مُرتعشاً |
في عُروقِ المطاراتِ |
يلهثُ مثلَ خُطايَ .. |
ممرّاتُ هذا الرحيلِ طِوالٌ |
وصبري قليلْ. |
مرّ يومٌ |
وليلُ الغريبِ غريبٌ |
على مقعدِ الطائرةْ. |
خِلتُ هذا النّفيرَ القيامةَ .. |
من أينَ جاؤوا؟ |
إلى أينَ يتّجهونَ؟ |
وكيفَ أنامُ على غيمةٍ |
كُنتُ أحلمُ ألا أكونَ وحيداً بها ..؟ |
كيف غطَّ الجميعُ بسابِعِ نومتِهِمْ، |
وأنا أتعثّرُ في أوّلِ الصّحوِ؟ |
هل كان صحواً من الحُبِّ، |
أم غيبةً في السّهادْ؟ |
أرفعُ الآن رأسي من الحُبّ |
يا أيّها الشوقُ لا تختبِرني .. |
وكُن لي كما كُنتُ دوماً معكْ. |
ليلةٌ في السماءِ |
وثانيةٌ تطرقُ الآنَ بابي .. |
تُلوّنُ شُرفةَ هذا المكانِ |
بأخضرِها المُتطرّفِ حدّ السّواد. |
*** |
أصبحَ المُلكُ للّهِ |
طقسٌ تعذّرَ فيهِ صباحُكِ |
لا شيءَ ممّا تعوّدتُ |
يطرُدُ عنّي النّعاسَ |
ويُلهِبُ فِيّ الحماسَ |
ليومٍ جديدٍ. |
ولا شيءَ مثلُ: |
صباحُ الطّيورِ |
صباحُ النّخيلِ |
صباحُ المحبّةِ |
لا شيءَ يُشبِهُ تلك الصباحاتِ |
لا شيءَ يُشبِهُني في البلادِ الغريبةِ |
لا شيءَ منكِ |
ولا شيءَ مِنّي .. |
*** |
سنذهبُ بعد قليلٍ إلى البحرِ |
سائقُنا يتأهّبُ |
والأهلُ ينتظرونَ الإشارةَ |
قال هلُمّوا .. فقمنا .. |
ركِبنا |
وساق بِنا في الطريقِ الطويلِ.. وصلنا |
تحرّكَ قاربُنا .. وتبسّمَ كُلٌّ على قدْرِ فرحتِهِ |
ثُمّ عُدنا .. |
*** |
ليلةٌ ثالثة |
هاهي الشّرفةُ المُشرئبّةُ في غابةِ الصّمتِ |
تنتظِرُ الشّعرَ |
تُرخي جديلتَها، |
كي أُمرجِحَ بعضَ الحُروفِ العصيّةِ |
ترفعُ عن مُقلتَيّ الحِجابَ |
وترفعُني قاب قوسٍ من الحُبِّ |
ماذا أرى ..؟ |
إنّكِ الآنَ تنسلخينَ من الليلِ عاريةً |
كصِغارِ الفراشاتِ، |
رِجلاكِ لا تحمِلانِكِ |
عيناكِ مُغمَضَتانِ عليَّ |
وقلبي عليكِ |
أراكِ تغُصّينَ بالبُعدِ مِثلي .. |
وتأتنِسينَ بِبعضِ النّثارِ من الذّكرياتْ. |
*** |
أصبحَ المُلكُ للّهِ |
ها أنا ذا أترُكُ الآنَ غُرفتيَ البارِدةْ. |
بعدَ نومٍ تسرّبَ منهُ الكلامُ الجميلُ |
فصارَ بلا نكهةٍ .. |
ها أنا أُغلِقُ البابَ خلفي |
وأمضي .. |
هُنالِكَ في مطعمِ الغُرباءِ |
جلستُ وحيداً، |
أكلتُ كما يأكُلُ الناسُ |
ثُمّ خرجتُ بِجوعي .. |
*** |
ليلةٌ رابعة |
مُنهكينَ كعادتِنا بعد ظُهرٍ طويلٍ |
من السّيرِ فوقَ الجبالِ |
وتحت الجبالِ التي تمخُرُ الأُفقَ |
يجتاحُنا الغيمُ، ثُمّ يذوبُ كأنْ لم يكُن قطُّ شيئاً .. |
القُرودُ البذيئةُ، تملأُ أشجارَ هذا المكانِ الوديعْ. |
القُرودُ البذيئةُ، تعرِفُ، أنّ الضُّيوفَ سينبهرونَ |
بتلكَ البذاءاتِ، إلاّ أنا .. |
*** |
شُرفتي تنتظِرْ |
والسماءُ التي تتلثّمُ بالغيمِ |
تكشِفُ عن حُسنِها .. |
النجومُ البعيداتُ ترقُصُ |
والغابةُ المُستكينةُ للصمتِ، تهتَزُّ |
تُرسِلُ أغصانَها في الهواءِ |
وتحني الرّؤوسَ قليلاً، |
كما تفعلُ الفارِسيّاتُ في حفلةِ العُرسِ |
ماذا أرى ..؟ |
جوقةٌ من طيورِ المساءِ |
على غيرِ عادتها لا تنامْ. |
تُوشوِشُ عقرَبَ مُنتَصَفِ الليلِ |
ألاّ يُغادِرَ موضِعَهُ .. |
من تُراهُ الذي أوهَمَ الكونَ |
أنّكِ سوفَ تزورينني في المساءْ؟ |
*** |
لا كلامَ إذا حضرَ الشّعرُ |
يا أيّها الطّيرُ نمْ |
أنت من هذه الغابةِ الأعجميّةِ |
صوتُكَ ليسَ يروقُ لِمثلي .. |
أنا لستُ أفهَمُ لغوَ الطّيورِ بِغيرِ بلادي، |
وعُصفورتي العربيّةُ |
تشتاقُ مثلي إلى قفصِ الياسمينْ. |
أنت حُرٌّ بهذا الفضاءِ الفسيحِ، |
وحُرّيتي في فضائكِ، |
هذا الحنينْ. |
*** |
أصبحَ المُلكُ للّهِ |
بحرُكِ يا صقرُ مرْمرَ ظهرُ الرّواحِلِ |
دربُ الفراديسِ |
عُرسُ الّلقاءاتِ |
نارُ المشوقينَ |
قهقهةُ الغافلينَ |
ودمعُ الغريبْ. |
بحرُكِ يا صقرُ مرْمرَ كُلُّ المسرّاتِ |
كُلُّ النّحيبْ. |
من هُنا يعبُرُ الجُرحُ أندى |
وصوتُ المُنادي إلى القلبِ أهدى |
وأجدى الأمورِ بهذا التداخُلِ، |
ألا تُعلِّمَ نفسَكَ ما هو أجدى .. |
*** |
أنا الآن في مسقطِ الماءِ |
لا شيءَ غيرُ المياهِ تمُرُّ عليَّ |
بِأسرارِها في الصّخورِ، |
وليسَ سوايَ يُحدّثُهُ الماءُ |
في هذه اللحظةِ المُشتهاةِ |
عن الحُبّ وجهاً لوجهٍ .. |
يقولُ الكثيرَ، |
وأسمعُ أكثرَ ممّا يقولْ. |
أقولُ الكثيرَ، |
ويترُكُني أتحدّثُ عنكِ ويمضي .. |
أقولُ وأُنصِتُ |
وهو يقولُ ويمضي .. |
تُطِلُّ السماءُ عليّ بِكُلّ حياءٍ بزُرقتِها |
كُلّما هبّت الرّيحُ |
واستحدثَتْ فُرجةً بعدَ أُخرى |
بهذا الخضارِ الكثيفِ، |
وتُغضي، إذا نامت الرّيحُ |
والْتَمَّ شملُ الشّجرْ. |
رُويدكِ أيّتُها الرّيحُ، |
لا تهدئي .. |
إنّ مجنونتي لا تُحِبُّ السّكونَ |
وروحيَ مجنونةٌ لا تُحِبُّ السّكونْ. |
تسألُ الرّيحُ: |
مجنونتي من تكونُ |
وأسألُها، قبلَ أن أتأبّطَ زُوّادتي: |
بل أنا من أكونْ؟ |
*** |
ليلةٌ خامسة |
ليس ثَمَّ جديدٌ يُقالُ، |
سِوى ما أُواريهِ خلفَ ضلوعي |
وما أشتهي أن أبوحَ بهِ .. |
كُلّما تمتمَ الطّفلُ في داخِلي، |
خِفتُ أنْ يستفيضَ .. فأُخرِسُهُ .. |
لمْ يحِنْ بعدُ وقتُ الصّغارِ |
لِكي يُفصِحوا .. |
فالكِبارُ كعادتِهِمْ، |
يبدؤونَ الكلامَ ولا ينتهونْ. |
كُلّما قُلتُ: صَهْ |
للصغير الذي يتوارى بقلبي، |
كي يستمِرّ الكبارُ بِلَغوِ الحديثِ .. احترَقْتُ .. |
إلامَ سأزدَرِدِ الأبجديّةَ |
في حضْرةِ الرّاشِدينَ، |
وأعلمُ أن الصّغارَ |
بهذي القُلوبِ الشّفيفةِ |
لا يكبُرونْ ..؟ |
ليس ثَمّ جديدٌ يُقالُ، |
سِوى أنني لن أقولْ. |
ليس ثَمّ جديدٌ، |
سوى أن شمسَكِ بازِغةٌ |
رغمَ هذا الأُفولْ. |
أما قُلتِ: أنّا سنبقى صِغاراً .. |
وقُلتُ: أجلْ سوف نبقى صِغاراً .. |
إذنْ |
ليس ثَمّ جديدٌ يُقالُ، |
وليس لنا أنْ نقولْ. |
*** |
أصبحَ المُلْكُ للّهِ |
جودي عليّ بشيءٍ من الحُبِّ .. |
علّ العُروقَ تفيضُ |
بنورِ البِشاراتِ، |
أورِدتي لا تُطيقُ احتِباسَ السّماءِ |
ليومينِ .. |
فلتُرسِلي بعضَ مائِكِ، |
ذاك الذي أحتسيهِ على الرّيقِ |
كُلّ صباحٍ، |
وقولي: أُحِبّكَ .. |
هل جفَّ نبعُكِ! |
أم أنّ هذي الجبالَ |
تصُدُّ الرّياحَ الّلواقِحَ عنّي ..؟ |
*** |
أُغالِبُ ظنّي |
وأُبعِدُ عنكِ قليلاً |
لأُدنيكِ مِنّي .. |
وأرفعُ رأسي من الحُبِّ |
علّي أراكِ إزائِيَ ترتفِعينَ |
لِنُشعِلَ خارِجَ هذا الهُيامِ هُياما |
ونبعثَ في صمتِنا، |
من هشيمِ الكلامِ كلاما .. |
أنا العُشبُ، |
يصفرُّ |
كيْ يستفِزَّ كوامِنَ جذوتِهِ |
في ربيعِكِ |
فلتهنئي يا خُزامى .. |
أنا العُشبُ، |
تكفيهِ زخّةُ حُبٍّ ليخْضَرَّ |
تكفيهِ نسمةُ صيفٍ لِيصْفَرَّ |
يكفيهِ مِنْكِ القليلْ. |
*** |
أنا العُشبُ، |
لا تنتهي دورةُ العُشبِ |
يحيى، ليحيى |
يموتُ، ليحيى |
أنا المُستحيلْ. |
*** |
أُخفِضُ الآنَ رأسي قليلاً .. |
اُفتّشُ في سلّةِ العُمرِ |
ماذا أرى ..؟ |
قصائدَ تلكَ الليالي الطّوالَ، |
روائعَ فيروزَ، |
وقْعَ الدّموعِ على ورقِ الذّكرياتِ، |
صدى الضّحِكاتِ، |
الجُنونَ، |
ارتِعاشاتِها في اللقاءِ المُفاجىءِ، |
قهوتَها السُّكّرِيةَ، |
وقفتَها خلفَ بابي بلا موعِدٍ ..، |
صوتَها .. افتَحِ الباب ..، |
فرحتَنا باكتِمالِ القَمَرْ. |
سلّةُ العُمرِ، |
عمرٌ من السّردِ لا يُختَصَرْ. |
*** |
نمسحُ الأرضَ في ساعتينِ |
ونسكُنُ بيتاً من الغيمِ |
نشربُ فيهِ مع النّجمِ شايَ المساءْ. |
ونهبِطُ دونَ عناءٍ |
إلى كهفِنا المخملِيِّ |
على شعرةٍ من جديلةِ شمسِ الشّتاءْ. |
أُخرجُ الآنَ رأسِيَ من سلّةِ العُمرِ، |
ماذا أرى ..؟ |
كُلُّ شيءٍ يُرَدّدُ: |
أجملُ ما في النّساءِ الرّجالُ |
وأجملُ ما في الرّجالِ النّساءْ. |
*** |
ليلةٌ سادسةْ |
حَضّري الشايَ ياابْنةَ عَمّي .. |
وصبّيهِ حتى أفيض كلاماً |
على الغابةِ الصّامِتةْ. |
حضّريهِ |
فطعمُ الوداعِ مع الشّايِ |
لونٌ من الوَلَهِ المُتعاظِمِ، |
يحلو |
إذا ما تآخى على البَوحِ مُرّانِ |
واستَرشِدي بالشّفيفِ من الحُزنِ |
قبلَ الشُّروعِ بِصُنعِ المَرارِ |
لكيلا يُداخِلَ طقسَ المساءِ غريبٌ .. |
سلامٌ على الكائناتِ الوديعةِ |
والشّجرِ المُتسابِقِ نحوَ السّماءْ. |
سلامٌ على صقرِ مَرْمَرَ |
قبلَ الّلقاءِ وبعدَ الّلقاءْ. |
سلامٌ على أهلِها الأوفِياءْ. |
حضِّري الشايَ |
ثُمَّ تَباكَيْ قليلاً .. |
إذا عزّ في مُقلتيكِ البُكاءْ. |
ها هو الليلُ يخلعُ مِعطَفهُ المأتَمِيَّ |
على رِسلِهِ .. للوداعِ |
فصُبّي لنا |
ما تبقّى من الشايِ |
حتى نُبَعثِرَ في غابةِ الصّمتِ |
بعضَ التّعاويذِ |
أو ما تبقّى بأفواهِنا |
من كلامْ. |
*** |
أصبحَ المُلْكُ للّهْ |
رِحلةٌ بعد أُخرى |
متى يبلُغُ الطّيرُ غايتهُ ..! |
كُلّما حلَّ غُصْناً، |
وذابَ بِهِ |
دُقَّ ناقوسُ هِجرتِهِ .. |
الحقائِبُ مُنْهكةٌ، |
الجوازاتُ تمقُتُ فركَ الأصابِعِ، |
والجيبُ مُمْتلىءٌ بالقُصاصاتِ ..، |
أحذيةُ السّائحينَ بِكُلّ المطاراتِ، |
تجتاحُ رأسَكَ حينَ تنامْ. |
إلامَ نُبَعثِرُ أعمارَنا |
كالمجانينِ |
نبحثُ عن فُسحةٍ للهُدوءِ |
بهذا الزّحامْ؟! |
إلامَ نُودّعُ أحبابَنا |
ضاحِكينَ .. |
على عَتَباتِ الغِيابِ |
ونبكي ..؟! |
إلامَ نُزاحِمُ كُلَّ العِبادِ بأوطانِهِمْ |
ثُمّ نلعَنُهُمْ ..؟! |
رِحلةٌ بعدَ أُخرى، |
وما جَفَّ ماءُ الجِباهِ |
لِيَنضَحَ ثانِيةً .. |
دورةٌ في الفراغِ |
ودائرةٌ لا تُحَلُّ .. |
*** |
تحتَ بُرجينِ |
يتّخِذانِ من الغيمِ كوفِيّةً، |
أتَرجّلُ في حذرٍ .. |
حاسِرَ الرّأسِ |
كي لا تفوحَ البداوةُ |
في طُرُقاتِ المدينةِ، |
أو تقتفي أثري في الظّلامِ |
كِلابُ المساءْ. |
تحتَ بُرجينِ |
تبدو العِماراتُ تحتَهُما كالذُّبابِ .. |
رأيتُ نخيلَ بلادي، |
عمائِمَ خُضراً |
تُطَوِّقُ هاماتِ أهلِ السّماءْ. |
تحتَ بُرجينِ |
تنبعِثُ العربِيّةُ بُرجَ كلامٍ، |
توشَّحَ بالشّمسِ |
ليس تُرى في الفضاءِ نِهاياتُهُ .. |
وترى تحتهُ حبّتينِ من الرّمْلِ |
يُحكى بِأنّهُما |
كانتا قبلَ حينٍ من الوقتِ، |
أطوَلَ بُرجينِ |
تبدو الأساطيرُ تحتهُما كالذُّبابْ. |
*** |
أصبحَ المُلْكُ للّهْ |
صالةُ المندرينِ |
رُكامٌ من الصّمتِ |
خلّفهُ الصّخَبُ الأنثوِيُّ |
وقهقهةُ الوقحينَ الدّميمةُ |
ليلةَ أمسْ. |
أبحثُ الآنَ عن مقعدٍ |
طيّبِ الذِّكْرِ فيها .. |
بِرُكنٍ يليقُ بِأُبّهةِ الشِّعرِ |
تبدو عليهِ سِماتُ الوقارِ |
ورُوّادُهُ صفوةُ الخلقِ |
أبحثُ .. |
لا شيءَ يُنبىءُ أنّي سأقترِفُ الشّعرَ |
هذا الصّباحْ. |
المقاعِدُ ذابِلةٌ |
تتثاءبُ |
والطاوِلاتُ مُلبّدةٌ بالنُّعاسِ. |
ولم تبقَ بارِقةٌ ها هُنا |
تستفِزُّ الكلامَ المُباحَ |
وغيرَ المُباحْ. |
أحتسي القهوةَ الأعجمِيةَ |
في أيِّ رُكنٍ إذنْ .. |
دون شَرْطٍ |
على ذوقِ نادِلةِ المندرينِ |
لكيلا أكونَ ثقيلاً على قلبِها |
ثُمّ أمضي خفيفاً |
بأوراقِيَ البيضِ |
أملأُ رأسي بِلغوِ الجرائدِ |
كالناسِ |
ثُمّ أنامْ. |
*** |
ليلةٌ ثانيةْ |
صالةُ المندرينِ |
كعادتِها في الليالي المطيرةِ |
مُفْعمةٌ بالنشاطِ |
وعامِرةٌ بالخفافيشِ |
تبدو مقاعِدُها المخملِيّةُ |
والطاوِلاتُ الرّخامُ |
بِكامِلِ جذوتِها .. |
فهي في الليلِ تصحو بأوّلِ نفخةِ بوقٍ |
وتغفو إذا ما تَلَفّظَ عازِفُهُ |
عندما تُشرقُ الشّمسُ |
آخِرَ أنفاسِهِ .. |
إنّها صالةُ المندرينْ. |
*** |
أصبحَ المُلكُ للّهْ |
النّدى في زُجاجُ النّوافِذِ |
ما عاد يأخُذُني لبعيدٍ .. |
وما عاد يُربِكُني |
حينَ تشربُهُ الشّمسُ |
أو يتهاوى على الرّملِ |
شيئاً فشيئاً .. |
النّدى وزُجاجُ النّوافِذِ |
ليس سوى رُقعٍ من زُجاجٍ |
بهذا الجِدارِ |
مُبَلّلةٍ بالنّدى .. |
ظاهرُ الأمرِ أولى بهذا المقامِ |
وكمْ سأغوصُ لأبلُغَ سِرّكِ في كُلِّ شيءٍ ..؟ |
سأجعلُ كُلَّ الأمورِ تمُرُّ |
سأجعلُ قلبي يمُرُّ عليها مُرورَ الكِرامِ |
ولن أتساءَلَ قَطُّ: |
لماذا؟ |
وكيفَ؟ |
وكمْ؟ |
ولن أجعلَ العَقْلَ فيكِ |
إذا ما استحالَ الجوابُ عليَّ |
الحَكَمْ. |
يُخطىءُ العقلُ في حُكمِهِ |
عندما تتعاظَمُ أسئِلةُ القلبِ .. |
والقلبُ بوصلةُ المُستريبِ |
وإن صدَقَ العقلُ فيما حَكَمْ. |
آيتي في هواكِ إذا ما رَحَلتُ، |
حُضورُكِ في كُلِّ شيءٍ أراهُ |
وغوصي بِما لا أراهُ .. |
آيتي |
أنني لا أعيشُ العَدَمْ. |
*** |
ليلةٌ ثالثةْ |
النّوى |
والنّوايا البريئةُ في خاطِري |
والنّواميسُ في أوّلِ الليلِ، |
تورِقُ بالشوقِ |
تُزهِرُ بالذّكرياتْ. |
أرتمي |
كالقتيلِ المُنعّمِ بالموتِ |
في مقعدٍ تتوالى عليهِ الوُجوهُ الصّديقةُ |
والبائسونَ من الدّولِ العربيّةِ |
وابنُ السبيلْ. |
ليس من قِلّةٍ في المقاهي |
تخيّرتُ هذا المكانَ |
ولا في النُّقودِ .. |
ولكنْ |
لكثرةِ ما فيهِ من عاشِقينَ |
تميلُ رؤوسُهُمُ صوبَ بعضٍ .. |
فمِلتُ |
كما كُلُّ هذي الرّؤوسُ تميلْ. |
أوّلُ الليلِ |
في هذه البلدِ المُستحِمّةِ |
بالمطَرِ الموسِمِيِّ وبالعِشقِ |
يبدأُ بعدَ الظّهيرةِ .. |
والشّمسُ لمّا تمِلْ بعدُ نحوَ الغُروبْ. |
عُذرُهُمْ في استِباقِ الظّلامِ |
انحِناءُ الرّبيعِ المُقيمِ بِخُضرتهِ حولهُمْ |
والسّماءُ الحَلوبْ. |
أشتهيكِ معي الآنَ جالِسةً |
تحتسينَ بقايا النّهارِ |
وقِسطاً من الليلِ |
نهوي على بعضِنا مثلَهُمْ |
كالشُّموعِ المُضاءةِ |
حتى نذوبْ. |
أشتهيكِ معي |
تركُضينَ على العُشبِ حافِيةً |
والسّماءُ ترُشُّ علينا خُلاصةَ نشوتِها |
ثُمّ نأوي إذا هبّتِ الرّيحُ |
مِثلَ الحمامِ |
إلى صَدرِ جذعٍ |
يقينا الهواءَ المُشاكِسَ |
حتى نَجِفّ .. |
ونعدو .. |
وَنبْتَلُّ |
ثُمّ نَجِفُّ .. ونعدو .. |
ونَبتَلُّ |
ثُمّ نَجِفُّ .. ونعدو .. |
*** |
أترُكُ الآنَ مقهى الأحِبّةِ للعاشِقينَ |
بِكُلِّ هُدوءٍ |
وأنسَلُّ مثلَ النّسيمِ |
كأنْ لمْ أكُنْ بينَهُمْ ساعتينِ |
كأنْ لمْ يكونوا معي في القصيدةِ |
أترُكُهُمْ يحتفونَ بِليلتِهِمْ. |
أستحِثُّ خُطايَ |
لأستقبِلَ الليلَ في صالة المندرينْ. |
ها هي الأجودِيّةُ بنتُ الأجاويدِ |
أو شيخةُ النّادِلاتِ .. مُنى |
تستَهِلُّ اللقاءَ بِأحلى التراحيبِ |
ثُمّ تقولُ: تَفَضّلْ .. |
مكانُكَ لمّا يزلْ بانتِظارِكَ مُنذُ خَرَجْتَ |
جَلَسْتُ |
ونِصفيَ يجثو بِمقهى الأحِبّةِ |
ما كُنتُ أعلمُ أنّ لذاكَ المكانِ حبائِلُهُ |
كيفَ أستقبِلُ الليلَ مُنتشِياً ها هُنا بالوُرودِ |
وقلبي الشّغوفُ بهمسِ المساءِ |
على غيرِ عادتِهِ |
بينَ بينْ! |
أرقُبُ الشّمسَ من خلفِ هذا الزّجاجِ |
تُدَلّي جدائِلَها الذّهبيّةَ فوقَ الجِبالِ |
وتَغمِزُ للقمَرِ المُتثاقِلِ |
أنْ جاءَ دورُكَ .. |
يا أيّها القمَرُ المُتثاقِلُ |
مُنذُ أتيتُ إلى هذه الأرضِ |
ضيّعتُ أيّاميَ القمريّةَ |
في سيحِنا القَمَرِيِّ هُناكَ .. |
فهلْ سوفَ تظهرُ مُكتمِلاً، |
أم ستودِعُ نِصفَكَ في شارِعٍ |
تتداعى إليهِ طُيورُ الجِنانِ |
وتأتي بقلبٍ كقلبي |
على قلقٍ |
بينَ بينْ؟ |
*** |
أصبح المُلكُ للّهِ |
هل لي بشيءٍ من القهوةِ العربيّةِ؟ |
ليس هنا قهوةٌ غير تلكَ التي تحتسيها لدينا صباحَ مساءْ. |
لكنني عربيُّ الهوى والمِزاجِ |
فهل سأصومُ على غُربتي |
ما تبقّى من الوقتِ حتى أعودْ؟ |
لستُ أدري .. فذلك شأنُكَ يا سيّدي. |
لن أُطيلَ عليكِ |
فبوصلتي اليومَ واقِفةٌ |
لا تحيدُ عن النّخلِ |
إن كان لا بُدّ ممّا يُراقُ |
على ظمأِ الصُّبحِ |
صُبّي لضيفِكِ ما تشتهينْ. |
سأشربُ هذا الصّباحَ وأمري للّهِ |
حسبَ مِزاجِكِ .. |
لا تغضبي |
ما قصدتُ الإهانةَ يا عبقَ النّادِلاتِ |
فمُنذُ وُلِدنا ونحنُ نعيشُ |
على رغْبةِ الآخرين. |
ما تغيّرَ في الأمرِ شيءٌ على الكونِ |
ولتغفِري زلّتي يا مُضيفةُ |
إن كُنتُ بالغْتُ في نزقي حبّتينْ. |
سوفَ أكسِرُ بوصلتي |
وأصومُ على غُربتي ما حييتُ |
وأقلِبُ صفحتِيَ العربيّةَ |
من أجلِ كُلِّ العُيونِ |
فصُبّي لضيفِكِ ما تشتهينْ. |
*** |
ليلةٌ رابِعةْ |
مُطفأٌ |
كالسِّراجِ الذي نامَ أصحابُهُ .. |
وهو صاحٍ |
ولكنّهُ مُطفأٌ |
لا فراشةَ تهفو إليهِ |
ولا تتسلّلُ نحو فتيلتِهِ |
قبل أن تسلُبَ الشمسُ حِكمتَهُ في الصباحِ |
أنامِلُ سيّدةٍ تتهجّى كتابَ الصباباتِ |
حينَ يلوحُ الظّلامْ. |
مُطفأٌ |
ليس يُطفِؤهُ أحدٌ |
إنّما مُطفأٌ |
ليس يوقِظُهُ أحدٌ |
إنّهُ لا ينامْ. |
نامَ أصحابُهُ |
فاستقَرّ على سُدّةِ الصّمتِ |
مُحترِقاً بانطِفاءاتِهِ .. |
ليس يقوى عليهِ الكلامْ. |
سارِحٌ |
تحتسيهِ الدّقائقُ |
تِلوَ الدقائقِ |
مُنتبِهٌ |
يحتسي الكونَ |
عارٍ |
كجِذعِ الخريفِ من الأصدقاءِ |
ومُحتشِدٌ بِغِيابِ الأحِبّةِ .. |
مُقتَرِفٌ للبِداياتِ |
مُنجرِفٌ بالنّهاياتِ |
مُعتَرِفٌ بالخطايا |
ولكنّهُ .. مُطفأٌ .. |
*** |
أصبحَ المُلكُ للّهْ |
غيمةٌ بعد أخرى |
تُبلّلُ أيامَكِ اليانِعاتِ بِقلبي .. |
غيمةٌ تسْتحِثُّ خُطايَ إليكِ |
وأُخرى تجُرُّكِ نحوي |
وثالِثةٌ تتشكّلُ في غفلةِ الرّيحِ |
كوخاً صغيراً |
لِطِفلينِ لا يكبَرانْ. |
تفيقُ الأساطيرُ والمُعجِزاتُ |
على بابِهِ |
وينامُ الزّمانْ. |
غيمةٌ بعد أُخرى |
بهذي الجِنانِ |
وتحتَ السّماءِ بِشِبرٍ |
وما زال بينَ شِفاهي |
غُبارُ جِبالِكِ، |
والعَطَشُ الأَزَلِيُّ، |
وما قالهُ في هواكِ، |
وما لم يقُلْهُ اللّسانْ. |
غيمةٌ |
أتشهّى بِها جمرةَ الصّيفِ |
يومَ التقينا بِعِزّ الظّهيرةِ |
نهرينِ من وَلَهٍ |
يسكُبانِ على الرّملِ نجواهُما |
كالرّحيقِ |
فما ارتوتِ الأرضُ |
من عسلِ البَوْحِ بينَ الشّعابِ |
وما نضُبَ الرّافِدانْ. |
غيمةٌ |
ثُمّ أغفو .. |
وأحمِلُ شوقي لِيومِ لِقائِكِ |
كوخاً صغيراً |
من الغيمِ، |
يسكُنُهُ |
حيثُما يمّمَ العاشِقانْ. |
*** |
ليلةٌ خامِسةْ |
اوصلُ الليلَ بالليلِ |
علّي أرى نجمها |
حين تصحو السّماءُ، |
فأنثُرُ في وجهِهِ |
بعضَ ما خبّأ القلبُ من ياسمينْ. |
اوصِلُ الليلَ بالليلِ |
علّي أزِفُّ دقائِقَ هذا الظلامِ الشّهِيِّ |
إلى خيمةِ الرّوحِ .. زوجينِ زوجينِ |
ثُمّ أُحوّطُها بالبخورِ المسائيِّ والشّعرِ |
حتى تلينْ. |
خيمةُ الرّوحِ |
تكبر وحشتُها في الغِيابِ |
كما يكبَرُ الظّلُّ عند الغُروبِ |
فتأوي إليها كِلابُ الفراغِ الّلعينْ. |
اوصِلُ الليلَ بالليلِ |
مُنحدِراً بالصّعودِ |
إلى ذُروةِ البَوْحِ |
كيما أبدّدُ |
في ثلجِ هذي الدّفاتِرِ |
نارَ الحنينْ. |
اوصِلُ الليلَ بالليلِ |
عِقدَ حُروفٍ |
تخلّلَهُ خَرَزُ الصّمتِ |
في خيطِ نيزَكةٍ |
لا تلوحُ لِغيري .. |
تخيطُ انطفاءاتِ قلبي بِجمرتِها |
كُلّما بانَ فَتقٌ .. |
وتَغزِلُني |
كُلّما بعثَرَ الشّوقُ أجنِحتي |
في الفراغْ. |
اوصِلُ الليلَ بالليلِ |
لكنّ نجمتها تتحجّجُ بالغيمِ |
والياسمينُ بِقَبضَةِ قلبي |
سيغرَقُ في عرَقِ الصّبرِ .. |
يا ليلُ |
هل لي بِساعةِ صَحْوٍ |
تُحرّضُ أشرِعتي، |
قبلَ أن تتمادى نُجيمتُها في التّدلُّلِ |
أو ينفَدَ الصّبرُ .. |
أو يذبُلَ الياسمينْ؟ |
*** |
أصبَحَ المُلْكُ للّْهْ |
طَعمُ روحِكِ |
هذا الصّباحَ يُراوِدُني .. |
النّسيمُ أرَقُّ |
الشّوارِعُ أبهى |
النّساءُ يُمازِحنَ في مَرَحٍ |
كُلَّ ذي نَفَسٍ يَتَحَرّكُ .. |
حتى الكِلابْ. |
الغُيومُ تُراقِصُ سِرْبَ النُّسورِ |
الخليجُ المُحافِظُ |
يبدو على غيرِ عادتِهِ |
في البلادِ الغريبةِ |
مُنفتِحاً |
تتغشّاهُ روحُ التّمَدُّنِ .. |
الصّاعِدونَ إلى غُرفِ النّومِ |
والنّازِلونَ إلى الرُّدُهاتِ |
يبُثّونَ أحلى التحايا إلى بعضِهِمْ. |
نادِلاتُ المطاعِمِ |
مثلُ الفراشِ المُحَلّقِ |
لا يشتهينَ السُّكونَ |
المقاعِدُ تبدو مسالِمةً |
كالحَمامِ |
ومُشتاقةً للجُلوس عليها .. |
النوافِذُ تنشُرُ بسمَتها |
بالخَضارِ وبالنّورِ |
في أوجُهِ الزّائرينْ. |
قهقهاتُ الصُّحونِ على الطّاوِلاتِ |
ابتِسامُ الأباريقِ |
قَرْعُ الكُعوبِ الرّتيبُ |
على مَرْمَرِ الطُّرُقاتْ. |
طعْمُ روحِكِ هذا الصّباحَ |
تَغَلْغَلَ في كُلِّ شيءٍ .. |
فصِرْتُ أغارُ على كُلِّ شيءٍ |
بهذي التّفاصيلِ |
من كُلِّ شيءٍ .. |
وصِرْتُ أخافُ |
على كُلِّ شيءٍ |
ومن كُلِّ شيءٍ عليكِ .. |
وصِرتُ بهذا الصّباحِ |
المليءِ بِروحِكِ |
من أجملِ الكائناتْ. |
*** |
ليلةٌ سادسةْ |
عقربُ الوقتِ يلسعُني .. |
كُلّما مرّ يومٌ يُذكّرُني |
باقتِرابِ الرُّجوعْ. |
عقربُ الوقتِ |
موتٌ من العَطَشِ المُتنامي إليكِ |
ومَوْكِبُ جوعْ. |
كُلّما مرّ يومٌ |
وقُلتُ أراكِ غداً .. |
غصّ يومٌ |
بهذا السبيلِ المنوعْ. |
عقربُ الوقتِ |
يأخُذُني ضاحِكاً |
ويقولُ: ابتسِمْ للحياةِ |
وما قادني ذات يومٍ |
إلى بابِكِ المُتباعدِ |
هذا التّبَسُّمُ، |
حين أُطاوِعُهُ .. |
فلْتَقُدْني إليكِ الدُّموعْ. |
ليلةٌ |
وأقولٌ: غداً .. |
ليلتانِ |
وأُصبِحُ بينَ جناحيكِ |
ثالِثةٌ |
وأقولُ: لقد كُنتُ .. |
لكنَّ هذي الليالي الطّوالَ |
طِوالٌ عليَّ .. |
وبيني وبينَكِ |
هذا المُحيطُ من الوقتِ |
مُزدحِمٌ بالدّقائقِ .. |
كمْ سأعُدُّ ..؟ |
وهل ثَمّ مُتّسَعٌ في الحياةِ |
لِهذا الحِسابِ؟ |
وهل ثَمَّ قاربُ وصْلٍ |
يدُلُّ عليكِ، |
ويحمِلُني |
غيرُ هذا الخُنوعْ؟! |
*** |
أصبحَ المُلْكُ للّهْ |
السّماءُ التي أخرجتني من الحُبِّ |
طِفلاً يحِنُّ إلى أمِّهِ، |
تتلطّفُ |
باسِطةً وجهَها ويديها إليَّ .. |
لِتحمِلَني، |
واهِنَ القدمينِ |
إلى صدر جورِيّةٍ |
تَشْرَئِبُّ إلى جنّتي .. |
خِلْتُ أنّ السّماءَ ستنسى الغريبَ |
على ساحِلِ السّهْوِ، |
مُنتَظِراً ما تبقّى من العُمرِ .. |
لكنّها، |
أنجَزَتْ وعْدَها. |
السماءُ تُعيدُ الغريبَ |
وقد طهرَتْهُ بِنارِ التّلهُّفِ |
واسْتأْمَنَتْهُ على سِرِّها .. |
أصبَحَ اليومَ |
أهدى |
وأندى |
طهوراً |
كيومِ ارتوى من نداكِ |
بَهِيّاً |
كيومِ خَرَجْتِ مُبَلّلَةً من نداهُ |
شفيفاً |
كساعةِ قال: أُحِبُّكِ .. |
رَحْباً |
كما تتهادى الوُرودُ |
على شفتيهِ إليكِ |
ولا تنتهي .. |
عارِياً من سِواكِ |
مليئاً بِفيضِكِ |
أسْئلةٌ للغريبِ |
وأجوِبةٌ للقريبِ |
وأُغنِيةٌ للحبيبْ. |
أُدخِلُ الآنَ رأسي إلى الحبِّ |
ماذا أرى ..! |
*** |
ليلةٌ سابِعةْ |
كُلُّ شيءٍ كما كانَ |
إلاّ أنا .. |
لوحةٌ ذاتُ وجهينِ |
شطرٌ هُناكَ |
وشطرٌ هُنا |
بين ماضٍ أكادُ أُعانِقَهُ |
مثلما كُنتُ قبلَ الوداعِ |
وحاضِرِ حالٍ سيمضي قريبا .. |
عابِرا مثلما جاءَ |
ما كانَ يوماً عدُوّاً |
وما كان يوماً حبيبا. |
لوحةٌ ذاتُ وجهينِ |
مثلَ الخصيمينِ يومَ التّقاضي |
تدابَرَتا .. |
ليس يرجو الخصيمُ المُدابِرُ |
من وجهِ ذاكَ الخصيمِ نصيبا. |
كُلُّ شيءٍ كما كانَ |
إلاّ الطّيوبُ التي تتحرّى اللقاءَ المُؤَجَّلَ |
بينَ جناحيكِ |
تزدادُ طيبا. |
ليلةٌ |
ثُمّ أغفو على شَهْدِ روحِكِ |
حينَ تنامينَ |
بينَ عناقيدِ روحي |
ويغفو بِنا الليلُ |
مُسْتَشْفِياً |
وطبيبا. |
بعدما تتوالى الدّقائقُ |
كالحُلمِ ما بيننا .. |
ونُبَعْثِرُها كالمجانينِ |
شِعراً |
وثرثرةً |
ونحيبا. |
كُلُّ شيءٍ كما كانَ |
إلاّ السّبيلُ الذي كاد ينسَدُّ دونَكِ |
أمسى رحيبا. |