بُشرى البَرِيَّةِ قاصيها وَدانيها |
حاطَ الخِلافَةَ بِالدُستورِ حاميها |
لَمّا رَآها بِلا رُكنٍ تَدارَكَها |
بَعدَ الخَليفَةِ بِالشورى وَناديها |
وَبِالأَبِيّينَ مِن قَومٍ أَماتَهُمُ |
بُعدُ الدِيارِ وَأَحياهُم تَدانيها |
حَنّوا إِلَيها كَما حَنَّت لَهُم زَمَناً |
وَأَوشَكَ البَينُ يُبليهُم وَيُبليها |
مُشَتَّتينَ عَلى الغَبراءِ تَحسَبُهُم |
رَحّالَةَ البَدوِ هاموا في فَيافيها |
لا يَقرُبُ اليَأسُ في البَأساءِ أَنفُسَهُم |
وَالنَفسُ إِن قَنَطَت فَاليَأسُ مُرديها |
أَسدى إِلَينا أَميرَ المُؤمِنينَ يَداً |
جَلَّت كَما جَلَّ في الأَملاكِ مُسديها |
بَيضاءَ ما شابَها لِلأَبرِياءِ دَمٌ |
وَلا تَكَدَّرَ بِالآثامِ صافيها |
وَلَيسَ مُستَعظَماً فَضلٌ وَلا كَرَمٌ |
مِن صاحِبِ السِكَّةِ الكُبرى وَمُنشيها |
إِنَّ النَدى وَالرِضى فيهِ وَأُسرَتِهِ |
وَاللَهُ لِلخَيرِ هاديهِ وَهاديها |
قَومٌ عَلى الحُبِّ وَالإِخلاصِ قَد مَلَكوا |
وَحَسبُ نَفسِكَ إِخلاصٌ يُزَكّيها |
إِذا الخَلائِفُ مِن بَيتِ الهُدى حُمِدَت |
أَعلى الخَواقينَ مِن عُثمانَ ماضيها |
خِلافَةُ اللَهِ في أَحضانِ دَولَتِهِم |
شابَ الزَمانُ وَما شابَت نَواصيها |
دُروعُها تَحتَمي في النائِباتِ بِهِم |
مِن رُمحِ طاعِنِها أَو سَهمِ راميها |
الرَأيُ رَأيُ أَميرِ المُؤمِنينَ إِذا |
حارَت رِجالٌ وَضَلَّت في مَرائيها |
وَإِنَّما هِيَ شورى اللَهِ جاءَ بِها |
كِتابُهُ الحَقُّ يُعليها وَيُغليها |
حَقَنتَ عِندَ مُناداةِ الجُيوشِ بِها |
دَمَ البَرِيَّةِ إِرضاءً لِباريها |
وَلَو مُنِعَت أُريقَت لِلعِبادِ دِماً |
وَطاحَ مِن مُهَجِ الأَجنادِ غاليها |
وَمَن يَسُس دَولَةً قَد سُستَها زَمَناً |
تَهُن عَلَيهِ مِنَ الدُنيا عَواديها |
أَتى ثَلاثونَ حَولاً لَم تَذُق سِنَةً |
وَلا اِستَخَفَّكَ لِلَذّاتِ داعيها |
مُسَهَّدَ الجَفنِ مَكدودَ الفُؤادِ بِما |
يُضني القُلوبَ شَجِيَّ النَفسِ عانيها |
تَكادُ مِن صُحبَةِ الدُنيا وَخِبرَتِها |
تُسيءُ ظَنَّكَ بِالدُنيا وَما فيها |
أَما تَرى المُلكَ في عُرسٍ وَفي فَرَحٍ |
بِدَولَةِ الرَأيِ وَالشورى وَأَهليها |
لَمّا اِستَعَدَّ لَها الأَقوامُ جِئتَ بِها |
كَالماءِ عِندَ غَليلِ النَفسِ صاديها |
فَضلٌ لِذاتِكَ في أَعناقِنا وَيَدٌ |
عِندَ الرَعِيَّةِ مِن أَسنى أَياديها |
خِلافَةُ اللَهِ جَرَّ الذَيلَ حاضِرُها |
بِما مَنَحتَ وَهَزَّ العِطفَ باديها |
طارَت قَناها سُروراً عَن مَراكِزِها |
وَأَلقَتِ الغِمدَ إِعجاباً مَواضيها |
هَبَّ النَسيمُ عَلى مَقدونيا بَرداً |
مِن بَعدِ ما عَصَفَت جَمراً سَوافيها |
تَغلي بِساكِنِها ضِغناً وَنائِرَةً |
عَلى الصُدورِ إِذا ثارَت دَواعيها |
عاثَت عَصائِبُ فيها كَالذِئابِ عَدَت |
عَلى الأَقاطيعِ لَمّا نامَ راعيها |
خَلا لَها مِن رُسومِ الحُكمِ دارِسُها |
وَغَرَّها مِن طُلولِ المُلكِ باليها |
فَسامَرَ الشَرَّ في الأَجبالِ رائِحُها |
وَصَبَّحَ السَهلَ بِالعِدوانِ غاديها |
مَظلومَةٌ في جِوارِ الخَوفِ ظالِمَةٌ |
وَالنَفسُ مُؤذِيَةٌ مَن راحَ يُؤذيها |
رَثَت لَها وَبَكَت مِن رِقَّةٍ فُوَلٌ |
كَالبومِ يَبكي رُبوعاً عَزَّ باكيها |
أَعلامُ مَملَكَةٍ في الغَربِ خائِفَةٌ |
لِآلِ عُثمانَ كادَ الدَهرُ يَطويها |
لَمّا مُلِئنا قُنوطاً مِن سَلامَتِها |
تَوَثَّبَت أُسُدُ الآجامِ تَحميها |
مِن كُلِّ مُستَبسِلٍ يَرمي بِمُهجَتِهِ |
في الهَولِ إِن هِيَ جاشَت لا يُراعيها |
كَأَنَّها وَسَلامُ المُلكِ يَطلُبُها |
أَمانَةٌ عِندَ ذي عَهدٍ يُؤَدّيها |
الدينُ لِلَّهِ مَن شاءَ الإِلَهُ هَدى |
لِكُلِّ نَفسٍ هَوىً في الدينِ داعيها |
ما كانَ مُختَلِفُ الأَديانِ داعِيَةً |
إِلى اِختِلافِ البَرايا أَو تَعاديها |
الكُتبُ وَالرُسلُ وَالأَديانُ قاطِبَةً |
خَزائِنُ الحِكمَةِ الكُبرى لِواعيها |
مَحَبَّةُ اللَهِ أَصلٌ في مَراشِدِها |
وَخَشيَةُ اللَهِ أُسٌّ في مَبانيها |
وَكُلُّ خَيرٍ يُلَقّى في أَوامِرِها |
وَكُلُّ شَرٍّ يُوَقّى في نَواهيها |
تَسامُحُ النَفسِ مَعنىً مِن مُروءَتِها |
بَلِ المُروءَةُ في أَسمى مَعانيها |
تَخَلَّقِ الصَفحَ تَسعَد في الحَياةِ بِهِ |
فَالنَفسُ يُسعِدُها خُلقٌ وَيُشقيها |
اللَهُ يَعلَمُ ما نَفسي بِجاهِلَةٍ |
مَن أَهلُ خِلَّتِها مِمَّن يُعاديها |
لَئِن غَدَوتُ إِلى الإِحسانِ أَصرُفُها |
فَإِنَّ ذَلِكَ أَجرى مِن مَعاليها |
وَالنَفسُ إِن كَبُرَت رَقَّت لِحاسِدِها |
وَاِستَغفَرَت كَرَماً مِنها لِشانيها |
يا شَعبَ عُثمانَ مِن تُركٍ وَمِن عَرَبٍ |
حَيّاكَ مَن يَبعَثُ المَوتى وَيُحييها |
صَبَرتَ لِلحَقِّ حينَ النَفسُ جازِعَةٌ |
وَاللَهُ بِالصَبرِ عِندَ الحَقِّ موصيها |
نِلتَ الَّذي لَم يَنَلهُ بِالقَنا أَحَدٌ |
فَاِهتِف لِأَنوَرِها وَاِحمِد نَيازيها |
ما بَينَ آمالِكَ اللائي ظَفِرتَ بِها |
وَبَينَ مِصرَ مَعانٍ أَنتَ تَدريها |