إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
إلى صغيرة رقطاء!! |
إسرائيل |
من ديوان |
موال في الليل العربي |
لطفي زغلول |
نَاديتُ .. ما اجتازَ المَدى صَوتي |
ولا تَردَّدَ النِداءْ |
تَكسَّرتْ كُلُّ السيوفِ .. |
أقفرتْ من خَيلِها البَيداءْ |
اللَّيلُ مَجروحٌ .. فلا قَيسٌ يُداويهِ |
ولا لَيلى ولا الخَنساءْ |
وألفُ ألفِ حَربةٍ تَغتالُني |
تَهوي على أحلامِ أبجديَّتي |
تَطعنُ كُلَّ أحرفِ الهِجاءْ |
تُسافرُ الجراحُ بِي .. |
تَرسمُني قَصيدةً مجروحَةَ الإباءْ |
قصيدةً غريبَةَ الدِيارِ في دِيارِها |
تَغتالُها عَواصفُ الشِتاءْ |
وأقفرَ المَكانُ إلاّ مِنكِ .. |
يا أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ |
يا لعنةَ التاريخِ .. |
يا تاريخَنا المُكفَّنَ الأيَّامِ .. |
بالمواقِفِ السَوداءْ |
يا جُرحَنا الكبيرَ .. ما لنزفِهِ شِفاءْ |
يَحملُ من جيلٍ إلى جِيلٍ .. |
جنينَ العارِ .. |
للأبناءِ فالأبناءِ فالأبناءْ |
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ |
يا جارةَ القَهرِ الَّتي تَربَّعتْ |
على صدورِنا كَما تَشاءْ |
تَجولُ في ربوعِنا .. |
تَصولُ في الصباحِ والمَساءْ |
أصبحتِ في تاريخِنا حقيقةً .. |
وليدةَ المواقفِ الحَمقاءْ |
بلغتِ سنَّ الرُشدِ في أحضانِنا |
ستاً وأربعينَ لَعنةً ونكبةً .. |
على أيّامِنا السَوداءْ |
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ |
إنّا .. بأيدينا بَنينا صَرحَكِ الكَبيرْ |
إنّا .. مَنحناكِ الحَياةَ ألفَ ألفِ مَرَّةٍ |
وكنتِ في رَحمِ الفَناءِ .. |
نُطفةً مَجهولةَ المَصيرْ |
وكان في بِلادِنا |
ولا يزالُ الشَيخُ والسُلطانُ والأميرْ |
كانوا لَكِ المُعينَ والمُجيرَ والنَصيرْ |
جادوا عَليكِ بالوجودِ .. |
خَطَّطوا لَكِ الحُدودَ .. |
قدَّموا لَكِ الورودَ .. قَبَّلوا لَكِ الخُدودَ |
أجزلوا لَكِ الوُعودَ .. قَدَّموا الكَثيرْ |
حتّى غَدوتِ تَرفلينَ اليَومَ بالحَريرْ |
حتّى غَدا تُرابُنا فراشَكِ الوَثيرْ |
حتّى غَدوتِ حيَّةً رَقطاءْ |
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ |
لا نَعرفُ السرَّ الَّذي من أجلهِ .. |
انتصرتِ كُلَّ مَرّةٍ |
حُكّامُنا لم يَبخلوا عَليكِ |
بالتهديدِ والوعيدِ بِالفناءْ |
حُكّامُنا والحقُّ .. أبلوا أحسنَ البَلاءْ |
فأقسَموا أن يَجعلوكِ .. |
كُتلةً مَشلولةَ الأشلاءْ |
ونحنُ حاربناكِ أعواماً .. |
بآلافٍ من القَصائِدِ العَصماءْ |
وألفِ ألفِ خُطبةٍ |
في كُلِّ مِنبرٍ وكُلِّ سَاحةٍ .. |
وكُلِ نَشرةٍ وكُلِّ دَعوةٍ .. |
إلى وَليمةٍ .. إلى عُرسٍ |
وفي أحلامِنا الهَوجاءْ |
ونَحنُ حاربناكِ في الرَقصِ .. |
وفي التَمثيلِ والغِناءْ |
وكم دَعتْ نِساؤُنا عَليكِ |
بالهزيمَةِ النَكراءْ |
كيف انتصرتِ .. |
هل تُمارسينَ سِحراً يا تُرى |
أم لَكِ بينَ الجِنِّ أصدقاءْ |
أليس أمراً يُدهشُ العُقولَ .. |
أن تَنتصِري ونحن آسادٌ .. |
وأنتِ قِطَّةٌ صَغيرةٌ مَلساءْ |
أليسَ يُدهشُ العُقولَ .. |
أن تَسيري للأمامِ .. |
ألفَ ألفِ خُطوةٍ .. ونَحنُ للوراءْ |
أيَّتُها الصَغيرةُ الرَقطاءْ |
إنّا كَتبنا لَكِ صَكَّ صُلحَةٍ عَشائِريَّةٍ |
فنحنُ اليَومَ أحبابٌ .. |
على السرَّاءِ والضرَّاءْ |
إنّا غَفرنا لَكِ ما ارتَكبتِ .. |
من جَرائِمٍ نَكراءْ |
إنّا نَسينا كُلَّ ما .. |
سَفحتِ مِن دِماءْ |
وكُلَّ ما أزهقتِ من أرواحِ أبرياءْ |
وكُلَّ ما اقتلعتِ من زَرعٍ .. |
وما هَدمتِ من بِناءْ |
وكُلَّ ما اغتصبتِهِ من كَلأٍ وَماءْ |
إنّا غَفرنا لَكِ .. |
حرقَ المَسجدِ الأقصى |
غَفرنا لَكِ سَلبَ حائِطِ البُراقِ .. |
والمِعراجِ والإسراءْ |
وألفَ ألفِ غَارةٍ .. فيها انتهكتِ .. |
جَوَّنا وبرَّنا وبَحرَنا |
وسوفَ نُلغي لَكِ إن أمرتِ .. |
من إيمانِنا .. |
الحديثَ والتَفسيرَ والجِهادَ والإفتاءْ |
أسماؤُنا .. إن أرَّقتكِ مَرّةً |
فأبشِري .. نُغيِّرُ الأسماءْ |
إنّا عَفونا عَنكِ عَفو قادرينَ أقوياءْ |
فنحنُ .. إسألي النِساءَ .. جَدُ أقوياءْ |
إنّا غَفرنا لَكِ كُلَّ ما فعلتِ .. |
يَومَ أغلقنا بأيدينا .. على تاريخِنا |
ويومَ قَطّعنا جُذورَنا |
فلم يَعدْ لنا وزنٌ ولا لَونٌ .. |
ولا شكلٌ على خَريطةِ الأحياءْ |