إبلاغ عن خطأ
ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك
انتظر إرسال البلاغ...
|
وقَفَ الطغاهْ! |
في غيِّهم وقف الطغاهْ! |
فتحوا عيونهم الكليلة لحظة ً |
فاسترجعوا البصر الحديد وفارقوا |
سِنة من النوم المورَّد بعدما |
فقدت معاجم أفْقِهم |
معنى يُشير إلى تصوّر مُنتهاهْ .. |
وقف الطغاهْ! |
مَطر من الأحجار فوق رؤوسهم، |
شهُب من المُلتوف مِلْءُ عيونهم، |
من تحتهم رمل تجمَّع من شرَر، |
والبحر غير البحر، طوفان من الرَّهج الكثيف ومن دخانْ، |
ريحٌ من الغضب المؤجَّج في صدور الثائرين، |
موج تدفق من جهنم جاء يلفحهم لظاهْ! |
والله يعلمُ ما مداهْ! |
وقفَ الطغاهْ! |
رقصوا على لحن البنادق رقصة الدّم والدّمارْ، |
ألقوا بنهر الحقد، في أعماقهم، |
حورية الإحساس قرباناً فهانوا واستهانوا بالحياهْ .. |
قرؤوا على نصب الحضارة جهرةً |
سِفراً من التفجير وافترشوا الشظايا والبقايا والضّحايا والدّماءْ .. |
وتساءلوا عما جرى |
وكأنهم لم يسمعوا من صَرخة الدنيا صَداهْ! |
وقفَ الطغاهْ! |
ومحمدٌ يجري مع اللحظات في صيف الطفولة عابثاً |
ما بين أنفاس الصباحْ .. |
تتلألأ النجمات في كفيه رغم المستحيل ورغم ما فقدَتْ يداهْ .. |
تتراقص الأحلام في عينيه لحظة حُلمهِ |
وكأنها نظمٌ بهيّ من فقاقيع الأماني قد تطاير فوق تيّار الخيَالْ .. |
فإذا رأيتَ رأيتهُ .. |
كتبَ النشيد المدرسيَّ بخَطِّهِ |
جُمَلاً على وجه السّماء بماء ألوان الشّفقْ، |
ومضى يُمارس بعد حين طقسَهُ، |
وبخفّة أدّى من الجمباز شيئاً فوق قوس من قزَحْ .. |
فتهزّزَتْ قزحاتهُ حتى تشقق من خُطاهْ |
ولربما ركبَ الفراشة ساعة ً |
متنقّلاً بين الزهور بزَهْوهِ، |
فتمايلتْ أغصانها |
فرَحاً بنشوةِ قرْبهِ |
وتنشّقتْ ما كان يعبقُ من شذاهْ |
هذا صِباهُ .. محمد ٌ هذا صِباهْ! |
لكنَّه كالكوكب الدُّرّيِّ ما فوق الغيوم، |
هو مثل ناقوس خلا من مِضربه، |
هو زخرفٌ أخْفته عاصفة الثلوجْ، |
موج تفاءل في الصباح بلحظةٍ |
فيها يقبّل رمله الذهبيّ في عز الظهيرة فاستفاق وقد تكسّر مدُّهُ |
في بطن جرفٍ قد ثناهْ .. |
هذا صباهُ .. محمد هذا صِباهْ! |
وقف الطغاهْ! |
ومحمد بين الرصاص قد انحنى |
والشمسُ في عينيه قد شرقت لمرّتها الأخيرة برهة ً.. |
في كونه العربيِّ ما التمسَ الحماية واثقاً |
بمَفازةٍ لإغاثة الملهوف إلاّ خلف شيء من حَجَرْ .. |
ورأته أمصارُ الأباعد والأقارب في حِماهْ! |
فانظرْ إليه فقد تراهْ! |
طفل بعمر الورد ينتظر الرصاصة ساعة ً |
في يأسِه اللجّيِّ يطفو فوق طوْفٍ من أملْ .. |
مرّت بخاطره سريعاً بعض ذاكرة الطفولةِ كالرَّصاصْ: |
شيء على الأقدام من وحل الشتاءْ، |
عشبٌ تخضّب بالدِّماءْ، |
ريح تحَرِّك سقفَ بيت من صفيحْ، |
لغط غريبْ، |
زيٌّ رهيبْ، |
بطْش يدور على هواهْ .. |
والنفسُ تطحنها رحاهْ!! |
متواصل صوتُ الرّصاصْ، |
كيف الوصول إلى الخلاصْ؟ |
كيف العبور إلى النجاهْ؟ |
قال الفتى في نفسه: وا أمّتاهْ!! |
أَأَعود كي أعدو أمام مُوَيْجةٍ صيفيةٍ |
في بحر غزّة خِلسة من خلف أمّي ساعة ً قبلَ الأصيلْ؟ |
أأسيرُ بعدُ أمام بيتي بانطلاقْ؟ |
أَأُلاعب الأصحاب ثم أُعيد ذكر حكايتي عند الجلوس مع الرّفاقْ؟ |
مَرّتْ كلمْح البرق صُورة أمّه ِ |
في ذهنهِ |
فبكى كما تبكي الرِّمال بحُرقةٍ |
حين الحنين إلى المَطرْ.. |
وبصدره نبضٌ بمختلف اللغاتْ: |
أنا قد شربْتُ من الطفولة ما شربتُ من السّرابْ! |
أنا لم أشاهدْ غير جدران المخيّم والبنادق والجنود! |
أنا ما سمعتُ سوى صراخ الخائفين من العتاهْ! |
والآن قد ذهب الأملْ .. |
ولربما جَمَل الحياة بما حَمَلْ .. |
لكنَّ نفسي كالقطاة تحوم مِن ظمَأٍ شديد فوق كثبان العَدَم .. |
فمن الذي يأتي بكأس ليس يرويني سِواهْ؟ |
هو وجهُ أمّي، أنْ أراهْ! |
وقفوا، أجلْ ... |
وقف الطغاهْ! |
ومحمد بين الرّصاص ونظرةٍ |
صارت بفَوْرَة شوقهِ قصوى مُناهْ |
لله درُّكَ يا محمد، كم بلغتَ من المعاني حينما |
جَذبَتْ عيونَ الشوق فيكَ أمومة، |
وجذبْتَ عيْن البندقية كاليمامةِ في الفضاء ولم يكن |
جَفن يرفُّ من الجناهْ |
متواصلٌ صوت الرّصاص على المَدى .. |
وعلى المفارق والبيارق والحناجر والجباهْ .. |
والثائرون تكاثروا |
والثائرون تناثروا |
والثائرون تمرَّدوا |
في كلّ زاوية وبيت خلف أسوار الحقول وتحت أشجار النخيلْ .. |
والأرض تزداد اشتعالاً تحت أقدام الغزاهْ .. |
ذعِر الطغاهْ! |
جُنَّ العُتاهْ! |
فتجاوزوا برصاصهم كلَّ اتجاهْ .. |
وَهَنوا بضَعف نفوسهم |
صغروا بذات صدورهم |
وقويتَ أنت أمامهم من حيث كانوا يَضعفونْ |
وعَظُمتَ أنت بعينهم من حيث كانوا يصغرونْ |
فاستفتحوا بابَ الخلاص بكلّ طغيان الرصاصْ |
فنبَتَّ زنبقة ً على قبر الحضارة والسلام! |
وذهبت مثل وريقةٍ تطفوا على سطح المياهْ .. |
فقويتَ فوق ثرى البسيطة حيث كانوا يضعفونْ |
وعظمتَ في عين الخليقة حيث كانوا يصغرونْ |
نزلوا إلى دَرَك الدناءة وارتقيت إلى الإلهْ .. |
ما متَّ أنت وإنما قتلت عدالة عصرنا بيد الجُناهْ |
وغدوتَ فوق ضريحها مرثيَّة ً تعلوا الشفاهْ .. |
صَمَتَ القضاهْ! |