بدولة التُّركِ عزَّت ملَّةُ العربِ | |
|
| وبابن أَيّوبَ ذلَّت شيعةُ الصُّلب |
|
وفي زمانِ ابن أَيوبٍ غَدتْ حلبٌ | |
|
| من أَرض مصرَ وعادت مصرُ من حلبِ |
|
ولابن أَيّوبٍ دانت كُلُّ مملكةٍ | |
|
| بالصَّفْح والصُّلحِ أَو بالْحربِ والحَرَبِ |
|
مظفَّرُ النَّصرِ منعوتٌ بهمته | |
|
| إلى العزائِم مدلولٌ على الغلَبِ |
|
والدَّهرُ بالقَدرِ المحتومِ يَخْدُمُه | |
|
| والأَرضُ بالخلقِِ والأَفلاكُ بالشُّهب |
|
ويَجتلي الخلقُ من راياتهِ أَبداً | |
|
| مبيضةَ النَّصرِ من مصفَّرة العَذَب |
|
إِنَّ العواصمَ كانت أيّ عاصمةٍ | |
|
| معصومةً بتعاليها عن الرُّتَبِ |
|
ما دارَ قطُّ عليها دورُ دائرةٍ | |
|
| كلاَّ وَلاَ وَاصَلَتْها نوبةُ النُّوبِ |
|
لو رامَها الدَّهرُ لم يظفَرْ بِبُغْيَتهِ | |
|
| ولَوْ رماهَا بِقوسِ الأُفْقِِ لم يصُب |
|
ولوْ أَتَى أَسدُ الأَبْراجِ مُنْتَصراً | |
|
| خَارتْ قوائمهُ عنها ولم يَثِبِ |
|
جَليسةُ النَّجْمِ في أَعْلَى منازِله | |
|
| وطَالما غَابَ عنْها وهْي لَمْ تَغِبِ |
|
تُلقِي إذا عطشت والبرقُ أَرشيةٌ | |
|
| كواكبَ الدَّلو في بئرٍ من السُّحب |
|
كُلُّ القلاعِ ترومُ السُّحبَ في صَعَدٍ | |
|
| إِلاَّ العواصمَ تَبْغِي السُّحبَ في صَبَب |
|
حتَّى أَتَى مَنْ مَنالُ النَّجْمِ مَطْلبُه | |
|
| يا طالبَ النَّجم قَدْ أَوْغَلْتَ في الطَّلَب |
|
مَنْ لو أَبى الفلكُ الدَّوارُ طاعتَه | |
|
| لصيَّر الرأْسَ منه موضعَ الذَّنَب |
|
أَتَى إِليها يقودُ البحرَ مُلتَطِماً | |
|
| والبِيضُ كالمَوْجِ والبَيْضَاتُ كالْحبَبِ |
|
تبدو الفوارسُ منه في سَوابِغِها | |
|
| بين النقيضين من ماءٍ ومن لهبِ |
|
مُسْتَلْئِمين ولولا أَنَّهم حَفِظُوا | |
|
| عوائدَ الحْربِ لاسْتَغْنَوا عن اليَلَبِ |
|
جِمَالُهم من مَغازيهم إِذا قَفَلوا | |
|
| حَمَّالةُ السَّبْيِ لا حمُّالةُ الحَطبِ |
|
فطافَ منها بركنٍ لا يقبِّلهُ | |
|
| إِلا أَسنَّةُ أَطرافِ القَنا السُّلُبِ |
|
وحلَّ من حولِها الأَقْصى على فلكٍ | |
|
| ودَارَ من بُرجِها الأَعلى على قُطُبِ |
|
وَمَانَعَتْه كمعشوقٍ تمنُّعُه | |
|
| أَحلى من الشَّهدِ أَو أَحْلَى من الضَّرَبِ |
|
فمرَّ عنها بلا غيظٍ ولا حَنَقٍ | |
|
| وسار عنها بلا حِقْدٍ ولا غَضَب |
|
تطوى البلادَ وأَهليها كتائبُه | |
|
| طيَّاً كما طَوتِ الكتَّابُ للكُتُبِ |
|
وافى الفراتَ فأَلفى فيه ذا لَجَبٍ | |
|
| يظلُّ يهزأُ مِنْ تَيَّارِه اللَّجِبِ |
|
رمَت به الجُرْدُ في التَّيارِ أَنْفسَها | |
|
| فعومها فيه كالتقريب والخبب |
|
لم ترضَ بالسُّفنِ أَن تَغْدو حواملَها | |
|
| فعزُّها ليس يَرْضى ذِلَّة الخَشب |
|
وكان علَّمها قطعَ الفراتِ به | |
|
| تعلُّمُ العومِ في بحر الدَّم السَّرب |
|
وجاوزتْه وأَبْقَى من فواقِعه | |
|
| درّاً ترصَّعَ فوق العُرف واللَّبَبِ |
|
إِلى بلادٍ أَجابت قبلما دُعيت | |
|
| للخاطبين ولولا الخوفُ لم تُجب |
|
لو لم تُجِب يُوسفاً من قبلِ دعْوَتَه | |
|
| لَعادَ عامِرُها كالجوسق الخَرِبِ |
|
خَافَتْ وخافَ وفرَّ المالكون لَها | |
|
| فالْمُدْنُ في رَهَب والقومُ في هَرب |
|
ثم استجابَتْ فلا حصنٌ بممتنعٍ | |
|
| مِنْها عليهِ ولا مُلْك بِمُحتَجِبِ |
|
وأَصبَحوا مِنْه في هَمٍّ وصبَّحهم | |
|
| وهُمْ سُكَارَى بكأْسِ اللَّهوِ والطَّربِ |
|
تفرَّغُوا لنعيم العيشِ واشْتغلوا | |
|
| عن الثُّغورِ بلثمِ الثَّغْرِ والشَّنَبِ |
|
أَرضُ الجزيرةِ لم تظفَرْ ممالِكُها | |
|
| بمالكٍ فطِنٍ أَو سَائِسٍ دَرِبِ |
|
ممالكٌ لم يُدَبِّرها مدبرها | |
|
| إِلا برأْي خَصِيٍّ أَو بعَقلِ صَبِي |
|
حتَّى أَتاها صلاحُ الدِّينِ فانْصَلَحَتْ | |
|
| من الفسادِ كَما صحَّتْ مِنَ الوَصَبِ |
|
واستعملَ الجِدَّ فيها غيرَ مكترثٍ | |
|
| بالجَدِّ حتى كأَنَّ الجِدَّ كاللَّعِب |
|
وقد حَواها وأَعْطى بعضَها هِبةً | |
|
| فهوَ الَّذِي يَهَبُ الدُّنْيَا ولم يَهَب |
|
يُعطيِ الذي أُخِذت منه ممالكُه | |
|
| وقد يَمُنُّ على المسلوبِ بالسَّلب |
|
ويمنحُ المدنَ في الجَدْوى لسائِله | |
|
| كمَا ترفَّعَ في الجدْوى عن الذَّهب |
|
ومذ رأَتْ صدَّه عن رَبْعها حلبٌ | |
|
| ووصلَه ببلادِ حُلْوةِ الحَلَب |
|
غارَتْ عليه ومدَّتْ كفَّ مفْتقِر | |
|
| مِنْها إِليه وأَبْدَت وجهَ مُكْتَئِب |
|
واستعطفَتْه فَوافَتْها عواطفُه | |
|
| وأَكثبَ الصُّلْحَ إِذ نادَتْه عن كَثبِ |
|
وحلَّ مِنْها بأُفْقٍ غيرِ منخفضٍ | |
|
| للصَّاعدين وبُرجٍ غيرِ مُنقلِب |
|
فتحُ الفتوحِ بلا مَيْنٍ وصاحبُه | |
|
| مَلْكُ الملوكِ ومَوْلاها بِلا كَذِبِ |
|
ومعجزٍ كَمْ أَتانا منه مُشْبِهُه | |
|
| فصارَ لا عجباً من فَضْلهِ العَجَبِ |
|
تَهنَّ بالفتحِ يا أَوْلَى الأَنامِ به | |
|
| فالفتحُ إِرْثُك عَنْ آبائِك النُّجُبِ |
|
وافخَرْ فَفَتْحُك ذا فخرٌ لمفتخرٍ | |
|
| ذُخْرٌ لمدَّخِرٍ كسبٌ لمكتَسبِ |
|
بكَ العواصمُ طَبَت بعدما خَبُثَتْ | |
|
| بِمَالِكِيها ولولاَ أَنْتَ لم تَطِبِ |
|
فليت كلَّ صباح ذرَّ شَارقُه | |
|
| فداءُ ليلِ فَتَى الفتيانِ في حَلَبِ |
|
إنِّي أُحِبُّ بِلاداً أَنت ساكنُها | |
|
| وساكنِيها وليسُوا مِنْ ذَوِي نَسَبي |
|
إِلاَّ لأَنَّكَ قد أَصبحتَ مالكَها | |
|
| دون الأَنامِ وهل حُبٌّ بلا سَبَب |
|
فجود كفِّكَ ذُخْرٌ في يَدِي ويدي | |
|
| وحُبُّ بيتكِ إِرْثِي عن أَبِي فَأَبِي |
|
ألهى مديحُك شِعْري عن تَغَزُّلِه | |
|
| فجاءَ مقتضَباً في إِثرِ مُقْتَضَبِ |
|
فلم أَقُلْ فيه لاَ أَنَّ الصبابةَ لِي | |
|
| يومَ الرَّحيلِ ولا أَنَّ المليحةَ بِي |
|