جاءَت تَثنَّى مِشيَةَ المُتَبَختِرِ | |
|
| فجلَت لنا ضَوءَ الصَباحِ المُسفِرِ |
|
تمشي فتَعثَرُ في الذَّيُولِ لأنَّها | |
|
| نَشوانةٌ مِن خمرِ فيها السُّكَّرِي |
|
وتجُرُّ من حُلَلِ الحريرِ مَطارِفاً | |
|
| من أصفَرٍ في أحمَرٍ في أخضَرِ |
|
فكأنَّما أخذَ السحابُ لِقَوسِهِ | |
|
| من شكلها عكساً بَدِيعَ المنظَرِ |
|
بَرَزَت كبَدرٍ فوقَ غُصنٍ في نَقاً | |
|
| تحتَ الدُّجى يَرنُو بِمُقلَةِ أَحوَرِ |
|
وتَلَفَّتت عن جِيدِ ظَبيٍ نافِرٍ | |
|
| وتَبَسَّمَت عن لُؤلُؤٍ في كَوثَرِ |
|
وَعَطَت وَماسَت في غَلائِلِ حُسنِها | |
|
| فَسَطَت عَلَيَّ بأَبيَضٍ وبأَسمَرِ |
|
ما إن رأَينا أو سَمِعنا قبلَها | |
|
| بقَضِيبِ تُفّاحٍ بِبَدرٍ مُثمِرِ |
|
ما خامَرَت طِيباً أوانَ مَجِيئِها | |
|
| ويفُوحُ منها فوقَ نفحِ العَنبَرِ |
|
علمَت بأني في هَواها مُغرَمٌ | |
|
| مُغرىً أَسِيرُ صَبابةٍ وَتَذَكُّرِ |
|
فَرَثَت لِمُضناها وجادَت باللِّقا | |
|
| مِن غيرِ مِيعادٍ ولم تَتَأَخَّرِ |
|
ما ضَرَّهَا لو أنَّها انتَسَبَت فقد | |
|
| نالَت مِنَ الآدابِ أكرمَ عُنصُرِ |
|
وَأَتَت تُحَيِّينِي فأحيَت مَيِّتاً | |
|
| بالوَجدِ إِلا أَنَّهُ لم يُقبَرِ |
|
لم يَدرِ أَينَ فؤادُه حتّى بَدا | |
|
| مِن خَدِّها الوردِيِّ خالٌ عَنبَرِي |
|
لِلَّهِ يومٌ مُفرَدٌ في حُسنِهِ | |
|
| جَمَع الإِلهُ بهِ جمالَ الأعصُرِ |
|
باتَت يَمينُ اليُمنِ تَسقيني به | |
|
| كأسَ المُنى وَالدَّهرُ بي لم يَشعُرِ |
|
طابَ الصَّبُوحُ فقُم بعَيشِكَ فاسقِني | |
|
| يَمَنِيَّةً من حِصرمٍ لم تُعصَرِ |
|
بُنّاً تُسمَّى قهوةً لكنها | |
|
| تُزرِي بها عندَ اللَّبيبِ وَتَزدَرِي |
|
لا تنزلُ الأحزانُ في ساحاتِها | |
|
| صَهبَاءَ إِلا أَنَّها لم تُحظَرِ |
|
كم جَيشِ همٍّ قد أقَامَ بِمُهجَتي | |
|
| حملَت عَلَيهِ مِنَ السُّرُورِ بعَسكَرِ |
|
قُلِيَت فَعَرَّقَها الحَيا فَتَقَنَّعَت | |
|
| مِن تِبرِها بِخمَارِ وَشيٍ أصفَرِ |
|
قُلِيَت وَحَاشاها القِلَى لمزيَّةٍ | |
|
| بالامتحانِ تُريكَ فَضلَ الجَوهَرِ |
|
جالَ الحَبَابُ بِمائِها فكأنَّهُ | |
|
| قِطَعُ الزُّمُرُّدِ في عَقِيقٍ أحمَرِ |
|
قُم فاسقِنيها بالكَبيرِ وغنِّني | |
|
| فَعَساكَ تُبردُ غلَّتي وَتَسَعُّرِي |
|
فَطَالَما أَمسَت دُموعي خمرَتِي | |
|
| وتزفُّرِي أضحَى تَغَنِّي مِزهَرِي |
|
واهاً لِقلبي من تَجَنِّي شادِنٍ | |
|
| مُتَجَبِّرٍ في حُكمِهِ مُتكبِّرِ |
|
مُتَعَزِّزٍ مُتَمَنِّعٍ مُتَرفِّعٍ | |
|
| مُتَوَحِّشٍ مُتَشَرِّدٍ مُتَنَفِّرِ |
|
لم يُوفِ دَيني وهوَ مُثرٍ قادِرٌ | |
|
| والظُّلمُ كلُّ الظُّلمِ مَطلُ المُوسِرِ |
|
مَه يا عَذولُ فقَد طَعِمتُ مِنَ الهَوى | |
|
| ما لَم تَذُق ونظَرتُ ما لَم تَنظُرِ |
|
مَن لي بكَتمِ غرامِهِ وَجَوانِحي | |
|
| تَروي صحيحَ حديثِ شَوقي المُضمَرِ |
|
فَجَوانِحي عَن واقدٍ وأَضالِعي | |
|
| عَن هاشمٍ ومَحاجِرِي عن جعفَرِ |
|
بِاللَّهِ هاكَ ثِيابَ نُسكي عَلَّني | |
|
| من شَرِّ لَومِكَ أَستريحُ وَتَسترِي |
|
فالعُمرُ غصنٌ والشبيبةُ ماؤُهُ | |
|
| وزُهورُهُ وَلَعٌ جميلُ المَخبَرِ |
|
والمَرءُ رَبعٌ والعلومُ رَبيعُهُ | |
|
| وثمارُهُ عملٌ بحُسنِ تَبَصُّرِ |
|
وأَرى المَعالي كالنُّجومِ عزيزةً | |
|
| لكِنَّما عبدُ العزيزِ المُشتَرِي |
|
أَلقَت له عوصُ العلومِ قِيادَها | |
|
| قبلَ الفِطامِ وإِنَّهُ لَبِذا حَرِي |
|
لَو سارَ في مِضمارِهِ العَلَمُ السُّرى | |
|
| عَلِمَ الوَرى يا صاحِ أيُّهما السَّرِي |
|
إن كانَ في عَدِّ السِّنينَ تأخَّرت | |
|
| أيَّامُه فَسَناهُ لم يتأخَّرِ |
|
قَد فاقَ في حفظٍ وفَهمٍ مِثلَما | |
|
| قد فاقَ في خَلقٍ وخُلقٍ أزهَرِ |
|
بل لو جَرى معهُ جريرٌ جُهدَهُ | |
|
| يوماً لَقالَ الناسُ ما هَذا جَرِي |
|
ومَتى يخُطُّ فَما ابنُ مُقلَة كاتباً | |
|
| وَمتى يقُل أَبدى صِحَاحَ الجَوهَرِي |
|
يا ماجِداً أهدَى إليَّ لآلِئاً | |
|
| مَنضُودَةً من نظمِهِ المُتَخَيَّرِ |
|
يا للعجائبِ كيفَ نظَّمها بِلا | |
|
| سِلكٍ وتثقيبٍ ولم تتنَثَّرِ |
|
فلئِن غَدَت في طِرسِها دُرّاً عَلى | |
|
| صَدَفٍ فيُمناهُ كخمسَةِ أَبحُرِ |
|
نظمٌ كساني حُلَّةً من سُؤدَدِ | |
|
| تَبلى اللَّيالي وهيَ لم تَتَغَيَّرِ |
|
سَقياً لِرَبعِ الكُوتِ كَم قد حازَ من | |
|
| حَبرٍ بأنواعِ النَّدى مُتَفَجِّرِ |
|
ما الكُوتُ إِلا رَوضَةٌ قد أثمرت | |
|
| بِبُدُورِ تِمٍّ فضلُها لم يُنكَرِ |
|
تَاللَّهِ أَفتأُ ناشِراً مِن ذِكركُم | |
|
| شيئاً يَطيبُ بهِ حديثُ السُّمَّرِ |
|
ولَقَد سَمَوتَ إِلى العَلاءِ بِهمَّةٍ | |
|
| أَقدامُها مِن فوقِ هامِ الأَنسُرِ |
|
وَرَشَفتَ راحَ الفخرِ غيرَ مُحَرَّمٍ | |
|
| وَقنَصتَ صَيدَ المجدِ غيرَ مُنَفّرِ |
|
وَرَعَيتَ رَوضَ العِلمِ غيرَ مُزاحمٍ | |
|
| وَوَردتَ حوضَ البِرِّ غيرَ مُكَدَّرِ |
|
كَم فاضِلٍ فيهِ العيونُ تَنَافَسَت | |
|
| لكِن بحيثُ إِليكُم لم تَنظُرِ |
|
فإِليكَ مِن أَبكارِ فِكرِي غادةً | |
|
| من عَسجَدٍ صِيغَت وَمِسكٍ أَذفَرِ |
|
قَد ضاعَ منها نشرُ ذكرِ جمالِكُم | |
|
| لكنَّهُ ما ضاعَ عندَ المُبصِرِ |
|
يا ربِّ صلِّ عَلى الذي قِدماً به | |
|
| نظمُ الرِّسالةِ تَمَّ وارحَم واغفِرِ |
|