عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > لبنان > إيليا أبو ماضي > الأسطورة الأزليّة

لبنان

مشاهدة
2140

إعجاب
0

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

الأسطورة الأزليّة

الأسطورة الأزليّة
رقم القصيدة:
كان زمان، لم يكن كائنا
و حالة، ما برحت باقية
ملّ بنو الإنسان أطوارهم
و برموا بالسقم والعافية
فاستصرخوا خالقهم واشتهوا
لو أنّه كوّنهم ثانية
وبلغت أصواتهم عرشه
في ليلة مقمرة صافية
فقال، إنّي فاعل ما اشتهوا
لعلّ فيه حكمة خافية
وشاهدوه هابطا من عل
فاحتشدوا في السّهل والرّابيه
من القرى القانعة الطاوية
و المدن الجامحة الغادية
تألّبوا من كلّ صوب كما
تجتمع الأمطار في الساقيه
يسابق الصّعلوك ربّ الغنى
و الأبله الباقعة الداهية
ويدفع الشّيخ التوى عوده
وصار مثل الرمّة البالية
فتى مضى الفجر ولمّا نزل
روعته في وجهه باقية
وتزحم الحسناء ممكورة
خلذابة كالروضة الحالية
دميمة تشبه في قبحها
مدينة مهجورة عافية
فقال ربّ العرش: ما خطبكم:
مابالكم صرخاتكم عالية؟
هل أصبحت أرضكم عاقرا،
أم غارت الأنجك في هاوية؟
أم أقلع الماء فلا جدول،
و ماتت الطير فلا شادية؟
أم فقدت أعينكم نورها،
أم غشيت أرواحكم غاشية؟
أين الهوى، إن لم يكن قد قضى
فكل جرح واجد آسية
الفتى:
قال الفتى: يا ربّ إنّ الصّبا
مصدر أحزاني وآلامي
ألبستنيه مونقا بعدما
أبلاه أخوالي وأعمامي
وصار في مذهبهم عصره
فترة زلاّت وآثام
فاختلفت حالي وحالاتهم
كأنّني في غير أقوامي
وصرت كالجدول في فدفد
أو شاعر ما بين أصنام
والأخضر المورق في يابس
أو مثل صاح بين نوّام
دنياهم دنياي، لكنّما
أعلامهم ليست كأعلامي
عندهم الروضة أشجارها
و الروض عندي الزهر النامي
والطير لحم ودم عندهم
و ليس عندي غير أنغام
سكري بها أو بالندى والشذى
و سكرهم بالخمر في الجام
يسخر قلبي بلياليهم
و يسخر الدهر بأيّامي
كأنّني جئت لتبكيتهم
كأنّما جاؤوا لإيلامي
عبء على نفسي هذا الصّبا
ألجائش المستوفز الطامي
يزرع حولي زهرات المنى
و شوكها في قلبي الدامي
فان º له كلّ فان هوى
فان، ولا ينجو من الذام
خذه، وخذ قلبي وأحلامي
فإنّني أشقى بأحلامي
ومر يمرّ الدهر في لحظة
كالطيف أو كالبرق قدّمي
وازرع نجوم في لمّتي
فينجلي حندس أوهامي
الشبح:
وجاء شيخ حائر واجف
مشتعل اللّمّة بالي الإهاب
كأنّما زلزلة تحته
لما به رعشة واضطراب
فصاح: يا ربّاه خذ حكمتي
واردد على عبدك عصر الشباب
إنّ أماني الروح أزهارها
و إنّ روحي اليوم قفر يباب
تلك الأماني، على كذبها،
لم تكن اللّذّة فيها كذّاب
زالت وما زالت º وإنّ الشّقا
أن تطمس الآي ويبقى الكتاب
وتسلب السرحة أرواقها
و لم تزل أعراقها في التراب
كنت غنيّا في زمان الصّبا
و كنت صفر الكفّ، صفر الوطاب
صحوت من جهلي فأبصرتني
كأنّني سفينة في العباب
قيل لها، في البحر كلّ المنى
فلم تجد فب البحر إلاّ الضّباب
نأت عن الشّطّ ولم تقترب
شبرا من السرّ الذي في الحجاب
ولو ترجّى أو به لاشتفت
لكنّما عزّ عليها الإياب
مر تقف الأيّام عن سيرها
فإنّها تركض مثل السّحاب
وضع أمامي، لا ورائي، المنى
وطوّل الدرب، وزد في الصّعاب
ما لذّتي بالماء أروى به
بل لذّتي بالعدو خلف السّراب
الحسناء:
وقالت الحسناء: يا خالقي
و هبتني الحسن فأشقيتني
وجهي سنّي مشرق، وإنّم
مرعى عيون الخلق وجهي السني
حظّي منه حظّ ورد الربى
من عطره الفوّاح والسوسن
ومثل حظّ السرو من فيئه
و الطير من تغريدها المتقن
ومثل حظّ النجم من نوره
في الحندس المعتكر الأدجن
للقائل الفيء، والسامع
التغريد، والزهرة للمجتني
والنور للمدلج والمجتلي،
و الدرّ للغائص والمقتني
كم ريبة دبّت إلى مضجعي
مع الجمال الرائع الممكن
إن عشقت نفسي فويل لها
و الويل لي إن رجل حبّني
السمّ والشوك وجمر الغضا
أهون من كاشحة الألسن
كم تقتفيني نظرات الخنا
ويلي من خائنة الأعين
لم يبق في روحي من موضع
يت ربّ لم يخدش ولم يطعن
إنّ الغنى في الوجه لي آفة
فليت أنّي دمية ليتني ...
الجارية:
وسكتت º فصاحت الجارية
باكية من بؤسها شاكية:
ذنبي إلى هذا الورى خلقتي
فهل أنا المجرمة الجانية؟
إن أخطأ الخزّاف في جبله ال
طين فأيّ ذنب للآنية؟
أليس من يسخر بي يزذري
بالقوّة الموجدة البارية؟
لو كنت حسناء بلغت العلى
فللجمال الرتبة العالية
فبات من أسجد قدّامه
صاغرة يسجد قدّمية
فإنّني في ملإ ظالم
أحكامه جائرة قاسية
ليس لذّات القبح من غافر
وفيه من يغفر للزّانية
نفسي جزء منك، يا خالقي
و إنّها عاقلة راقية
أليس ظلما، وهي بنت العلى،
إن تك بالقبح إذن كاسية؟
فليكن الحسن رداء لها
ترفل به، أو فلتكن عارية
الفقير:
وأقبل الصّعلوك مسترحما
في مقلتيه شبح اليأس
يصرخ يا ربّاه حتّى متى
تحكّم الموسر في نفسي؟
وتضع التاج على رأسه
و تضع الشوك على رأسي؟
ويشرب اللّذّات من كأسه
و أشرب الفصّات من كأسي
وتنجلي الأنجم في ليله
ضاحكة كالغيد في عرس
ويتوارى في نهري السنا
أو يتبدّى حانق الشّمس
يا ربّ لا تنقله عن أنسه
و إنّما إلى الأنس
فإن تشأ أن لا يذوق الهنا
قلبي فجرّدني من الحسّ
لو لم يكن غيري في غبطة
ما شعرت روحي بالبؤس
الغني:
وقال ذو الثّروة: ما أشتهي
لا أشتهي أنّي ذو ثروة
أنفقت أيّامي على جمعها
و خلتني أدركت أمنيتي
فاستعبدتني في زمان الصبا
و أوقرت بالهمّ شيخوختي
قد ملكتني قبلما حزتها
و ملكتني وهي في حوزتي
كنحلة أمسكها شهدها
من الجناحين فلم تفلت
حسبتها تكسبني قوّة
فافترست قوّتها قوّتي
جنت على نفسي وأحلامها
جناية الشوك على الوردة
ينمو فتذوي فهي علّيقه
يحذرها الطائف بالروضة
من قائل عنّي لمن خالني
أمرح من دنياي في جنّة:
لا تنظر الأضواء في حجرتي
وانظر إلى الظلماء في مهجتي
ولا يغرّنّك قصري فما
قصري سوى سجن لحرّيّتي
أنّي في الصرح الرفيع الذرى
كطائر، في قفص، ميّت
كم في عباب البحر من سابح
قد مات ظمآنا إلى قطرة
موت الطوى شرّ ولكنّما
أفظع منه الموت بالتّخمة
إن سهر العاشق من لوعة
أو سهر المحزون من كربه
فالشوق كالحزن له آخر
و ينقضي في آخر المدّة
أمّا أنا فقلقي دائم
ما دمت في مالي وفي فضّتي
والخوف من كارثة لم تقع
أمصّ من كارثة حلّت
كم من فقير مرّ بي ضاحكا
كأنّما يسخر من غصّتي
رأيته بالأمس من كوّتي
فخلتني أنظر من هوّة
وكنت كالحوت رأى موجة
ضاحكة ترقص كالطفله
أو حيّة تدبّ في منجم
ترنو إلى فراشة حرّه
قد اختفت ذاتي في بردتي
فما يرى الخلق سوى بردتي
فهم إذا ما سلّموا سلّموا
على خيوط البرد والحلّة
ربّاه أطلق من عقال الغنى
روحي، فإنّي منه في محنه
وانزع من الدينار من قبضتي
صلابة الدينار من سحنتي
وحوّل المال إلى راحة
و حوّل القصر إلى خيمة
للأبله:
وصرخ الأبله مستفسرا
ما القصد من خلقي كذا والمراد؟
ألم يكن يكمل هذا الورى
إلاّ أوجدتني في فساد
لي صورة النّاس وحاجاتهم
من مطعم أو مشرب أو رقاد
لكنّ لبّي غير ألبابهم
فإنّه مكتنف بالسواد
يعجزني إدراك ما أدركوا
كأنّ عقلي فحمة أو رماد
إن كنت إنسانا فلم يا ترى
لست بادراكي كباقي العباد؟
أولم أكن منهم فمرني أكن
جرادة أو أرنبا أو جواد
فالندّ لا يعدم مع ندّه
ذريعة للسلم أو للجهاد
لا تسخر النّملة من نملة
و ليس يزري بالقراد القراد
أم أنت كالحقل على رغمه
ينمو مع الحنطة فيه القتاد
للأديب:
وجاء بعد المستريب
الألمعي العبقريّ اللّبيب
فقال: إنّي تائه حائر
أنا غريب في مكان غريب
أبحث عن نفسي فلا أهتدي
و ليس يهديني إليها أريب
أنا عليم حيث لا عالم
أنا لبيب عند غير اللّبيب
لو أنّني كنت بلا فطنه
سرت ولم تكثر أمامي الدروب
وكان عقلي كعقول الورى
و كان قلبي مثل باقي القلوب
وثار عندي كالنجوم الورى
فلا عدوّ فيهم أو حبيب
ولم أر في ضحكهم والبكا
شيئا سوى الضّحك وغير النّحيب
ولم أسائل كوكبا طالعا
ما لك تبدو، ولماذا تغيب
ولم أقف في الروض عند الضحى
يذهلني لون وشكل وطيب
ولم أقل ما كنت من قبلما
كنت، ولا ما في سجلّ الغيوب
ما العقل، يا ربّ، سوى محنة
لولاه لم تكتب عليّ الذنوب
الخاتمة:
لمّا وعى الله شكايا الورى
قال لهم: كونوا كما تشتهون
فاستبشر الشيخ وسرّ الفتى
و الكاعب الحسناء والحيزبون
لكنّهم لمّا اضمحلّ الدجى
لم يجدوا غير الذي كانا
هم حدّدوا القبح فكان الجمال
و عرّفوا الخير فكان الطلاح
وليس من نقص ولا من كمال
فالشوك في التحقيق مثل الأقاح
وذرّة الرمل ككلّ الجبال
و كالذي عزّ الذي هانا
إيليا أبو ماضي
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: الثلاثاء 2010/04/13 12:35:45 صباحاً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com