عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > فلسطين > محمود درويش > رُبَّما’ لأَن الشتاء تأخَّر

فلسطين

مشاهدة
4682

إعجاب
1

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

رُبَّما’ لأَن الشتاء تأخَّر

أَقلُّمن الليل تحت المَطَرْ
حنينُ خُمَاسِيّةٍ
إلى أَمسها المُنْتَظَر
وأكثرُ ممَّا تقولُ يَدٌ لِيَدٍ
على عَجَلٍ في مَهَبِّ السَفَرْ
شِماليَّةٌ هذِهِ الريحُ
فليكتبِ العاطفيّون أَهْلُ الكلامِ الجريح
رسائلَ أُخرى إلى ما وراءَ الطبيعةِ
أَمَّا أَنا
فَسَأَرْمي بنفسيْ إِلى الريح...
لا لَيْلَ عِنْدَكِ إذ تَدْلِفينَ
إلى الليل وَحْدَكِ . أَنتِ هُنا
تَكْسِرينَ بنظرتِكِ الوَقْتَ. أَنتِ
هنا في مكانك بعدي وبعدك
ولا أَنْتِ تنتظرين و لا أَحَدٌ يَنْتَظِرْ
لَعَلَّ خياليَ أَوضحُ من واقعي
والرياحُ شماليَّةٌ . لن أُحبَّكِ أكْثَرَ
إن لم تكوني معي
هنا’ الآن ما بين أَيْقُونَتَيْنِ
وجيتارةٍ فَتَحَتْ جُرْحَها للقَمَرْ
أَنا والمسيحُ على حالنا:
يَمُوتُ ويحيا وفي نَفْسِهِ مريمُ
وأَحيا وأَحْلُمْ ثانيةً أَنني أَحلُمُ
ولكنَّ حُلْمى سريعٌ كبرقيَّةٍ
تُذَكِّرُني بالأخُوَّةِ بين السماوات والأرض....
مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ
يصيرُ الحصى لُغَةً أَو صدى
والعواصف في مُتَنَاوَلِ كُلِّ يَدٍ .
ربما كان هذا الحنينُ طريقَتَنا في البقاء
ورائحة العُشْب المَطَرْ
بلا غايةٍ وَضَعَتْنَا السماءُ
على الأرض إِلْفَيْن مؤتلفين وباُسمين مُخْتَلِفَيْنِ
فلا اُسميَ كان يُزَيِّنُ خاتَمَكِ الذهبيِّ
ولا اُسْمُكِ كان يَرِنُّ
كقافيةٍ في كتاب الأَساطير....
أَمثالُنا لا يموتون حُبّاً
ولو مَرَّةً في الغناء الحديث الخفيف
ولا يقفون وحِيدين فوق الرصيف
لأنَّ القطاراتِ أكثرُ من عَدَد المُفْرَدَات
وفي وُسْعنا دائماً أَن نُعِيدَ النظَرْ
وأَمثاُلنا لا يعودون إلاَّ
لِيَسْتَحْسِنُوا وَقع أَقدامهم
على أَرض أَحلامهم
أَو ليعتذروا للطفولة عن حِكْمَةٍ
بلغوها على حافة البئر....
بي مثلُ ما بِكِ من وَحَم الليلِ
يصرُخُ شَخْصٌ: أَنا اُمرأتي
في المنام . وتصرخ أُنثى: أنا رَجُلي
أَيُّنا أَنتَ . أَنتِ؟ نَضِيقُ
نَضِيقُ’ ويتَّسعُ المُنْحَدَرْ...
أَضُمُّكِ’ حتى أَعود إلى عَدَمي
زائراً زائلاً. لا حياةَ ولا
موتَ في ما أُحِسُّ بِهِ
طائراً عابراً ما وراء الطبيعةِ
حين أَضُمُّكِ....
ماذا سنفعلُ بالحُبِّ؟ قُلْتِ
ونحن ندسُّ ملابسنا في الحقائبِ
نأخذُهُ مَعَنا’ أَمْ نُعَلِّقُهُ في الخزانةِ؟
قلتُ: ليَذْهَبْ إلى حيثُ شاءَ
فقد شبَّ عن طَوْقنا ’ وانتشرْ
هَشَاشَتُنا لُؤْلُؤُ الخاسرين
وأَمثالنا لا يزورون حاضِرَهُمْ أَبداً
لا يريدون أَن يبلغوا بلداً
في الطريق إلى الريح’ حيث وُلدنا
على دفعتين: أَنا وجمالُك...
قرْبَ حياتي نَبَتِّ كإحدى
حدائقِ قَيْصَرَ. كَمْ تَرَكَ الأَقوياءُ
لنا شجراً. كَمْ كنتِ
معنى وصورتَه في أعالي الشَجَرْ
أَضمُّكِ بيضاءَ سمراءَ و حتى التلاشي
أُبَعْثُرِ لَيْلَكِ. ثمَّ أُلُمُّكِ كُلَّكِ...
لا شيءَ فيك يزيدُ وينقُصُ عن
جَسَدي. أَنت أُمُّك وابنتُها
تُولَدِين كما تطلبين من الله...
ماذا سنصنع بالأمس؟ قُلتِ
ونحن نُهيل الضباب على غدنا
والفُنُونُ الحديثةُ ترمي البعيدَ إلى
سلَّة المهملات . سيتبعُنا الأمْسُ
قلتُ كما يتبع النَهَوَنْدُ الوَتَرْ
على الجسر قُرْب حياتكِ عشتُ
كما عاش عازفُ جيتارةٍ قرب نجمته.
غنِّ لي مائةً من أَناشيد حُبَّكَ تَدْخُلْ
حياتي! فغنِّى عن الحبِّ تسعاً
وتسعين أُغنيِّةً وانتحرْ
يمرُّ الزمانُ بنا أَو نمرُّ به
كضيوفٍ على حنطة الله
في حاضرٍ سابقٍ حاضر لاحق
هكذا هكذا نحن في حاجة للخرافة
كي نتحمَّلَ عبءَ المسافة ما بَيْن بابين ...
منفىً سخيٌّ على حافَّةِ الأرض
لَوْ لم تكوني هُنَاكَ لَمَا
أَنشأَ الغُرَباءُ القلاعَ وشاعَ التصوُّفُ
لو لم تكوني هنا لاكتَفيْتُ بما
يصنعُ النهرُ بي .... وبوجه الحَجَرْ
ويكفي لأَعرفَ نفسيْ البعيدةَ’ أَن
تُرْجِعِي لِيَ بَرْقَ القصيدةِ حين انقسمتُ
إلى اُثنين في جَسَدِكْ
أَنا لَكِ مِثْلُ يَدِكْ
فما حاجتي لغدي
بعد هذا السفر؟
محمود درويش

ديوان سرير الغريبة
بواسطة
المشرف العام
الإضافة: السبت 2010/05/08 08:29:19 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com