شَرابُ الأَماني لَو عَلِمتَ سَرابُ | |
|
| وَعُتبى اللَيالي لَو فَهِمتَ عِتابُ |
|
إِذا اِرتَجَعَت أَيدي اللَيالي هِاتِها | |
|
| فَغايَةُ هاتيكَ الهِباتِ ذَهابُ |
|
وَهَل مُهجَةُ الإِنسانِ إِلّا طَريدَةٌ | |
|
| تَحومُ عَلَيها لِلحِمامِ عُقابُ |
|
يَخُبُّ بِها في كُلِّ يَومٍ وَلَيلَةٍ | |
|
| مَطايا إِلى دارِ البِلى وَرِكابُ |
|
وَكَيفَ يَغيضُ الدَمعُ أَو يَبرُدُ الحَشا | |
|
| وَقَد بادَ أَقرانٌ وَفاتَ شَبابُ |
|
فَما نابَ عَن خِلِّ الصِبا خِلُّ شَيبَةٍ | |
|
| وَلا عاضَ مِن شَرخِ الشَبابِ خِضابُ |
|
أَلا ظَعَنا مِن صاحِبٍ وَشَبيبَةٍ | |
|
| فَهَل لَهُما مِن ظاعِنينَ إِيابُ |
|
دَعا بِهِما صَرفُ اللَيالي إِلى البِلى | |
|
| فَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ |
|
فَها أَنا أَبكي كُلَّ مَعهَدِ راحَةٍ | |
|
| تَضاحَكَ أَحبابٌ بِهِ وَصِحابُ |
|
أُقَلِّبُ طَرفي لا أَرى غَيرَ لَيلَةٍ | |
|
| وَقَد حُطَّ عَن وَجهِ الصَباحِ نِقابُ |
|
كَأَنّي وَقَد طارَ الصَباحُ حَمامَةٌ | |
|
| يَمُدُّ جَناحَيهِ عَلَيَّ غُرابُ |
|
عَلى حينَ لا غَيرَ اِعتِباري خَطابَةٌ | |
|
| فَتوعى وَلا غَيرَ العَويلِ جَوابُ |
|
وَقَد جاشَ بَحرٌ بَينَ جَنبَيَّ مائِجٌ | |
|
| لَهُ زَخرَةٌ في وَجنَتَيَّ وَعُبابُ |
|
فَيا لَهُم مِن رَكبِ صَحبٍ تَتابَعوا | |
|
| فُرادى وَهُم مُلدُ الغُصونِ شَبابُ |
|
دَعا بِهِم داعي الرَدى فَكَأَنَّما | |
|
| تَبارَت بِهِم خَيلٌ هُناكَ عِرابُ |
|
فَها هُم وَسِلمُ الدَهرِ حَربٌ كَأَنَّما | |
|
| جَثا بَينَهُم طَعنٌ لَهُم وَضِرابُ |
|
هُجودٌ وَلا غَيرَ التُرابِ حَشِيَّةٌ | |
|
| لِجَنبٍ وَلا غَيرَ القُبورِ قِبابُ |
|
فَحَتّى مَتى تَبري اللَيالي سِهامَها | |
|
| وَحَتّى مَتى أُرمى بِها فَأُصابُ |
|
وَحَتّى مَتى أَلقى الرَزايا مُمِضَّةً | |
|
| كَما كَرَعَت بَينَ الضُلوعِ حِرابُ |
|
فَإِمّا كَما تَعدو الضَراغِمُ عَنوَةً | |
|
| وَإِمّا كَما تَمشي الضَراءُ ذِئابُ |
|
فَفي كُلِّ يَومٍ فَتكَةٌ لِمُلِمَّةٍ | |
|
| يُمَزِّقُ جَيبٌ تَحتَها وَإِهابُ |
|
وَرَبعٍ خَلاءٍ مِن خَليلٍ وَإِنَّما | |
|
| تَجافى حُسامٌ مِنهُما وَقِرابُ |
|
يُذَكِّرُنيهِ كُلَّ حينٍ جِوارُهُ | |
|
| فَيُحزِنُني رُزءٌ بِهِ وَمُصابُ |
|
فَلَستُ بِناسٍ صاحِباً مِن رَبيعَةٍ | |
|
| إِذا نَسِيَت رَسمَ الوَفاءِ صِحابُ |
|
أَجَلتُ طِباعي فيهِ فَالأُنسُ وَحشَةٌ | |
|
| طِوالَ اللَيالي وَالنَعيمُ عَذابُ |
|
وَهَيهاتَ لا أَغنى خَليلٌ غِناءَهُ | |
|
| وَهَل عَدَلَ العَذبَ الفُراتَ سَرابُ |
|
وَمِمّا شَجاني أَن قَضى حَتفَ أَنفِهِ | |
|
| وَما اِندَقَّ رُمحٌ دونَهُ وَذُبابُ |
|
وَأَنّا تَجارَينا ثَلاثينَ حِقبَةً | |
|
| فَفاتَ سِباقاً وَالحِمامُ قِصابُ |
|
وَكَيفَ تَهاجَرنا كُهولاً وَإِنَّما | |
|
| لَوى الدَهرُ فَرعَينا وَنَحنُ شَبابُ |
|
كَأَن لَم نَبِت في مَنزِلِ القَصفِ لَيلَةً | |
|
| نُجيبُ بِها داعي الصِبا وَنُجابُ |
|
إِذا قامَ مِنّا قائِمٌ هَزَّ عِطفَهُ | |
|
| شَبابٌ أَرَقناهُ بِهِ وَشَرابُ |
|
جَمَحنا بِمَيدانِ الصِبا ثُمَّ إِنَّنا | |
|
| كَرَرنا فَكانَت فِتنَةٌ وَمَتابُ |
|
وَلَمّا تَراءَت لِلمَشيبِ بُرَيقَةٌ | |
|
| وَأَقشَعَ مِن ظِلِّ الشَبابِ سَحابُ |
|
نَهَضنا بِأَعباءِ اللَيالي جَزالَةً | |
|
| وَأَرسَت بِنا في النائِباتِ هِضابُ |
|
فَيا عَجَباً لِلدَهرِ كَيفَ سَطا بِهِ | |
|
| وَقَد كانَ يُرجى تارَةً وَيُهابُ |
|
وَكَيفَ اِستَلانَت صَولَةُ المَوتِ عودَهُ | |
|
| فَلَم يَنبُ عَنهُ لِلمَنِيَّةِ نابُ |
|
وَلا عَجَباً أَنّا ذَلَلنا لِحادِثٍ | |
|
| تَذِلُّ لَهُ الآسادُ وَهيَ غِضابُ |
|
وَأَنّا خَضَعنا لِلمَقاديرِ عَنوَةً | |
|
| كَما خَضَعَت تَحتَ السُيوفِ رِقابُ |
|
وَلَو أَنَّ غَيرَ اللَهِ كانَ أَصابَهُ | |
|
| لَجاشَت نُفوسٌ لاتُفادُ صِعابُ |
|
فَيا ظاعِناً قَد حُطَّ مِن ساحَةِ البِلى | |
|
| بِمَنزِلِ بَينٍ لَيسَ عَنهُ إِيابُ |
|
كَفى حَزَناً أَن لَم يَرِدني عَلى النَوى | |
|
| رَسولٌ وَلَم يَنفُذ إِلَيكَ كِتابُ |
|
وَأَنّي إِذا يَمَّمتُ قَبرَكَ زائِراً | |
|
| وَقَفتُ وَدوني لِلتُرابِ حِجابُ |
|
فَأَظلَمَ قَرنُ الشَمسِ وَهيَ مُنيرَةٌ | |
|
| وَضاقَت بِلادُ اللَهِ وَهيَ رِحابُ |
|
وَرَقرَقتُ بَينَ الحُزنِ وَالصَبرِ عَبرَةً | |
|
| لَها جَيئَةٌ في مُقلَتي وَذَهابُ |
|
وَلَو أَنَّ حَيّاً كانَ حاوَرَ مَيِّتاً | |
|
| لَطالَ كَلامٌ بَينَنا وَخِطابُ |
|
وَأَعرَبَ عَمّا عِندَهُ مِن جَلِيَّةٍ | |
|
| فَأَقلَعَ عَن شَمسٍ هُناكَ ضَبابُ |
|
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ مِن صاحِبٍ قَضى | |
|
| فَأَجهَشَ رَبعٌ بَعدَهُ وَجَنابُ |
|
تَوَلّى حَميدَ الذِكرِ لَم يَأتِ وَصمَةً | |
|
| فَتَبقى وَلَم تَدنَس عَلَيهِ ثِيابُ |
|
أَغَرُّ طَليقُ الصَفحَتَينِ كَأَنَّما | |
|
| وَراءَ تُرابِ القَبرِ مِنهُ شِهابُ |
|
أَلا إِنَّ جِسماً يَستَحيلُ لِتُربَةٍ | |
|
| وَإِنَّ حَياةً تَنتَهي لَخَرابُ |
|
فَلا سَعيَ إِلّا أَن يَكونَ لِآجِلٍ | |
|
| وَلا ذُخرَ إِلّا أَن يَكونَ ثَوابُ |
|