عناوين ونصوص القصائد   أسماء الشعراء 
شعراء الفصحى في العصر الحديث > مصر > يوسف القرضاوي > ثورة لاجئ

مصر

مشاهدة
2903

إعجاب
6

تعليق
0

مفضل
0

الأبيات
0
إغلاق

ملحوظات عن القصيدة:
بريدك الإلكتروني - غير إلزامي - حتى نتمكن من الرد عليك

إرسال
انتظر إرسال البلاغ...

ثورة لاجئ

رأيته مُطْرِقًا يبكي فأبكاني
وهاج من قلبيَ المكلومِ أشجاني
في زهرة العمر إلا أن دهرك لا
يرعى الشيوخَ ولا يرثي لصبيانِ
في نَضرة الغصن إلا أن عاصفة
هبّت سَمَومًا فأمسى غيرَ فَيْنانِ
تعلوه مِسحة عزٍّ سالفٍ غُشيت
من طول ما ذرّفت للدّمعِ عينانِ
بكى فكادت له نفسي تذوب أسًى
كأن رامِيَه بالسّهم أصماني
دنََوْتُ منه أُحاكيه وأسألُه
علِّي أواسي جراحَ المُثْقَل العاني
سألت:ما اسمُك؟ قال: اسمي يدل على
معنًى غريبٍ على مثلي، أنا هاني
قبّلته بين عينيه وقلت له
هوّنْ عليك وإني خيرُ مِعْوان
يا ناعمَ الظّفر يا ابنَ العز، ما لك لا
تكفّ عن مَدْمَعٍ كالغيث هتّان
ماذا دهاك؟ احْكِ لي، علّ الحديثَ معي
مُجَفّفٌ عنك بعض المدمع القاني
حكى الغلام كأن الله يُلْهِمُهُ
إلهامَ يحيى صبيًّا أو سليمانِ
إنْ شئت يا عمُّ فاسمع قصّةً عجبا
وإن تكن عُرِفت لِلقاصِ والدّاني
يا عمُّ إنيَ غصنٌ لا حياة له
قُطِّعْتُ بالغدر عن أصلي وسيقاني
فقدت روحي أمي والحبيبَ أبي
فقدت أهلي وأرحامي وجيراني
واللاعبون معي في شارعي ذهبوا
موتى استراحوا، وموتى شأنهم شاني
لقد تفرق أهل الحي في بلد
إلى الكهوف بأقطار وبلدان
فقدْتُهم، ففقدْتُ العيشَ بعدَهُمُ
كيف الحياةُ بلا أهلٍ وخِلان؟!
كيف الحياةُ لعصفورٍ بباديةٍ
ولا أليفَ وقد هِيضَ الجناحان؟!
فقدت كلَّ عزيزٍ لي، فلا وطنٌ
ولا حبيبٌ، ولا داري وبستاني
دارُ الجدود التي فيها صِبايَ رَبا
وطالما وسعت لعبي وإخواني
لقد شهِدْتُ أبي والموتُ يصرعه
ولم يجدْ مُسعفًا من قلب إنسان
نادى: بني اسقني فالصّدرُ ملتهبٌ
فقلت: نفسي الفدا للوالد الحاني!
ناولته الماء أسقيه، فقبّلني
وأسلم الروح في طُهْرٍ وإيمانِ
يا عمُّ مات أبي في خير معركة
وما بكيت عليه مثل أوطاني
قد مات يدفع عن أرضٍ وعن شرفٍ
لصوصَ أرضٍ وأعراضٍ وأديانِ
ما مات، بل هو عند الله ألمحه
في الخُلدِ يسرح طيرا بين أفنان
يا عمُّ ذي هي مأساتي التي قصفت
عُودي كما عصفت مثلي بعيدان
مأساة شعب غدا يحيا بلا وطنٍ
واللصُّ يمرحُ فيه غيرَ خزيانِ
أراد أهلُ العمى أن يقسِموا امرأةً
ما بين زوجٍ وعادٍ غاصبٍ ثانِ!
فهل تسوِّغ هذا شِرعةٌ عُرِفت؟
أم هل يصدّقُ هذا عقلُ إنسان؟
مسحتُ دمع الفتى الباكي وقلت له:
سمعتُ منك فخذ فكري ووجداني
بُنيَّ، جُرحُك في قلبي يسيل دما
فارحمْ صِباك فما أشجاك أشجاني
جُرحُ العروبةِ والإسلامِ في بلد ال
إسراء لم يختلف في شأنه اثنان
فلا تظنّك غصنا لا أصولَ له
فقد شُدِدْتَ إلى أصلٍ وأغصانِ
لا تأس أَن عشت بعد الأهل منفردا
فكلنا لك ذاك الوالدُ الحاني
وكل أزواجنا أُمٌّ بها شغفٌّ
لتفتديك بروحٍ قبل جثمان
ودارنا لك دار لو رضيت بنا
أهلا بأهل، وإخوانا بإخوان
فإن تعش أنت والأهلون قد رحلوا
ففيك سرُ بقاء الشعب يا هاني
قد عشت حقا لأمر لا خفاءَ به
وحكمةُ الله تخفى بعضَ أحيانِ
قد عشتَ للنصر بالإصرار تغرسُهُ
فتجتنيه ثمارا ذاتَ ألوانِ
فاخلعْ ثيابَ الأسى واليأسِ مرتديًا
ثوبَ الجهادِ نشيطًا غيرَ كسلانِ
تعلمِ الحربَ في سرٍّ وفي علنٍ
فوق الجبال وفي سهلٍ ووديانِ
واجمع رفاقَك وانفُخْ في عزائمهم
مِمَّا بصدرك من عزمٍ وإيقان
وقل لِصهيونَ: لسنا أمةً همجًا
تمضي سفينتُها من غيرِ رُبّانِ!
وقل لمن حسبونا قطعةً نُظِمت
من غير قافيةٍ من غير أوزانِ
معاذَ ربي أن تنحلَّ عروتُنا
أو أن نتيهَ وفينا نورُ قرآنِ
تهلّلَ الناشئُ الباكي وقال: أجل
يا عمُّ إنِّيَ في أهلي وأوطاني
يا عمُّ أحْيَيْتَ من عزمي ومن ثقتي
هَبْني يمينا أُقبِّلْها بشكرانِ
اليأس كفر إذا ما حلّ صدر فتًى
والحمد لله قد جدّدْتُ إيماني
جعلتَ مِنّيَ إنسانا له هدف
وكنتُ من قبل أحيا بعضَ إنسانِ
إني أحس لماذا عشت بعد أبي
ولم أمُتْ مع أهلي مثلَ أقراني
إني حييت ليومٍ لا مردَّ له
للثأرِ للدمِ لاستردادِ أوطاني
لأستعيدَ فلسطينا كما غُصِبَت
بالدم لا بدموعٍ أو بتَحْنانِ
لأزرعَ الأرضَ ألغاما أفجرُها
نارا على من بها بالأمس أصلاني
لأحملَ المِدفعَ الجبارَ أطلقه
في صدرِ مَنْ قتلوا أهلي وإخواني
لأنزعَ الدارَ والأرضَ التي نهبوا
من كل لصٍّ ونهَّاب وخَوَّانِ
لأُرجعَ القبلةَ الأولى مُطَهّرةًّ
من كلّ قردٍ وخنزيرٍ وشيطانِ
لأستردَّ ثغورَ الأمسِ ضاحكةً
حيفا ويافا وعكا روح بلدانِ
لكي تعودَ تُدَوِّي في مآذِنِها
اللهُ أكبرُ من آنٍ إلى آنِ
أمي فلسطينُ لا تأسَي ولا تَهِنِي
إنا سنفديك من شِيبٍ وشُبّانِ
سنُرْخِصُ الموتَ بالأرواح نبذلها
سنُعمل السيفَ في سرٍّ وإعلانِ
إذا انتصرنا ففي عزٍّ ومَكْرُمةٍ
وإن قُتِلْنا ففي جنّاتِ رضوانِ
يوسف القرضاوي
بواسطة: الشاعر الشهاوى
التعديل بواسطة: الشاعر الشهاوى
الإضافة: الخميس 2011/06/16 11:28:44 مساءً
التعديل: الجمعة 2011/06/17 07:46:10 مساءً
إعجاب
مفضلة

أضف تعليق

يجب تسجيل الدخول أو الاشتراك أو تفعيل الحساب اذا كنت مشترك لإضافة التعليق


أعلى القصائد مشاهدة للشاعر
أعلى القصائد مشاهدة خلال 24 ساعة الماضية
انتظر معالجة القصيدة ...
جميع الحقوق محفوظة لبوابة الشعراء .. حمد الحجري © 2005 - برمجة وتصميم
info@poetsgate.com