يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ | |
|
| وَقَعتَ في ذاكَ عَلى الخَبيرِ |
|
سَأَلتَني أَيُّ الزَمانِ أَحلى | |
|
| وَأَيُّهُ بِالقَصفِ عِندي أَولى |
|
عِندِيَ في وَصفِ الفُصولِ الأَربَعَهْ | |
|
| مَقالَةٌ تُغني اللَبيبَ مُقنِعَهْ |
|
أَمّا المَصيفُ فَاِستَمِع ما فيهِ | |
|
| مِن فَطِنٍ يُفهِمُ سامِعيهِ |
|
فَصلٌ مِنَ الدَهرِ إِذا قيلَ حَضَرْ | |
|
| أَذكَرَنا بِحَرِّهِ نارَ سَقَرْ |
|
تُبصِرُ فيهِ النَبتَ مُقشَعِرّا | |
|
| وَالأَرضَ تَشكو حَرَّهُ المُضِرّا |
|
نَهارُهُ مُقَسَّمٌ بَينَ قِسَمْ | |
|
| جَميعُها يُعابُ عِندي وَيُذَمُّ |
|
أَوَّلُهُ فيهِ نَدىً مُبَغِّضُ | |
|
| كَأَنَّهُ عَلى القُلوبِ يَقبِضُ |
|
يَلصَقُ مِنهُ الجِسمُ بِالثِيابِ | |
|
| وَتَعلَقُ الأَذيالُ بِالتُرابِ |
|
حَتّى تَراها مِثلَ مِنديلِ الغَمَرْ | |
|
| فيهِنَّ تَخطيطٌ كَتَخطيطِ الحِبَرْ |
|
حَتّى إِذا ما طَرَدَتهُ الشَمسُ | |
|
| وَفَرِحَت بِأَن يَزولَ النَفَسُ |
|
فَتَّحَتِ النارُ لَهُ أَبوابَها | |
|
| وَشَبَّ فيها مالِكٌ شِهابَها |
|
حَرٌّ يُحيلُ الأَوجُهَ الغُرّانا | |
|
| حَتّى تَرى الرومُ بِهِ حُبشانا |
|
يَعلو بِهِ الكَربُ وَيَشتَدُّ القَلَقْ | |
|
| وَتَنضُحُ الأَبدانُ مِنهُ بِالعَرَقْ |
|
تُبصِرُهُ فَوقَ القَميصِ قَد عَلا | |
|
| حَتّى تَرى مُبيَضَّهُ مُصَندَلا |
|
إِن كانَ رَثّاً زادَ في تَمزيقِهِ | |
|
| أَو مُستَجَدّاً حَلَّ حَبلَ زيقِهِ |
|
ثُمَّ يُعيدُ الماءَ ناراً حامِيَهْ | |
|
| يَزيدُ في كَربِ القُلوبِ الصادِيَهْ |
|
شارِبُهُ يَكرَعُ في حَميمِ | |
|
| كَأَنَّه مِن ساكِني الجَحيمِ |
|
يُنسيهِ ما يَلقى مِنَ التَهابِهِ | |
|
| أَن يَحمدَ اللَهَ عَلى شَرابِهِ |
|
حَتّى إِذا عَنّا اِنقَضى نَهارُهُ | |
|
| وَأُرخِيَت مِن لَيلِهِ أَستارُهُ |
|
تَحَرَّكَت في جُنحِهِ دَواهي | |
|
| سارِيَةٌ وَأَنتَ عَنها ساهي |
|
مِن عَقرَبٍ يَسعى كَسَعيِ اللِصِّ | |
|
| سِلاحُها في إِبَرٍ كَالشِّصِّ |
|
وَحَيَّةٍ تَنفُثُ سُمّا قاتِلا | |
|
| تُزَوِّدُ المَلدوغَ حَتفاً عاجِلا |
|
تُبصِرُ ما في جِلدِها مِنَ الرَقَشْ | |
|
| كَوَجنَةٍ مُصفَرَّةٍ فيها نَمَشْ |
|
لَو نَهَشَت بِالنابِ مِنها الخَضرا | |
|
| لَبَتَرَت مِنهُ الحَياةَ بَترا |
|
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ في إِبانِهِ | |
|
| عَلى الَّذي وَصَفتُهُ مِن شانِهِ |
|
أَبشِر بِما شِئتَ مِنَ الصِراعِ | |
|
| فَضلاً عَنِ التَهويسِ وَالصُداعِ |
|
وَعِلَلٍ تُعجِزُ إِحصاءَ العَدَدْ | |
|
| مِن جَرَبٍ وَمِن دُوارٍ وَرَمَدْ |
|
وَبَعدُ حُمّى الكِبْدِ لا تَنساهُ | |
|
| لِأَنَّهُ أَوَّلُ ما تَلقاهُ |
|
وَلا تَقُل إِن جاءَ يَوماً أَهلا | |
|
| فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ فَصلا |
|
حَتّى إِذا زالَ أَتى الخَريفُ | |
|
| فَصلٌ بِكُلِّ سَوءَةٍ مَعروفُ |
|
أَهوِيَةٌ تُسرِعُ في كُلِّ الجَسَدْ | |
|
| وَهُوَ كَطَبعِ المَوتِ يُبساً وَبَرَدْ |
|
يُخشى عَلى الأَجسامِ مِن آفاتِهِ | |
|
| فَأَرضُهُ قَرعاءُ مِن نَباتِهِ |
|
لا يُمكِنُ الناسَ اِتِّقاءُ شَرِّهِ | |
|
| مِن اِختِلافِ بَردِهِ وَحَرِّهِ |
|
تُبصِرُهُ مِثلَ الصَبِيِّ الأَرعَنِ | |
|
| في كَثرَةِ التَغييرِ وَالتَلَوُّنِ |
|
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ لِلعُقارِ | |
|
| في حينِهِ بِاللَيلِ وَالنَهارِ |
|
فَأَنتَ مِنهُ خائِفٌ عَلى حَذَرْ | |
|
| لِأَنَّهُ يَمزُجُ بِالصَفوِ الكَدَرْ |
|
أَحسَن ما يُهدي لَكَ النَسيما | |
|
| يَقلِبُهُ في ساعَةٍ سَموما |
|
وَهُوَ عَلى المَعدودِ مِن ذُنوبِهِ | |
|
| خَيرٌ مِنَ الصَيفِ عَلى عُيوبِهِ |
|
حَتّى إِذا ما أَقبَلَ الشِتاءُ | |
|
| جاءَتكَ مِنهُ غُمَّةٌ غَمّاءُ |
|
أَقبَلَ مِنهُ أَسَدٌ مَزيرُ | |
|
| لَهُ وَعيدٌ وَلَهُ تَحذيرُ |
|
لَو أَنَّهُ روحٌ لَكانَ فَدما | |
|
| أَو أَنَّهُ شَخصٌ لَكانَ جَهما |
|
يَأتيكَ في إِبّانِهِ رِياحُ | |
|
| لَيسَ عَلى لاعِنِها جُناحُ |
|
حَراكُها لَيسَ إِلى سُكونِ | |
|
| تَضُرُّ بِالأَسماعِ وَالعُيونِ |
|
يَحدُثُ مِن أَفعالِها الزُكامُ | |
|
| هذا إِذا ما فاتَكَ الصِدامُ |
|
ثُمَّ يَليها مَطَرٌ مُداوِمُ | |
|
| كَأَنَّهُ خَصمٌ لَنا مُلازِمُ |
|
يَقطَعُنا بُغضاً عَنِ الطَريقِ | |
|
| وَعَن قَضاءِ الحَقِّ لِلصَّديقِ |
|
وَرُبَّما خَرَّ عَلَيكَ السَقفُ | |
|
| وَإِن عَفا عَنكَ أَتاكَ الوَكفُ |
|
هذا وَكَم فيهِ مِنَ المَغارِمِ | |
|
| وَكَثرَةُ الإِنفاقِ لِلدَّراهِمِ |
|
في مَلبَسٍ يَدفَعُ شَرَّ بَردِهِ | |
|
| يَكُفُّ مِنهُ غَربَ حَدِّهِ |
|
مَلابِسٌ تُعيي الجَليدَ حَملا | |
|
| كَأَنَّما يَحمِلُ مِنها ثِقلا |
|
يَحكي بِها المَنحوفُ أَصحابَ السِمَنْ | |
|
| لكِن تَراهُ سِمَناً غَيَرَ حَسَنْ |
|
فَإِن أَرَدتَ بِالنَهارِ الشُربا | |
|
| فيهِ فَقَد قاسَيتَ خَطباً صَعبا |
|
وَاِحتَجتَ أَن توقِدَ فيهِ النارا | |
|
| تُطيرُ نَحوَ الحَدَقِ الشَرارا |
|
تَترُكُ مُبيَضَّ الثِيابِ أَرقَطا | |
|
| تَحكي السَعيدِيَّ لَكَ المُنَقَّطا |
|
وَبَعدَ ذا تُسَدِّدُ النِّقابا | |
|
| مِن خَوفِهِ وَتُغلِقُ الأَبوابا |
|
نَعَم وَتُرخي نَحوَهُ السُتورا | |
|
| حَتّى تَرى صَباحَهُ دَيجورا |
|
فَحُسنُ لَونِ الراحِ فيهِ لا يُرى | |
|
| لِأَنَّهُ صارَ سَواءً وَالدُجى |
|
تَشرَبُ فيهِ إِن شَرِبتَ الخَمرا | |
|
| لَيسَ لِأَن تَلهُوَ أَو تُسَرّا |
|
لكِن لِتَحمي خَصَرَ الأَعضاءِ | |
|
| فَشُربُها ضَربٌ مِنَ الدَواءِ |
|
وَإِن أَرَدتَ الشُربَ في الظَلامِ | |
|
| عاقَكَ عَن تَناوُلِ المُدامِ |
|
حَسبُكَ أَن تَندَسَّ في اللِحافِ | |
|
| مِن خِشيَةِ البَردِ عَلى الأَطرافِ |
|
وَرِعدَةٍ تَشغَلُ عَن كُلِّ عَمَلْ | |
|
| وَتُؤثِرُ النَومَ وَتَستَحلي الكَسَلْ |
|
حَتّى إِذا مِلتَ إِلى الرُقادِ | |
|
| نِمتَ عَلى فَرشٍ مِنَ القَتادِ |
|
إِنَّ البَراغيثَ عَذابٌ مُزعِجُ | |
|
| لِكُلِّ ما قَلبٍ وَجِلدٍ تُنضِجُ |
|
لا يُستَلَذُّ جَنبُهُ المَضاجِعا | |
|
| كَأَنَّما أَفرَشتَهُ مَباضِعا |
|
قُبِّحَ فَصلا فَوقَ ما ذَمَمتُهُ | |
|
| لَو أَنَّهُ يَظهَرُ لي قَتَلتُهُ |
|
حَتّى إِذا ما هُوَ عَنّا بانا | |
|
| وَزالَ عَنّا بَعضُهُ لا كانا |
|
جاءَ إِلَينا زَمَنُ الرَبيعِ | |
|
| فَجاءَ فَصلٌ حَسَنٌ الجَميعِ |
|
لِبَردِهِ وَحَرِّهِ مِقدارُ | |
|
| لَم يَكتَنِف حَدَّهُما الإِكثارُ |
|
عُدِّلَ في أَوزانِهِ حَتّى اِعتَدَلْ | |
|
| وَحُمِدَ التَفصيلُ مِنهُ وَالجُمَلْ |
|
نَهارُهُ مِن أَحسَنِ النَهارِ | |
|
| في غايَةِ الإِشراقِ وَالإِسفارِ |
|
تَضحَكُ فيهِ الشَمسُ مِن غَيرِ عَجَبْ | |
|
| كَأَنَّها في الأُفْقِ جامٌ مِن ذَهَبْ |
|
وَلَيلُهُ مُستَلطَفُ النَسيمِ | |
|
| مُقَوَّمٌ في أَحسَنِ التَقويمِ |
|
لِبَدرِهِ فَضلٌ عَلى البُدورِ | |
|
| في حُسنِ إِشراقٍ وَفَرطِ نورِ |
|
كَجامَةِ البَلّورِ في صَفائِها | |
|
| أَو غَرَّةِ الحَسناءِ في نَقائِها |
|
كَأَنَّها إِذا دَنَت مِن نَجرِهِ | |
|
| جَوزاؤُهُ قَبلَ طُلوعِ فَجرِهِ |
|
رومِيَّةٌ حُلَّتُها زَرقاءُ | |
|
| في الجيدِ مِنها دُرَّةٌ بَيضاءُ |
|
هذا وَكَم يَجمَعُ مِن أُمورِ | |
|
| إِسرافُ مُطريها مِنَ التَقصيرِ |
|
فيهِ تَظَلُّ الطَيرُ في تَرَنُّمِ | |
|
| حاذِقَةً بِاللَحنِ لَم تُعَلَّمِ |
|
غِناؤُها ذو عُجمَةٍ لا يَفهَمُهْ | |
|
| سامِعُهُ وَهوَ عَلى ذا يُغرَمُهْ |
|
مِن كُلِّ دُبسِيٍّ لَهُ رَنينُ | |
|
| وَكُلُّ قُمرِيٍّ لَهُ حَنينُ |
|
في قُرطَقٍ أُعجِلُ أَن يُوَرَّدا | |
|
| خاطَ لَهُ الخِياطُ طَوقاً أَسوَدا |
|
تُبصِرُهُ مِنهُ عَلى الحَيزومِ | |
|
| كَمِثلِ عِقدِ سَبَجٍ مَنظومِ |
|
هذا وَفيهِ لِلرِّياضِ مَنظَرُ | |
|
| يُفشي الثَرى مِن سِرَّها ما يُضمِرُ |
|
سِرّ نَباتٍ حُسنُهُ إِعلانُه | |
|
| إِذا سِواهُ زانَهُ كِتمانُهُ |
|
فيهِ ضُروبٌ لِلنَّباتِ الغَضِّ | |
|
| يَحكي لِباسَ الجُندِ يَومَ العَرضِ |
|
مِن نَرجَسٍ أَبيَضَ كَالثَغورِ | |
|
| كَأَنَّهُ مَخانِقُ الكافورِ |
|
وَرَوضَةٍ تُزهِرُ مِن بَنَفسَجِ | |
|
| كَأَنَّها أَرضٌ مِنَ الفَيروزَجِ |
|
قَد لَبِسَت غِلالَةً زَرقاءَ | |
|
| فَكايَدَت بِلَونِها السَماءَ |
|
تُبصِرُها كُثاكِلٍ أَولادَها | |
|
| قَد لَبِسَت مِن حَزَنٍ حِدادَها |
|
يَضحَكُ فيها زَهَرُ الشَقيقِ | |
|
| كَأَنَّهُ مَداهِنُ العَقيقِ |
|
مُضَمَّناتٍ قِطَعَاً مِنَ السَبَجْ | |
|
| فَأَشرَقَت بَينَ اِحمِرارٍ وَدَعَجْ |
|
كَأَنَّما المُحَمَرُّ في المُسوَدِّ | |
|
| مِنهُ إِذا لاحَ عُيونُ الرُمدِ |
|
أَما تَرى أَترُجَّهُ ما أَحسَنَهْ | |
|
| يَختالُ في غَلائِلٍ مُبَيِّنَهْ |
|
وَاِنظُر إِلى الخَشخاشِ إِن نَظَرتا | |
|
| يَحكي كُراتٍ ظُوِهرَت كَيمَختا |
|
وَاِرمِ بِعَينَيكَ إِلى البَهارِ | |
|
| فَإِنَّهُ مِن أَحسَنِ الأَنوارِ |
|
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن عَسجَدِ | |
|
| قَد سُمِّرَت في قُضُبِ الزَبَرجَدِ |
|
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلا تَخَلَّفِ | |
|
| فَلَستَ في ذلِكَ بِالمُعَنَّفِ |
|
وَاِشرَب عُقاراً طالَ فينا كَونُها | |
|
| يَصفَرُّ مِن خَوفِ المِزاجِ لَونُها |
|
مِن كَفِّ ظَبيٍ مِن بَني النَصارى | |
|
| أَلبابُنا في حُسنَهِ حَيارى |
|
إِذا بَدا جَمالُهُ لِذي النَظَرْ | |
|
| قالَ تَعالى اللَهُ ما هذا بَشَرْ |
|
يُبدي جَمالاً جَلَّ عَن أَن يوصَفا | |
|
| لَو أَنَّهُ رِزقُ حَريصٍ لَاِكتَفى |
|
تَزينُهُ أَحشاءُ كَشحٍ طاوِيَهْ | |
|
| وَسُرَّةٌ مَحشُوَّةٌ بِالغالِيَهْ |
|
لا سِيَّما مَع مُسمِعٍ وَزامِرِ | |
|
| قَد سَلِما مِن وَحشَةِ التَنافُرِ |
|
دونَكَ هذي صِفَةُ الزَمانِ | |
|
| مَشروحَةً في أَحسَنِ التِبيانِ |
|
فَأَصغِ نَحوَ شَرحِها كَي تَسمَعا | |
|
| وَلا تَكُن لِحَقِّها مُضَيِّعا |
|
وَاِرضَ بِتَقليديَ فيما قُلتُهُ | |
|
| فَإِنَّني أَدري بِما وَصَفتُهُ |
|
وَلا تُعارِضنِيَ في هذا العَمَلْ | |
|
| فَإِنَّني شَيخُ المَلاهي وَالغَزَلْ |
|