أَبا الفَضلِ طالَ اللَيلُ أَم خانَني صَبري | |
|
| فَخيِّل لي أَنَّ الكَواكِب لا تَسري |
|
أَرى الرَملَة البَيضاء بَعدَكَ أَظلَمَت | |
|
| فَدَهري لَيلٌ لَيسَ يُفضي إِلى فَجرِ |
|
وَما ذاكَ إِلّا أَنَّ فيها وَديعَة | |
|
| أَبى ربها أَن تَستَرِد إِلى الحَشرِ |
|
رَزيت بِملء العَين يُحسَب كَوكَباً | |
|
| تولَّد بَينَ الشَمس وَالقَمَر وَالبَدرِ |
|
بِأَبلَجَ لَو يَخفي لَنَمَّ ضِياؤُهُ | |
|
| عَلَيهِ كَما نَمَّ النَسيمُ عَلى الزَهرِ |
|
بِنَفسي هِلال كُنتُ أَرجو تَمامَهُ | |
|
| فَعاجله المِقدار في غُرَّة الشَهرِ |
|
وَشِبل رَجَونا أَن يَكون غَضَنفَراً | |
|
| فَماتَ وَلَم يَجرح بِنابٍ وَلا ظفرِ |
|
أَتاهُ قَضاءُ اللَهِ في دار غُربَةٍ | |
|
| بِنَفسي غَريبُ الأَصلِ وَالقَبرِ وَالقَدرِ |
|
أُحَمِّلُهُ ثقل التُرابِ وَإِنَّني | |
|
| لأَخشى عَلَيهِ الثُقلَ مِن مَوطءِ الذَرِ |
|
وَأودعه غَبراء غَيرَ أَمينَةٍ | |
|
| عَلَيهِ وَلَكِن قادَ شر إِلى شَرِّ |
|
فَواللَهِ لَو أَسطيعَ قاسَمتُهُ الرَدى | |
|
| فَمُتنا جَميعاً أَو لقاسَمَني عُمري |
|
وَلَكِنّما أَرواحَنا مُلكَ غَيرِنا | |
|
| فَماليَ في نَفسي وَلا فيهِ مِن أَمرِ |
|
وَما اقتَضتِ الأَيّام إِلّا هِباتها | |
|
| فألّا اقتَضتها قَبلَ أَن مَلأتَ صَدري |
|
وَمِن قبل أَن يَجري هَواهُ وَإِلفه | |
|
| بِقَلبي جَريَ الماء في الغُصُنِ النَضرِ |
|
وَلا حُزنَ أَلّا يَومَ وَارَيتُ شَخصَهُ | |
|
| وَرُحتُ بِبَعضِ النَفسِ وَالبعض في القَبرِ |
|
وَأَعلَمُ أَنَّ الحادِثاتِ بِمُرصِدٍ | |
|
| لِتأخُذ كُلّي مِثلَما أَخذت شَطري |
|
أَحينَ نَضا ثَوب الطُفولَة ناسِلاً | |
|
| كَما يَنسَّلُ الرِيش اللَوام عَن النَسرِ |
|
وَخَلَّى رِضاعَ الثَدي مُستَبدِلاً بِهِ | |
|
| أَفاويق مِن دَرِّ البَلاغَة وَالشِعرِ |
|
وَالقى تَميمات الصِبا وَتباشَرَت | |
|
| حَمائِل أَغماد المهنَّدَةِ البُترِ |
|
وَبانَ عَلَيهِ الفَضل قَبلَ اثِّغارِهِ | |
|
| وَيَبدو وَإِن لَم يثَّغر كرم المُهرِ |
|
وَقامَت عَلَيهِ لِلعَلاءِ شَواهِدُ | |
|
| كَما استَشهَد العَضب السَريجي بِالأَثَرِ |
|
وَخَبَّرنا عَن طيبهِ ماء وَجهِهِ | |
|
| كَتَخبير ماء الظَلم عَن طيبة الثَغَرِ |
|
وَجادَت بِهِ الأَيام وَهيَ بَخيلَة | |
|
| وَقَد يَنبَع الماء الزُلال مِنَ الصَخرِ |
|
طَواهُ الرَدى طَيَّ الرِداءِ فَأَصبَحَت | |
|
| مَغانيهِ ما فِيهِنَّ مِنهُ سِوى الذِكرِ |
|
فَجادَ عَلى قَسرٍ بِباقي ذِمائِهِ | |
|
| وَقَد كانَ مِمَّن لا يَجود عَلى القَسرِ |
|
فَإِن أَبكِ فَالقُربى القَريبَةُ تَقتَضي | |
|
| بُكايَ وَإِن أَصبِر فَبَقياً عَلى الأَجرِ |
|
فَبي مِنهُ ما يوهي القوى غَيرَ أَنَّني | |
|
| بُنيتُ كَما يُبنى الكَريم عَلى الصَبرِ |
|
وَما صَبرُ مَحزونٍ جناح فؤادِهِ | |
|
| يُرَفرِفُ ما بَينَ التَرائِبِ وَالنَحرِ |
|
يُقَلِّبُ عَيناً ما تَنامُ كَأَنَّها | |
|
| بِلا هَدبٍ يُثنى عَلَيها وَلا شَفرِ |
|
غَطا دمعها أَنسانُها فَكَأَنَّها | |
|
| غَريق تَسامى فَوقه لُجَجُ البَحرِ |
|
يُنَغِّصُ نَومي كُلَّ يَومٍ وَيقظَتي | |
|
| خَيالٌ لَهُ يَسري وَذِكرٌ لَهُ يَجري |
|
وَيوسع صَدري بِالزَفير ادِّكاره | |
|
| عَلى أَنَّ ذاكَ الوسع أَضيقُ لِلصَّدرِ |
|
وَقالوا سيسليه التأَسّي بِغَيرِهِ | |
|
| فَقُلتُ لَهُم هَل يَطفأ الجَمرُ بِالجَمرِ |
|
أَيندَمِلُ الجَرحُ الرَغيب بِمِثلِهِ | |
|
| إِلّا لا وَلَكِن يَستَطيرُ وَيَستَشري |
|
وَلَيتَ التأسي بِالمُصيبَةِ كائِنٌ | |
|
| كفافاً فَلا يُسلي هُناك وَلا يُغري |
|
فَلا تَسأَلوني عَنهُ صَبراً فَإِنَّني | |
|
| دفنت بِهِ قَلبي وَفي طَيِّهِ صَبري |
|
فإلّا تَكُن قَلبي فَإِنَّكَ شَطرِهِ | |
|
| قُددتَ كَما قُدَّ الهِلالُ مِنَ البَدرِ |
|
أَيا نِعمَةً حَلَّت وَوَلَّت وَلَم أَكُن | |
|
| نهَضتُ بِما لِلَّهِ فيها مِنَ الشُكرِ |
|
وَضاعفَ وَجدي أَن قَضيتَ وَلَم تُقِم | |
|
| مَقامَ الشَجا المَعروض في ثَغرة الثَغرِ |
|
وَلَم تَلقَ صَفّاً مِن عِداكَ بِمِثلِهِ | |
|
| كَما أَسنَد الكِتاب سَطراً إِلى سَطرِ |
|
وَما خُضتَ جَيشاً بِالدِماءِ مُضمَّخاً | |
|
| يَرى بيضُهم مِثلَ الحَبابِ عَلى الخَمرِ |
|
وَلَم تَختَصِم حوليك أَلسِنَة القَنا | |
|
| فَتَحكُمُ في الهَيجاء بِالعرف وَالنُكرِ |
|
بَضَربٍ يَطير البَيضُ مِن حَرِّ وَقعِهِ | |
|
| شَعاعاً كَما طارَ الشَرارُ عَن الجَمرِ |
|
تَرى زرد الماذيِّ مِنهُ مفكَّكاً | |
|
| يَطيح كَما طاحَ القُلامُ عَن الظفرِ |
|
وَلَمّا تُضِف في نَصرَةِ اللَهِ طعنه | |
|
| إِلى ضَربَةٍ كالبِئرِ فَوقَ شَفا نَهرِ |
|
وَلَمّا تَقُم لِلَّهِ بِالقِسطِ مَوقِفاً | |
|
| سَأَقضي وَلمّا أَقضِ مِن مِثلِهِ نذري |
|
وَلَم تَمشِ في ظِلِّ اللواء كَما مَشى | |
|
| إِلى الصَيدِ فهد تَحتَ رفرفة الصَقرِ |
|
وَلَم تُخفِق النيران حَولَك للقِرى | |
|
| كَما خفقت أَطراف الويةٍ حُمرِ |
|
وَلَم تَقفُ أَبكار المَعاني وعونِها | |
|
| فَتَرغب فيها مِن عَوانٍ إِلى بِكرِ |
|
وَلَمّا تَبارى النَجم ضوءاً ورِفعَةً | |
|
| وَصيتاً وَأَنواءً وَهَدياً إِذا يَسري |
|
وَلَم تَخجَل الرَوض الأَنيق بِرَوضَةٍ | |
|
| مفوَّقةِ الأَرجاءِ بِالنَظمِ وَالنَثرِ |
|
وَلَمّا تَقم في مَشهَدٍ بَعدَ مَشهَدٍ | |
|
| تَصدّق أَخبار المَخايلَ بِالخُبرِ |
|
وَما قلت إِلّا ما ذَكاؤُكَ ضامِنٌ | |
|
| لَهُ كَضَمانات السَحائِب لِلقَطر |
|
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ربك إِن تَكُن | |
|
| عبرت إِلى الأُخرى فَنَحنُ عَلى الجِسرِ |
|
وَما نَحنُ إِلّا مِثلَ أَفراس حلبةٍ | |
|
| تَقَدَّمنا شيء وَنَحنُ عَلى الإِثرِ |
|
وَلَمّا تَجارَينا وَغايَة سَبقنا | |
|
| إِلى المَوتِ كانَ السَبقُ لِلجَذَعِ الغَمرِ |
|
مَحاك الرَدى مِن رأي عَيني وَمامَحا | |
|
| خَيالك مِن قَلبي وَذِكرك مِن فِكري |
|
فَما أَنسَ مِن شيء وَإِن جَلَّ قدره | |
|
| فَإِنَّكَ مِنّي ما حَييتُ عَلى ذِكرِ |
|
وَإِنّي مِن دَهرٍ أَصابَكَ صِرفِهِ | |
|
| وَأَخطأَني مِن أَن يُصيبَ عَلى حِذرِ |
|
رحلتَ وَخَلَّفتَ الَّذينَ تَرَكتَهُم | |
|
| وَراءَكَ بالأَحزانِ وَالهَمِّ وَالفِكرِ |
|
فَلَو لفضتكَ الأَرض قلت تَشابَهت | |
|
| مَناظِر من في البطن مِنها وَفي الظَهرِ |
|
وَلا فَرقَ فيما بَينَنا غَيرَ أَنَّنا | |
|
| بِمَسِّ الأَذى نَدري وَأَنَّكَ لا تَدري |
|
رَجوتك للدُّنيا وَللدِّينِ قَبلَها | |
|
| وَرُحتَ بِكَفٍ مِن رَجائِهما صِفرِ |
|
أَزورَكَ إِكراماً وَبِرّاً وَفي البِلى | |
|
| لِمثلِكَ شغل عَن وَفائي وَعَن بِرّي |
|
وَلَمّا أَتى بَعدَ المَشيب عَدَلتُهُ | |
|
| بِعَصر الشَباب الغَضِّ بورك من عَصرِ |
|
وَقلت شَبابُ ابني شَبابي وَإِنَّما | |
|
| يَنقَّلُ مَعنى الشَطر مِنّي إِلى الشَطرِ |
|
فَوَلّى كَما وَلّى الشَبابُ كِلاهُما | |
|
| حَميد فَقيد طَيِّب العَهدِ وَالنَشرِ |
|
وَكانَ كَمِثلِ العَنبَرِ الجونِ لبثِّهِ | |
|
| فَبانَ وَأَبقى في يدي عبق العِطرِ |
|
نَقضت عُهود الوُدِّ إِن ذقت بَعدِهِ | |
|
| سلواً إِلّا إِنَّ السَلو أَخو الغَدرِ |
|
وَما أَنا بِالوافي وَقَد عِشتُ بَعدَهُ | |
|
| وَرُبَّ اعتِراف كانَ أَبلَغ مِن عُذرِ |
|
كَفى حُزناً أَنّي دعوت فَلَم يَجِب | |
|
| وَلَم يَكُ صَمتاً عَن وَقارٍ وَلا وَقرِ |
|
وَلَم يَكُ مِن بُعدِ المَسافَة صَمته | |
|
| فَما بَينَنا إِلّا ذِراعانِ في القَدرِ |
|
نُنافِسُ في الدُنيا غُروراً وَإِنَّما | |
|
| قَصارى غِناها أَن يَؤولَ إِلى الفَقرِ |
|
وَإِنّا لَفي الدُنيا كركب سَفينَةٍ | |
|
| نَظُنُّ وقوفاً وَالزَمان بِنا يَجري |
|
طويت اللَيالي وَاللَيالي مَراحِل | |
|
| إِلى أَجَلٍ يَسري إِليَّ كَما أَسري |
|
وَأَفنَيتُ أَياماً فَنيتُ بِمَرِّها | |
|
| وَغايَة ما يُفني وَيَفنى إِلى قَدرِ |
|
إِلى اللَهِ أَشكو ما أَجِنُّ وَإِنَّني | |
|
| فَقَدتُكَ فَقدَ الماءِ في البَلَدِ القَفرِ |
|
عَلى حينَ جِزتُ الأَربَعينُ مُصَوِّباً | |
|
| وَلاحَت نُجومُ الشيب في ظُلمِ الشَعر |
|
فَيا مَعشَرَ اللَوامِ كفوا فَإِنَّني | |
|
| لِفَرطِ الجَوا قد قامَ لي في البُكا عُذري |
|
إِذا ما تَوَلّى ابني وَوَلَّت شَبيبَتي | |
|
| وَوَلّى عَزايَ فالسَلامُ عَلى الدَهرِ |
|