مِنْ دمِكَ الغالي قبست النشيدْ |
يا راقداً تحتَ ظلالِ الخلودْ |
إنْ لم تكن وحيا لشعري فمن |
يُوحى نشيد الليل غير الشهيدْ |
لفظٌ إذا ما رنّ في في مسمعٍ |
خفّت به الدنيا وطار الوجودْ |
يحسبهُ القيدُ إذا ما علا |
في شفةِ الهتاف زأرَ الأسودْ |
فيُذعرُ الفولاذُ مِنْ هولهِ |
ويُحْطَمُ الغُلُّ وتبلى القيودْ |
أعزلُ ! لا سيفٌ ، ولا خنجرٌ |
لكنّهُ بالروحِ فلّ الحديدْ |
حرٌّ رأى الأوطان مغلولةً |
تُسقى مِنَ الغاصبِ ذلَّ العبيدْ |
والنيلَ رغم الكوثر المشتهَى |
من مائه السّلسالِ فوق الصّعيدْ |
أضحى لظمآن الحمى علقماً |
مُرّاً وللعادي شهيَّ الورودْ |
والجنةَ الفيحاءَ في شطّهِ |
كادتْ من التّسآلِ حزنا. تبيدْ |
تقولُ: يا غارس ! مالي أرى |
زهري بكفٍّ لم تهب لي الجهودْ |
عطري على أنملها فاتحٌ |
والشّوكُ في جنبيك يفري الكبودْ |
والظّلّ للعادي مِهادُ الهوى |
وأنت لهفانُ بحرّ النّجودْ |
قد فزّعوا طيري بأعشاشهِ |
فطار في الأدغال مثل الشريدْ |
حيرانَ لا عشُّ ولا أيكةٌ |
والقوم هانونَ بغضّ المهودْ |
وزاحموا النيلَ فشادوا له |
من زحمة شرَّ السدودْ |
في كلِّ شيءٍ لهمُ مطمحٌ |
ولوعةٌ كبرى ووجدٌ شديدْ |
لو أشعلوا النارَ ولم يسعفوا |
بالحطب الذاوي فنحن الوقودْ |
يا من رأى مصر تعاني الضنى |
في قبضةِ الغرب العتيّ العنيدْ |
ضيفٌ أتاها زائرا في المَسَا |
فطنّب الخيماتِ عند الحدودْ |
وأسفر الصبح على نحسها |
فطاح ميثاقٌ وخِينتْ عهودْ |
وأصبحَ الضيفُ بها سيّدا |
وسائر الأحياء فيها عبيدْ |
وإذْ بروحٍ من بنيها سرى |
مطهرّ القلبِ كرُوح الوَليدْ |
حرٌّ رأى الأغلال موثوقةً |
أحكمها في الطوق ضيفٌ جحودْ |
فهبّ كالإعصار في صَرخةٍ |
تهزم في الوادي هزيم الرّعودْ |
براحةٍ عزلاء لكنّها |
تروع بالحقّ جَنَان الحسودِ |
ناعمةٌ هاجتْ لقيد الحمى |
شديدةَ البأس كصخرٍ صلودْ |
وقالَ والموتُ على كفّه: |
لا تفزعي يا مصرُ إني شهيدْ |
وخرّ في الأرض على وَجههِ |
قداسةُ التقوى وطهر السجودْ |
شعاعةً للحقّ من جفنهِ |
تبقي منارا هاديا للوجودْ |
وخفقةٌ ماتت على ثغرهِ |
كادت لها شمّ الرواسي تميدْ |
أنشودةٌ علويةٌ أصبحتْ |
في عالمِ الألحانِ لحناً جديدْ |
تناغم الأطيارمن قبرهِ |
في ساحة الموتى بلحنٍ بعيدْ |
يصيح والدم على جسمهِ |
غلالةٌ تزرى بضافي البرودْ |
يا مصر لا تبكي على مصرعي |
يوما فإني سائر للخلودْ |
ما سلوتي في الترب يا أمتي |
رخامةٌ تزهي وقبرٌ مشيدْ |
لن يستريحَ العظمُ في حفرتي |
وتنعم الروح بعيشٍ رغيدْ |
إلاّ إذا كنتم ضحايا المنى |
وسرتم خلف ركابي وقودْ |
إما حياةٌ حرةٌ في الحمى |
أو فارحموا الأرماس حولي رُقودْ |
روحي عليكم أبدا حائمٌ |
يرقب للأوطان بذلَ الجهودْ |
لا تخدعوني في حفاواتكم |
برونق اللفظ وسحر القصيدْ |
فالمجدُ أن تلقوا بأرواحكم |
لا ترهبوا في النار هول الوعيدْ |
وتحطموا القيد بها إنني |
أسمع في الأكفان جرس الحديدْ |