لمحت ركابكَ يا مُظفّرُ مثلما |
لمح الحجيج بظلّ مكة زمزما |
فأتتكَ حاشدةً تكاد سماؤها |
فوقك فرحةً وتبسمّا |
بلد الهوى والسحر هزّ ملاحني |
فهفوتُ نحو ظلالهِ مترنما |
كادت مباهجها تنسّى خافقي |
سحر الصعيد وما أفاض وألهما |
قد كنتُ أحسبُها خميلةَ شاعرٍ |
شدهَ الربيع خيالَهُ فترنّما |
فإذا بها للحقّ ثورةُ ثائرٍ |
نسخَ النسيمَ على الضّلالِ جهنّما |
بالأمس لاذَ بظلّها متجبّرٌ |
ضاقتْ به الدنيا فثارَ ودمدما |
صلف الزعامة غرّهُ فمشى بها |
يُرغي ويزبدُ فوق شطآن الحمى |
زعم المواطن كلَّها أجنادَهُ |
ولو استطاع على الورى لتزعّما |
معبود قومٍ كلما نادى بهم |
سجدوا لديه ضلالةً وتأثّما |
آبيسُ والأصنامُ أقدسُ حرمةٍ |
منه وأوهنُ في العبادة مأثما |
دين الحجارة صامتٌ! لكنهُ |
طلبَ الصلاة لنفسه متكلّما |
قل للزعامةِ بعدَ ما أودي بها |
عضُّ الأنامل حسرةً وتندّما |
أين الرفاقُ؟ ألا فنوحي بعدهم |
قد صار عرسك يا كئيبةُ مأتما |
وعظُوكِ حتى صمّ سمعكِ عنهمُ |
تركوك ثاكلة السواعد أيّما |
أصبحتِ في التاريخ دمعةَ ظالمٍ |
نار العدالة أوسعته تضرّما |
تركوكِ حتى صار فرطَ ضلالةٍ |
صنمُ القداسةِ في حماك مُهشّما |
هذا حِمى المنصورة انصدعت به |
آساسُ معقلكِ القديمِ فحُطّما |
بلد الفدا والتضحياتِ أبى لها |
شرفُ الكرامة أن تُقاد وتُرغما |
دارُ ابن لقمان ودارةُ حصنها |
ودّت مدارج سجنها لكِ سلّما |
نبذيك نبذ الريح ذابلة السفا |
ودعت عليلكِ تسخُطاً وتبرُّما |
وشبابها ترك الضلالَ وعافَهُ |
فغدا مسيرك في ثراهُ محرّما |
قد لاذ بالوكن الذي برحابه |
الجيلُ والنيل العتيد قد احتمى |
زُرت الصعيد فكان ركبُكَ مهجةً |
والشعبُ يجري في لفائفها دما |
وعطفت بالدلتا فكاد نخيلها |
يجثو لديك محيّيا ومُسلما |
ومسابح الرياح أصبح موجها |
يدعو لركبكَ في الشطوط مُغمغما |
والسنبل المفتون يرقصُ فرحةً |
والسّرو يبدو في الخشوع متيّما |
دنيا من الأفراح يخفق بشرها |
أنّى حللت من الديار وأينما |
فأم بظلّ الحقّ أرسخَ دولةٍ |
في النيل طاب زمانُها وتنعّما |
واسمع نشيد الشعر فهو مشاعرٌ |
فاض الولاء بها فهاج ورنّما |
أَنَا شَاعِرُ الْوَادِيْ ! وَعَزَّافُ اللّظَىْ |
إِمَّا شَهَدْتُ جَنَانَهُ مُتَألِّمَا |
أهدي العطور لمن يفي لبلادهِ |
وأسوق للطّاغي الخؤون جَهنّما |
لاموا عليّ الشدوَ قلتُ رُيدكم |
من ذا يلومُ العبقريَّ الملْهما |
غيري يسُوقُ الشعرَ فضلَ بلاغةٍ |
وأنا أُفجّر في منابِعه الدما!! |