لم يطب للنبوغ فيك مقام |
لا عليك الغداة مني سلامُ |
المنارات تنطفي بين كفّيْـ |
ـكِ ويزهو بشاطئيك الظلام |
والصدى من مناقر البوم يحيا |
ويموت النشيد والإلهام |
قد حبوت النعيم ظلّكِ لكنْ |
أين قرت بشطك الأنغام |
في هجير الأيام تمضي أغانيـ |
ـك حيارى ي}جّ فيها الضرام |
عبرت مسبح الجداول والنهْـ |
ـر وغابت كأنها أوهام |
تسكب السحر من شفاهٍ عليها |
مصرع السحر لهفةٌ وأوامُ |
تسكب العطرَ والخمائلُ صفرٌ |
مات في الأيكِ نورُها البسّام |
تسكب البرءَ من جراحٍ عليها |
تُرعشُ العمر شكوةٌ وسقامُ |
أنتِ يا مصر واصفحي إن تعتّبـ |
ـت وأشجاكِ من نشيدي المُلام |
قد رعيت الجميل في كلّ شيءٍ |
غير ما أحسنت بهِ الأقلام |
من روابيك خفّ للخلد روحٌ |
قد نعاهُ لعصرك الإسلام |
لبست بعده العروبةُ ثوباً |
صبغُ أستاره أسىً وقتام |
لم تُفق من شجونها فيهِ بغدا |
د ولا صابرت أساها الشام |
وعلى بلدة المعز دموعٌ |
خلّدت ذكرهُ بها الأهرامُ |
صاحبُ المعجزات أعيت حجا الدُّنْـ |
ـيا وعيّتْ عن كشفها الأفهام |
يخبأُ الحكمةَ الخفيّةَ في الوَحْـ |
ـي كما تخبّأ الشذا الأنسام |
ويزفّ البيانَ كالسّلسل المسْـ |
ـكوب تَهفو بشطّه الأحلام |
فإذا رقّ خِلتَه قبل الفجْـ |
ـر على نارها يلذّ المنام |
أو حديثَ النّسيم للزّهرة السّكْـ |
ـرَى منَ الطلّ كأسها والمدام |
أو حفيف السنابل الخضر رفّت |
في رباها قنابرٌ ويمامُ |
أو دعاء النّساك أبلتْ صداهم |
في حمى الله سكرةٌ وهيام |
وإذا ثارَ خلتهُ شُهُبَ اللّيْـ |
ـل أطارت لهيبها الأجرام |
أو شُواظاً مسطّراً قذفته |
من لظى العقل هيجةٌ وعرام |
أتعب الجاهدين خلف مراميـ |
ـهِ بقصدٍ منالهُ لا يُرام |
أصيد الفكر واليراعة والوحْـ |
ـي على كبرهِ يُفلّ الحسام |
حيّر النقد أن تروغ المعاني |
عن مريديهِ أو تندّ السهام |
فانزوى الحاسدون إلا فضولا |
لا يداريه عائبٌ شتّام |
قد سقاهم من سنّهِ مصرعَ الرّو |
ح وإن لم تلاقهِ الأجسام |
فلتقم بعد موتهِ ثورة الشّا |
ني فقد فارق الوغى الصمصام |
وله الشأنُ عزةٌ وخلودٌ |
ولهم شأنهم صدًى وكلامُ |
إيهِ يا ساقيَ المساكين كأساً |
لم تسلسل رحيقها الأيام |
قد جعلت الآلام وحيك حتى |
فجّرت نبعها لك الآلام |
ما الذي كان في سحابتك الحمْت |
ـراء إلاّ الشجون والأسقام |
كنت في عزلةٍ مع الوحي تشكو |
ولشكواكَ كاد يبكي الغمام |
تمسح الدمع من عيون اليتامى |
وببلواك ينشج الأيتام |
صنت عهد البيان لم ترخص القوْ |
ل ولا شاب سحرك الإعجام |
وتفردت بالصياغة حتى |
قيل في عالم البيان إمام |
ووهبت الفرقان قلبك حتى |
فاض من قدسهِ لك الإلهام |
فبعثتَ الإعجازَ كالشمس منه |
يتهدّى على سَناهُ الأنام |
فقم اليوم وانظر الشرق ضاعت |
من يديهِ مواثقٌ وذمام |
مزّقت قلبهُ الذئاب من الفتْـ |
ـك ونام الرعاة والأغنام |
في فلسطين لو علمت جراحٌ |
مالها في يد الطغاة التئام |
وطنُ الوَحي والنبّواتِ والإلْـ |
ـهام أودى فعاث فيه الطغام |
جذوةٌ في جوانح الشرق تغلي |
فيروع السماءَ منها اضطرام |
يذبح القوم في المجازر فرط الظلم |
فيها كأنّهم أنعام |
ويُهان المسيح في موطن القدْ |
س ويشقى بأرضهِ الإسلام |
وحماةُ البيان خرسٌ كأن الذود |
عن كعبة الجدود حرام |
إيهِ يا مصطفى وفي القلب شجو |
نٌ وفي الصدر حرقةٌ وضرام |
ليت لي سمعكَ الذي كرّمَ اللّـ |
ـهُ صداهُ فمات فيه الكلام |
كنت والوحيَ في سكون نبيٍّ |
عادهُ في صلاته إلهام |
تتلقّاه خاشع الهمس عفًّا |
مثلما رفّ بالغدير حمام |
لا ضجيجٌ ولا اصطخابٌ ولكنْ |
هدأةُ الرّوح قد جلاها المنامُ |
هكذا نعشكَ الطّهورُ تهادى |
كالأماني لا ضجّةٌ لا زحام |
فاذهب اليوم للخلود كما كُنْـ |
ـتَ تُغاديك هدأةٌ وسلام |
لم يَمُتْ من طواهُ في قلبهِ الشّر |
قُ وغنّى بذكرهِ الإسلام |