ما بينَ أجنحةِ البصَرْ، تَسْمو على شَفَةِ الوَتَرْ |
يا أيّها القمـرُ الذي أحيـا بأعطــافي الذِّكَرْ |
الكونُ ظلّ مُشـفِقٌ ما جئـتَ فتّــان الصّورْ |
زفّ النسـيمُ إليّ من عُلْيا السّـحائبِ،والدّرَرْ |
أشهى السّلام مُضَمّخاً بشـَذا الخمائلِ والزّهَرْ |
*** |
قد عشتُ بعدك يا قمرْ ،أشـدو بأحـلامٍ أُخَرْ |
وحدي يحاربني البشَرْ ، ولكَم أُطيحَ بمنْ غَفَرْ |
لكنه العنقــاءُ يبعـثُه الرّمــادُ المُحتقَـرْ |
ولسوف يلتـهم البُغـاثَ على قُدورٍ من حجَرْ |
*** |
ودنا بمسمعيَ القمـرْ،أشجاه من لفظي الخبَرْ |
فغـدا يُهاتفنـي على مهـدِ الشّعاع المنكَسِرْ |
ما زالتْ الأشبـاحُ حولي ترتدي ثوبَ الخطَـرْ |
في كـل عرسٍ تبتـدي نهشي بأنيـاب الظّفَرْ |
وأنا كعهدي في الضّنى مُحْـدَودِبٌ ،رَثٌّ ،ظَهِرْ |
لم يبقَ لي زادٌ سوى الدّمعِ الحنون المنهمِرْ |
*** |
أرنو إلى المجهولِ يدفنني التأمّـلُ في القبِـرْ |
تتعاقبُ الأقدارُ تسخرُ من جَحيِــم المحتضِرْ |
ما مرّ مِنْ سُحْـبٍ يموجُ بلُجـها الطّفلُ الأغَرْ |
من كلّ صوبٍ يزحفُ الطّاغي ،وتلتطمُ الصّوَرْ |
*** |
ليلي كليلكَ يا رفيـقي ،بالخطــايا معتصـَرْ |
الحـبّ أشـقاني ،وأثقل بالأسى عُنُقاً كُسِـرْ |
والعمْـرُ يمضـي نازفاً بلقـاءِ أحبـابٍ أمَرْ |
والقلبُ خالٍ من حبيـبٍ بعـده يبغي سـَـفَرْ |
لا خيــرَ فيـه لزائرٍ روّى بمدمعِـه الزهَرْ |
ضحّى براحـة بالـه،ورعى نفوسـاً تُبْتَذَرْ |
ودعا إلى الحقّ الفضيلِ ،فمـا تعالى ،وافتخَرْ |
لم يرحموه غداة أن مـادتْ به الدنيـا، فخَرْ |
جاشتْ خواطرُه ،فنـدّى الكونَ ينشـرهُ القمَرْ |
يمشي على الماضي ، فتَلْدَغُهُ الحوادثُ والذّكَرْ |
*** |
إني عبدتُ بحسـنها قمـرَ الليـالي المنفطِرْ |
لو خطـرةً تختـالُ ما بين السّـنُونُو ،والزهَرْ |
لو نفحةً من طيبِـها حَملتْ شِفـاءَ المحتضِرْ |
لو رحمةً من جفنها تحنو على قلبي السّكِـرْ |
أمسيتُ،والألم المقدّسُ جاثمٌ بِعُرَى القَــدَرْ |
*** |
لا لستُ أنسـى لحظةً جمعتْ بنا بين الشجَرْ |
والأفْقُ يسـكنُ بعد فوضى للزّوابع ،والمطرْ |
أرسلتِ من جفنيكِ سهماً صابني راع البصَرْ |
والشّوقُ منّي جـارفٌ،والدمـعُ رَقْرَقه الوتَرْ |
رقَصَ الغرامُ بلوعتي،وخطوتُ تُشقيني الِفكَرْ |
والغُرْبُ تنعَقُ صَوبنا،وأنـا أحـاذرُ مَنْ عَبَرْ |
كم زاغتِ الأبصارُ خشيةَ أن تبوحَ لهم بسِـرْ |
ومضيتُ،والقلبُ الوليدُ على لقـاءٍ في العُمُرْ |
فيه يجـودُ الدهـرُ بعضَ حنانه ظـلاً أبَـرْ |
ليلايَ ،ما رويَ الفؤادُ بقربكم ،والسّـعدُ فـَرْ |
ما عشتُ بعدكِ لحظـةً إلا وأضنتني الحِـيَرْ |
ماذا جنيتُ حبيبتي؟ فالدّربُ تملـؤُه الحفـَرْ |
لم تبذلي مـاءَ الهنـا ،قد كبّل القـدمَ القـدَرْ |
أنكرتِنـي لمّـا غـدوتُ على ترابكِ أحتضِـرْ |
والنورُ في قلبـي أُسَـابقهُ الخُطَى كيمـا يقَرْ |
عهدُ الصّبا ما صُـنتِ ذكـراه ،فهَانَ المقتدِرْ |
دنيـا تهدّمَ صرحُها في هولهـا شبـحٌ عَوِرْ |
وأهيمُ كالمجنونِ أروي قصةَ الشـادي الأبَـرْ |
للعالمِ المجـروح ،للطّيـر المعـذّبِ للحجَرْ |
أسـتحفل الماضي ،فيهتفُ بالغصون فمُ الذّكَرْ |
*** |
إنّا على هـذي الحيـاةِ العُمْيُ ما مُـدّ البصَرْ |
قدرٌ مصيبٌ قد رمى،هل يُدرِكُ السّهمَ الحذِرْ؟ |
ماذا علينا والحيــاةُ كعهدها سُورٌ خطِـرْ؟ |
وترى لها حُلَلَ البهـاءِ فريـدةً بخطى حَقِـرْ |
صبراً على ما كان منـكِ حبيبتي،والصبرُ مُرْ |
وإذا بكيـتِ على ضريـحٍ عذّبتْه يـدُ القـدَرْ |
فتلمّسي تحتَ الضّريحِ عظـامَ صَبٍّ قد غفـَرْ |
وإنِ الفضيلةُ فرّقـتْ بين القلـوب على سفَرْ |
يوماً سـتجمعُنا إلى النـورِ الكريـم المُدّخَرْ |