خذ أماناً منَ الشعاع المُقيّدْ |
فهوَ في القيدِ جمرةٌ تتوقدْ |
أو فَذقْ منْ شُواظِهِ الحُرّ |
فأنت المقيّدُ المستعبَدْ |
ذُق شُواظاً لو مسّه صاهرُ الأغْـ |
ــلال أضحى بناره يتعبّدْ |
من حواشي الرخام يسطعُ للأحْـ |
ـرار ديناً يهدي العباد ويُرشد |
هو نورٌ لكنّه في ظلام السجن |
نارٌ على القيود تعربد |
مِلءُ ذرّاتِهِ أناشيدُ مجدٍ |
بصداها مُحرّر النيل أنشد |
ذرّةٌ تُرعب الحديد على الصمْـ |
ـت وأخرى في الهول تُرغي وتُزبِد |
غلّلتهُ بالأمس كفٌّ ضلولٌ |
تنصرُ البغيَ بالحسام المجرّد |
شدّ طُغيانها عتيٌّ منَ الغرْ |
ب على النيل كم طغى وتمرّد |
ملّكَتْهُ والملكُ لله دنيا |
ظلُّها عاجل الفناء مُبدّد |
فمضى في مسابح الشرق كالأقْـ |
ـدار يُشقى كما يَشاء ويُسعِد |
كم عدا فاتكاً وأحكم أغلا |
لاً عليها الرقاب في الشرق تشهد |
في فلسطين ظُلمه أقلق الدنْـ |
ـيا وما هزّهُ الصراخ المردّد |
وعلى مصر كم أذلّ وأردى |
وتمطّى على النجوم وهدّد |
عبقريٌّ في الختل يُدمي ويرتدّ |
على الجرح باكياً يتوجّد |
كم سقى النيل من ضرواته الهوْ |
نَ وعيشاً من المذّلة أنكد |
وتمادى فكنت يا مصطفى الهوْ |
ل على هوله تثور وتُرعد |
في غباء السنين والنيل مغفٍ |
وبنوهُ من سكرة الضيم هُجّد |
قمت كالعاصف المجلجل تجتا |
ح فلا تنثني ولا تتردّد |
تلبس القيد من جنانك قيداً |
حزّهُ في الحديد نقشٌ مخلّد |
هتفاتٌ بحبّ مصر وموتٌ |
في هواها ونشوةٌ وتعبّد |
وصلاةٌ بمجدها كنت فيها الْـ |
ـعابد الصبّ والشواطيء معبد |
وذيادٌ عن حرمة الوطن الشا |
كي بعزمٍ كنيلهِ ليس ينفد |
ودفاعٌ عن الحمى كنت فيه |
ما لغير الحمى تروم وتقصد |
فارسٌ في قتامة النيل تمضي |
بشهابٍ من السماء مؤيّد |
مِشعلٌ في يديك شرّد بالأضْـ |
ـواء جُنحاً على الشواطيء أربد |
كنت تسري به فتنهض فانيْـ |
ـن عليهم شيخوخة اليأس تقعد |
بضياءٍ من الهدى أنعش الشر |
ق وطرف الزمان في مصر أرمدْ |
وبيانٍ كأنه لهب البرْ |
كان تختار جمره وتنضّد |
كلُّ لفظٍ من الصراحة سهمٌ |
في حشا الغاصبين ماضٍ مسدّد |
هاتِ لي من صداهُ نبراً لعلّي |
أنفثُ النار من صدايَ المغرد |
هاته فالجحود واراه في سجْـ |
ـنٍ على شاطيء الليالي مشرّد |
في زوايا النسيان قبرٌ وذكرٌ |
ورخامٌ في الصمت لهفانُ مكمد |
كاد ينضو الأستار عنه وينعي |
أنا رمز الفخار يا نيل فاشهد |
أنا علّمتك الوثوب على القيْـ |
ـد وعلّمتني الأسى والتنهد |
ما الذي في الضفاف نسّاك روحا |
ذاق من أجلك الردى واستشهد |
أشيوخٌ على الكراسيّ هاجوا |
وهيَ من هزلهم تميد وترْعدْ |
أم شبابٌ على ترابك يمشي |
حول ساقيْهِ كالأسير المصفّد |
خانعٌ في حماك ينتظر البعْـ |
-ث ليمضي إلى الأمام وينهد |
علّموهُ والرزق في مصرَ رهنٌ |
برجاءٍ وذلّةٍ وتودّد |
كيف يلقي بعزمه تحت نعليْـ |
ـهِ وفي الذلّ يستنيمُ ويرقد |
ما الذي في الضفاف نسّاك يا نيلُ |
هوى ذلك الشعاع المقيّد |
فمنحت التمثال شِبراً عليه |
تائهُ الدود في البلى يتمرّدْ |
وحرمتَ الجهاد فجراً من النور |
يُهدي إلى علاكَ ويُرشِدْ |