صوتٌ بأرض القدس مشتعل الصدى |
كادت له الأكباد أن تتوقّدَا |
لمّا تأوّهَ صارخًا بين الورى |
أسيان يرزمُ تحت نيران العدا |
جزع المسيح له ولولا طهرهُ |
ما مدّ للرحمات كفًّا أو يَدا |
رُهبانهُ في الغرب منبع حكمةٍ |
ما غلّفت يوماً لِمُلتَمِسِ الهُدى |
رشفوا منَ الإنجيل فيضَ رشادهِ |
وتخشّعوا حول الهياكل سجّدا |
وشدوْا بملحمةِ السلام ورنّمُوا |
مزمورَهُ للكونِ خلاّبَ الصدى |
لكنّ شعبَهُمُ أثارَ عجاجةً |
في الشرقِ طافِحةً بأهوال الرّدى |
فإذا التعاليم التي هتفوا بها |
من سورةِ الأطماعِ قد ضاعت سُدى |
وإذا بلحن السلم بين شفاههم |
عصفت به شهواتُهُمْ فتبدّدَا |
تخذوا الرصاص شريعةً قُدسيّةً |
وقذائف الأرواح نهجاً مُرشدا |
لم يرهبوا التاريخ في استعمارهم |
أنّى سَطَوْا وَكَزُوهُ أروعَ سيِّدا |
لطموهُ في القدس المُحرّم لطمةً |
كادت لها الأجبالُ أن تتهدّدا |
مهدُ الشرائع من قديمٍ مالهُ |
أضحى لأحرار البريّة موقدا |
في كل مرتبع بهِ وحنيّةٍ |
تلقى صريعاً في التراب ممدّدا |
هانت على البطل المجاهد نفسهُ |
فسعى لحوض الموت يطلب موردا |
ألقى إلى اللهب المسعر روحهُ |
وكذا يكون الحر في يوم الفدا |
اللهَ في وطن النبوة نال من |
شرهِ الطغاة اليوم حظًّا أنكدا |
الفتنة الشعواء هاجت قلبهُ |
لم تبقِ فيه كنيسةً أو مسجدا |
شرعت من الرق البغيض سلاحها |
تتفزع الأقدار إما جردا |
صرخ الضعيف شكاية من هولها |
فمحى اللهيب صراخه فتشرّدا |
فتخاله والصدر ينفث ناره |
من كل زافرةٍ تريق الأكبدا |
حملا يد الجزار دقت عمره |
فقضى بصرخته على حدّ المدى |
محنٌ مرزّئةٌ وموتٌ عاصفٌ |
لم يبق شيخا في الحمى أو أمردا |
يا ربَّ وادٍ في الصباح منضّرٍ |
غيسانَ باكرهُ السنا فتأوّدا |
لما دهتهُ الحادثات ضُحيّةً |
وسرى دخان الموت أقتم أربدا |
نفضتخمائلهُ شبيبة عمرها |
وتصاوحت فغدت محيلا أجردا |
ما ذنبها؟ ما ذنب صيدها الذي |
قد كان يسجع في الظلائل منشدا |
خُنقت مزاهرهُ وماتَ نشيدهُ |
ونأى عن الوطن الحبيب وأفردا |
لولا هياج الحر ديس مهادهُ |
لثوى بجنته وظلّ مغرّدا |
*** |
يا يوم بلفورٍ وشؤمُك خالدٌ |
ما ضرّ لو أخلفتَ هذا الموعدا |
عاهدت أعزال الجسوم سلاحهم |
ما كان إلا الحقُّ صاح مقيّدا |
وتركتهم رهنَ المطامع تبتغي |
منهم على حرٍّ المواطنِ أعبُدا |
ثاروا بأرض الله ثورة عاجزٍ |
سمع القوي شكاتَهُ فتوعّدا |
هاجوا على الأصفاد هيجةَ ناسكٍ |
زحمتهُ آثام الصبا فتمرّدا |
هجمت على الغار المُطهّر في الدجى |
فأثار عزلتهُ وهاج المعبدا |
ضجّوا على نابُلسَ حتى كاد من |
صخب الأسى والحزن أن يتنهّدا |
عجباً يكاد الصخر يدمع رحمةً |
لهمُ وقلبُ الآدميّ تصلدا |
ومعالم الإسلام بين ربوعهمُ |
كادت تزمجر لهفةً وتوجّدا |
بسطت إلى قدم النزيل رحابها |
فبغى على قسماتها وتهدّدا |
وهو الذي لولا نعيم ظلالها |
لمضى على كنف الوجود مشرّدا |
*** |
والشرق ويح الشرق نام أسودهُ |
عن ثائرٍ في القدس ضجّ وأرعدا |
شلّت عزائمهم ونام جهادهم |
وتصرّعوا في كل مهدٍ هُجّدا! |