مزمارُ جنٍّ بتيهِ الكونِ مفقودُ |
تصرّعت بعد ما غاب الأناشيدُ |
مُغلّفٌ في جيوب الغيبِ لجّ بهِ |
في سرمدٍ من ظلال الموت تخليدُ |
تساءلت عنه أرواح الفلا ومضت |
تضج من وحشةٍ فيها الجلاميد |
وأسبل النجم أجفاناً مُحيّرةً |
أمضّها من عذاب البين تسهيدُ |
مطروقةً من غُبارِ الدهر أتعبها |
طول التملّي وإمعانٌ وتفيدُ |
ترصّدت موكب الدنيا فأزعجها |
أ شلّ خطوتها في الذّر تأييدُ |
فأرعشت في الدجى أهدابها خبلاً |
كأنما غاب في سودائها عودُ |
وضاعفت علّةَ الأنسام سفرتُها |
جوّابةً حظُّها في السير منكودُ |
تمرّ بالدهر حيرى ما تُها مِسُهُ |
إلاّ ويرمضها من فيهِ تنكيد |
تقول: هذا عجيجُ اللّحن محتدمٌ |
ترنُّ في جرسِه الساري الأغاريدُ |
وأين يا زهرُ نايٌ كان ملهمهُ |
ما أسكرَ الكون من نجواهُ ترديدُ |
هذا النشيد فمُ الدنيا يردّدُهُ |
فأين من سحرهِ القيثارُ والعودُ |
فطرّح النورُ أكماماً مُخبّلةً |
وقصّفت نفسها منهُ الأماليدُ |
وذاب في مهدهِ عطرٌ يُؤرّّجُهُ |
وغاب من خدّه سحرٌ وتوريدُ |
واهتزّ هزّةَ أوّاهٍ يُرنّحُهُ |
في سورة الذكرِ إيمانٌ وتوحيدُ |
وقال كمَ مرّت الأجيال عابرةً |
ولحنهُ في فمِ الأجيال غرّيد |
لكنّها وجمت مثلي وقد سُئلت |
وغال تبيانها عيٌّ وتبليد |
وإذ بعاصفةٍ هوجاء قد صعِقت |
لهولها الجنُّ والآطام والبيد |
كأنها هيجةُ الأقدار مذ عصفتْ |
ما طاقها في شعاب الأرض موجود |
من مرج عبقر قد هبّتْ مُجلجلةً |
كأنها من عتاة الجنّ تهديد |
في قلبها نغمٌ إن رق تحسبُهُ |
تأويهةً ردّها في الليل معمود |
وإن قسا فقلوب الناس واجفةٌ |
والأرض لاهفةُ والكون رعديد |
ألقت على الزمن المجنون حكمتها |
فراح يُهدى بها شيخٌ ومولود |
وأطربت مسمع الدنيا بنغمتها |
كأنّما نفخ المزمار داوُدُ |
تُلقّن الفرق الهيّاب سورتها |
فيغتدي وهو في الهيجاء صنديدُ |
صهباءُ ما جاورت كأساً ولا شربت |
ولا استقلّ بها في الكرم عنقود |
مازال ندمانها حيران تكربهُ |
ضلالةٌ عن مجانيها وتشريدُ |
حتى أتى حلب الشهباء منتشياً |
وجسمهُ من ضنى التسيارِ مهدود |
فراعه ما رأى من سحر مشهدها |
الخمر أخيلةٌ والعقلُ راقود |
ومزهر المتنبّي عازفٌ هزجٌ |
مُعلّقٌ بأواسي النجم مشدودُ |
يُفجّرُ اللحنَ إمّا رنّ صادحهُ |
خرّت على وجهها من سحرهِ الصيدُ |
فزمزمت شفتاه بُرهةً ومضى |
والقلب من سكرات اللحن مفئودُ |
يقول: لا تحشدوا عيدا لذكرتهِ |
فكل لحن ٍ شدا من نايهِ عيدُ |