في جوقةٍ للريف يعزف عودها |
ويرنّ في سمع الضحى تغريدها |
قبست من الأطيار رقة شدوها |
وأعارها سحر الصدى غريدها |
وترنمت بين الحقول قصيدة |
عذراء من نغم السماء نشيدها |
تشدو فيصغى الصمت من ولعٍ بها |
ويكاد من طربِ السكون يعيدها |
ثاوٍ هنالك كبّلتهُ يد الأسى |
وثنته عن عبث المراح قيودها |
شيخٌ أصمٌ تكنّفت أطرافه |
سوداء من صلب الزمان حديدها |
أحكام ذلٍ لحْنَ فوق جبينه |
سوداً تكتّم بالسياط وعيدُها |
سجنته في رحب الفضاء وخلّدت |
آذانه رهنَ الحبالِ جدودُها |
عُكازه سوطٌ تلّهب فوقه |
ناراً يشبُّ على حشاهُ وقودُها |
رقمت على أضلاعه أسطورةٌ |
دُفنت بأسرار الدهور عهودُها |
أسطار مَظْلَمةٍ وآية ذلّةٍ |
أعيا فلاسفة الورى ترديدُها |
لو ألهمت سحر البيان لما شدا |
إلا بفلسفة السياط قصيدُها |
*** |
صرخت نواعير الربى لإساره |
وتفجّعت أسفا عليه كبودها |
فانساب فيض عيونها وتفجّرت |
دمعاً من البلوى لديهِ مهودُها |
عجباً لنائحةٍ عليه لو انّها |
تبكي لصمّ الصخر ذاب جليدُها |
وهي التي ألقته في كنف الضّنى |
ورماه في العدم المهينِ وجودُها |
*** |
عيناهُ غلّقتا فمات سناهُما |
في ضحوةٍ رفّت عليهِ برودُها |
وأزاهرُ البستان ترنو حوله |
مُتفتّحاً يحسو الضيا أملودُها |
من نورهِ المكبوت أشرق نورها |
فاهتزّ في الألق المنضرِ عودُها |
وشدا الحنانُ المرّ من دُولابهِ |
فتراقصت فوق المروج قدودُها |
ولو انّها علمت أساهُ لصوّحتْ |
وذوى له ريحانُها وورودُها |
*** |
يا ثورُ كيف غَزَتْكَ أسواطُ الورى |
وتقطعت في جانبيكَ جلودُها |
مَرَدَتْ على كتفيكَ مِحراباً إذا |
صلّتْ به يَفري حشاك سجودُها |
وكأنما نشقت بجلدك فوحةً |
من روحها الفاني فجُنّ وريدُها |
شربَتْ دماءَك خمرةً وتصايحت |
سكْرى تخبّط هائماً عِربيدُها |
يهذي فتحسب حين يصطخب الصدى |
جنّاً تفزّع في الفلاةِ شريدُها |
آبيسُ أيُّ سريرةٍ بلهاء في |
عطفيك قد أعيا الحجا معقودُها |
حُمّلت من هوروس أقدم آيةٍ |
عبدت وقدّس في حماكَ عهيدُها |
أذكى لها الكهان نار بخورهم |
في منف يسطع في المعابد عودُها |
أرواحُ ضلاّلٍ حبتك رشادها |
وجثت لديك على التراب وفودها |
بذلتك تقديس النهى ولوَانّهُ |
للصخرة الصماء ريع صلودُها |
عبدتك أبلهَ لا تعي يا ضلةً |
لو تستطيعُ ذرا هُداك جحودها |
*** |
يا حكمةً في روقكَ العاني ! كبا |
في العقل ناهِضُها وطاش سديدُها |
زَعموك تحمل أرضَهم ولوَانّها |
عقلتْ تميد وهادها ونجودها |
*** |
ما العاهل الجبّار مَنْ ذا دولةٍ |
وقفت على ذلّ العباد جهودُها |
هوَ أنت من جعل المروجَ خمائلاً |
عيدانةً يُسبي النفوس شهودُها |
في كل حقلٍ من جهادك آيةٌ |
يضفو على الريفِ الشقي خلودُها! |