سَلُوا مَنْ بها أسلُو لِمَ اختارتِ الصّدَّا | |
|
| ولَمْ تَرْعَ لي العَهْدَ القديمَ ولا الوِدَّا |
|
لعلَّ لديْها إذْ تُجاوِبُ حُجّةٌ | |
|
| تُبرِّدُ منْ قلبي بها الشوقَ والوَجْدَا |
|
فإنَّ بقلبي مِنْ ترادُفِ صَدِّها | |
|
| لهيباً يَفوقُ النّارَ قد وُقِدتْ وَقْدَا |
|
وقد كنتُ منها بالتقرُّب آنِساً | |
|
| فصرتُ فقيدَ الأنس مُذْ رامتِ البُعْدَا |
|
ولا ذنبَ لي إلاّ اشتهاري بحبّها | |
|
| وكونِيَ مِنْ بين الأنام لها عَبْدَا |
|
وأشواقُ قلبي بالوصال تَضَرَّمتْ | |
|
| وما غُمِّضَتْ عيني ولا ملَّتِ السُّهْدَا |
|
أُعانِقُ منها الغُصْنَ يَهتزُّ ناعماً | |
|
| وألْثُمُ منها الخدَّ قد أخْجلَ الوَرْدَا |
|
وأقطِفُ زهْرَ الرّوضِ مِنْ وَجَنَاتِها | |
|
| وأرْشُفُ مِنْ فيها المُدَامةَ والشَّهْدَا |
|
وَقَدْ جَعَلَتْ إحدى يديَّ وسادة | |
|
| وصيّرتِ الأخرى على عَجَلٍ عَقْدَا |
|
ورِجْلِي عليها كاللّحافِ لِنائِمٍ | |
|
| وصدري يُحاذِي ذلك الصدْرَ والنَّهْدَا |
|
وأشكُو إليها ما ألاقي من الظما | |
|
| فتشكو الذي أشكو لِتَقْتُلَنِي عَمْدَا |
|
وَمَوْرِدُها العذبُ الشَّهيُّ ومورِدِي | |
|
| مُباحان لكنَّ التُّقى مَنَعَ الوِرْدَا |
|
فما بالُها دانَتْ بِهَجْرِي وقطّعتْ | |
|
| حِبالَ وصالٍ كُنْتُ أُحْكِمُها شَدّا |
|
لئن رَضيَتْ هجري رضِيتُ بوَصْلها | |
|
| وطال مَدَى عَتْبي على ذاك وامتدّا |
|
فَلي بالرِّضَى الزُّهْرِيِّ مِنْ آل زُهرةٍ | |
|
| تَتَابعُ وصل لا أرى معه صَدَّا |
|
إمامٌ يَؤُمُّ المُعنتين بسيفه | |
|
| مساءً وصُبْحاً لا يَمَلُّ ولا يَهْدَا |
|
ويُبدِي بيانَ المُشْكِلاتِ بفَهْمِه | |
|
| فما مُشكِلٌ يَبْقى إذا شَرْحَه أبْدى |
|
وَيَبْهَرُ زَهْرَ الرّوض رائقُ بِشْرِه | |
|
| فيُقصَدُ دون الرَّوْضِ كَيْ يَبْلُغَ القَصْدَا |
|
إلى مالَه بين الورى من فَضائِل | |
|
| تَجَلَّى جلالاً أن يُحاطَ بها عَدَّا |
|
ومَازَ فنونَ العلم منها وفهمُها | |
|
| لأعظَمُ فضلٍ مَنْ حَواه حوى المجْدَا |
|
فأحرَز في علمِ الحديث كَمُسْلِمٍ | |
|
| وفي الفقه كالمِصْرِيِّ بلْ فَاقَهُ جُهْدَا |
|
وحَصَّلَ في التفسير كابنِ عطية | |
|
| وفي السرد كالدّاني الذي أحْكَمَ السّرْدَا |
|
وماثَل عِلْماً سيبويهٍ وشيخَهُ | |
|
| إذا ما عَروضُ الشّعرِ والنحوُ قَدْ عُدّا |
|
وعِلْمَا أُصول الفقه والدينِ فَنُّه | |
|
| عَلاَ فيهما فوق الذي بهما اعْتَدَّا |
|
وفي لُغَةِ الأعْراب والطبّ صيتُه | |
|
| بعيدٌ وفي التاريخ قد جاوز الحدّا |
|
وسابَق في علمِ الحسابِ وجبْرِه | |
|
| سِوَاهُ وفي التكسير ما إن رأى نِدّا |
|
وأصبحَ في التَّعْديل بدْرَ هدايةَ | |
|
| وفي المنطق المعروف أوْرى الورى زَنْدَا |
|
وأظهَر من علم البديع بدائعاً | |
|
| وقيّدَ من علم التصوّف ما نَدَّا |
|
وأبدى من الأحكام للناس مَقْنَعاً | |
|
| ومن صنعة التوثِيقِ أوثَقَها عقْدَا |
|
فُنونُ علومٍ حازها اليومَ وحدَه | |
|
| بِصارمِ جِدٍّ لَمْ يُفَلَّ له حَدَّا |
|
تولّى القضاءَ الصعبَ فاشتدّ كَربُه | |
|
| وحسْبُكَ من خَطْبٍ به كَرْبُه اشتدّا |
|
فجدَّدَ رَسْمَ العدل بعد دُروسِه | |
|
| وغادر ربْعَ الجوْر للعين مُنْهَدّا |
|
وغَلَّقَ بابَ الظُّلم من بعدِ فَتْحِه | |
|
| وفتّح باب الحق من بعد ما انسَدَّا |
|
فأيّدَ مظلوماً وهدّدَ ظالِما | |
|
| وأمّنَ مذعوراَ وأعدى من استَعْدَى |
|
وساوى وُقوفاً بين خَصْمٍ وخَصْمِه | |
|
| وأدَّبَ مَنْ في مَجْلِسِ الحُكْم فد لّدَّا |
|
وفاق شُريكاً في عَدالَتِه التي | |
|
| بإحْرازِها كُلَّ المَظالِمِ قَدْ رَدَّا |
|
وقد كان يَستعفِي احْتياطا لنفْسِهِ | |
|
| ليحفظها من حمل ما حملُه أرْدَى |
|
إلى أنْ أتَاهُ الله أسنى مُرادِهِ | |
|
| فأعفاهُ والأفواهُ توسِعُه حَمْدَا |
|
فأضحى ظَلامُ الظُّلْم في الناس ظاهراً | |
|
| وأودَعَ نورَ الحقّ من بعدِه لّحْدَا |
|
وقام بأعباء الخطابةِ بعدَهُ | |
|
| يُقرِّرُ فيها مِنْ مواعِظِهِ رُشْدَا |
|
وشَفَّعَ بالإِقْراءِ منها وظيفةٌ | |
|
| فأهدى مِنَ التّعليم أبدَعَ ما يُهْدى |
|
إلى ما جلاهُ بالتكلُّم دائِماً | |
|
| من العلم للمسترشدين وما أسدى |
|
وناهيكَ بالفُتيا وظيفَ عِنايةٍ | |
|
| يُريكَ الورى دأباً على بابه وَفْدَا |
|
وظائفُ دينٍ بالإمامةِ تُمِّمَتْ | |
|
| حواها وحيداً واستقلّ بها فَرْدَا |
|
وكانَ مُجِدّاً في القيامِ بحَمْلِها | |
|
| وصادفَ وقتاً لم يكن يَلحظُ الجِدَّا |
|
فأُخِّرَ عنها لا لِنقصٍ ووصمةٍ | |
|
| وعُوِّضَ مِنْهُ مَنْ تَبدَّى له ضِدَّا |
|
فأضْحَى لَزِيمَ الدّارِ سَلْمانَ بَيتِهِ | |
|
| وأظْهرَ في الدّنيا وزُهرتِها الزُّهْدَا |
|
فأفَّ لدنيا لَمْ تُوَفِّ حقوقَه | |
|
| وتَبّاً لقومٍ لم يُرَاعُوا له العهْدَا |
|
وعُذْراً لأهلِ العلم إن أظْهروا الأسَى | |
|
| ولا عُذْرَ منهمْ للذي أظهرَ الجَلْدَا |
|
وَصَبْراً جَمِيلاً تِلْكَ دُنْيَاكَ لَمْ تَفِ | |
|
| بِأشْجَانِهَا بَاحَتْ وَلَمْ تَسْتَطِعْ جَحْدَا |
|
فَتىً خَيْرُهُ إنْ أصبحَ اليومَ ظاهراً | |
|
| رأى في عدٍ من ردِّهِ عِيشةً رَغْدَا |
|
فيا أيّها الحَبْرُ الذي فاق قدرُه | |
|
| عُلوّاً محلَّ البدْر قد قارن السَّعْدَا |
|
إليكَ رعاك اللهُ مني قصيدَةً | |
|
| حوتْ من حُلاكَ الغُرِّ أحسنَها بُرْدَا |
|
فخُذْها على عِلاّتِها أخذَ عالمٍ | |
|
| وكن ناقداً منها الذي يقبل النَّقْدَا |
|
فليس نظامُ الشّعْرِ من شِيَمِي التي | |
|
| أُجاري بها في النظم مَنْ يُحسِن الطَّرْدَا |
|
ولكنّنٍي صيّرتُه لي مؤانساً | |
|
| بآبُرَةٍ حيث اغْتَدَتْ فِرَقُ الأعْدَا |
|
كأُنسي بَكتبٍ جاءني مِنْكَ بارِعٍ | |
|
| هَصَرتُ به للصَّبْرِ أغصانَه المُلْدَا |
|
كتابُ هُدىً حلَّيْتَه بمواعِظٍ | |
|
| بلاغتُها أضحتْ على كَبِدي بَرْدَا |
|
فصرتُ وإن أصبحتُ فيها مقيّداً | |
|
| بما فيه من آدابٍ اسْتَسْهِلُ القَيْدَا |
|
فما قَبْلَهُ أبْصرتُ واللهِ مِثْلَهُ | |
|
| ولا مَنْ لآلِي الكَتْبِ حَسَّنَها نَضْدَا |
|
بَقيتَ تُسَلِّي كلَّ نفسٍ بمثْلِهِ | |
|
| وتَبْذُلُ مِنْ تأنيسِها الوِسْعَ والجُهْدَا |
|