يا أَفْضلَ الإِخوانِ يا ابنَ رجَاءِ |
غيري لغيركَ بالإِخاءِ يُرائِي |
ويشوبُه بنقائصٍ مذمومةٍ |
تُربي إذا تُحصَى على الحَصْباءِ |
وأنا الذي أرعى جميعَ حقوقِه |
كرعايةِ الإِعرابِ للأسماءِ |
هذا على ما أَنتَ تعلمُ أنني |
فيه من البأساءِ والضرّاءِ |
فَهَل أَنْتَ مثلي في الإِخاء وَرْعِيهِ |
أم للبِعادِ نَسِيتَ رَعْيَ إِخائِي |
وغَفَلْتَ عن عهد التأنُّسِ دائماً |
حتّى لدى الإِصباح والإِمساءِ |
في منزلٍ حيّاهُ مُنْسَجِمُ الحيا |
وسقاه صوبَ الديمةِ الوَطْفاءِ |
لم تَتّخِذْ فيه جليساً مؤنساً |
غيرَ العلومِ وسِيرةَ العلماءِ |
فلَكَمْ فوائدَ عند ذلك نِلْتُها |
جلّت لكثرتِها عن الإِحصاءِ |
رقّتْ حواشيها وراقت مَنظراً |
ما مثلُه للماءِ والصّهباءِ |
ظفِرتْ يدي من نَيْلها بأجَلِّ مِنْ |
ظَفَري بقرب الغادة الحسناء |
فغدوتُ من أَنوارها مُتَنَزِّهاً |
في الروضةِ المنْظُورة الفنّاءِ |
ومشاربُ العيش الشهيِّ مباحةٌ |
وظلالُهُ الممدودة الأفْياءِ |
والسّعدُ يرمُقُنِي بناظر طرفِه |
والنَّحْسُ في سِنِةٍ وفي إِغفاءِ |
حتّى انتهى الزمنُ المقدَّرُ كَتْبُه |
عند الإلاه مُقدِّرِ الأشياءِ |
كَشَرَ الزمانُ بغدْرِه عن نابه |
كَشْرَ العجوز القاعد الشّمطاءِ |
فأحلَّ بي من خطْبِه ما لم أُخِلْ |
أنِّي أراهُ نازلاً بِفنائِي |
فحصلتُ في الأَسر الذي أدواؤُه |
لرهينةٍ من أعْظمِ الأدواءِ |
أجبْنِي مذلّتَه وضيقَ قُيودِه |
بعد اجتناء العزة القَعْساءِ |
ما بين قوم كافرين تلوّنوا |
في كفرهِمْ كتلوّن الحَرْبَاءِ |
لا يرجون موحِّداً في أرضِهم |
إِن جاءَهم يشكو بخطبِ عَناءِ |
ما إن أرى منهم سوى مَن قلْبُه |
من قَسْوَةٍ كالصخرة الصّمّاءِ |
أصِلُ الصباحَ مع المساءِ لديهِمُ |
في الخدمة المعهودة الإِعْياءِ |
وأقوم منها بالذي هو واجِبٌ |
من غير تفريط ولا استهزاءِ |
مُتحرّياً إِرضاءَهم لو أنهم |
يُبدون أنِّي جئتُ بالإرضاءِ |
حتّى ضعفتُ ورقّ جسمي بينهم |
وتغيّرتْ عن حالِها أعْضائِي |
وتقرّحتْ مِنّي الجفونُ بدمْعِها |
وتقطعتْ بلهيبها أحْشائِي |
وأكاد أخْفَى للنُّحولِ وللضّنَى |
لولا أنيني حسرةً وبُكائِي |
ومِن اغْتدى في الأسر مثلي مُوثَقاً |
فمِنَ الغرائب وصفُه ببقاءِ |
وأمَرُّ ما ألقاه أنّي عاجزٌ |
عن أن أخُصَّ فرائضي بأداءِ |
فدعِ الحنين لوالدي ولقُرْبه |
ولأهلِ وِدّي مثلكَ الأُثرَاء |
وكَفَى بشوقي للعلوم وكُتْبِهَا |
عِبْءاً غَدَاً مِنْ أثقلِ الأعباءِ |
مَعْ ما أعانيه ببُعْدِيَ دائماً |
عن بسطة المأنوسةِ الأرْجاءِ |
حيثُ البِطاحُ كأنهنَّ صَحائِفٌ |
رُقِمتْ بإبريز مِنَ الأضْواءِ |
حيثُ الحدائقُ فُتِّحَتْ أزهارُها |
عن وجنةِ المعشوقةِ العذراءِ |
حيث الطيورُ ترنّمتْ في دوْحِها |
فأتتْ بمثلِ ترنُّمِ الشّعراءِ |
حيثُ النّسيمُ إذا سَرَى مالت به |
طَرَباً غصونُ البانة الميسَاءِ |
حيث الجداولُ كالسّيوف إذا مضت |
موصوفةً أبداً بحسن صفاء |
حيث التّرابُ كأنّه من لؤلؤٍ |
متناثر أو فضّةٍ بيضاءِ |
جَلَّ الّذِي أبْدَى عجائبَ صُنْعِه |
فَبَدَتْ تُقَيَّدُ أعيُنَ النُّظَرَاءِ |
وأتى بأصْناف الوجود مُقِرَّةً |
لجلاله بالخلق والإنشاء |
فلسانُ حال جمادها في نُطْقِه |
كمقالِ مَعْدُودٍ من الأحياء |
وقضى على قوم بنعمةِ رحمة |
والآخرين بِنقْمةٍ وبلاء |
وأحَلَّني مَعَ من قضى ببلائه |
مِنْ خلقه في الرتبة العَلْياء |
لأفوزَ في دار الكرامةِ والجزا |
بكرامةٍ عُظْمَى وحسنِ جزاء |
هذا مَعَ الصّبر الذي أدْعو به |
مَنْ لم يزل قِدْماً يُجِيبُ دعائي |
سبحانه سبحانه سبحانه |
عدَدَ الحصى دأْباً وقطرِ الماء |
ما في الوجود سواه أرجو فضلَه |
في أن يُبَدِّل شِدّتي برخاء |
وَيُحلَّ قيد الأسر عنّي عاجلاً |
مَعَ مَنْ بِآبُرةٍ من الأُسَرَاءِ |
فهو المفرِّجُ للكروب إذا دَهَتْ |
وبه انْجلاءُ نوائب الأسْوَاءِ |