هو منزلُ النجوَى بخالي الأعصرِ |
فمتى تجاوزْهُ الركائبُ تُعقَرِ |
أشتاقُ دارَهُمُ وليس يشوقنى |
إلا مجاورةُ الغزال الأحورِ |
وأفضِّل الطيفَ المُلمَّ لأنهم |
هَجروا وأن طُيوفَهم لم تَهجُرِ |
أرضَى بوعدٍ منهُمُ لم يُنتظَرُ |
ومن الخيال بزَورةٍ لم تَعبُرِ |
لا ماؤهم للمشتكى ظماً ولا |
نيرانُهم للقابس المتنوّرِ |
أثرَوْا ولم يقضُوا ديونَ غريمهم |
واللُّؤمُ كلُّ اللُّوْم مطلُ الموسِرِ |
هل ترعون بأنَّةٍ من مدنفٍ |
أو تسمحون لمطلبٍ من مُقترِ |
أو تتركون من الدموع بقيَّةً |
يلقى بها يومَ التفرُّق مَحْجِرى |
ما اجتاز بعضكُمُ بأسرابِ المها |
إلا اعترفن عليه مقلةَ جُؤذُرِ |
يا من تبلَّد بين آثار الحِمَى |
يقفو مَعالِمها بعينَىْ مُنِكرِ |
أُنشدْ قضيبَ البان بين مُروطهِم |
واطلب كثيبَ الرمل تحت المئزرِ |
وإذا أردتَ البدرَ فابعث نظرةً |
لمطالع بين اللِّوى فمُحَجَّرِ |
أتردُّ يا روضَ العقيق ظُلامةً |
رُفِعتْ إليك من القِلاصِ الضُّمَّرِ |
إياك أن تطأَ اللَّعاع بمَنسمِ |
منها وأن ترعَى الجحيمَ بمَشفَرِ |
لولا النجاءُ من الرواقِص بالفلا |
لم يُفجَع النجدىُّ بالمتغوّرِ |
فصَمِمْنَ حتى لاوعت أسماعُها |
تَصهالَ رعدٍ في حَبِىٍّ ممطِرِ |
وعمِين حتى لا رأت أبصارُها |
بَرقا كناصيةِ الحِصان الأشقرِ |
إن كنتَ تنظرُ ما أرى فانظر إلى |
بانٍ على أكتادِ نَخلٍ موقَرِ |
وكأنما رفعوا قبابَهُمُ على |
شجرٍ بربَّات الهوادج مثمِر |
أممتِّعى وحشَ الفلا بجمالهم |
ما ذنْب طرف الهائم المستهترِ |
خلَّفتُمُ خِلَّ الصفاء وراءكم |
كالميْتِ إلا أنّه لم يُقبرِ |
بمدامع لمَّا تَغِضْ ومَكاسرٍ |
لم تَنجبر وجرائحٍ لم تُسبَرِ |
وإذا العواذلُ أطفأت صبوَاتِه |
شبَّت لظاها زفرةُ المتذكِّرِ |
اِحذرْ عذارك والعذارُ مغلِّس |
فإذا بدا صبحُ المشيبِ فأقصرِ |
وَضَحٌ تَجَنَّبَهُ الغوانى خِيفةَ ال |
عَدوَى فإن يقرُبْ إليها تنِفُرِ |
ما كنت أحسبُ أنَّ سيفَ ذؤابتى |
ينبو بترديد الصّقال الأزهرِ |
صدأُ النُّصول من الشعور أدلُّ من |
لونِ الجلاء على كريم الجوهرِ |
أأسير في الليل البهيم فأهتدى |
وأَضِلُّ في إدلاجِ ليلٍ مقمرِ |
ومدحتَ لي صِبْغَ المشيبِ بأنه |
كافورةٌ ونسيتَ صِبْغَ العنبرِ |
وإذا الثناءُ على الوزير قَرَنته |
بهما أقراَّ للذكىِّ الأعطرِ |
فلذى السعادات ابنِ جعفرَ شيمةٌ |
من قَرقفٍ صِرفٍ ومِسك أذفرِ |
في الأرض سبعةُ أبحرٍ ويمينُه |
وشِمالُه تجرى بعشرةِ أبحرِ |
وهما سحائبُ ماؤهنّ لُجينُه |
وبروقُهن من النضار ألأحمرِ |
قسمت أناملُه المواهبَ في الورى |
فكأنهم زَجَروا قداحَ الميسرِ |
وإذا عِشارُ المال عُذنَ بكفّهِ |
فلقد عقَلن نفوسَهنَّ بمَنحَرِ |
ومعذَّلٍ أعيَا على عُذَّاله |
في الجود قَصُّ جناحِ ريحٍ صرصرِ |
وهو السخىُّ وإنما حسدوا اسمَهُ |
فدعَوْه فيما بينهم بمبذِّرِ |
طلبوا الذي أجرِى إليه فخُيِّبوا |
ومن العناء طِلابُ ما لم يُقدَرِ |
والأكرمون حَكَوه في أفعاله |
فعُزُوا إلى كرمٍ مزوَّرِ |
ما زال يبحث عن سرائر وفده |
حتى أجاب إلى اسلؤال المضمَرِ |
يغزو إليه المقُتِرونَ لعلمهم |
أنَّ النوالَ لديه غيرُ مخَفَّرِ |
في كلّ يومٍ يُلجِمون لغارةٍ |
فسِنُوه غير محرَّماتِ الأشهرِ |
مستنشق عِطرَ الثناء بسمعه |
ما كلّ طيِّبة تُشَمُّ بمنَخِرِ |
متيقِّظٌ فمتى تُصِبه نَفثةٌ |
للشكر في عُقَدِ المطامعِ يُسحَرِ |
يسعَى ويكدحُ ثم يُتلفُ ما حوى |
عاداتُ أروعَ للأنام مسخَّرِ |
بالله نُقسمُ أنه لا خيرَ في |
حسبٍ ولا نسبٍ لمن لم يُشكَرِ |
لو كان مجهولَ المغارس أخبرت |
عنه شمائُله بطِيب العُنصُرِ |
قد زان مَخبَره بأجملِ مَنظرٍ |
وأعان مَنظرَه بأحسن مخَبرِ |
ما مَن تتوّج أو تمنطقَ عسجداً |
كمطوَّق بالمكرماتِ مسوَّرِ |
تحكى أنابيبُ اليراع بكفّه |
فعلَ الرماح تخاطرت في سَمهرِ |
وكأنها الخطباءُ فوقَ بنانهِ |
لكن بلاغُتها كلامُ المنبرِ |
لا تَبعدنْ هِممٌ له أُودِعت |
عند الكواكب لادّعاها المشترى |
وعزائمٌ يَلحُمْن مثلومَ الظُّبا |
ويُقِمنَ أصلابَ القنا المتأطِّرِ |
إطراقهُ يُخشىَ ويُرهَبُ صَمتُه |
والسيفُ محذورٌ وإن لم يُشهَرِ |
لولاك ما انتبه الثرىَ بمَناسمٍ |
خُلطتْ بطونُ صعيده بالأظهرِ |
وسواهمٍ لبنات نعشٍ لحظُها |
وخِفافُها تفلى بناتِ الأَوْبرِ |
فأتتك أمثالَ السَّعالَىِ زُوّجتْ |
أشباحَ رُكبانٍ كجِنَّةِ عَبقَرِ |
غصبَوا النجومَ على السُّرَى وتعلَّموا |
خوضَ الظلام ومن المطىِّ الزُّوَّرِ |
لا ينظرون وِصابَهم وشحوبَهم |
إلا بمِرآة الصباح المُسفرِ |
لم يلبسوا الأدراع إلا رِيبةً |
لا خيفةً من أبيضٍ أو أسمرِ |
إن لم يُنيخوا في ذَراك فإننى |
لكفيلُ كلِّ مهنّىءٍ ومبشِّرِ |
جدِّدْ بنوروز الأعاجم رتبةً |
سَمْتَ المجرة أو فويقَ الأنسُرِ |
واسَرحْ سَوامَك في رياضِ سعادةٍ |
وعميمِ عُشْبٍ بالعلاء منوِّرِ |
فإذا ورَدت فماء أعذبِ مَوْرِد |
وإذا صدَرتَ فرَوْح أفسحِ مَصدَرِ |
أهديتُ من كلِمِى إليك تحيَّةً |
غراءَ تسترعى حنينَ المِزهَرِ |
ولو ادخرتُ المالَ أو أبقيتُه |
يوما أثبتُ بأبيضٍ وبأصفرِ |