أَلَمُ الفراقِ نَفَى الرُّقادَ وَنفَّرا |
فلذاكَ جَفْنِيَ لا يلائمُه الكرى |
جسدٌ يذوبُ مِنَ الحنينِ ومقلةٌ |
حكمَ البعادُ وجَوْرُهُ أن تَسْهَرا |
يا منزلاً أستافُ رَوْحَ صعيده |
فكأننَّي أستافُ مسكاً أذفَرا |
وكأنَّني لمّا نشقتُ عبيرَهُ |
أودعتُ أسرابَ الخياشمِ عنبرا |
جادَ القِطارُ ثرى ربوعِكَ وانثنى |
فيها السحابُ كماءِ دمعي مُمطِرا |
وأما ودمعٍ كلَّما نهنهتُهُ |
جمَحَتْ بوادرُ غربِه فتحدَّرا |
اِنّي أُجِلُّ ترابكنَّ بأنْ يُرى |
يوماً بغيرِ ملثهِّنَّ مُغرفَرا |
ولقد شكرتُ الطيفَ لما زارني |
بعدَ الهُدُوِّ وحَقُّهُ أن يُشكَرا |
أسرى اليَّ وقد نحلتُ فوالهوى |
لولا الأنينُ لكادَ بي أن يعثرا |
ومن البليَّةِ أن صيِّبَ أدمعي |
أضحى عنِ السرِّ المصونِ مُعَبَّرا |
ومولَّهٍ في الوجدِ حدَّثَ دمعُهُ |
بأليمِ ما يلقاهُ فيه وخبَّرا |
ما أومضَ البرقُ اليمانِ على الغَضا |
اِلاّ تشوَّقَ عهدَهُ وتذكَّرا |
واِذا رمى بعدَ الخليطِ بطرفهِ |
نحوَ الديارِ رأى الحمى فاستعبرا |
يهوى النسيمَ بليلةً أردانُه |
عَبِقَ المهبَّةِ بالعبيرِ مُعَطَّرا |
يسري إلى قَلِقِ الوسادِ وكلَّما |
ذكَر الأحبَّةَ والشبابَ تحسَّرا |
قد كانَ في الزمِن الحميدِ هبوبُه |
أنَّى تنسَّمَ باللقاءِ مبشِّرا |
يا حارِ لو يسطيعُ يومَ سُوَيقَةٍ |
قلبي التصبُّرَ عنهمُ لتصبَّرا |
ظعنوا فلو حلَّ الذي قد نالَه |
بالصخرِ بعدَ نواهمُ لتفطَّرا |
للّهِ كم وجدِ هناكَ أثارَهُ |
للصبِّ حادي العيسِ ساعةَ ثوَّرا |
نظرَ الديارَ وقد تنكَّرَ حسنُها |
فشجاهُ ربعٌ بالغُوَيرِ تنكَّرا |
وتغيَّرتْ حالاتُه بعدَ النوى |
وقُصارُ حالِ المرءِ أن يتغيَّرا |
شِيَمٌ بها عُرِفَ الزمانُ وكلُّ ما |
قد سرَّ أو ما ساءَ منه تكرَّرا |
ومسهَّدينَ مِنَ الغرامِ تخالُهمْ |
عَقِبَ السُّهادِ كأنْ تعاطَوا مُسكِرا |
مِن كلَّ مسلوبِ القرارِ مدلَّهٍ |
فوقَ المطيَّ تراهُ أشعثَ أغبَرا |
يرمي بها أعراضَ كلَّ تنوفةٍ |
لو جابَ مجهلَها القطا لتحيَّرا |
كَلَفاً بغِزلانِ الصريمِ ولوعةً |
منعتْ كراه صبابةً وتفكُّرا |
فتروقُه فيه الظباءُ سوانحاً |
فيها طلاً فضحَ القضيبَ تأطُّرا |
ويَظَلُّ في عرصاتهنَّ محاوراً |
ظبياً يقلَّبُ ثَمَّ طرفاً أحورا |
يرضى على عَنَتِ الزمانِ وحكمِه |
منه بما منحَ الهوى وتيسَّرا |
مِن شَعرِه وجبينهِ انا ناظرٌ |
ليلاً أَضِلُّ به وصبحاً مسفرا |
ما كانَ ظنَّي بعدَ طولِ وفائهِ |
وهو الخليقُ بمثلِه أن يَهجُرا |
أُمسي سميرَ النجمِ وهو محيَّرٌ |
والعيسُ تقطعُ بي اليبابَ المقفرا |
يخشى الدليلُ به فليس يُفيدُهُ |
تحت الدُّجُنَّةِ أن يهابَ ويحذرا |
في مهمهٍ ينضي المطيةَ خرقُهُ |
فتراهُ مُنْطَمِسَ المعالمِ أزورا |
تَخدي وأُنشِدُ مِن غرامٍ فوقَها |
شعري فتجنحُ في الأزمَّةِ والبُرى |
شِعراً إذا ما الفكرُ غالبَ صعبَه |
جعلَ التحكُّمَ لي فقلتُ مخيَّرا |
ما ضرَّهُ لمّا تقدَّمَ غيرُه |
في الأعصرِ الأولى وجاءَ مؤخَّرا |
وضِعَتْ عقودُ الدَّر منه لخاطري |
فَطَفِقْتُ أنظمُ منه هذا الجوهرا |
ما زلتُ مخيَّرا ولأجلِهِ |
ما زالَ مِن دونِ القريضِ مُخيَّرا |
يحدوه فضلُ جزالةٍ وطلاوةٍ |
فيه وكلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا |