ما الدمعُ بعدَ نوى الأحبَّةِ عارُ |
فاِلامَ صبرُكَ والمطيُّ تثارُ |
هل بعدَ تَرحالِ المطيَّ عنِ الحِمى |
صبرٌ على ألَمِ النوى وقرارُ |
كلُّ الخطوبِ على الفراقِ عُلالةٌ |
فدعِ الدموعَ تفيضُ وهي غِزارُ |
لا تَمنعَنْ حَذَرَ الوشاةِ أتيتَّها |
فُهِمَ الغرامُ وذاعتِ الأسرارُ |
قفْ بي على الأطلالِ أَندُبُ ما عَفا |
منهنَّ وهي مِنَ الأنيسِ قِفارُ |
دِمَنٌ أنارَ الوصلُ في أرجائها |
ونَوارُ إلا عن هوايَ نَوارُ |
تلكَ الديارُ فلا عدا أطلالَها |
مِن سُحْبِ جفني دِمةٌ وقِطارُ |
ما زلتُ في عرصاتهنَّ بأهلِها |
جَذِلَ الفؤادِ وللسرورِ ديارُ |
ربعٌ بلغتُ به نهاياتِ المنى |
والقومُ لي قبلَ الرحيلِ جِوارُ |
أيامَ كنتُ مِنَ الشبيبةِ رافلاً |
في فضلِ بُردٍ ما أراه يعارُ |
بُردٍ عليه من الشبابِ طَلاوةٌ |
ذهبتْ برونقِ حسنهِ الأعصارُ |
حتى بدا وَضَحُ المشيبِ فلم يَرُقَ |
في العيشِ منه سكينةٌ ووَقارُ |
ولربَّ روضٍ بتُّ مشغوفاً به |
في جانبيهِ شقائقٌ وبَهارُ |
رقمتْ يدُ الأنوارِ وشيَ بساطِه |
فغدا به يَتبرجُ النُّوّارُ |
وسرى النسيمُ على ثراهُ معطَّراً |
فكأنَّما في تربهِ عطّارُ |
صدحَ الحمامُ على غصونِ أراكهِ |
سحراً وجاوبهنَّ فيه هَزارُ |
نكَّبتُ عنه وقد ترحَّحَ سُحرةً |
أهلُوه عن تلكَ الرياضِ فساروا |
وعزفتُ عنه وفي الفؤادِ لبينهم |
عنهم وعنّي جاحِمٌ وشَرارُ |
والنومُ مذ رحلَ الخليطُ عنِ الحِمى |
ونأى الحبائبُ بعدهنَّ غِرارُ |
وأما وأيامٍ بهنَّ قصيرةٍ |
ذهبتْ ففي قلبي لهنَّ أُوارُ |
أيامِ وصلٍ كلُّهنَّ أصائلٌ |
وزمانِ لهوٍ كلُّهُ أسمارُ |
لا ملتُ عن سننِ المحبَّةِ بعدما |
قد شابَ فيها لِمَّةٌ وعِذارُ |
يا صاحبيَّ شكايةٌ مِن وامقٍ |
أفناهُ من بعدِ النوى التَّذْكارُ |
لم أنسَ قولَكُما غداةَ مُحَجَّرٍ |
والعيسُ قد شُدَّتْ لها الأكوارُ |
لكَ في المنازلِ كلَّ يومٍ مقلةٌ |
عبرى وقد شطَّتْ بهنَّ الدارُ |
وهوًى يُثيرُ لكَ الغرامَ ونارُه |
بين الربوعِ العذلُ والآثارُ |
وهلِ الهوى إلا فؤادٌ خافقٌ |
حذرَ الفراقِ ومدمعٌ مدرارُ |
وحنينُ مسلوبِ القرارِ يكادُ مشن |
مرَّ النسيمِ على الحبيبِ يَغارُ |
ولكم سمعتُ الوجدَ يُنشِدُ أهلَه |
لو كان يُغني في الغرامِ حذارُ |
أمّا الغرامُ ففي ليالي هجرِه |
طولٌ وأيامُ الوصالِ قصارُ |
وكذاكَ صبحُ الشيبِ ليلٌ مثلما |
ليلُ الشبيبةِ في العيونِ نهارُ |
ذهبَ الشبابُ ولا أراه يزورُني |
بعدَ الذَّهابِ ولا أراه يُزارُ |
زمنٌ عليه مِنَ الشبيبةِ رونقٌ |
وقفتْ أمامَ رُوائِه الأبصارُ |
مَنْ لي بِرَيَّقِ عصرِه وزمانِه |
واليه مِن دونِ العصورِ يشارُ |
فله إذا ظُلَمُ الصدودِ تكاثفتْ فيها |
واِن كره العذولُ منارُ |
ولخمرِ شِعري في العقولِ تسرُّعٌ |
ما نالَ أيسرَ ما يَنالُ عقارُ |
شعرٌ إذا ما أنشدُوه كأنَّما |
كأسُ المُدامةِ في لنديَّ تدارُ |
فالشَّعرُ ما بين البريَّةِ معصمٌ |
وعليه من هذا القريضِ سِوارُ |
شَجَرٌ ليَ الفينانُ مِن أغصانِه |
وله المعاني الناصعاتُ ثمارُ |
مِن كلَّ قافيةٍ بعيدٍ أن يُرى |
يومَ الرَّهانِ لشأوهنَّ غبارُ |
فيها يُنالُ مِنَ الثوابِ عظائمٌ |
وبها يُقالُ مِنَ الذنوبِ عثارُ |
جمحتْ على الخُطّابِ فهي عزوفةٌ |
وبها اِباءٌ عنهمُ ونِفارُ |
ولها الخَيارُ ولا خَيارَ لغيرِها |
في كلَّ ما تهوى وما تختارُ |
فنشيدُها طربُ الحُداةِ وذكرُها |
للَّيلِ يقطعُهُ بها السُّمارُ |